باريس: في الوقت الذي تنتقد فيه وكالة الطاقة الذرية عدم التعاون والمماطلة الإيرانية في الملف النووي أعلن مندوب إيران لدى المنظمات الدولية في فيينا، أنه لا يحق لأحد أن يطالب طهران بتعليق أنشطتها النووية، متهما أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالضغط عليها.
وانتقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إيران بسبب رفضها التعاون في تحقيق تُجريه حول أنشطة سابقة، وتعريض أعمال المراقبة المهمة فيها للخطر؛ مما قد يعقّد جهود استئناف المحادثات بخصوص الاتفاق النووي الإيراني.
وبحسب «رويترز» جاء في أحد التقريرين: «ثقة الوكالة في قدرتها على الحفاظ على استمرارية المعرفة تتراجع بمرور الوقت، وقد تراجعت الآن تراجعًا كبيرًا».
وقال التقرير: «هذه الثقة ستستمر في التراجع ما لم تصحح إيران الوضع على الفور».
ما المراد من قولهم هذا؟
في الأسبوع الماضي، أكد برلمان النظام الإيراني التعيينات الجماعية لتشكيلة إبراهيم رئيسي الحكومية.
وفي الأيام اللاحقة، استمرت تلك الحكومة في التبلور، مما زاد من التوقعات بأن طهران ستسرع قريبًا من أنشطتها الخبيثة، فضلاً عن قمعها للمعارضين المحليين.
يوم الأحد الماضي، أصبح محمد إسلامي أحد أحدث الإضافات إلى الإدارة الجديدة، بعد أن دفع رئيسي لتولي رئاسة منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، التي يرأسها علي أكبر صالحي منذ عام 2013.
وتحت إشراف صالحي، انخرطت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية في استراتيجية الازدواجية، والتي سمحت للنظام بتعزيز الجوانب الرئيسية في برنامجه النووي بينما بدا أنه يمتثل فقط للمفتشين الدوليين فيما يتعلق بالقيود المفروضة.
وفي يناير (كانون الثاني) 2019، تفاخر صالحي لوسائل الإعلام الحكومية باستخدامه لمكونات مخادعة وصورة مزورة لإقناع المنظمة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران قد عطلت قلب محطة آراك للمياه الثقيلة، وفقًا لبنود خطة العمل الشاملة المشتركة.
وسمح الخداع للنظام بترك مسار البلوتونيوم مفتوحًا لقدرات الأسلحة النووية، والتي كان من المفترض أن يتم إغلاقها.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، تفاخر صالحي بالمثل بأن مسار اليورانيوم الأكثر شيوعًا ظل مفتوحًا على نطاق أوسع مما كان يعتقد المجتمع الدولي.
وقال صالحي عن مشاركين غربيين في المفاوضات التي اختتمت في عام 2015: «اعتقدوا أنهم فازوا بالمفاوضات. ولكن لدينا إجراء مضاد، وبينما كنا نواصل القضية، لم يحققوا ما خططوا له، ونحن لم نصبح محاصرين في مأزق التخصيب».
الإجراءات المضادة
وتم تسليط الضوء بجرأة على الأهمية المحتملة لهذه «الإجراءات المضادة» بعد أكثر من عام عندما تحدث وزير المخابرات محمود علوي، في فبراير (شباط) 2021، بتصريحات دفعت النظام إلى الاعتراف الرسمي بطموحه في تطوير سلاح نووي.
وبدأ علوي تصريحاته بتكرار الادعاء الزائف بأن الأنشطة النووية للنظام كانت مخصصة فقط للأبحاث المدنية وتوليد الطاقة، لكنه سرعان ما استشهد بالفتوى السخيفة للزعيم الأعلى علي خامنئي بشأن هذا الموضوع والتي لا تقدم ضمانًا فعليًا بأن إيران لن تحاول «الاندفاع» إلى امتلاك أسلحة نووية.
وقال علوي: «الفتوى تحرم إنتاج أسلحة نووية، لكن إذا دفعوا إيران في هذا الاتجاه، فهذا ليس ذنب إيران. ويجب إلقاء اللوم على أولئك الذين دفعوا إيران في هذا الاتجاه».
وتؤكد مثل هذه التصريحات ازدواجية طهران النووية طويلة الأمد وتسلط الضوء أيضًا على استراتيجية النظام للتخويف والابتزاز، وهي استراتيجية تم تطبيقها بوضوح على المحادثات في جنيف والتي كانت تهدف إلى استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة في الأشهر الأخيرة.
ومنذ بداية تلك المحادثات، أوضحت طهران أنها لن تتراجع عن موقفها الأولي، وطالبت الولايات المتحدة برفع جميع العقوبات النووية قبل أن يفكر النظام في تقليص انتهاكاتها العديدة للاتفاق النووي.
* لإنهاء سباق النظام الإيراني نحو قنبلة نووية، يجب على القوى الغربية ودول المنطقة بدلاً من ذلك زيادة الضغط على النظام واتخاذ إجراءات عملیة.
وقد دفعت هذه الانتهاكات بإيران إلى مستويات أعلى من تخصيب اليورانيوم أكثر من أي وقت مضى، مع تطبيق بعض هذا التخصيب على معدن اليورانيوم، وهو مادة ليس لها وظيفة سوى كونها مكونًا رئيسيًا في صميم سلاح نووي.
وخلال المفاوضات المتوقفة بسرعة، تفاخر المسؤولون الإيرانيون، بمن فيهم الرئيس السابق حسن روحاني، علناً باستعداد النظام وقدرته على المضي قدماً في برنامجه النووي والحصول على اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة.
وستستمر إدارة رئيسي في السعي لتحقيق نفس الأهداف مثل سابقتها، لكنها ستكون أكثر انفتاحًا مع حربها، وستفسح الطريق للتقدم السري للأنشطة النووية التي لا تخضع حاليًا للتدقيق الدقيق.
وسيكون رئيسي، مع رئيسه الجديد في منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، أكثر تركيزًا على الترهيب والابتزاز في محاولة لانتزاع التنازلات والسماح لأنفسهم بإعلان النصر على القوى الغربية.
هذا لا يعني أن رئيسي وإسلامي لن يستمرا في ازدواجيتهما. لقد أظهر كلاهما التزامهما بالقيام بذلك في مواقف مختلفة. على سبيل المثال، رئيسي، ساهم بقوة في جهود النظام للتقليل من شأن مذبحة السجناء السياسيين التي لعب فيها دورًا رائدًا في عام 1988.
وعلى الرغم من أن شهود العيان على تلك الحادثة قد أكدوا مقتل ما لا يقل عن 30 ألف معارض وناشط أغلبهم من مجاهدي خلق في غضون ثلاثة أشهر تقريبًا، والتي اعتبرها خبراء القانون الدولي إبادة جماعیة، إلا أن سلطات النظام اعترضت بشكل غامض على هذه الروايات في مناسبات مختلفة.
وفي الوقت نفسه، قاموا أيضًا بنشر دعاية تسعى جاهدة لتبرير عمليات الإعدام الجماعية، حيث ذهب رئيسي إلى حد قول إنه كان ينفذ إرادة الله.
وفي غضون ذلك، أثبتت أكاذيب إسلامي الرسمية أنها أكثر تعقيدًا. في يناير 2020، أثناء عمله وزيراً للطرق والتنمية الحضرية، حيث قدم قصة مفصلة عن الضربة الصاروخية التي شنتها قوات الحرس على طائرة تجارية، مما أدى إلى مقتل جميع من كانوا على متنها.
كما ندد إسلامي بـ«الإشاعات التي تحدثت عن هجوم إرهابي أو تفجير أو إطلاق نار» من قبل «الإعلام الأجنبي».
تركيب وتد مربّع في حفرة مستديرة مع المفاوضات الإيرانية
سيطبق إسلامي مهارته الواضحة في الخطابة على الإنكار والانحراف فيما يتعلق بأفعال منظمة الطاقة الذرية الإيرانية في المستقبل القريب.
وفي الوقت نفسه، لا يمكن أن يكون هناك شك في أذهان أي مراقب مطلع أن إسلامي سيستخدم قيادته لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية للدفع بقوة في اتجاه قدرة الأسلحة النووية.
لقد كان يفعل ذلك طالما أن البرنامج النووي الإيراني موجود.
وفي عامي 1986 و1987، شارك إسلامي في اجتماعين على الأقل بين قوات الحرس الثوري وعبد القادر خان، (أبو القنبلة النووية الباكستانية).
ونتج عن الاجتماع الأخير بيع مكونات وتصميمات أجهزة الطرد المركزي للنظام الإيراني، الأمر الذي سار فعليًا بإيران على طريق الدولة النووية.
وحافظ إسلامي على اتصاله بالسوق السوداء النووية منذ ذلك الحين، وفي عام 2008، فرضت الأمم المتحدة عقوبات عليه، بسبب «مشاركته في أنشطة إيران النووية الحساسة من حيث الانتشار أو تطوير أنظمة إيصال الأسلحة النووية أو الارتباط بها أو تقديم الدعم لها».
ويوفر تعيين إسلامي كرئيس لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية فرصة غير مسبوقة لمواصلة هذه الأنشطة حتى أثناء العمل في فرق مكلفة بالتفاوض المباشر مع القوى الغربية التي لا تزال ملتزمة بشكل يائس بخطة العمل الشاملة المشتركة.
ولإنهاء سباق النظام الإيراني نحو قنبلة نووية، يجب على القوى الغربية ودول المنطقة بدلاً من ذلك زيادة الضغط على النظام وإتخاذ إجراءات عملیة.