واجه وزير التعليم المصري الدكتور طارق شوقي سيلا عارما من الانتقادات من أولياء أمور الطلاب ومن بعض الخبراء في شؤون التعليم بسبب النهج الذي يتبناه في تطوير منظومة التعليم، لدرجة أن أي قرار يأخذه الوزير في الفترة الأخيرة لا بد أن يثير جدلاً يعيد الانتقادات القديمة، وزادت حدة الغضب على الوزير بين الطلاب وأولياء الأمور بعد امتحانات الثانوية العامة وما حدث فيها من تدني المجاميع عن السابق بفارق كبير، مما أربك أولياء الأمور وجعلهم متخوفين على مستقبل أولادهم وألقوا باللائمة على الوزير وفرضه نظاما جديدا على الطلاب، وهم غير متدربين عليه بالقدر الكافي، ما أدى إلى تراجع في المجاميع النهائية.
وعلى النقيض من ذلك يرى خبراء في الشأن التعليمي بمصر أن الوزير يقود ثورة حقيقية في تطوير التعليم مستندين إلى تقارير تؤكد أن مصر احتلت المركز 39 عالميا في جودة التعليم بعد أن كانت تحتل المركز الـ42 عالميا في عام 2020 وهو ما ينفي الرواية المزعومة بأن التعليم المصري خارج التصنيف العالمي.
تعديل القانون
التعديل الذي أجري مؤخرا على القانون المصري الخاص بالتعليم رقم 139 لسنة 1981 يقضي بأن يهدف التعليم قبل الجامعي إلى تكوين الدارس تكوينا ثقافيا وعلميا وقوميا على مستويات متتالية، من النواحي الوجدانية والقومية والعقلية والاجتماعية والصحية والسلوكية والرياضية، بقصد إعداد الإنسان المصري المؤمن بربه ووطنه وبقيم الخير والحق والإنسانية وتزويده بالقدر المناسب من القيم والدراسات النظرية والتطبيقية والمقومات التي تحقق إنسانيته وكرامته وقدرته على تحقيق ذاته والإسهام بكفاءة في عمليات وأنشطة الإنتاج والخدمات، أو لمواصلة التعليم العالي والجامعي، من أجل تنمية المجتمع وتحقيق رخائه وتقدمه.
الخيامية.. السير عبر ألف عام مضت
تطبيق هذا القانون هو الهدف من المنهج الجديد في التعليم، هذا ما يؤكده الدكتور طارق شوقي وزير التعليم المصري، والذي يرى أن الهدف الأساسي هو تغيير المنظومة التعليمية بأكملها لتتحول من التعليم إلى التعلم، وإحداث ثورة تجعل الطلاب على مسار التقدم المعرفي، وليس التعلم للحصول على الشهادات وأن الدولة المصرية استثمرت في تطوير العملية التعليمية خلال الفترة الأخيرة، مضيفا أن رحلة تطوير التعليم بدأت في فبراير (شباط) 2017 ليستفيد ما يقرب من 23 مليون طالب في المراحل الدراسية المختلفة بالسير في العديد من الاتجاهات وهي تطبيق نظام التعليم الجديد 2.0 ونظام التقييم المعدل، وإنشاء نماذج مدارس جديدة مثل «المدارس اليابانية» و«مدارس التكنولوجيا التطبيقية» والاهتمام بتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة .
وأضاف وزير التعليم في تصريحات سابقة أن الوزارة تنفذ خطة مختلفة من خلال المناهج التي وضعتها لدفع الطلاب إلى التفكر وليس فقط اجتياز الامتحانات، وأنه قد تم استثمار منذ أكثر من عامين في تنفيذ بنوك الأسئلة وبنوك المعرفة وإدخال التكنولوجيا في العملية التعليمية، وأن إضافة العديد من المناهج الحديثة إلى السنوات الدراسية مثل «تكنولوجيا المعلومات» لتأهيل الطلاب لمواجهة تحديات المستقبل، والتي تعتمد على تدريس المناهج للأطفال بطرق تفاعلية شيقة وليس بطريقة التلقي، وأن الوزارة تمتلك المناهج التي تم تأليفها لنظام التعليم الجديد، فضلاً عن امتلاكها لبنوك الأسئلة لأول مرة، وهو ما يساعد على نقل التجربة لعشرات الدول على غرار الشهادات الدولية، بالإضافة إلى توفير عدد من المنصات الرقمية ومنصات البث المباشر للدروس التعليمية، وهو ما ساعد في إتمام العملية التعليمية في مرحلة انتشار فيروس كورونا .
* ما يحدث الآن في المنظومة التعليمية تطوير حقيقي لكن هناك بعض الثغرات
من جانبه، يرى الدكتور حسن شحاتة أستاذ التربية بجامعة عين شمس أن عملية تطوير التعليم في مصر تخضع لرؤية دولية لنقل التعليم المصري من المحلية إلى العالمية وهذا يتطلب خطوات متدرجة ومتتابعة حيث إن مرحلة شهادة الثانوية العامة على مدار سنوات طويلة كانت مشكلة بالنسبة للآباء والأمهات بل أصبحت مشكلة تؤرق المجتمع المصري، وتكمن المشكلة في نظرة ضيقة عن التعليم في هذه المرحلة والتي تجعل التعلم مرحلة واحدة وهي الامتحانات، حيث إن النظام السابق للتعليم في مصر يعتمد اعتمادا كليا على الكتاب المدرسي وورقة الامتحان، فالطلاب يستخدمون آليات الحفظ ولهذا يحصلوا على تفوق وهمي ودرجات لا تعبر على مستوى ذكاء الطالب الحقيقي وهي تعبر عن التذكر ولا تعبر على القدرات العقلية للطالب .
وكشف شحاتة عن أن هذا العام حدثت نقله نوعيه في امتحانات الثانوية العامة بحيث جاء الامتحان من خارج الكتاب المقرر، وفي نفس الوقت يقيس مهارات الطلاب الحقيقية ويعتمد على التحليل والتدقيق مع استخدام نظام البابل شيت والتصحيح الإلكتروني واللذان يعتمدان على السرعة والدقة، وهذا التحول كشف عن قدرات الطلاب الحقيقية ولذلك حصل الطلاب الذين يعتمدون على العقل في التحليل والتدقيق على الدرجات العليا، مع الوضع في الاعتبار أن اختيار نظام الاختياري وعدم الاعتماد على الأسئلة المقالية ساعد بشكل كبير على معرفة قدرات الطلاب لذلك لم يحصل أحد على نسبة 100 في المائة، وهذا أدى إلى انخفاض في نسب القبول في الجامعات إلى 10 في المائة عن الأعوام السابقة .
واعتبر شحاتة أنه لا توجد مبررات حقيقية تؤكد أن أولياء أمور الطلاب على صواب لأنهم لا يضعون في اعتبارهم سوى الامتحان فقط ودخول أبنائهم كليات القمة، متغافلين عن أن هذه الدرجات لا تعبر عن واقع ومستوى ذكاء أبنائهم ولو تم رصد لحالات الطلاب الذين حصلوا على أعلى الدرجات في الثانوية العامة في السابق داخل كليات القمة لوجدت نسبة كبيرة ترسب في السنوات الأولى للطب والهندسة وغيرها من الكليات العملية، وهذا مؤشر يؤكد أن هذه الدرجات غير حقيقية لكن درجات هذا العام في نتائج الثانوية العامة تعبر عن الواقع الحقيقي لمستوى الطلاب حيث تضمن للطلاب التفوق في التعليم الجامعي وفي نفس الوقت تخرجا متخصصا متميزا كما يحدث تنوع في مجالات التعليم الجامعي في مصر يساعد بشكل كبير على تنويع التخصصات لإتاحة فرص حقيقية في سوق العمل حيث تفرض البرامج الجديدة لآليات سوق العمل العديد من المتطلبات والمهارة.
تدريبات «حماة النيل»... مناورة أم اقتراب من الخيار العسكري؟
واعتبرت دكتورة محبات أبو عميرة أستاذة المناهج والعلوم التربوية أن إصلاح التعليم لا يتوقف على قرار وزير التعليم فقط وأن إصلاح التعليم في مصر لا أحد يختلف عليه، وما يحدث الآن في المنظومة التعليمية تطوير حقيقي لكن هناك بعض الثغرات التي تعيق هذا التطوير وعلى سبيل المثال، فقد حدث تطوير في تعليم المرحلة الابتدائية وعلى مستوى المنظومة ككل سواء في المناهج وأساليب جمع المعلومات من خلال منصات التعليم الإلكتروني، لكن عندما ندخل على مرحلة الإعدادي نجد الثغرة والحلقة المفقودة بين التعليم الابتدائي والثانوي وهذه المرحلة لا يوجد اهتمام فيما انصب الاهتمام جزئيا وليس كليا على المرحلة الثانوية.
الإخوان بين مصر وتركيا... مستقبل ضبابي
نظام التعليم
على الجانب الآخر يرى الخبير التعليمي عبد الحفيظ طايل أن هناك "خطأ كبيرا" في نظام التعليم الذي يريد الوزير تطبيقه "بشكل فوقي" دون نقاش مجتمعي حقيقي حول هذا النظام وماهيته وجدواه وتأثيره على مستقبل الطلاب ابتداء ومن ثم مستقبل الوطن ككل، ولفت طايل إلى أن لب القضية هو ضرورة النظر إلى التعليم باعتباره حقا لا سلعة، وحتى يأخذ المواطن حقه في التعليم لا بد أن تتوافر عدة معايير ومتى توافرت هذه المعايير نكون بدأنا الطريق الصحيح وإن اشتكى البعض يكون الخطأ في التطبيق وليس في المنهج.
وأوضح طايل أن أهم معيار لضمان وصول الحق في التعليم لكل الطبقات هو معيار الإتاحة، فلا بد من توافر تعليم يكفي ويفيض عن حاجة المجتمع بمعنى أن تكون هناك مدرسة قريبة ومجانية في كل الأماكن في القرى والنجوع وأطراف المدن وحواريها، وفي هذا الإطار نحن نعاني من قلة المدارس وعجز في أعضاء التدريس، ناهيك عن ضعف مرتبات المدرسين والتي تعوق عملية الابداع، فالمدرس لم يعد قادرا على العطاء بسبب قلة الدخل المادي ولجوئه لسد هذا العجز بإعطاء الدروس الخصوصية، ومن هنا أصبح الوصول للتعليم غير متاح إلا لمن يملك المال سواء بجلب مدرسين خصوصيين لابنائه أو الذهاب لمدارس خاصة باهظة الثمن، وبذلك أصبح الحصول على تعليم جيد مرهونا بالقدرة الشرائية للأسر وهذا يحرم أسرا أخرى من فرص التعليم الجيد ناهيك عن أن هذه المدارس خاصة ما تسمى الدولية ذات مناهج مغايرة وثقافة مختلفة وهو ما يهدد الروح الوطنية لأن هناك مدارس تنشر ثقافات أخرى ولا تضع الهوية الوطنية لطلابها في الاعتبار وهذا أمر جد خطير وأصبحنا أمام تفرقة مجتمعية خطيرة فهناك طلاب يستطيعون دخول كليات مرموقة وهم ليسوا بالضروة متفوقين لكنهم أغنياء وهناك آخرون محرومون من مثل هذه الكليات بسبب فقرهم، مما يترتب عليه أيضا حرمانهم من فرص عمل تليق بقدراتهم العقلية لا لشيء سوى أنهم فقراء.
* نعاني من قلة المدارس وعجز في أعضاء التدريس، وضعف في المرتبات ما يحتّم اللجوء إلى الدروس الخصوصية
وخلص طايل إلى أنه حتى نبدأ إصلاحا حقيقيا في منظومة التعليم على الدولة ممثلة في وزارة التعليم أن تضع نصب عينيها أن التعليم حق وليس سلعة، وهذا يتطلب رفع ميزانية التعليم للوصول إلى 25 في المائة من الإنفاق الحكومي لخلق بيئة مواتية لنظام تعليمي جيد يضمن للمدرس دخلا ماديا يعينه على الإبداع والتطور، وبناء مدارس قريبة من كل المواطنين وتغيير حقيقي في المناهج، حتى تكون هناك تنافسية حقيقية بين المدارس الحكومية والمدارس الخاصة ولا بد أن تكون الغلبة للمدارس الحكومية من أجل بناء جيل صاحب هوية وطنية ومبدع وقادر على قيادة المستقبل ووضع مصر في مكانتها الطبيعية كأمة رائدة منذ فجر التاريخ، وعلى صانع القرار في التعليم أن يخضع قراراته ورؤيته للحوار المجتمعي لأن التعليم قضية من أهم القضايا المجتمعية ولا يصح أن تؤخذ بشكل فردي أو قرار فوقي.