بغداد: منذ سنوات والعراق تمرّ بواقع اقتصادي صعب، بسبب الأزمات السياسية من جهة، والفساد المستشري في الإدارات والمؤسسات العامة من جهة ثانية. وفي هذا السياق أجرت «المجلة» مقابلة مع المحلل الاقتصادي حسن الأسدي حول الوضعين الاقتصادي والمالي في العراق.
* كيف تصف الواقع المالي الحالي في العراق؟
- الواقع المالي هو واقع منهار، لأن مسألة إدارة المال في العراق لا تخضع لإدراة علمية تمتلك رؤية مسبقة وخطة لإدارة هذا المال بشكل جيد. العراق يعتمد على ما يُسمى «مزاد بيع العملة» المُعتمد من أجل استيراد البضائع، وهذا مزاد عليه شوائب فساد كبيرة، فعلى سبيل المثال تم بيع عملة في العام المالي بقيمة 40 مليار دولار في حين أن مجموع المواد المستوردة والمسجلة في المنافذ الحدودية سواء الجوية او البرية أو البحرية يبلغ 15 مليار دولار بحسب إحصائية لوزارة التجارة، وبالتالي هناك 25 مليار دولار مجهولة تم بيعها في نافذة بيع العملة.
ووفقاً لذلك، يمكن ملاحظة أنه لم يتم استيراد مواد بهذه الأموال بشكل حقيقي وبالتالي لم يتم استيفاء أجور الجمارك والضرائب عليها، كما يمكن أن تكون هذه الأموال غير محولة لخارج العراق في الأصل أو أنها أُعيدت لداخل البلاد بعد أن حولها البنك المركزي وتم بيعها بالسوق المحلية. مع الإشارة إلى أن الفرق بين سعر الدولار بنافذة بيع العملة والسوق المحلية يبلغ 30 دينارا عراقيا، وفي حال احتسابها على مبلغ الـ25 مليار دولار نكون أمام مبلغ 500 مليون دولار.
والملاحظة الأخيرة أن هذه الأموال أو البضائع قد يكون تم إدخالها للعراق عن طريق منافذ كردستان، وهذا ما يُفسر عدم تسجيلها من قبل وزارة التجارة العراقية، إذ ليس هناك تعاون بين الطرفين.
* ما المشاكل التي يُعاني منها الاقتصاد العراقي؟
- الاقتصاد العراقي يفتقر لسياسة اقتصادية واضحة، إذ ينص الدستور على ضرورة وجود اقتصاد حرّ، لكن الدولة تتبع سياسة اقتصادية عبارة عن خليط بين الاقتصاد الحر واقتصاد الدولة بطريقة غير منظمة ومُتخبطة. كما أن الاقتصاد العراقي يفتقر لخطة طويلة الأمد، فكل ما يُدار في هذا الاقتصاد هو عملية بيع النفط الخام إلى خارج البلاد وتحصيل هذه الأموال لوضع موازنة للعام المقبل مع افتقارها لرؤية حقيقية يمكنها تطوير البلاد. والمأساة الأخرى أن هذه الموازنة تفتقر إلى ميزانية وحسابات نهائية في نهاية كل عام، حيث غالباً ما تكون مبنية على تقديرات سعر بيع النفط الخام الذي يشكل حوالي 95 في المائة من واردات البلاد.
مثلا موازنة عام 2021 كانت مبنية على أساس عجز كبير، في حين سجل المراقبون الاقتصاديون العراقيون أن هناك فائضا ماليا في نهاية الشهر الرابع من العام المذكور تجاوز التريليوني دينار عراقي، ولم تكن هناك موازنة تكميلية لمحاولة استيعاب هذه الأموال في مشاريع استثمارية إضافية في الوقت الذي تشكو فيه البلاد من انهيار البنى التحتية والخدمات، وقطاعات أخرى كالتعليم والصحة والتربية.
* ما العوامل المؤثرة في الوضع الاقتصادي العراقي؟
- الموازنة العراقية مرهونة بسعر بيع النفط الخام، لذلك عندما انخفضت أسعار النفط خلال موجة جائحة كورونا الأولى، عجزت الحكومة العراقية حتّى عن دفع رواتب موظفيها الذين يشكلون نسبة 10 في المائة من العراقيين. وهذا التذبذب سيستمر إذا كانت هذه الأحزاب السياسية الفاسدة إدارياً وسياسياً هي من يدير المشهد العراقي سواء من الناحية الاقتصادية أو النواحي الأخرى.
* ما الخطوات التي يجب أن تتبعها الحكومة العراقية؟
- أساس مشاكل العراق في جميع القطاعات هو الفساد، ولذلك فإن المطلوب من أي حكومة تتشكل عقب الانتخابات أن تُحارب الفساد أولاً، إذ ليس هناك إمكانية وقدرة لأي عملية بناء وإعادة إعمار في العراق في ظل وجود هكذا فساد وفاسدين، وهذا هو حجر أساس عملية الإصلاح. وفي حال تم تجاوز هذه المسألة، فنحتاج إلى رؤية اقتصادية شاملة تُعد على ضوئها خطط خماسية، تُحدد كم ستكون هناك مشاركة لرأس المال والأموال العراقية في هذه الخطة وكم سنحتاج إلى استثمارات داخلية أو خارجية، على أن تعتمد هذه الخطة على تطوير القطاعات مثل القطاع الصناعي والزراعي وكذلك قطاع السياحة والتجارة. فقد كان من الممكن أن تعمل هذه القطاعات بشكلة فعال لو تمت إدارتها بشكل جيد.