جدة: أطلق الكاليفورنيون في الولايات المتحدة على التمور لقب «جواهر الصحراء»، عندما عرفوا زراعتها أواسط القرن التاسع عشر، وجلبوا فسائلها من دول الخليج العربي وشمال أفريقيا. ولم يكن ذلك اللقب بعيدًا عن الحقيقة، فجواهر الصحراء لديها طاقات كامنة، يمكن أن تحولها من مجرد ثمار تؤكل مع القهوة إلى صناعة متكاملة، بدأت تتلمس طريقها، رويداً رويداً، وبخاصة مع احتلال السعودية المرتبة الثانية عالميًا في الإنتاج بمعدل 1.5 مليون طن سنويًا، مباشرة بعد مصر، المنتج الأول للتمور حول العالم بواقع 1.7 مليون طن سنويًا.
تلك الأطنان الكثيرة من التمور السعودية، تشكل نواة لصناعة متطورة، تعطي حبات التمر قيمة مضافة أبعد من بيع الثمار الطازجة أو المجففة أو العجوة أو المحشوة، بل إدخالها في صناعات طبية وغذائية متقدمة، وجعلها مصدراً للطاقة اللازمة لتشغيل الآلات!
نرصد في التقرير التالي الخطوات السعودية نحو مأسسة صناعة التمور ومنح التمور السعودية هوية تميّزها وجعلها علامة تجارية ذات ثقل في عالم الأغذية الإقليمية والعالمية، وكذلك التركيز على الصناعات التحويلية والتعويل عليها كأحد موارد الاقتصاد غير النفطي.
التمور السعودية في أرقام
تقول أحدث الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المركز الوطني للنخيل والتمور والهيئة العامة للإحصاء الصادرة العام الجاري أن:
1- المملكة تصدر تمورها إلى 107 دول حول العالم
2- بلغ حجم صادرات النمور 215 ألف طن عام 2020 بزيادة 17 في المائة عن عام 2019
3- وصلت قيمة الصادرات إلى 937 مليون ريال (نحو ربع مليار دولار) بارتفاع 7.1 في المائة عن عام 2019
4- تحتضن المملكة 31 مليون نخلة ضمن 123 ألف حيازة زراعية
5- عدد مصانع التمور 157 مصنعًا
6- قفزت قيمة الصادرات بين 2015 و2020 بمعدل 73 في المائة
7- نسبة المنتجات التحويلية من صادرات التمور 24 في المائة
8- تسعى السعودية لأن تكون أكبر مصدّر للتمور حول العالم
علامة التمور السعودية
في أغسطس (آب) 2011، أطلقت السعودية المركز الوطني للنخيل والتمور، الذي يتمثل في إنشاء مركز متطور للمساهمة في تطوير قطاع النخيل والتمور، وتحقيق استدامة القطاع عبر رفع حجم وقيمة الصادرات وتعزيز مستوى الجودة ورفع معدلات استهلاك التمور، محليًا وعالميًا، وترشيد استخدام المياه والمبيدات.
وقد مضى المركز في خطوات تطويرية كبيرة من أجل مأسسة صناعة التمور وجعلها أكثر أهمية وجدوى في الاقتصاد غير النفطي في جانبه الزراعي، إلا أن أحد أهم خطواته هو إطلاق «علامة التمور السعودية»، وهي علامة تجارية تمنح لمختلف منتجات التمور والمصانع والشركات، وحتى أشجار النخيل ذاتها، للدلالة على أن الشجرة والمنتج ونظام الإنتاج، كلها مطابقة للمتطلبات الفنية والقياسية، التي يحددها المركز الوطني للنخيل والتمور، فيما يخص سلامة الغذاء وجودته إلى جانب توافقها مع اشتراطات الأسواق العالمية.
إن منح التمور السعودية شخصية واضحة وهوية مميزة بملامح ومستوى جودة وتصنيفات لجميع الأنواع تحت اسم «علامة التمور السعودية»، ينقل ذلك المنتج السعودي إلى مرتبة المنتج الاستراتيجي، الذي يحتل مكانة بارزة ويحتفظ بقيمة معنوية، تتمثل في الثقة والسمعة الممتازة، وكذلك قيمة سوقية أعلى لأن المنتج مضمون الجودة ومصنف حسب الحجم، إلى جانب قيمته الغذائية العالية.
ومع اهتمام الأسواق المتقدمة أو ذات القيمة الشرائية العالية بالمنتجات العضوية، يمكن لمنتجات التمور السعودية أن تكون لاعبًا لا يستهان به، وبخاصة مع انتشار الوعي لدى المزارعين السعوديين بالزراعة العضوية.
الوقود والقهوة والكحول.. والسياحة
هل يمكن استخراج الكحول الطبي من التمور؟ وهل تتحول التمور الرديئة إلى وقود؟
نعم، وبخاصة أن هناك فائضًا كبيرًا في الإنتاج، يتجاوز استهلاك الثمار الخام. صحيح أن المملكة تتبرع بجزء من فوائض إنتاجها في سبيل دعم الأمن الغذائي العالمي، إما بإرساله إلى الدول مباشرة أو عبر برنامج الغذاء العالمي، لكن ذلك لا يستوعب جميع فوائض الإنتاج الكثيرة. فما هو الحل؟
تتبنى السياسات الزراعية السعودية فيما يخص التمور مبدأ تشجيع وتمويل الصناعات التحويلية للتمور، بل إن الأمر وصل إلى أن المركز الوطني للنخيل والتمور، يقدم دراسات الجدوى الجاهزة لأي مستثمر، يرغب في الدخول إلى هذه القطاع، شاملة جميع التفاصيل حتى الدقيقة منها، وكلها متاحة للعموم على موقع المركز الإلكتروني.
وتشمل الصناعات التحويلية المعروضة صناعة مسحوق التمر (يمكن أن يستخدم للتحلية الطبيعية) والكحول الطبي والدبس والمربى والخل والعجينة المستخدمة في صناعة الحلوى والسكر السائل.
أما التمور الرديئة، فيمكن تحويلها إلى وقود الإيثانول الحيوي، الذي يشغل الآلات والمحركات، وهو وقود نظيف ليس له نواتج احتراق كربونية ملوثة للجو.
كما أن أنوية التمر، لها استخدامات تحويلية، بدأت بعض المصانع السعودية في استغلالها، مثل تحويلها إلى قهوة عبر غسل الأنوية وتجفيفها، ثم تحميصها وطحنها وتحويلها إلى مسحوق، يستخدم في صناعة قهوة خالية من الكافيين!
إن توسيع النشاطات السياحية السعودية، ومنها السياحة الريفية، يتضمن استغلال مزارع النخيل والحيازات الزراعية في مناطق المدينة المنورة والقصيم والأحساء والرياض وحائل، من أجل استضافة السياح، وهو ما بدأ بالفعل. وبذلك، تأخذ صناعة التمور بعدًا سياحيًا، يضاف إلى الصناعات التحويلية والأمن الغذائي وتعزيز الاقتصاد السعودي غير النفطي. وهكذا تمنح «جواهر الصحراء» كل قيمتها الثمينة للبلاد والعباد، ويصبح الرهان السعودي على التمور رابحًا!