القاهرة: مع تصاعد الخلافات وحالة الانسداد السياسي بين البرلمان الليبي وحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، على وقع إرجاء رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، لزيارة كان يزمع إجراؤها إلى بنغازي، وعدم التصديق على الميزانية، وعدم مثول الحكومة أمام البرلمان، وهو ما صعد من حدة التوتر بين الجانبين، خاصة أن كلا منهما يتمترس خلف صحة موقفه التي يعلن أنها تأتي تطبيقا لبنود قانونية ودستورية تخول له ما يعلن عنه من إجراءات، والتي كان آخرها تهديد نواب في البرلمان بطرح الثقة في الحكومة، وهو ما ينذر بتعقد الأجواء السياسية، وعرقلة المسار السياسي والذي بدوره قد يكون عاملا في تأجيل إجراء الانتخابات المزمع إجراؤها في ديسمبر (كانون الأول) من العام الجاري.
وسط هذا الجو الملبد بالأزمات تأتي جهود دول الجوار الليبي في السعي إلى إيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية، وهو ما دفعها إلى عقد اجتماع دول الجوار الليبي في العاصمة الجزائرية منذ عدة أيام، في سعي حثيث لإيجاد حلول للأزمة، إضافة إلى الجهود المصرية والإماراتية التي تسعى للتقريب بين رئيس الحكومة الليبية، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي، من جهة، وقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر من جهة أخرى.
«المجلة»توجهت بالتساؤل حول مآلات حالة الانسداد السياسي الليبي، ومدى نجاح دول الجوار في المساهمة في حل الأزمة، وهل تأتي الجهود المصرية الإماراتية بنجاحات في إطار عملية التقريب بين قطبي الصراع في ليبيا؟
خيوط اللعبة خارجية بيد الدول الكبرى
حكومة الوحدة الوطنية وصل إليها استدعاء للمثول أمام مجلس النواب ولم يوضح الاستدعاء السبب وبالتالي الأمر ترتب عليه طلب الحكومة للتوضيح وهذا من حقها، حسب مصدر ليبي مسؤول في حكومة الدبيبة في تصريحات خاصة لـ«المجلة»،مؤكدا أن طلب توضيح الحكومة يأتي من صميم حقها لأن مجلس النواب لم يعتمد الميزانية فعلى ماذا يستجوب مجلس النواب الحكومة، مضيفا أن المشير خليفة حفتر والبرلمان مستمران في عرقلة عمل الحكومة لتأزيم المشهد الليبي وإثارة الفتن من أجل الوصول للسلطة بأي ثمن، ولا أعتقد أن الوساطات التي تقوم بها دول الجوار ستلقى صدى بين الفرقاء الليبين لبلوغ التسوية السياسية للأزمة الليبية لأن خيوط اللعبة خارجية تتحكم فبها الدول الكبرى التي تتصارع على النفوذ في ليبيا، فقد ضاع في ليبيا زمن سياسي كبير قبل طرح الحوار وصولاً إلى تقديم التنازلات بين الأطراف الليبية، بديلا عن كل التداعيات التي أفرزتها المحاصصة، والتي أسهمت منذ البداية في التوسع الكبير في منطق المحاصصة والخلط بين مفهومي «العزل والمحاسبة».
وأضاف المصدر الحكومي أنه إذا كانت إحدى الخصائص المهمة للمنهجية التوافقية هي إضعاف فرص التدخل الخارجي، فإن الحالة الليبية نتيجة غياب التوافق بين القوى السياسية بعد فبراير (شباط) قد استدعت الفاعل الخارجي بشكل متزايد. كما أن تجربة التوافق السياسي الحالي في ليبيا وإن ظهر أنها بين مجموعات سياسية تشكل الحكومة التي يقودها الدبيبة، فإن عمق التوافق الحقيقي واقع بيّن، وتعتبر الحساسية التي يبديها المجلس تجاه الحكومة منطقا معوجا، وعنصرا أساسيًا في عدم التوافق ونأمل أن تتلاشى الخلافات و يتجه الليبيون لأن يكونوا أبناء وطن واحد موحد عزيز مصان الجانب، وأعتقد أن نجاح الوساطة الإماراتية والمصرية صعب جداً في هذا التوقيت خاصة في ظل احتدام الصراع الداخلي على السلطة ومحاولات المغالبة وعدم التوافق وكثرة التدخلات من الدول الكبرى المسيطرة على تفاصيل اللعبة السياسية في ليبيا، وسوف تنتهي حالة الانسداد بانتهاء وجود الشخصيات المعرقلة وانتهاج سياسة التوافق والتخلي عن مبدأ المغالبة والاستعانة بالقوى الخارجية التي تزيد من فتيل الأزمة.
ناصر سعيد لـ«المجلة»: النفط الليبي مهدّد بالسرقة
انسداد سياسي وتعثر مؤقت
وفي رؤية مغايرة لهذا الطرح قال مساعد وزير الخارجية الأسبق الدكتور عبد الله الأشعل: إن التعثر في ليبيا الآن وحالة الانسداد السياسي المترتبة على الصدام بين الحكومة والبرلمان هو تعثر مؤقت، فالعالم والمنطقة العربية كلهم مجمعون على ضرورة السير نحو تسوية للأزمة الليبية وفقا لمخرجات جنيف، وبالتالي دول الجوار مهمة جدا في حل الخلاف الليبي والوصول إلى تسوية بين الفرقاء خاصة مصر التي تقوم بدور كبير في هذا الصدد وفي محاولة للتقريب بين الطرفين بحيث يمكنهم الوصول إلى إجراء انتخابات في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) القادم، وهذا يدعو للتفاؤل، وطالما أن هناك توافقا بين الولايات المتحدة وروسيا فهما موافقان على هذا الاتجاه خاصة بعد حدوث نقلة كبيرة جدا في العلاقات بينهما، والذي بدا جليا في التوافق الأميركي الروسي على عدد كبير من القضايا وهذا مهم جدا لأن القضية الليبية تدخل في هذا التوافق، ولكن الإشكالية موجودة في جزئية سحب القوات الأجنبية من ليبيا، وخروج المسلحين، وتوحيد المؤسسة العسكرية، والخلاف الآن حول تعريف ما هي القوى الأجنبية، هل هي القوى الأجنبية مطلقا؟ أم هي القوى الأجنبية التي جاءت بموافقة الحكومة الشرعية في ليبيا؟ وخاصة تركيا، لأن روسيا تتحدث عن قوات فاغنر الروسية على أساس أنها ليست مؤسسة رسمية روسية، وبالتالي فهي لا علاقة لها بمستقبل فاغنر في ليبيا، بينما فاغنر في الحقيقة على اتصال كامل بالمؤسسات الروسية، والمسألة تحتاج إلى مزيد من الصبر والوقت يسابق الجهود، ونأمل أن يصل الفرقاء في ليبيا إلى تسوية.
وأضاف الأشعل: تصريحات الدبيبة حول دول الجوار والتي أشار فيها إلى أن المسلحين وصلوا إلى ليبيا عن طريق دول الجوار، والتي لمح فيها إلى تونس، مثل هذه التصريحات قد تعقد المشهد وهي تصريحات غير جائزة لأن العناصر التونسية التي جاءت من سوريا خلال وجود خلاف بين حركة النهضة وبين الرئيس التونسي قيس سعيد حول مستقبلها، هل هي منظمات إرهابية؟ أم هي منظمات جهادية؟ وهي ضمن القضايا الكبرى في تونس ولذلك ليس من الصحيح أن يتكلم الدبيبة في هذا الموضوع ويفجر هذا الخلاف الدامي بين التونسيين، ومثل هذه التصريحات على الرغم من أنها تعد خطأ سياسيا، إلا أنها تعد من المسائل الثانوية التي لا يمكنها أن تكون سببا في عرقلة عمل دول الجوار، ولكن المشكلة القائمة الآن في تونس بين الرئيس التونسي قيس سعيد، وبين حزب النهضة وهي من بين القضايا الكبرى التي خرجت للأضواء والنقطة الرئيسية فيها هل نقطع العلاقات مع سوريا ؟ أم نعيد العلاقات معها؟ وهي تتعلق أيضا بالشباب التونسي المتحمس ذي الاتجاهات الإسلامية، وهو الشباب الذي انخرط في صفوف تنظيم داعش، وانخرط في المنظمات الإرهابية، ولا يجد من يوجهه، وحزب النهضة يتبنى هذه الاتجاهات، مما أثار حفيظة قطاع كبير من الشعب التونسي، ولكن على كل حال فمن المفترض أن تتجنب الحكومة الليبية المشكلات مع دول الجوار كي يركزوا على حل الأزمة في ليبيا، وتونس على كل حال مقيدة، ومشلولة ولا يمكنها في الوقت الراهن المساهمة في حل الأزمة الليبية حتى تنتهي أزمتها الداخلية.
البحث عن حلول لجوهر الأزمة
هناك أزمة في المسار السياسي الليبي وهي أزمة في العملية السياسية وفي نفس الوقت وبالتوازي مع هذه الأزمة هناك جهود إقليمية وجهود لدول الجوار في محاولة لحل هذه الأزمة وأحد مظاهرها الخلاف بين البرلمان والحكومة، وتلويح البرلمان بسحب الثقة من الحكومة، وعدم الموافقة على الميزانية، وهذا خلاف بين عدد يعتد به من نواب البرلمان والحكومة الليبية، كما أن الخلاف والإشكالية الحقيقية ستظل هي أن العملية السياسية في ليبيا والمسار السياسي بالرغم من وجود حكومة ليبية وبرلمان ومجلس رئاسي فإنه لا زال ضعيفا وهشا، وأن الإشكالية الحقيقية حتى هذه اللحظة والتي لم تحل حسب الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور عمرو الشوبكي في تصريحاته الخاصة لـ«المجلة»، هي المتعلقة بموقع المشير خليفة حفتر في مستقبل العملية السياسية في ليبيا، وفي مستقبل الجيش الوطني الليبي، وأيضا بقية الميليشيات سواء كانت ميليشيات ليبية، أو مرتزقة تم جلبهم من الخارج، وحل هذه الإشكالية أهم من حل الخلاف بين البرلمان وبين الحكومة، لأن هذه الخلافات هي انعكاس للخلاف بين بنغازي، وطرابلس، وبين قيادة الجيش والحكومة، وأن الوساطة المصرية الإماراتية، والجهود الجزائرية ومؤتمر الجوار الذي عقد الأحد الماضي يسعى لمناقشة هذه الملفات.
ليبيا... مطالب بتشكيل حكومة موازية لحكومة الدبيبة في الشرق
وأضاف الشوبكي: أرى أنه لا بد من الآن أن ندخل في جوهر الأزمة، وجوهر هذه الأزمة أن هناك قائد عسكري لديه قوة عسكرية كبيرة ويشعر أن مسار العملية السياسية قد يؤدي إلى تهميشه، أو إخراجه من اللعبة السياسية والعسكرية، والسؤال هو «ما هو موقعه؟»وهل ينوي المشير خليفة حفتر الترشح في انتخابات الرئاسة ويترك منصبه العسكري كقائد للجيش الوطني؟ (وهذا قد يكون حلا)، وهل سيلتزم المشير خليفة حفتر في حال ما إذا خسر الانتخابات الرئاسية بأن يكون تحت إمرة قيادة سياسية مدنية منتخبة؟ وهذا ما يجب أن تركز عليه الجهود المصرية الإماراتية لما لها من تأثير على قيادة الجيش الليبي، وعلى المشير خليفة حفتر، وفي رأيي أنه بعد سنوات طويلة من الحوار والاتفاقات وإعلان القاهرة وقبلها مخرجات برلين، وكل المخرجات السياسية لا زالت تقف كل الأمور عند هذه القضية، وأن هناك قوة عسكرية كبيرة ومؤثرة ومطلوبة في مواجهة الجماعات الإرهابية لا بد أن يحسم أمرها في المسار السياسي، وهل سيستمر حفتر كقائد عسكري يقبل بقيادة مدنية؟ وهل سيخوض الانتخابات؟ وفي النهاية لابد أن يحسم هذا الموضوع وهذا هو التحدي الرئيسي. ودول الجوار الليبي تأثيرها الأساسي هو مصر، وبعد ذلك الجزائر، والمغرب، أما تونس فنتيجة الظرف السياسي الذي تمر به ليست طرفا مؤثرا بشكل أساسي على الوضع في ليبيا، وهناك تأثير لمصر، وللجزائر والمغرب رغم ما بينهما من خلافات، وهذه الدول ساهمت في عدم العودة للمواجهة العسكرية مرة أخرى وهذا في حد ذاته إنجاز، ولكنها لم تستطع حتى هذه اللحظة حل الإشكالية السياسية الموجودة في ليبيا.