أربيل: قد لا تعني لحسن، كغيره من المعتقلين السابقين مشاهد التعنيف، التي نقلتها مقاطع مصورة تم تسريبها من سجن ايفين سيئ الصيت والسمعة، عن حجم القسوة المحفوظة في ذاكرته، لا لشيء، بل لأن ما سرب لا يعبر إلا عن نقطة في بحر وحشية التعامل مع المعتقلين في سجون الملالي.
أكثر من أربعين عاما والنظام يوما بعد آخر يتمادى في انتهاجه القمع الممنهج، وانتهاكه حقوق الإنسان.. حسن ظريف ناصريان، يعترف بأن التسريبات نشطت حيزا من قسوة الذاكريات لديه، عندما كان إيفين بالنسبة له اقترابا من الموت، ويحكي لـ«المجلة» حكايته مع إيفين: «في ليلة من ليالي عام 1981 اقتحمت القوات الأمنیة بیتي بدورية مکونة من أربع سيارات وعدد كبير من المسلحين وتم إعتقالي، لم يكن لديهم أي مذكرة بتوقيفي، وتم أيضا اعتقال اختي الصغرى وخطيبتي، في نفس الليلة، وأثناء نقلي، أخذوا معهم العديد من أغراضي الخاصة، بما في ذلك ألبومات الصور والكتب والكاميرا وأشياء أخرى، مثل معدات تسلق الجبال».
تجربة شخصية لزميلة بـ«المجلة» مع استخبارات النظام الإيراني
ويضيف حسن: «بعد تلك الليلة بـ12 عاما من 1981 إلى عام 1993، خبرت خلالها مختلف أساليب التعذيب»، مستذكرا بعضا مما قاساه، ويقول: «أثناء الاستجواب، قُيدت بلوح التعذيب، ضُربت بالكابلات، كما تم تعذيب خطيبتي في الغرفة المجاورة ليحصلوا منها على معلومات عني، كان التعذيب بالكابلات مرافقًا لعمليات الاستجواب، لكن في نفس المركز، رأيت بعض الناس قد علقوا على الحائط، تعرض أشخاص مثل جعفر سمسار زاده، للضرب المبرح بالكابلات حتى انسلخ اللحم عن العظم وأعيدت زراعته من فخذه.. رأيت زوجين شابين في مركز الاستجواب، عندما لم يكن الزوج يتكلم، تربط زوجته به ويتم ضربها بكابلات، وكانت تصرخ بجانب زوجها، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك سمعت عنها فيما بعد في السجن، كان العدد الإجمالي لأساليب التعذيب التي تعرضت له و شاهدته خلال تلك السنوات أكثر من 170 طريقة تعذيب، لقد أعددنا قائمة بها لتسليمها إلى المقرر الخاص لحقوق الإنسان في إيران جاليندو بول، لم نتمكن من لقائه في السجن، لكن المقاومة الإیرانیة أرسلته إليه لاحقًا».
أما عن ظروف محاكمته فيقول: «لم تستغرق مدة المحاكمة أكثر من ثلاث دقائق، لم أكن أدرك على الإطلاق أنها كانت محكمة، ظننت أنه قد تم نقلي إلى مركز آخر للاستجواب مرة أخرى، نفس المحقق، لعب هذه المرة دور المدعي العام، نفسه قال سابقا أشياء عني وطردني من الغرفة».
وعن أوضاع السجن يصف قائلا: «أوضاع السجون في إيران أشبه بالمسلخ. بالطبع، قام الملالي أيضًا بإعداد مكان مزیف على أنه السجن، في إيفين، التي تضم حوالي 18 عنبرًا، تم بناء جناح خاص وفیه ظروف معیشیة جيدة، وهو ما يظهرونه خلال زيارات الوفود الأجنبیة وغيرهم إلى السجن، لكن في الأقسام الأخرى، تكون الأوضاع فيها مزرية للغاية، غير آمنة ومزدحمة ومخيفة».
مسؤول في حزب «الديمقراطي» الكردستاني لـ «المجلة»: الهدف الإيراني من الاغتيال هو التخلص من الشخصيات المؤثرة
سجن إيفين نهاية العالم
ويتابع: «سجن إيفين يعني نهاية العالم لكل شخص يدخله، فبين هذه الجدران الأربعة، لا توجد أي من قوانين المجتمع الإنساني، يعتبر حراس السجون والمحققون والقضاة أن السجين يستحق أسوأ أنواع التعذيب والضغط الشديد، خاصة إذا كان من أعضاء أو أنصار منظمة مجاهدي خلق، لا يتم الاهتمام بأصغر حقوق السجين، بما في ذلك التهوية والطعام والعلاج والدراسة والإضاءة الكافية والزيارات وحتى توكيل محام».
ويستأنف: «هذه المقاطع التي تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام هذه الأيام عن جرائم النظام وصدمت الجميع، في رأيي ورأي من كانوا في السجون الإيرانية، ولا سيما في سجن إيفين، لم تكن إلا جزءا من الألف مما تم في غرف وزنازين التعذيب، وكانت هذه الجرائم اعتيادية بالنسبة لحراس السجن».
ويتابع: «قبل ثلاثة وثلاثين عامًا، في عام 1988عندما كنت في إيفين، بناءً على أوامر الخميني، نفذت لجنة الموت التي ضمت إبراهيم رئيسي وحسين علي نيري ومصطفى بور محمدي وإسماعيل شوشتري، وكان رئيس السجن وممثل وزارة الاستخبارات من العاملين مع هذه اللجنة، ونفذوا مجزرة راح ضحيتها ما يقارب 5000 سجين سياسي، كنت في جناح فيه 175 شخصًا، تم إعدام 150 شخصًا منهم. في هذه المجزرة، تم نقل الأشخاص الذين كانت آثار التعذيب على أجسادهم أولاً ليتم إعدامهم. حيث أرادوا من خلال إعدام هؤلاء الأشخاص إخفاء آثار التعذيب، وعلى مدار الـ33 عامًا الماضية، لم يتطرق الرأي العام العالمي إلى هذه القضية. لهذا السبب، لا يزال جميع مرتكبي هذه الجريمة باقين في مناصبهم في إيران، كان رئيسي يوقع على حكم كل شخص يريدون إعدامه في طهران، حيث وقع على ما لا يقل عن 4000 حُكم بالإعدام في سجني إيفين وجوهر داشت، يجب أن يحاكم هو وبقية أعضاء لجنة الموت أمام محكمة دولية».
واخترق قراصنة إلكترونيون في إيران، يسمون أنفسهم «عدالة علي»، كاميرات سجن إيفين، ونشروا صوراً ومقاطع فيديو أظهرت انتهاكات عناصر السجن بحق السجناء المعتقلين.
ووجه القراصنة رسالة إلى الرئيس الإيراني، من خلال غرفة تحكم كاميرات السجن، جاء فيها: «سجن إيفين وصمة عار على إبراهيم رئيسي؛ احتجاجات على مستوى البلاد حتى إطلاق سراح السجناء السياسيين».
ويعد تسليط القراصنة الضوء على الانتهاكات التي ترتكب داخل السجن، أكد رئيس مصلحة السجون الإيرانيّة، محمد مهدي حاج محمدي، مصداقية مقاطع الفيديو، ووصف، في تغريدة على حسابه في «تويتر»، ما جرى في السجن بأنه «سلوكيات غير مقبولة»، وحمّل نفسه مسؤوليّة ما حدث.
لكن مسلسل كشف المجموعة المخترقة عن المزيد من المقاطع المصورة والصور استمر، فبعد مرور أيام على نشر أولاها، بعضها مشاهد عادية من مختلف أقسام سجن إيفين، من الزنازين والساحة والغرف وأماكن أخرى بالسجن، وأخرى مشاهد مؤلمة تكشف عن تعرض بعض السجناء للعنف والضرب، وسحل سجين على الأرض، ومحاولة سجين آخر الانتحار وإنقاذه، ووقوع حالة عراك بين سجينات ومحاولة إحداهن الانتحار في الحمام، فضلاً عن اشتباك بالأيدي بين أحد الحراس ورجل شرطة، بالإضافة إلى مشاهد أخرى، مثل غرفة كبيرة بإمكانات جيدة، قيل إنها تعود لحسين فريدون، شقيق الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، والذي يقضي فترة عقوبة بسبب ملفات فساد.
وعلى خلفية المقاطع المسربة تم اعتقال 4 أشخاص وتقديمهم إلى المحكمة العسكرية، فيما تم إصدار أوامر باستدعاء شخصين آخرين، كما تم التعامل مع بعض المخالفين في الوقت المناسب، حسب المسؤولين الإيرانيين ويعتبر هذا الإجراء اليتيم والوحيد الذي تم اتخاذه لحين إعداد التحقيق.
فهل عقود من الانتهاكات في الظلام تعالج باعتقال 4 أشخاص؟!!.. وهل اعتقالهم سيحسن من سمعة إيفين السيئة ويبرؤها من آلاف الإعدامات والقتل تحت التعذيب والمقابر الجماعية؟!! هل سيغير من تاريخها الأسود؟!
كندا.. مطالبات بمحاسبة مندوب إيران لدى الطيران الدولي
إيفين... تاريخ أسود
سجن إيفين (بالفارسية «زندان اِوین»)، يقع في منطقة سعادت آباد في العاصمة طهران، شيد السجن في عام 1972 في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، ويقع عند سفوح جبال ألبرز، تحتوي باحة السجن على ساحة مخصصة للإعدام وقاعة محكمة ثم قطاعات منفصلة للمجرمين العاديين والسجينات.
شُغّل هذا السجن من قبل الأمن التابع للشاه وجهاز المخابرات (السافاك)، صُمِّمَ السجن منذ البداية ليحتوي على 320 سجينا (20 في زنازين انفرادية، و300 في قطاعين جماعيين كبيرين) وتم توسعته في عام 1977 ليحتوي على أكثر من 1500 سجين (بما في ذلك 100 في زنازين انفرادية للسجناء السياسيين الأكثر أهمية).
ويحظى السجن بصيت سيئ جراء الجرائم السياسية التي ترتكب فيه منذ عهد النظام البهلوي، إلا أن المعتقل زادت شهرته عقب الثورة الإيرانية عام 1979 وبعد تولي الملالي نظام الحكم، ففي ظل الجمهورية الإسلامية، تمت توسعة السجن بشكل ملحوظ ليتسع لـ15000 سجين، من الناحية النظرية، كان من المفترض أن يكون سجن إيفين مكاناً لأولئك الذين ينتظرون محاكماتهم، وبعد ذلك يتم نقل السجناء إلى سجن آخر مثل سجن قيزيل حصار أو سجن جوهردشت، إلا أنه أصبح كسجن منتظم بالنسبة للعديد من السجناء الذين انتظروا محاكماتهم لسنوات طويلة، وغالباً ما يقضي السجناء البارزون فترة عقوبتهم كاملة في هذا السجن.
وتوالى على رئاسة السجن الكثير من القيادات المتشددة، أبرزهم محمد كجويي، الذي نفذ سلسلة إعدامات طالت كبار الضباط والمسؤولين في عهد الشاه، وعلى رأسهم أشهر رئيس وزراء في ذلك العهد عباس كجويي، وبعد اغتيال كجويي عام 1981 أطلق اسمه على أحد السجون في مدينة كرج الواقعة شمال غربي العاصمة، كما تولى أسد الله لاجوردي رئاسة السجن، وارتبط اسمه بالمجزرة المعروفة إعلاميا باسم «تبييض السجون»، وهي العملية التي أمر بها الخميني عام 1988 عقب الحرب الإيرانية العراقية، وتم إعدام الآلاف، أغلبهم من أنصار مجاهدي خلق، وتم اغتياله لاحقا.
ونظراً لوجود عدد كبير من المثقفين الذين يحتويهم هذا السجن فقد أطلق علية أيضا اسم «جامعة إيفين».
ويحتوي السجن على مجموعة من غرف الاستجواب تحت الأرض، ويتعرض المعتقلون فيه للتعذيب بانتظام، لإجبارهم على التوقيع على اعترافات، تقودهم إلى المشانق في أكثر الأحوال، وفق تقارير منظمة العفو الدولية.
سجناء سابقون يروون لـ «المجلة» جحيم الاعتقال في زنازين الحرس الثوري
إيفين اليوم
السجن يحتوي في عنابره الـ12 المكتظة بـ15 ألف سجين محشورين بمساحة لا تكفي لـ3 آلاف، فهنا تختلف أشكال وأدوات الحرس الثوري في تعذيب المعتقلين السياسيين، وهنا أيضا تتم الإعدامات بقرارات ما يسمى المحاكم الثورية دون حسيب أو رقيب تماما كما حصل في مجازر عام 1988، وهنا يخفى عشرات آلاف الإيرانين قسرا.
وأكثر عنابر إيفين قسوة ووحشية تتبع للحرس الثوري وأجهزة الاستخبارات كجناح 209، أما جناح 350 الأكبر في السجن فكان يدار من قبل السلطة القضائية أو ما يعرف بالشعبة الثالثة قبل أن يسحب الحرس الثوري أجزاء منها لإدارتها والإشراف عليها، وذلك بالطبع يخرق المادة الأولى من قانون السجون الإيراني الذي لا يلتفت إليه أحد.
وفي كل أجزاء إيفين يتعرض السجناء للاعتداء الجنسي والجسدي والصدمات الكهربائية وغيرها من أساليب التعذيب الوحشية، أما الأجنحة 1 و2 و3 و4 أقبية الجحيم فهي لمنتظري الإعدام.
وتدير السجن قوات من الحرس الثوري، ويخضع مباشرة لرعاية المرشد علي خامنئي حاليا، رغم الوصاية النظرية لإدارة السجون بوزارة العدل في الحكومة الإيرانية.
نزلاء السجن يتوزعون بين معارضين للنظام الحالي، والمحتجين على الأوضاع المعيشية، كما يستضيف ذوي الجنسية المزدوجة، وحتى وقت قريب كان السجن مسرحا للتعذيب بعيدا عن أنظار العالم والإيرانيين، وبعدما اكتظ عام 2009 بالمعتقلين إثر الاحتجاجات غير المسبوقة في إيران، وما تعرض له المعتقلون من تعذيب، انتشرت روايات الناجين منهم لتفضح ما يجري في دهاليز السجن.
ويحمل قسم النساء في هذا السجن نصيبا كبيرا من الانتهاكات اليومية، بتعريضهن للتعذيب والمعاملة غير الإنسانية، ومنع العلاج في المستشفيات، وفق تقارير منظمة العفو الدولية العام الماضي.
وتُجرى إعدامات بعد محاكمات سريعة عبر الشنق في فناء داخل السجن، تزيد سجل إيران الأسود في الإعدامات، كثاني أعلى نسبة إعدام في العالم.
ولطالما انتقدت جماعات غربية مدافعة عن حقوق الإنسان سجن إيفين، وأدرجته الولايات المتحدة على القائمة السوداء في عام 2018 بسبب «انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان».
ويشتهر إيفين كغيره من سجون الملالي بالتعذيب الأبيض وهو نوع من أنواع التعذيب النفسي، ويتضمن وحشية في الحرمان الحسي، ويحمل هذا النوع من التعذيب المعتقل إلى فقدان هويته الشخصية وانخفاض إنتاجه البشري من خلال فترات طويلة من العزلة.
وفي إيران يدعى هذا النوع من التعذيب «شکنجه سفید» وهو يمارس على السجناء السياسيين ومعظم السجناء السياسيين الذين يتعرضون لهذا النوع من التعذيب هم الصحافيون، والمحتجزون في سجن إيفين وفيه لا تحتاج عمليات التعذيب بالضرورة إلى إذن مباشر من قبل الحكومة الإيرانية، ويجري فيه التعذيب الأبيض لفترات طويلة من خلال الحبس الانفرادي، خارج نطاق سيطرة سلطات السجن، ويشتهر به القسم 209.
ليس إيفين فقط
وضمن قائمة المعتقلين السابقين الطويلة في إيران يرى كثيرون أن النظام الإيراني وسع خارطة مسرح جرائمه ضد المعتقلين، لتشمل طول البلاد وعرضها، بل كلما ابتعدت عن طهران يصبح المسرح مروعا وأكثر إجراما، هذه المسارح لا ترتادها الوفود الأجنبية، ولا المنظمات الدولية، ولا حتى النشطاء المدنيون المحليون.
الباحث والكاتب والإعلامي يوسف عزيزي بني طرف، يؤكد أن هناك مئات حالات التعذيب في السجون السرية، منها ما يؤدي للموت لكن السلطات تعلن أن السجين انتحر أو أصيب بجلطة قلبية إذا كان السجن سريا والسجين ليس معروفا، سيقتل حتى دون أي ضجة كما حدث للعديد من الأحوازيين مثل أحمد الحيدري وعلي بيت صياح اللذين قُتلا تحت التعذيب في سجن شيبان بالأحواز، ضمن قائمة طويلة من العرب الذين يفارقون الحياة في سجون الأحواز وخاصة المعتقل السري (معتقل الموت)، في حي زيتون والذي قضيت أنا في إحدى زنازينه 65 يوماً.
ويسرد عزيزي حكاية التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرض له في زنزانته، في سجن بعيد عن إيفين وعن أعين الكاميرات، رغم أنه قضى ليلة في إيفين إلا أن كونه عربيا نقل إلى مسقط رأسه في الأحواز لسجن أعد خصيصا للأحوازيين فلكل قومية حصتها من جرائم التعذيب الممنهج.
ويكمل عزيزي لـ«المجلة» سرديته: «في عام 2005، شهدت إيران ومن ضمنها مناطقنا احتجاجات واسعة، ومن طهران التي كنت أسكنها، كنت أمارس نشاطي الإعلامي وتحدثت إلى وسائل الإعلام العربية والفارسية والأجنبية، كنت أنقل لهم ما يجري من قمع دامٍ من قبل السلطات للمظاهرات السلمية لأبناء شعبنا وقتلها نحو 50 متظاهرا، واعتقال المئات منهم في الأحواز».
ويضيف: «لسوء حظي أنني خبرت تجربتين مريرتين خلال عهد النظام الحالي وقبلها كانت لي تجربة في عهد الشاه، كانت أيضا قاسية»، مستدركا: «في عهد النظام الحالي تم اعتقالي في الأحواز العاصمة حيث كنت مدرسا في ثانوياتها. وفي سبتمبر (أيلول) 1981 تم إيداعي في زنزانة بمقر الحرس الثوري في ساحة جارشير، لم يعلم أهلي عن مكان اعتقالي، كانوا يظنون أني أعدمت مع العشرات الذين كان يتم إعدامهم، حيث كنا نسمع صوت الرصاص الذي كان يحصد كل ليلة أرواح نحو 30 سجينا منهم نشطاء قوميون عرب ومنهم من ينتمي لمجاهدي خلق ومنهم لليسار الراديكالي، ليمتزج مع صوت المدافع العراقية التي كانت تدك المدينة من مسافة نحو 40 كيلومترا».
ويتابع: «في المرة الثانية، تم اعتقالي بعد عودتي من مبني مركز مدافعي حقوق الإنسان، في أبريل (نيسان) 2005. وبت ليلة في القسم الخاص بوزارة الاستخبارات في سجن إيفين بطهران، ومن ثم نقلوني إلى سجن سري رهيب في الأحواز، ليس مسجلا في قائمة سجون وزارة العدل، تابع للاستخبارات، وأودعت في زنزانة طولها ثلاثة أمتار وعرضها أقل من مترين، مع الصراصير والسحالي، في صيف المدينة الحار جداً، كان علي أن أحرك جسمي وآكل ضمن تلك المساحة، كنت أمشي من 5 إلى 6 ساعات يوميا ضمن تلك المساحة كالمجنون... وأحيانا كان ينقطع التيار الكهربائي، والأحواز منطقة حارة تصل الحرارة فيها إلى 55 درجة مئوية، وكان ينقطع التيار الكهربائي لعدة ساعات... ولم يفتحوا باب الزنزانة ولا أي ثغرة صغيرة أخرى لدخول الهواء، مما يضطرني إلى أن أخلع كل ملابسي كي لا أموت حرا، وقد ساعدني حظي بأني من أبناء المنطقة، وإلا لو كان السجين من المناطق الإيرانية الباردة لمات أو سقط مريضا في هذه الظروف، تعرضت لتعذيب نفسي لا يطاق، من التهديد بالإعدام إلى جلب زوجتي وابنتي لنفس السجن».
وزير الخارجية الكندي: سلوك الحكومة الإيرانية كان غير أخلاقي
ويضيف: «كانت هناك محاولة لقتلي، شاهدت الموت بأم عيني، وتركوني وحدي في فناء السجن (ساحة تنفس) تحيط بها جدران أسمنتية عالية، وتحت شمس الأحواز الحارقة لساعات دون ماء منهكا عطشان وجوعان، وصرت أضرب الباب الحديدي مرات ومرات وكان مبررهم أن الحارس ذهب إلى السوق والمفاتيح كانت بحوزته، هددوني إذا رفضت الذهاب إلى خاتمي وتقبيل يديه والاعتذار منه فسوف يودعوني في زنزانة عرضها متر وطولها متر. يسمونها زنزانة الكلب أي أن الشخص لا يستطيع الوقوف.. فقط يتسع للجلوس... كنا نسمع بأعمال رهيبة، كاغتصاب الفتيات العذراوات قبل إعدامهن».
ويشير إلى أن «السجون في المدن غير الفارسية هي الأسوأ على الإطلاق فحتى الأكل الذي يقدم للمساجين في سجون طهران ومنها إيفين أسوأ بمرات مضاعفة من الأكل والوجبات في السجون الأخرى في المحافظات المهمشة، والتي تسكنها أقليات في سنندج وفي زهدان في تبريز أي مناطق الكرد والعرب والبلوش والأذريين، لأن طهران عاصمة وهناك تسليط أضواء ومعارضة من رحم النظام نفسه أما في السجون بمناطقنا فلا أحد يسأل ماذا يجري في أقبيتها».
ويؤكد قائلا: «الدليل أن سجوننا الأسوأ هو أنه خلال موجة التمردات والاحتجاجات خلال جائحة كورونا العام الماضي في سجون العديد من المدن الإيرانية فإن السجن الوحيد الذي قابل حركة الاحتجاج بالرصاص كان سجن سبيدار في الأحواز وقتل خلالها 25 سجينا».
ويكشف عزيزي في ختام حواره معنا عن أنه سجون رئيسية مسجلة لدى وزارة العدل وسجون أخرى سرية إلا أنه يعتبر أن السجون بنوعيها ابتلعت الآلاف من الإيرانيين من الكرد والعرب والبلوش والأذريين خلال أربعة عقود تعددت طرق التعذيب والموت واحد.
معتقلات الحرس الثوري... وأساليب التعذيب في «العصر الأسود»
السجون الرئيسية في إيران
تتوزع السجون المركزية الرسمية على الإقليم في إيران، والعديد من هذه السجون حولتها السلطات إلى معسكرات عمل قسري للحصول على أرباح وفق منظمة مجاهدي خلق، يتفنن سجانوهم في تعذيبهم بشتى أنواع الطرق كالصدمات الكهربائية إلى الضرب المبرح وتوقيفهم في البرد لساعات معصوبي الأعين في الحبس الانفرادي أسلوب آخر معتمد في السجون وهو توزيع وبيع المخدرات حيث يقوم السجانون بتوزيع مادة الميتادون بشكل منهجي للسيطرة على السجناء ومنعهم من الاحتجاج، هناك 568 سجينا سياسيا في السجون موزعون حسب قوميتهم، عليهم شتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي وداخل التوزيع القومي هناك توزيع مذهبي ديني، فمنهم 231 شيعيا و150 سنيا و108 غير معروفي المذهب و35 بهائيا و19 مسيحيا، يتوزعون على 493 رجلا و76 امرأة.
والسجون الإيرانية تدار من قبل منظمة السجون والتدابير الأمنية تحت رئاسة السلطة القضائية التي قادها الرئيسي خلال السنوات الماضية، كلفت من المرشد خامنئي لإرساء إصلاحات انتهت في سجون بطول البلاد وعرضها.
ورغم ذلك ليست كل السجون معروفة أو معلنة، هناك العشرات من مراكز الاعتقال غير القانونية باعتراف موقع السجون الإيرانية، أبرزها ذلك الذي خصصته السلطات للعرب المضطهدين في 2016 يقع في شيبان في الأحواز يستوعب 4500 سجين.
وسجن قزل حصار في كرج غربي طهران واحد من أكثر السجون اكتظاظا وأقدمها، بني في 1964 ويتسع لـ5 آلاف سجين، غير أنه يعج بأكثر من 30 ألف سجين موزعين على مبنيين قزل حصار جنوبا وسجن كرج المركزي شمالا.
وهناك أيضا في كرج، رجائي شهر ذائع الصيت في قضية لجنة الموت ومجلس مجازر 1988 هو نفس السجن الذي يحاكم الآن حميد نوري عن جرائمه فيه.
وسجن تبريز في عاصمة أذربيجان الشرقية شمال غربي إيران سعته 1800 سجين لكن العدد الفعلي فيه يبلغ 7 آلاف سجين غالبيتهم من الأتراك الأذريين .
وسجن أردبيل شمال غربي إيران إلى جانب استخدامه كمركز اعتقال للنشطاء الأذريين يعد منفى للبلوش العرب ويتجاوز العدد فيه 2000 سجين.
وسجن زهدان المركزي في عاصمة بلوشستان جنوب شرقي إيران تتحدث تقارير حقوقية عن تحويله لمركز تعذيب يقبع فيه قرابة 3 آلاف سجين.
وسجن جزل آباد في كرمنشاه المحافظة الكردية غربي إيران غالبية السجناء من الكرد.
كردستان.. في رأس قائمة الإعدامات
لكنّ هناك جحيما في سجون سرية بعيدة عن الأعين أو بالأحرى في الهوامش من المدن والتي عادة ما تكون الأقاليم غير الفارسية وبخلاف السجون الرسمية والمعروفة، ويفيد جهانغير عبد اللهي رئيس منظمة حقوق إنسان كردستان بأن الكاميرات تكون عادة موجودة في السجون الكبيرة والمركزية في إيران، ويتم التحكم فيها من قبل المسؤولين عن تلك السجون.
ويقول عبد اللهي لـ«المجلة»: «وضع المعتقلين في السجون بكردستان والأحواز والبلوشستان سيئ للغاية، إذ تحرص السلطات في تعيين مديرين وسجانين من الفرس في المناطق غير الفارسية، كما أنهم يختارون عادة أناسا يحقدون على القوميات الأخرى، مثلا يعينون مديرا لسجن في كردستان قتل أحد أقربائه في إحدى المعارك بين الحركة الكردية والباسيج. كل ذلك لنزع الرحمة والإنسانية من قلوب هؤلاء وزرع الحقد والكراهية للآخر»، مستدركا: «لكن في كل الأحوال هذه المجموعة المقرصنة التي قررت أن تخترق منظومة شبكة كاميرات سجن إيفين لن يصعب عليها اختراق كاميرات السجون في كردستان أو الأحواز وبقية السجون في المدن الأخرى إذا قررت ذلك».
ويضيف: «ما يصلنا ويصل للمنظات الدولية عن أوضاع السجون في كردستان فقط عبر أهالي المعتقلين. وفي هذا الصدد، أذكر مثالا حيث كانت شرارة صادقي زوجة المعتقل الكردي حيدر قرباني، قد نشرت مقطع فيديو قبل أيام، أكدت فيه أن زوجها يتعرّض لأقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي وطالبت بمساعدة دولية لوقف عقوبة الإعدام الصادرة بحقه، وقالت إنها وأطفالها يعيشون في أكثر الأوضاع مرارة»، مشيرة إلى أن «المحكمة العليا لولاية سنه (سنندج) أعادت النظر في قضية المعتقل السياسي حيدر قرباني وصادقت على الحكم الصادر بحقه (الإعدام شنقاً حتى الموت)، كما تمّ نقل المعتقل الكردي لمحكمة كامياران لتنفيذ حكم الإعدام بحقه»، منوها إلى أن «قرباني ليس عضواً في أية تنظيمات مسلّحة، ومع أن هذا الأمر ثبت بالدليل القاطع أمام محاكم الثورة الإيرانية إلا أن السلطات القضائية أبت إلا تنفيذ حكم الإعدام بحقّه بحجة العصيان المسلّح (ضد النظام)»، مضيفا: «تقول منظمة العفو الدولية إن الحكم استند إلى (اعترافات) انتزعت منه تحت التعذيب، وإن قرباني تعرّض، منذ اعتقاله، لضغوط في السجن من أجل الاعتراف، وقال هو أيضًا إنه تعرض للتعذيب بشكل متكرّر من أجل الاعتراف وتم إعداد فيلم من هذه الاعترافات نشرته شبكة (برس تي في)».
ويؤكد عبد اللهي أن «قرباني مثال من بين عشرات الأمثلة التي تعكس واقع الحال في السجون الإيرانية بكردستان، وأن ما شوهد في الفيديو المسرب لا يشكل شيئا أمام ما يجري في الواقع، كل مرة يعتقل ناشط سياسي في كردستان لا أحد من أهله يعلم أين ولماذا ومتى اعتقل، ويتم تعذيبه دون توجيه تهمة محددة له، ويعذب طيلة فترة اعتقاله أو لحين تنفيذ حكم الإعدام بحقه».
ويكشف أن «أحكام الإعدام المنفذة بحق الكرد في إيران هي في رأس القائمة، إلا أن أعداد المعتقلين غير معروفة ولا يتم الإعلان رسميا عن أعداد المعتقلين أو نزلاء السجون، والسبب في عدم دقة أعداد المعتقلين في إيران يعود إلى الاعتقالات العشوائية التي تقوم بها أجهزة الأمن، والإعدام الذي اعتادت إيران إشهارها بوجه معارضيها، إذ لا نعرف هل المعتقل حي أم ميت في كثير من الأحيان»، كاشفا: «هناك 4 معتقلين أكراد قتلوا تحت التعذيب في السجون الإيرانية العام الماضي، وهذا العام حتى الآن تم قتل معتقلين تحت التعذيب، هذا ما تمكنا من الوصول إليه».
ويعبر عن استيائه قائلا: «في إيران يحكم على المظلومين بالإعدام أما المذنبون الحقيقيون فيبرأون، أما في حالة قرباني الذي حكم عليه بالإعدام، فهناك حكم براءة بحق قاضي التحقيق سعيد مرتضوي، المتهم بإصدار أحكام تعذيب حتى الموت، وانتهاك كرامة واعتداءات جسدية وجنسية بحق الشباب الذين جرى اعتقالهم في المظاهرات التي شهدتها إيران عام 2009 أبناء الثورة الخضراء، عندما جرى تجميع المعتقلين في سجن كهريزك المستحدث على الأطراف الجنوبية للعاصمة طهران، وحشرهم تحت أشعة الشمس الحارقة في مستوعبات حديدية وتكديسهم فوق بعضهم ما أدى إلى اختناق العديد منهم»، مضيفا: «ليس ذلك فقط... قبلها بأعوام وبالتحديد في أبريل 2000 قاد مرتضوي حملة اعتقالات لإسكات المعارضة المتزايدة في إيران، وأصدر أمراً بإغلاق مائة جريدة ودورية، وكان وقتها يعمل قاضياً في فرع المحكمة العامة رقم 1410. وفي يونيو (حزيران) 2003 توفيت الصحافية الكندية- الإيرانية زهرة كاظمي وهي محتجزة في عهدة بعض ضباط الأمن ومسؤولي القضاء، وكان مرتضوي على رأسهم. وأفاد محامو عائلة زهرة أن جسدها عليه آثار تعذيب تشمل لكمات في الرأس، وأن مرتضوي اشترك بنفسه في استجوابها، وليس ذلك فقط ففي عام 2004، قام مرتضوي باعتقال أكثر من عشرين مدوناً وصحافياً بشكل تعسفي، وحجزهم في سجون سرية. وأكد بحث هيومان رايتس ووتش أن مرتضوي متورط في ارتكاب انتهاكات ضد هؤلاء المعتقلين تتضمن حبسهم انفرادياً لفترات طويلة، وإجبارهم على توقيع اعترافات كاذبة. وتم تكرار عملية توقيع الاعترافات الكاذبة مرة أخرى أمام كاميرات التلفزيون».
ويكشف في ختام حواره معنا: «ما يجري في السجون السرية التي تأسست على أيدي قوات الحرس الثوري، والتي تنتشر في كافة أنحاء البلاد، وتشهد وجودًا أمنيًا مكثفًا، وتجري داخلها أبشع أنواع التعذيب، وموجود منه في كردستان والأقاليم الأخرى».
سجون غير رسمية
أبرزها حسب مصادر إعلامية:
1- سجن 59: الذي يعد من أقدم سجون الحرس الثوري، ويقع بمعسكر بادجان عشرت آباد، في منطقة ولي عصر بطهران، وهو عبارة عن 4 جدران وسط فناء كبير، توجد فيه العنابر وغرف وأدوات التعذيب النفسية والجنسية للرجال والنساء. ويختلف سجن 59 عن باقي السجون الإيرانية نظرا لقلة الإضاءة التي تصل إلى الظلام الدامس في بعض قاعاته، حيث لا يعلو بداخله صوت فوق صراخ المعذبين من السجناء والناشطين فيه.
2- سجن «حديقة الحيوانات»: يتكون من 3 أقسام: الأول للعنابر، والثاني للمعامل الكيميائية، والثالث للمعامل الميكروبية. كما يحتوي على 3 سراديب ودهاليز، وله 3 مداخل ومخارج عن طريق 3 طرق مختلفة. ويتم حبس الأشخاص المخطوفين من قبل الحرس الثوري في هذا السجن، وكان أول من تولى الإشراف على هذا المعتقل، علي خامنئي، وكانت مهمته اعتقال الطلاب ذوي التوجهات الوطنية القومية والمذهبية في إيران.
3- معتقل أماكن: ينفرد بالقضايا التي تمس الأمن القومي الإيراني من قبيل التجسس ضد الدولة، أو ضد الحرس الثوري الإيراني، أو محاولات الانقلاب على الحكم، حيث يتشكل معظم نزلاء هذا المعتقل من سجناء الرأي والسياسة المعارضين لتوجهات النظام الإيراني.
4- إفسرية أو قصر فيروزه: هو أحد المعتقلات العسكرية في حامية كلاهدوز العسكرية السرية شرقي طهران، وهو جزء من قصر فيروزه الشهير، ويشرف عليه أفراد من القيادة العليا للحرس الثوري الإيراني، حيث تتلخص مهمته في حبس وتعذيب الإصلاحيين والمعترضين خلال الانتخابات الرئاسية. وتذكر مجموعة من مواقع الإصلاحيين والمصادر الصحافية والإعلامية الإصلاحية المناهضة للنظام، أن المعارضين سعيد حجاريان، وتاج زاده، تمَّ اعتقالهما وتعذيبهما في هذا المعتقل بعد الاعتراض على إجراءات انتخابات رئاسة الجمهورية العاشرة في إيران.
5- معتقل شابور: يتعلق ببعض الجرائم الخاصة بالآداب وتعاطي المخدرات، وتحتوي زنازينه على عدد كبير من النساء ممن تعتقلهم قوات التعبئة أو الباسيج، أو شرطة الأخلاق والقيم، أو البوليس السري الجديد في إيران. ويقدر عدد سجناء معتقل شابور، وفقًا لإحصائيات منظمات حقوق الإنسان الإيرانية، بما يزيد على 12 ألف معتقل.
6- معتقل 64 بإدارة المخابرات الحربية: سلسلة معتقلات سرية في طهران ومجموعة أخرى من الأقاليم الإيرانية، مثل شيراز وأصفهان. يقع داخل حامية (جي) العسكرية بين مجموعة من الأحياء السكنية، حيث تديره إدارة المخابرات التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية، وهو من أشد المعتقلات خطورة في إيران، حيث يوجد به تقريبًا 70 معتقلاً فقط غير محددي الهوية، أو هوية القضايا التي اعتقلوا فيها، يعانون من قلة التهوية والمصادر الغذائية والعلاج والأدوية.
7- إدارة التعقب في وزارة الإعلام: تمتلك وزارة الإعلام الإيرانية، بالتعاون مع الإدارة المركزية للمخابرات، مجموعة من المباني المميزة في طهران، ويوجد بها مجموعة من الغرف والمعتقلات السرية المؤقتة التي تستخدمها المخابرات لاستجواب المعتقلين والمشتبه في تورطهم في قضايا تمس الأمن القومي. توجد هذه المكاتب التابعة لوزارة الإعلام الإيرانية وجهاز المخابرات في كثير من الأماكن، أشهرها في شوارع خواجة عبد الله، والسهروردي، وهمت.
8- معتقل دجبان: يقع في قاعدة دجبان العسكرية السرية، وعلى بعد 100 متر من معتقل ساحفا السري أيضًا. ويتسع هذا المعتقل لما يزيد على 350 متهمًا من العسكريين الإيرانيين في جرائم أمنية تمس النظام أو الأمن القومي، يخضعون للتنكيل والتعذيب حتى يتم نقلهم إلى سجن حتشمية دون إجراءات قانونية.
9- معتقل الحفاظ على المعلومات الأمنية التابع للجيش: لهذا المعتقل فرعان، أحدهما في طهران، والآخر في شيراز، حيث يختص باعتقال الشخصيات العسكرية البارزة المعارضة للنظام من قوات التعبئة العامة والحرس الثوري الإيراني، ويرجع تاريخ هذا المعتقل إلى الحرب العراقية الإيرانية حيث كان مقرًا للأسرى العراقيين في الحرب.
10- معتقل المعلومات العسكرية: يتبع هذا المعتقل السري جهاز المخابرات، ويوجد في طهران، ويختص بجرائم التجسس وجرائم الأجانب التي تهدد وجود النظام الإيراني، حيث يشرف عليه القائد العام للمخابرات العسكرية الإيرانية مباشرةً، ويوجد به من 200 إلى 450 معتقلاً، حسب معلومات منظمات حقوق المعتقلين ومناهضة التعذيب في إيران.
11- معتقل الوحدة 209: يقع تحت إدارة وزارة الإعلام، ونشط هذا المعتقل بشكلٍ ملحوظ بعد إغلاق معتقل «توحيد» وتحويله إلى متحف، وغير معروف هوية السجناء فيه، إلا أن عددهم يتراوح بين 250 إلى 300 معتقل معظمهم من المعارضين والشيوعيين في إيران.
وأسس هذا المعتقل كاظم كاظمي أحد كبار مسؤولي وزارة الإعلام الإيرانية. ومن بين أهم معتقلي هذا السجن، رضا شهابي، وعبد الرضا تاجيك.
إضافة إلى تلك المعتقلات السرية المذكورة، توجد مجموعة أخرى من السجون والمعتقلات تتفاوت أهميتها بالنسبة للنظام الإيراني، نظرًا لأنها تقع في أقاليم أخرى، وليس بالعاصمة طهران، مثل:
معتقلات عشرت آباد، ومعتقلات الري، ومعتقلات شهريار، ومعتقل كهريزك، وأرومية، و160 شرطة، ورامين، ومحكمة 7، ومحكمة الثورة، ووزارة الداخلية السري المنفي، وجوهر دشت، ودولة تو، وقزل حصار، وقزل قلعة، وزندان قصر، وقمر، وسوله، ونبوت، ومعتقل سئول الشهير بأبو غريب إيران.
وتعد السجون الإيرانية على اختلافها، من السجون التي لا تحتوي فقط على إيرانيين بل للأجانب أيضا نصيب من الانتهاكات والتعذيب.
كنا مجرد رهائن
فيديو تسريبات سجن إيفين لم تنشط ذاكرة المعتقلين الإيرانيين السابقين فقط، بل هناك من ذاقوا مرارة إيفين وويلاتها من غير الإيرانيين، مثل: نزار زكا اللبناني المقيم في الولايات المتحدة الذي زار إيران يوم 15 سبتمبر (أيلول) 2015، بدعوة رسمية من مساعدة الرئيس الإيراني السابق لشؤون النساء والأسرة، شهيندخت مولاوردي، للمشاركة في المؤتمر الدولي حول دور المرأة في التنمية المستدامة، وبعد ثلاثة أيام، وفي طريق عودته إلى المطار، فوجئ بسيارة مدنية توقفه وتختطفه، وحكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة التجسس لحساب واشنطن، وأفرج عنه عام 2019.
ويقول رئيس منظمة مساندة الرهائن حول العالم نزار زكا لـ«المجلة» إن «الصور المنشورة من سجن إيفين تستحضر بالنسبة لي ذكريات مريرة خلال حبسي فيه»، مضيفًا «كنت في إيفين لمدة 3 سنوات و8 أشهر و25 يومًا».. مستدركا: «لكن التعذيب الرئيسي هو في غرف الاستجواب والحبس الانفرادي، التابعة للحرس الثوري التي تتم داخلها عمليات تعذيب ممنهج».
ويضيف زكا: «منذ الأيام الأولى من توقيفي تعرضت لأشكال مختلفة من التعذيب، فضلا عن ساعات طويلة في التحقيق، ومحاولة إجباري على قول أشياء غير صحيحة، وبعد نحو عام، تم إصدار الحكم بحقي... في الاحتجاز كانت هناك أنواع أخرى من التعذيب، إذ كانوا يوقفون الطعام عنا، ووضعوني في زنزانة انفرادية تحت الأرض لم أعرف منها النهار من الليل... حتى في الطريق بين مكان الاحتجاز ومكان التحقيق يعصبون عيني».
لم يكن زكا الأجنبي الوحيد في سجن إيفين سيئ السمعة، إذ يصف مكان احتجازه متهكما بأنه يعبر عن الأمم المتحدة، أي كان هناك معتقلون من مختلف الجنسيات الأوربية والأفريقية والآسيوية والعربية»، مؤكدا: «كلنا كنا رهائن للحصول على مكاسب سياسية أو إقليمية».
ويكشف زكا قائلا إن «صحيفة دولية تواصلت معي وأرسلت لي فيديو الذي نشر لاحقا، وأرسلت لي بعض اللقطات من سجن إيفين، طُلب مني التأكد مما إذا كان هذا هو السجن بالفعل أم لا. بالنظر إلى اللقطات، تأكدت أنه سجن إيفين، ولكن ليس القسم 2A التابع للحرس الثوري الإيراني أو القسم السياسي 7 والقسم 12».
ويضيف: «سجن إيفين مقسم إلى 3 أقسام، قسم تابع للحرس الثوري وقسم ثانٍ تابع للاستخبارات وقسم ثالث عام تابع لوزارة العدل، ما يظهر في الفيديو هو القسم التابع لوزارة العدل، لا يظهر شيئا من القسمين الآخرين التابعين للحرس الثوري والاستخبارات، وشبكة الكاميرات التابعة لوزارة العدل منفصلة عن الشبكة التابعة للحرس الثوري والاستخبارات»، معتبرا أن «ما شاهدناه في الفيديو يمكن اعتباره إساءة معاملة مقارنة بالتعذيب الذي يحصل في الأقسام الأخرى من السجن».
وحول تداعيات تسريب الفيديو واعتراف المسؤولين الإيرانيين بالتقصير، عبر زكا عن استغرابه من تصريحات المسؤولين في النظام الإيراني بأنهم تفاجأوا واعتذروا عن تلك المشاهد، وأن «هذا محض كذب وافتراء»... إذ يؤكد زكا أن المسؤولين الإيرانيين على اطلاع بكل ما يحصل في أقبية السجن، ويقول: «عندما كنا نشتكي من سوء المعاملة كان القاضي يقول لنا: أنتم تستحقون التعذيب لأنكم تعذبون السجانين»، مؤكدا: «جميع المسؤولين على علم بالتعذيب الممنهج وإساءة المعاملة، ففي كل غرفة تحقيق في السجن هناك جدار لا ترصد ما يجري خلفه أي كاميرا... يسمى النقطة المظلمة، فعندما لا تخضع لإملاءاتهم بما يريدونك أن تعترف به، يتم أخذك خلف ذلك الحائط ويمارس بحقك أبشع أساليب التعذيب، كل ذلك يجري بحضور قاضي التحقيق التابع للسلطة القضائية والمترجم... وصدفت في إحدى المرات خلال محاكمتي، أن عرفت القاضي الذي كان يحقق معي من صوته، إذ إن التحقيق كان يتم معنا ونحن معصوبو الأعين... إن وزارة العدل مطلعة على كل شيء... أي السلطة القضائية والتي كان رئيسها الرئيس الإيراني الحالي، يستخفون بعقول العالم».
ويكشف قائلا إن «الأجانب يتم تعذيبهم، لكنهم يحرصون على أن لا يتركوا آثار تعذيب على أجسادهم، ويعتمدون على التعذيب الأبيض والتعذيب النفسي، لكن آثار التعذيب الوحشي كانت غائرة في أجسادهم، بداية من قلع الأظافر وانتهاءً بأبشع الممارسات الأخرى».
ويلفت إلى أن «النظام الإيراني يتقن الألاعيب، إذ كان يتم دعوة سفراء الدول في طهران والمنظمات الدولية للاطلاع على أوضاع سجن إيفين، كان يرافقهم جواد لاريجاني أمين عام لجنة حقوق الإنسان، وهو شقيق علي لارجاني، كانت المسرحية السخيفة تعرض حيث يجلس السفراء لا يلتقون أي سجين ليخرجوا فيما بعد بكلمات منمقة عن أوضاع السجن، في الوقت الذي نخضع فيه لأبشع أساليب التعذيب تحت الأرض، والشيء الآخر الهزلي كان عندما حضرت فيديريكا موغيريني، مبعوثة الاتحاد الأوروبي، إلى البرلمان الإيراني خلال حفل تنصيب الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، الذي استمر عدة ساعات في العاصمة طهران، وتم التقاط صور معها من قبل نواب النظام... اليوم أي مسؤول أوروبي عندما يقصد إيران ويلتقط صورا عليه أن يدرك أن مواطنيه يتعرضون في نفس الوقت للتعذيب في السجون الإيرانية... عليهم أن يتذكروا التسريبات وأنهم لن يستطيعوا إغماض أعينهم عن الحقيقة مجددا».
ويرى زكا أن «إيران ربطت السياسة الخارجية لها بأخذ الرهائن، وأصبحت هذه هي السياسة المعتمدة لديها في المفاوضات مع الغرب، أو مع أي دولة من دول العالم، ومنذ عام 1989 وأزمة الرهائن الأميركان في طهران ولغاية اليوم السياسة الخارجية الإيرانية مرتبطة بشكل جذري بأخذ الرهائن، لأنها حققت مكاسب من سياستها، خاصة أنه لم تتم معاقبة إيران وقتها».
ويكشف قائلا: «كمنظمة، فإننا سنسعى إلى تعديل الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن المعروفة أيضا باسم اتفاقية الرهائن وهي معاهدة تابعة للأمم المتحدة حيث وافق الأعضاء على حظر ومعاقبة احتجاز الرهائن، لكنها لا تتضمن عقوبات... سنطرح تعريفا جديدا للرهائن، أو تعريف مصطلح الرهينة... على أن يشمل مزدوجي الجنسية، وهي مشكلة كبيرة للإيرانيين مزدوجي الجنسية؛ إذ إن الشخص الذي يؤخذ بغية الاستفادة السياسية يعتبر رهينة».