بيروت: لا تزال أزمة المحروقات تخنق الشعب اللبناني، مع شحّ مادتي البنزين والمازوت من الأسواق اللبنانية، وتضاعف الطوابير أمام محطات الوقود، وارتفاع عمليات التهريب والتخزين وبيع المحروقات في السوق السوداء، على الرغم من قيام القوى الأمنية بمداهمات لوقف الاحتكار والتهريب، إلا أنّ استمرار سياسة الدعم الذي تنتهجه الدولة اللبنانية سيطيل أزمة المحروقات التي تنعكس مباشرة على صحة المواطن مع فقدان المستشفيات مخزونها من مادة المازوت، وتغرق لبنان في عتمة قاتلة، وتنعكس أيضا على رغيف الخبز، ويبقى الحل الوحيد بحسب رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني في حواره مع «المجلة»:
* قررت الحكومة اللبنانية تغطية دعم استيراد المحروقات بسعر صرف 8000 ليرة للدولار، بدلا من 3900. هل هذه الخطوة ستخفف من وطأة أزمة المحروقات؟
- أزمة المحروقات ستستمر لأنّها لا تزال تباع بأقل من كلفة استيرادها، مثلا كلفة استيراد تنكة البنزين على لبنان 15 دولارا، قبل اتخاذ القرار الأخير كانت تباع في الأسواق بسعر 4 دولارات، وبالتالي كان يمكن لأي شخص تخزين مادة البنزين وبيعها في السوق السوداء على سعر 15 دولارا أو تهريبها إلى سوريا وبيعها بـ15 دولارا، أي إن أرباح المحتكرين والمهربين كانت تفوق 200 في المائة، اليوم بعد تعديل التسعيرة إلى 8000 ليرة لبنانية للدولار، لا تزال هوامش التهريب مرتفعة، لأن رفع سعر تنكة البنزين من 4 دولارات إلى 7 دولارات يبقي هامش الربح لدى المهربين كبيرا، وهو يصل إلى 100 في المائة بدل ما كان عليه أي 200 في المائة.
لذلك كون الحكومة اللبنانية اتخذت قرار الرفع التدريجي للدعم ولم يتمّ رفعه بالكامل، سوف تبقى المشكلة كما هي ولن نشهد حلا لأزمة المحروقات، الحل الوحيد لأزمة المحروقات هو بيعها في الأسواق بنفس كلفة استيرادها الحقيقي.
* لماذا تراجع حاكم مصرف لبنان عن قراره برفع الدعم الكلي؟
- بالشكل لم يتراجع حاكم مصرف لبنان عن قراره بوقف الدعم كليا عن المحروقات، لأنّ الخسائر التي كانت تسجل على مصرف لبنان عند بيعه الدولار الواحد على سعر 3900 ل.ل للشركات التي تستورد نفطا توقفت، وبات يبعهم الدولار على سعر منصة «صيرفة»، أي سعر الدولار بات 16000 ل.ل. مقسمة إلى قسمين 8000 ليرة لبنانية يدفعها صاحب الشركة مقابل الدولار، و8000 ليرة تسجل خسارة على الدولة اللبنانية، ولكن فعليا من أين ستأتي الحكومة بالأموال لدعم المستوردين بـ50 في المائة، بالطبع ستأتي بها من احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، لذلك ما حصل مؤخرا كان نوعا من الإخراج أو توليفة لن تستطيع أن تصمد طويلا.
* ما النتائج التي ستترتب على هذا القرار؟
- ما دام الصرف من الاحتياطي بالعملات الأجنبية من مصرف لبنان مستمرا، أي أموال المودعين بالأموال الأجنبية، فسيضطر المودع أن يسحب أمواله بالليرة اللبنانية، لأن سياسة الدعم تقضي نوعا ما على أمواله بالعملات الأجنبية، وبالتالي المصرف المركزي يستمر بطباعة الأموال بالليرة اللبنانية الأمر الذي سيؤدي إلـى استمرار التضخم، مما سيؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار السلع والخدمات.
الاستمرار بسياسة الدعم يغذي تدهور سعر العملة الوطنية بسبب استبدالها أموال المودعين بالعملة الأجنبية بطباعة الليرة التي تؤدي تلقائيا إلى ارتقاع التضخم.
* هل استقدام البواخر الإيرانية إلى لبنان سيساهم في حل مشكلة المحروقات؟
- قطعا لا، لأنه بكل بساطة ليس لدينا مشكلة باستيراد المحروقات، لبنان في الشهر الماضي بحسب التقديرات استورد ثلاثة أضعاف حاجته من المحروقات، رغم استيراده، أكثر من حاجته من المحروقات، فإن هذه الكميات التي يتم استيرادها لا تصل إلى الشعب اللبناني، لذلك فإن استقدام بواخر المحروقات الإيرانية لا تحل المشكلة، لأن المشكلة الحقيقية هي في التهريب والاحتكار وعدم وصول المحروقات إلى الشعب اللبناني، وطالما أن سياسة الدعم مستمرة وبيع المحروقات في الأسواق بأقل من كلفتها الحقيقية ستستمر الأزمة وسيستمر التخزين والتهريب وبيع هذه المادة في السوق السوداء.
* ما تداعيات استقدام المحروقات الإيرانية على الاقتصاد اللبناني؟
- الأكيد أنّ إيران تخضع لعقوبات دولية تلحق قطاع النفط، مقابل عدم خضوع لبنان لأي عقوبات دولية أو حصار، بعكس ما يحاول البعض الترويج له، فلبنان لا يخضع لأي نوع من أنواع الحصار، لأنّه يستطيع أن يستورد ما يريد وأن يحوّل أموالا إلى الخارج وأن تصل إليه أموال من الخارج، لذلك، هل سيلحق لبنان عقوبات جراء استقدامه هذه البواخر؟ الجواب معقد برأيي، علينا أن نرى بداية الجهات الدولية التي تضع هذه العقوبات، هل هي بوارد فرض عقوبات على لبنان؟ وأيضا أين سيتم تفريغ هذه المحروقات؟ هل السلطات اللبنانية ستعطي الإذن لهذه البواخر بالتفريغ أم سيتم تفريغها في سوريا ويتم شحنها برا عبر المنافذ غير الشرعية من سوريا.
الأكيد، إذا اتخذ القرار بتفريغها في ميناء لبناني، يجب أن تحصل على إذن من وزارة الطاقة، الأمر الذي يمكنه أن يسبب عقوبات دولية على الوزارة ودولة اللبنانية.
وأيضا إذا تمّ دعم هذه المحروقات المستقدمة من إيران مثلما يتم دعم المحروقات التي يتم استيرادها من قبل الحكومة اللبنانية، فهذا أيضا يمكن أن يعرض الحكومة اللبنانية إلى عقوبات دولية.