القامشلي: اتهمت «الإدارة الذاتية» لشمال سوريا وشرقها، تركيا، بتجاوز المواثيق والمعاهدات الدولية بعد استهداف الجيش التركي لمقاتلي قوات «سوريا الديمقراطية» التي تعد بمثابة جيش «الإدارة الذاتية» في مناطق سيطرتها التي تشمل كامل محافظتي الحسكة والرقة، إضافة لأجزاءٍ من محافظتي حلب ودير الزور.
وتشن تركيا منذ أيام، هجوماً متقطّعاً على بلدتي تل تمر وأبو راسين الواقعتين بريف محافظة الحسكة، حيث قُتِل على أثرها شخصان على الأقل، وأصيب نحو 20 آخرين بجروح في أحدث هجومٍ تركي على المنطقة يعد الأعنف منذ آخر عملية شنها الجيش التركي على شرق سوريا في مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول) منذ عام 2019. وأدى ذلك لنزوح الآلاف من سكان البلدين باتجاه مدينتي الحسكة والقامشلي.
كما استهدف الجيش التركي عبر طائراتٍ مسيرة سيارتين مدنيتين في مدينتي القامشلي وكوباني (عين العرب) دون وقوع أضرارٍ بشرية، وذلك بعد يومين من استهداف مقرّ المجلس العسكري لبلدة تل تمر يوم 20 أغسطس (آب) الجاري، والذي نجم عنه 9 قتلى و10 جرحى ينتمون جميعاً لـ«قوات سوريا الديمقراطية» المعروفة اختصاراً بـ«قسد» والمدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق المجاور.
واعتبر فنر الكعيط، نائب رئيس هيئة العلاقات الخارجية لدى «الإدارة الذاتية» أن ادعاءات أنقرة بشأن مخاوفها من «قوات سوريا الديمقراطية» التي ترى فيها أنقرة تهديداً لحدودها، هي «أكذوبة لا تنطلي على أحد»، متسائلاً: «كيف يمكن أن تشكل قسد بأسلحتها الخفيفة والمتوسطة تهديداً على دولة هي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتعد قواتها من أقوى جيوش هذا الحلف؟».
وقال أيضاً لـ«المجلة» إن «تركيا لديها أطماع تاريخية معروفة في مناطقنا، وكذلك تخشى انتقال تجربتنا الديمقراطية في الإدارة الذاتية إلى أراضيها نتيجة تشابك القضية الكردية مع أوضاعها الداخلية».
وأضاف أن «الغاية التركية من هذه الهجمات واضحة، فهي تقف ضد تجربتنا الديمقراطية في الإدارة الذاتية، وتخشى انتقالها إلى الداخل التركي، لاسيما لوجود تشابكٍ كبير بين القضية الكردية والوضع الداخلي في تركيا ودول الجوار المحيطة بها، ولذلك نجد أن كل هذه الدول تتفق فيما بينها بخصوص القضية الكردية والتجربة اللامركزية في مناطقنا»، مشدداً على أن «لدى أنقرة أطماعا تاريخية معروفة في شمال سوريا، ولذلك تستهدفها بشكلٍ متكرر».
كذلك استبعد نائب رئيس هيئة العلاقات الخارجية أن تتوسع تركيا في هجماتها على غرار اجتياحها البري واسع النطاق لشرقي سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2019. وقال في هذا الصدد: «لا نستبعد مثل هذه الهجمات، لكن في الوقت الحالي على وجه التحديد، من غير المحتمل أن يكون هناك هجوم مشابه للهجوم السابق لمناطق شمال وشرق سوريا لسببين؛ الأول الكثافة السكانية في مناطقنا، وثانياً نتيجة التواجد الدولي للأميركان والروس فيها. ومع ذلك نعتقد أن الهجمات التركية الإرهابية ستستمر بشكل محدود».
وتابع: «لم يتخذ التحالف الدولي بعد، موقفاً حيال ما تقوم به تركيا، وكذلك الدول التي تنتمي إليه وقد كنا شركاء معها في محاربة الإرهاب، ولذلك نتمنى أن تساهم اليوم بالمشاركة في حل الأزمة السورية إما من خلال إشراك وفد الإدارة الذاتية في مختلف المؤتمرات المعنية ببناء سوريا، وإيجاد صيغة مرضية للوضع في شمال شرقي سوريا كالاعتراف بالإدارة الذاتية واللامركزية أو من خلال الضغط على أنقرة لاحترام القانون الدولي وإيقاف هجماتها على مناطقنا».
ومن جهتها، قالت سينم محمد، ممثلة مجلس «سوريا الديمقراطية» في واشنطن إن «التصعيد والهجمات التركية على مناطق الإدارة الذاتية هي انتهاك وخرق علني لكل اتفاقيات وقف إطلاق النار التي أبرمتها كلّ من الولايات المتحدة وروسيا بشكلٍ منفصل مع أنقرة»، بعد آخر عملية عسكرية شنتها ضد مقاتلي «قوات سوريا الديمقراطية» شرقي سوريا في خريف عام 2019.
وأضافت ممثلة المجلس الذي يعد بمثابة الجناح السياسي لـ«قسد» أن «تركيا تضرب بعرض الحائط كلّ الاتفاقيات، وتقوم بهجمات مستمرة على المنطقة كالتي تحصل حالياً، وهي ليست المرة الأولى، فقد انتهكت أنقرة في السابق وقف إطلاق النار عدّة مرات، ما يساهم في زعزعة استقرار المنطقة ونزوح المدنيين منها، وبالتالي تمنح القوة الداعمة للمجموعات الإرهابية مثل داعش لإعادة أنشطتها، وهو ما يؤدي أيضاً إلى تقويض كل الجهود التي بذلتها دول التحالف لمحاربة التنظيم الإرهابي المتشدد».
* تركيا تقف ضد تجربتنا الديمقراطية في الإدارة الذاتية، وتخشى انتقالها إلى الداخل التركي، لاسيما لوجود تشابكٍ كبير بين القضية الكردية والوضع الداخلي في تركيا
وتابعت أن «كل هذه الهجمات تندرج في سياق واحد وهو عدم قبول تركيا بإنهاء الأزمة السورية، فهي تريد الاستمرار في زعزعة الأمن ومهاجمة الإدارة الذاتية التي تعمل على حماية أمن واستقرار المنطقة»، داعية المجتمع الدولي إلى «وضع حدٍ لاستهتار الحكومة التركية بدماء السوريين».
وقالت أيضاً: «يبدو أن التحالف الدولي لا يريد تصعيداً عسكرياً، ولهذا يسعى لتهدئة الأمور بالطرق الدبلوماسية، ولذلك نتمنى أن يتمكنوا بهذه الطريقة من إيقاف الهجمات التركية التي تروّع المدنيين الآمنين في ديارهم».
واستبعدت محمد أيضاً، إمكانية شنّ أنقرة لهجومٍ كبير على شمال شرقي سوريا. واعتبرت أن «هذا الاحتمال مستبعد لأنه سيؤدي لفتح جبهاتٍ كبيرة، بينما لا يرغب المجتمع الدولي في ذلك».
وسبق للجيش التركي أن شنّ 3 عمليات عسكرية منفصلة على الأراضي السورية، وسيطرت من خلالها للمرة الأولى على بلدتي جرابلس والباب في عام 2016. ومن ثم عفرين في عام 2018، ومدينتي رأس العين (سري كانييه) وتل أبيض عند الهجوم الثالث واسع النطاق في عام 2019.
ورغم أن أنقرة أبرمت اتفاقيتين مع واشنطن وموسكو في أكتوبر من عام 2019، وتعهّدت بموجبها بوقف إطلاق النار بعد انسحاب «قوات سوريا الديمقراطية» من بلداتٍ سورية تقع على الحدود مع تركيا، إلا أنها واصلت هجماتها العسكرية في تلك المنطقة.
وساهم آخر هجومٍ تركي على تلك المنطقة، بدخول قوات النظام السوري إليها مع الشرطة العسكرية الروسية بعد اتفاقٍ عسكري بين «قسد» والنظام.
ونزح مئات الآلاف من مدينتي تل أبيض ورأس العين عقب سيطرة الجيش التركي عليها رفقة فصائل سورية مسلّحة موالية لأنقرة، على غرار ما جرى في عفرين التي نزح منها حوالي 300 ألف من سكانها الأصليين.
وتعتبر تركيا، أن «وحدات حماية الشعب» وهي جماعة مسلّحة كردية سورية تعد من أبرز فصائل «قوات سوريا الديمقراطية»، امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور لديها. لكن «قسد» تنفي ذلك باستمرار وتؤكد أنها لا تشكل تهديداً على أي من دول الجوار السوري.