بغداد: يعتبر الدكتور حامد الباهلي أحد أهم علماء العراق الذين برزوا في مجال الطاقة النووية، والفيزياء الذرية، وكانت له إسهامات كبيرة في مشروع العراق النووي. ويمتلك الباهلي خبرة ميدانية في مجال الطاقة النووية تتجاوز الـ6 عقود، ولديه نحو 300 بحث في مجالات الطاقة النووية، ونشر وترجم أكثر من 27 كتابا في تخصصه، ومن أهم مؤلفاته: الأسلحة النووية والوقاية منها، المنشآت النووية، الثرمودايتمك، مدخل إلى الهندسة النووية، الصواريخ المقاتلة.
الباهلي الذي ولد في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان عام 1942، أكمل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ثم التحق في بعثة للاتحاد السوفياتي بعد عقد اتفاق بين الاتحاد السوفياتي والحكومة العراقية يقضي بمساعدة الاتحاد السوفياتي ببناء طاقة ذرية وإنشاء محطة كهرونووية عام 1956
كان الاتفاق ينص على بندين، الأول يقضي بإنشاء مركز للمفاعل النووي، والثاني يقضي بإرسال 100 شخص للدراسة في كافة الاختصاصات والشهادات، وهكذا انتقل الباهلي إلى الاتحاد السوفياتي حيث دخل مع مجموعة من الأشخاص في قسم المحطات الكهرونووية في معهد الطاقة الحرارية في موسكو.
وفي عام 1966 تخرج الباهلي حاملاً لشهادة الدبلوم، ثم عاد إلى بغداد حيث التحق بالخدمة العسكرية، ومن ثم تم تعيينه في الطاقة الذرية، وفي 6 سبتمبر (أيلول) 1968 شغّل برفقة مجموعة من زملائه المفاعل النووي وأنتجوا أول نظائر مشعة.
وللإضاءة على ملف الطاقة النووية في العراق، أجرت «المجلة» مقابلة مع العالم الذري حامد الباهلي:
* حدثنا عن بداية النشاط الذري في العراق؟
- العراق هو أول دولة في المنطقة ومن أولى دول العالم التي سخرت الذرة لخدمة المجتمع، وذلك عام 1952 حيث كنا نستورد نظائر مشعة من بريطانيا، وهذه النظائر نحولها في مختبر صغير لعدد صيدلانية حيث نرسلها للمستشفى الملكي في بغداد لمعالجة مرضى سرطان الغدة الدرقية. من ثم تطور هذا العمل بحيث أتقناه وتحول المختبر لمركز. وفي عام 1966 قمنا ببناء المفاعل النووي بحيث أصبحنا نستخدمه في المجالات الزراعية. والعراق من مؤسسي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونحن أول دولة في المنطقة دعا لتحريم الأسلحة النووية بعد أن صدر أول قانون للطاقة الذرية عام 1959، حيث أصدرت حكومة عبد الكريم قاسم بيانا بتحريم الاستخدامات اللاسلمية للطاقة الذرية.
* ما هي الظروف والأسباب التي ساهمت في إنشاء مفاعل تموز؟
- في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 1956 تشكلت لجنة الطاقة الذرية العراقية وبدأت تُؤسس لهذا المجال، ولكن مشروع المفاعل النووي تأخر من عام 1959 إلى عام 1967 نظراً للظروف التي مر بها العراق على صعيد الانقلابات والاضطرابات السياسية. وتعود أسباب اتخاذ قرار بناء هذا المفاعل إلى أن العراق كان يستورد النظائر المشعة من بريطانيا كما ذكرنا، وبالتالي فإن هذا الاستيراد يخضع للظروف السياسية، كما أن هذه النظائر عُمرها قصير، أي بين ساعات وأيام. وبالتالي كنّا نحتاج إلى أن تكون هذه النظائر قريبة من مراكز العلاج، وفي عام 1972 بدأنا بتصدير النظائر المشعة مجاناً لعدد من الدول من بينها مصر وسوريا وليبيا.
* في عام 1991 تم تدمير المنشآت النووية العراقية بالكامل، ومنذ عام 2003 كانت السياسة العراقية تعتمد على إزالة بقايا المنشآت النووية
* هل يمكن للعراق الاستفادة من المنشآت النووية القديمة أو إعادة إحياء أي منها؟
- في عام 1991 تم تدمير المنشآت النووية العراقية بالكامل، ومنذ عام 2003 كانت السياسة العراقية تعتمد على إزالة بقايا المنشآت النووية، وبالتالي لا يمكن الاستفادة منها حالياً لأنه جرى تدميرها بالكامل. وللتذكير، في عام 1990 صدرت قرارات عن مجلس الأمن حدّت من النشاط النووي العراقي، وبعدها بعام صدر قرار 687 الذي حجّم النشاط النووي العراقي وبعدها بشهرين صدر قرارا 707 و715 اللذان حرّما النشاط النووي بالكامل. مع الإشارة إلى أن الأربع منشآت كانت خاضعة للمراقبة الدولية مرتين كل عام.
وفي عام 2010 صدر قرار 1957 رُفع بموجبه المنع، بحيث سُمح للعراق بإحياء نشاطه النووي، وقرر مجلس الوزراء العراقي عام 2011 تشكيل لجنة برئاستي لوضع قانون للطاقة الذرية، وبالفعل وضعناه وتم إصداره عام 2016، ولكن إحياء نشاط الطاقة الذرية يحتاج إلى قانون ثانٍ يكون رقابيا، أي أن تكون هناك جهة تنفيذية وأخرى رقابية، وهذا القانون ما زال في مجلس النواب ولم يتم تشريعه، والظاهر أن مجلس النواب يفكر بأمور أخرى ولديه أولوليات أخرى.
* هل يمكن نقل الخبرات إلى الأجيال الجديدة؟
- لقد بدأت أعداد العلماء العراقيين بالتناقص نتيجة الوفاة أم موجة الهجرة بعد عام 2003. وكان يمكن لهذه العقول أن تنقل التقانة والخبرة النووية للأجيال المقبلة، والعراقيون يمتلكون أكبر تجربتين نوويتين في العالم، الأولى عام 1980 عندما قصفت المنشآت النووية وفي عام 1991 عندما ضُربت 4 منشآت نووية، ولولا العقول العراقية لكانت وقعت كارثة كبيرة.
وفي تسعينات القرن الماضي انهالت عروض ومغريات على الكفاءات العراقية لمغادرة البلاد. لذا، صدر قانون رعاية العلماء عام 1993 بحيث منحهم امتيازات كبيرة. ولكن في عام 2003 توقف هذا القرار، فبدأت الهجرة تتضاعف.
* في ظل هذه الظروف، لماذا لم تُغادر العراق؟
- على الصعيد الشخصي نحن لدينا تقليد بأن الشخص الذي يُريد الهجرة يأخذ إذنا من المرجعية، وحين فكرنا بتأسيس منظمة نُخب وكفاءات عراقية قررنا زيارة المرجعية العراقية علي السيستاني. وعندما التقيناه، قلت له إنني أريد الهجرة، إلا أنه طلب منا البقاء في العراق. أثناء الجلسة دخل ابنه محمد رضا إلينا وقال له إن أذان الظهر قد حلّ، فقال لابنه إن النظر في وجوه العلماء عبادة.
وأريد أن أُشير إلى أن فائدة العراق من هذه الكفاءات كانت محدودة، وأريد أن ألفت نظركم إلى أن قرارات مجلس الأمن الدولي 1936 و1956 و1957 و1958 تتحدث في الديباجة بأنه من المفيد أن يستعيد العراق المكانة الدولية التي كان تبوأها قبل صدور قرار مجلس الأمن 661، وبالتالي فإن مجلس الأمن يعترف بأن العراق كانت له مكانة دولية في هذا المجال.