القاهرة: تسعى الحكومة المصرية لتكرار تجربة الاكتتاب العام بأسهم شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو) الذي كان الأكبر من نوعه في العالم، بقيمة تقترب من 30 مليار دولار، في طرح شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية بالبورصة المحلية، والذي تعول عليه بقوة في جذب شريحة من المستثمرين الأجانب والصناديق الاستثمارية الضخمة، لإنعاش سوق الأسهم وجذب المزيد من العملة الصعبة.
لم تحدد مصر حتى الآن نسبة الأسهم التي ستطرحها في شركة العاصمة الإدارية التي تمتلك نحو 100 مليار جنيه أموالا سائلة، بجانب أصول تتراوح بين 3 و4 تريليونات جنيه، علاوة على محفظة أراض في أكبر مشروع بمصر حاليًا تقترب من 97 في المائة، لكن يتوقع أن لا يزيد على 49 في المائة لاستمرار الحفاظ على الإدارة في يد الدولة، ما يضمن تطوير العاصمة الجديدة في المواعيد المحددة لها سلفًا.
يحمل طرح العاصمة الإدارية رهانًا على جذب حصيلة ضخمة تساعد الدولة في إكمال مشروع العاصمة الجديدة بشرق القاهرة، في ظل رغبة الحكومة في عدم تمويله من الموازنة العامة للدولة ولو بجنيه واحد، والاعتماد على الموارد الذاتية للشركة من عائد طروحات الأراضي لصالح الشركات العقارية، ما يجعل الاكتتاب وسيلة لفتح آفاق تمويلية واسعة أمامها، دون الحاجة للاقتراض المصرفي الذي يحملها أعباء الفائدة والأقساط المرتفعة.
ويقول محللون ماليون بالبورصة المصرية إن الطرح المصري المرتقب أثار اهتمامًا من المؤسسات الاستثمارية الدولية، ويحمل أوجه شبه متعددة مع طرح أرامكو السعودية الذي أثار ضجة عالمية عام 2019، فمصر تسعى للانضمام إلى المؤشرات العالمية للأسواق الناشئة مثل مؤشري «مورغان ستانلي»، و«فوتسي» للأسواق الناشئة، والأخير تمكنت المملكة من الانضمام إليه بعد طرح «أرامكو» الذي أحدث ضجة في الأسواق العالمية لم تنته حتى الآن.
صحيح أن شركة العاصمة الإدارية حديثة العهد فتأسيسها تم قبل خمسة أعوام فقط، ولا تملك تاريخ أرامكو أو قوتها المالية، لكن محللين يرون أن شركة العاصمة الإدارية مؤهلة لأن تكون واحدة من كبار المطورين العقاريين في الشرق الأوسط، مع إدارتها مدينة أكبر من دولة سنغافورة في المساحة، وتعادل عشر أضعاف العاصمة الأميركية واشنطن، واستثمارات مرحلتها الأولى فيها فقط تناهز 25 مليار دولار..
تراهن الحكومة المصرية على طرح العاصمة الإدارية في إنعاش البورصة المحلية التي تعاني ضعفا في قيم وأحجام التداول، بجانب زيادة الوزن النسبي للبورصة على مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة (MSCI للأسواق الناشئة)، حيث تأتي البورصة المصرية ضمن المراحل المتأخرة بنسبة 0.066 في المائة على المؤشر الذي يصل حجم الأصول التي يضمها 1.8 تريليون دولار، ويمثل 10 في المائة من القيمة السوقية للأسواق العالمية.
ومؤشر «MSCI» للأسواق الناشئة يضم أسواقاً من 23 دولة ويمثل 10 في المائة من القيمة السوقية للأسواق العالمية، وترتكز معايير الانضمام للمؤشر على السيولة وسهولة الاستثمار والشفافية، وتملك الصين نحو 33 في المائة من وزن المؤشر، تليها كوريا الجنوبية وتايوان، لكنه يضم 4 أسواق عربية، هي: مصر و السعودية والإمارات وقطر.
ومنذ طرح أرامكو تشق الشركات السعودية طريقها نحو مؤشر «MSCI»، ففي 2019 تم ضم 30 شركة سعودية ضمن المؤشر القياسي العالمي والتي تمثل وزن 1.42 في المائة ضمن مؤشر «MSCI» للأسواق الناشئة، كما تم إدراج خمس شركات سعودية إلى مؤشرها للشركات الصغيرة هي أملاك، وحلواني إخوان، واللجين، والسعودية للخدمات الصناعية، والسعودية للأسماك.
* محللون ماليون: الطرح المصري المرتقب أثار اهتمامًا من المؤسسات الاستثمارية الدولية، ويحمل أوجه شبه متعددة مع طرح أرامكو السعودية الذي أثار ضجة عالمية عام 2019
قفزة كبيرة
يرى محللون مصريون أن الطرح سيحقق لشركة العاصمة الإدارية المنافع ذاتها التي حققتها أرامكو السعودية التي تمضي في طريق استغلال أصولها كاملة، وتمكنت من إتمام صفقات استثمارية في أنشطة نقل النفط ستعود على الشركة بنحو 12 مليار دولار تقريباً، وتطوير حقل الجافورة للغاز الصخري، باستخدام احتياطاته لإنتاج الهيدروجين الأزرق لمواكبة الرغبة العالمية في الاعتماد على الوقود الأقل تلويثا للبيئة.
ويقول المحلل المالي بشركة بايونيرز لتداول الأوراق المالية نادي عزام إن الطروحات الكبيرة مثل شركتي أرامكو السعودية والعاصمة الإدارية المصرية تجذب نوعيات من كبار المستثمرين الأجانب خاصة صناديق الاستثمار والمعاشات الكبرى، وتعزز مكانة البورصتين السعودية والمصرية في الأسواق العالمية، ما ينعكس على باقي الأسهم بوجه عام، باعتبارها وازعًا نحو تشكيل محافظ استثمارية تضم الشركتين بجانب أسهم أخرى واعدة.
وقد أصبحت أرامكو الشركة الأكثر قيمة للتداول العام عند طرح أسهمها بنحو 1.7 تريليون دولار قبل أن ترتفع بعدها إلى تريليوني دولار، متجاوزة شركة آبل الأميركية على قمة الشركات العالمية من حيث القيمة السوقية، واستفاد الاقتصاد السعودي من تلك الأموال التى جمعها الاكتتاب في ضخها باستثمارات محلية وعالمية تسهم في تحقيق الهدف الرئيسي لرؤية السعودية 2030، المتمثل في تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط.
وحينما طرحت المملكة شركة أرامكو في 2019 انتعش قطاع البتروكيماويات بمصر وأزاح البنوك من تصدر المشهد في البورصة المصرية، بعدما أثر على نفسية المتعاملين وفتح شهيتهم نحو القطاع بوجه عام، وفي ظل العلاقات المتنامية والمتميزة بين أرامكو وقطاع البترول على كل المستويات، الذي يتيح المزيد من الفرص المتاحة أمام الشركات المصرية في مجال التصميمات الهندسية والمقاولات لزيادة أنشطتها في السعودية، خاصة شركتي المقاولات البترولية المصرية «بتروجت وإنبي» اللتين نفذتا عددا من المشروعات البترولية لشركة أرامكو وفقاً للمقاييس العالمية.
يقول عزام، لـ«المجلة»، إن مصر يمكنها الاستفادة من التطور الذي شهدته الأسواق الخليجية قبل طرح شركة العاصمة الإدارية بمنح البنوك تراخيص للعمل في الوساطة ما يسهل على العملاء التحويل من حساباتهم الاستثمارية البنكية إلي محافظ استثمارية في البورصة بجانب إلغاء الحدود في عملية الشراء والبيع في اليوم ذاته والتي تحد من حرية المستثمرين في التداول وحجم انطلاق السوق.
ووضعت مصر في عام 2018/2019 برنامجًا لطرح الشركات الحكومية في البورصة تضمن شركات وبنوكا جديدة ورفع نسبة الأسهم حرة التداول في أخرى مطروحة بهدف توسيع قاعدة الملكية، مع تحقيق قدر أكبر من الحوكمة في إدارة تلك الشركات فالقيد في أسواق المال الاستغلال الأمثل للأصول مع تقييم مستمر من الجمعيات العمومية لأداء مجالس الإدارات، كما يقتضي درجات عالية من الشفافية، وإفصاح الشركات عن أي أحداث جوهرية تمر بها أو أي قرارات استراتيجية، فضلاً عن صافي الأرباح أو الخسائر كل ثلاثة أشهر.
* من المقرر أن تركز مصر على البورصة السعودية في الترويج لشركة العاصمة الإدارية وقت طرحها
وتفتقر البورصة المصرية منذ سنوات إلى وجود طروحات قوية تجذب مستثمرين جددا أو تعيد ترميم وضعها علي مؤشرات الأسواق الناشئة عالميا، حتى بات سهم البنك التجاري الدولي «سي أيه بي»، أكبر المصارف الخاصة في مصر، مهيمنًا على حركة المؤشر الرئيسي للبورصة بالكامل «إيجي إكس-30» وتسبب تراجع سهم البنك قبل شهور في خفض الوزن النسبي للبورصة المصرية على مؤشر «مورغان ستانلي» خلال المراجعة الأخيرة.
يطالب خبراء سوق المال بمصر بجدول محدد الطروحات الحكومية بالبورصة شبيهة بالأسواق الخليجية، مع عدم تحديد الحكومة حتى الآن موعدًا للشركات التي سبق الإعلان عنها، وهي: بنك القاهرة، والشركة الهندسية للصناعات البترولية والكيماوية «إنبي»، والحفر المصرية، وميدور، وأسيوط لتكرير البترول، والإسكندرية للزيوت المعدنية (أموك)، وسيدي كرير للبتروكيماويات، والمصرية للإنتاج الإيثلين (أيثيدكو)، وأبو قير للأسمدة، والوادي للصناعات الفوسفاتية والأسمدة، والمصرية (ميثانكس) لإنتاج الميثانول.
وكانت الحكومة قد أعلنت أيضًا عن طرح أول شركتين مملوكتين للقوات المسلحة إحداهما متخصصة في المياه المعبأة (صافي) والثانية في خدمات التزود بالوقود (الوطنية للبترول) على أن يتبعها خمس شركات تابعة للجهة ذاتها، لكن لم يتم تحديد موعد الطرح حتى الآن، كما أعلنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي تملك سلسلة مواقع إخبارية وقنوات فضائية وشركات إنتاج تلفزيوني ودفع إلكتروني، في مايو (أيار) الماضي، عن طرح اسم الشركة في البورصة المصرية أيضًا.
نقلة غير مسبوقة
من المزمع أن تؤدي الطروحات الجديدة إلى نقلة غير مسبوقة في قيمة البورصة المصرية التي لا تتجاوز حاليًا 44.5 مليار دولار، فطرح شركة العاصمة وحدها يقفز بها إلى 256.5 مليار دولار، وترتفع إلى 263 مليار دولار حال استكمال باقي برنامج الطروحات الحكومية بالكامل.
وترى حنان رمسيس، خبيرة أسواق المال، أن طرح شركة العاصمة الإدارية يخلق صورة إيجابية عن السوق المصرية، فالدولة تقلص من إدارتها على الاقتصاد وتفتح المجال أمام مشاركة أوسع للاستثمار الخاص سواء المحلي أو الأجنبي، كما يتضمن ترويجًا لقطاع العقارات بمصر الذي يستحوذ على نحو ربع قيم التداولات في سوق الأسهم المحلية، ويعتبر من القطاعات الواعدة في ظل حركة البناء التي تشهدها مصر حاليا وتتضمن نحو 30 مدينة جديدة بجانب إعادة الوجه الحضاري للعاصمة القديمة.
ويتوقع محللون أن يكون طرح العاصمة الإدارية مرتكزًا على زيادة كبيرة في عدد الأسهم مع تقليل سعرها ليكون في حدود 20 جنيهًا حتى تكون في متناول غالبية المصريين بما يعزز من الملكية الشعبية ويزيد من أعداد حملة أسهمها في البورصة المصرية وبالتالي شريحة المستفيدين من توزيعات أرباحها، لكنهم شددوا على ضرورة استثمار الترقب والشغف الحالي لجدول الشركات التي سيتم الاكتتاب بها حتى لا يتحول التأخير إلى حالة إحباط للمتعاملين.
وتقول رمسيس، لـ«المجلة»، إن الحكومة المصرية تريد تغيير الثقافة الشعبية الخاصة بوضع الأموال في البنوك من أجل الفائدة لصالح استثمارها بأسواق المال، ما يفتح شرايين تمويلية جديدة أمام الشركات العاملة بالبورصة، ويساعد على استثمار الودائع الضخمة في القطاع المصرفي، موضحة أَن الطرح بالبورصة يضمن الاستخدام الأمثل للأصول، ودعم سوق المال باستقطاب شرائح وفئات جديدة من المستثمرين وزيادة تنوع الأسهم الموجودة بالسوق مع تمثيل كل منها قطاعا مختلفا ما يعزز من السيولة، وقدرة السوق على التأقلم مع المتغيرات الاقتصادية.
ويمنح طرح الشركات الحكومية في البورصة الحكومة القدرة على التفرغ للقيام بدورها الأساسي في الرقابة على الأسواق وليس مزاحمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، كما تمنح تلك الشركات القدرة على الحصول على تمويل عبر الاكتتاب أو زيادة الأسهم دون اللجوء إلى البنوك، علاوة على استثمار خبرة القطاع الخاص في الإدارة والربحية.
وفي حال تطبيق برنامج الطروحات الحكومية بالكامل، فمن المتوقع خلال المرحلة الأولى من البرنامج دخول 23 شركة في 7 مجالات، وتتراوح النسبة المطروحة من الشركات ما بين 15 في المائة و30 في المائة وتتضمن 3 بنوك وعدة شركات بمجال البترول والصناعة، ولا يزيد حجم الشركات المقيدة في البورصة عن 13 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وحال طرح الشركة سترتفع النسبة إلى 60 في المائة بتعادل الدارج في الأسواق العالمية، ما يجعل البورصة مرآة أكثر انعكاسا لتطورات الاقتصاد المصري خلال السنوات الخمس الأخيرة التي شهدت برنامجا للإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.
وقد أجرت هيئة الرقابة المالية عدة تعديلات خلال السنوات الأخيرة على قواعد قيد وشطب الأوراق المالية لزيادة نسبة الأسهم المطروحة، وتحسين مستويات الإفصاح والشفافية، وتطبيق قواعد الحوكمة، وزيادة مستويات الحماية المقررة للأقلية بجانب تغيير نسب الطرح للشركات الجديدة ونسب الأسهم والحد الأدنى للأسهم حرة التداول بزيادة النسبة المطلوبة لقيد أسهم الشركات الجديدة بالبورصة.
ومن المقرر أن تركز مصر على البورصة السعودية في الترويج لشركة العاصمة الإدارية وقت طرحها والتأكيد على قوة الشركة المطور الرئيسي لمدينة العاصمة الإدارية الجديدة التي تقع على بعد 35 كيلومترا شرق القاهرة بمساحة إجمالية 170 ألف فدان، حيث تقع بين الطريق الدائري الإقليمي وطريق القاهرة السويس وطريق القاهرة العين السخنة.
ولا تزال النسبة الأكبر من الاستثمارات الأجنبية الإجمالية للمستثمرين العرب في البورصة المصرية بنسبة تصل إلى 25 في المائة، وغالبيتها من السعودية والإمارات والتي دخلت السوق مع موجة طروحات الشركات الحكومية المصرية بالبورصة، خاصة الشركة المصرية للاتصالات.
ووفق مركز معلومات البورصة، فإن العرب فضّلوا الشراء بقيمة 460 مليون جنيه، وذلك بعد استبعاد الصفقات خلال تعاملات الربع الثاني من العام الحالي على عكس الأجانب من غير حاملي الجنسية العربية الذين فضلوا البيع بقيمة 2.1 مليار جنيه، بعد استحواذهم على 12.7 في المائة من التعاملات.