وحدهم الذين يعرفون ترايسي داني شمعون عن قرب لم يفاجئهم قرارها بالاستقالة من مركز سفيرة لبنان في المملكة الأردنية الذي عينها فيه الرئيس ميشال عون من خارج السلك الدبلوماسي، ليس فقط رداً لجميل والدها المرحوم داني شمعون الذي قتل غدراً بعد يومين من سقوط حكومة عون في قصر بعبدا سنة 1990، إنما أيضاً تقديراً لما تتحلى به هذه المرأة من مزايا عديدة كونت لها شخصية فريدة.
ترايسي هي سليلة واحدة من أهم العائلات السياسية في لبنان التي أسسها جدها رئيس الجمهورية الأسبق المرحوم كميل شمعون الذي كان عهده رمزاً للازدهار والبحبوحة والمشاريع الإنمائية والبنى التحتية، ومع ذلك فهي بعيدة جداً عن مبدأ الوراثة العائلية، ولا تؤمن إلا بالكفاءة معياراً للتطور والتقدم والنجاح ولأنها كذلك فالحديث معها ممتع والحوار مفتوح على سيدة يصح فيها القول إنها «غير شكل» لأنها غير تقليدية بالمفهوم السياسي اللبناني، ولأنها تتخذ القرار في اللحظة التي تراها ملائمة، فهذه السيدة التي أتت إلى الدبلوماسية من خارجها لا تحسب حساباً إلا للاقتناع الشخصي، فهي تبادر وفق ما تراه لمصلحة الناس والوطن وبناء على الاقتناع الذاتي وليس تسديدا لفاتورة هنا أو وقوفا على خاطر أحد هناك...
مع هذه السيدة الاستثنائية كان هذا الحوار:
* كيف تنظرين إلى الواقع اللبناني بعد تعثر تشكيل حكومة تخرج البلد من المآسي التي يعيشها؟
- الوضع سيئ وسيصبح أسوأ خصوصاً بعد فقدان الكثير من الفرص لإنقاذ البلد، مثل المبادرة الفرنسيّة وغيرها، والتمسّك بالسلطة هو سبب خراب الوطن وتدهور المؤسسات ومعاناة الشعب، ومنع ولادة حكومة إنقاذيّة على الرغم من مرور أكثر من عام على استقالة حكومة حسان دياب.
دوري شمعون لـ«المجلة»: الجميع يعلم أن حزب الله مسؤول عن مرفأ بيروت
الوضع الحكومي
* هل موضوع توزيع الحقائب هو سبب تأخير تشكيل الحكومة أم إنها ذريعة لأن هناك فريقا سياسيا لن يسهل عملية التشكيل لأن الوضع اللبناني مرتبط بالوضع الإقليمي؟
- إنّ هذا السلوك من قبل السلطة في لبنان يحوّلها إلى سلطة مذنبة إذ تحوّل قسمٌ كبير من اللبنانيّين إلى فقراء، كما أنّ الأزمات الكثيرة، مثل انقطاع المازوت والدواء، طاولت الغنيّ والفقير على السواء.
إن تأجيل تشكيل الحكومة له سببان، الأول خارجي مرتبط بالمفاوضات في فيينا مع إيران، فالفريق الملتزم معها في لبنان يفضل أن ينتظر نتيجة هذه المفاوضات قبل تشكيل الحكومة.
والثاني داخلي مرتبط بالصراعات بين زعماء الطوائف نتيجة تمسّكهم بالمحاصصة. فما يسمّى بالثنائي الشيعي لن يتخلّى عن وزارة المال لأكثر من سبب، من بينها موضوع التدقيق الجنائي. والسنّة لن يتخلوا عن وزارة الداخلية بسبب حصولهم عليها في الكثير من الحكومات. أما مسيحيًا، ففريق رئيس الجمهورية يريد التمسك بالثلث المعطل لضمان نفوذ صهره جبران باسيل. كما يطمح للحصول على وزارة الداخلية التي تشرف على إجراء الانتخابات البلدية والنيابية ليحمي صهره الذي أصبح من الرجال الأكثر كرهاً في لبنان.
التصعيد في الجنوب
* هل تعتقدين أن ما جرى في الجنوب من تصعيد عسكري هدفه حرف الأنظار عن التحقيق في جريمة المرفأ؟
- هناك سببان لما حصل في الجنوب من تصعيد عسكري:
الأول، أنّ الصواريخ التي انطلقت في 4 أغسطس (آب) محاولة لحرف الأنظار عن ذكرى شهداء التفجير، لأنّ المعارضة كانت متواجدة بعدد كبير في هذا اليوم المؤلم في مظاهرة موجّهة ضد السلطة وضدّ سلاح حزب الله اللذين يتّهمهما قسمٌ كبير من الشعب اللبناني بالوقوف وراء هذا الانفجار.
والثاني أنّ ردّ حزب الله على الصواريخ التي أطلقتها إسرائيل على لبنان كانت فرصة له للتعويض عن الغارات الإسرائيلية التي استهدفت عناصرهم ومناصريهم في سوريا، وبعد مقتل الشاب من حزب الله الذي خرق الحدود أثناء الصراعات بين حماس وإسرائيل. وأيضا كانت محاولة تحذير لإسرائيل بوجود جبهة شمالية لها في حال الصراع مع إيران.
البنك الدّولي: أزمة لبنان الماليّة من بين 10 أسوأ أزمات حول العالم منذ القرن التاسع عشر
تحقيق المرفأ
* هل مسار التحقيق في انفجار المرفأ سيصل إلى نتيجة تحدد من أحضر النيترات ومن مول تخزينها وهل سيثبت التحقيق أن الكمية التي انفجرت لا تتعدى 500 طن كما ذكرت مصادر المحققين الأجانب؟
- نحن نعلم في لبنان أن أي تحقيق يطالب بتوقيف مسؤولين سيؤدي إلى مشاكل كثيرة. وحتى الآن رأينا ذلك في رفض الغالبيّة النيابيّة رفع الحصانة عن النواب والوزراء السابقين الذين وُجّهت إليهم اتّهامات في القضية. ويوجد ضغط كبير على قاضي التحقيق طارق البيطار، المسؤول عن التحقيق في ملف المرفأ، من قبل حزب الله، حيث شكّك الأمين العام للحزب بمصداقيته، واتّهمه بأنّه مسيّس، وذلك على عكس الحقيقة لأنّ القاضي البيطار يمتلك كامل ثقة أهالي الضحايا.
من حقّ اللبنانيّين أن يعرفوا كامل الحقيقة ومحاسبة المسؤولين، مع الإشارة إلى أنّ ما يرتبط بوصول النيترات إلى بيروت واختفاء قسمٍ منها يتطلّب تحقيقاً أمنيّاً دوليّاً.
السلطة ستعرقل
* هل تعتقدين أن السلطة الحاكمة ستسهل إجراء الانتخابات النيابية في موعدها وإذا لا ما الأسباب؟
- لا أعتقد أن السلطة ستسهّل إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرر في الربيع المقبل، لأنها لا تصب في مصالحها لأسباب عدّة، منها أنّ شعبية الأحزاب قد تراجعت كثيرا، وهي في أسوأ أحوالها حاليًا. كما أنّ الأكثريّة النيابيّة الحاليّة قد تفقد حجمها الحالي في المجلس، ما قد يفقدها سيطرتها على إقرار أو عرقلة القوانين وفق مصالحها. والأهمّ أنّها ستفقد قدرتها على إيصال رئيس الجمهورية الذي تريده في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة.
ولا ننسى أيضاً سبب عدم توافر الأموال لإجراء الانتخابات حاليًا مع الوضع الاقتصادي الصعب.
لذلك، قد تلجأ السلطة إلى التمديد لنفسها لانتخاب الرئيس المقبل، على الرغم من الضغط الشعبي في الداخل والضغط الدولي.
من المسؤول
* من المسؤول عما يحصل في البلد على الصعيد المعيشي والاجتماعي وما هو المطلوب للخروج من هذه الدوامة؟
- بالمبدأ، يجب على الحكومة حتى ولو كانت حكومة تصريف أعمال أن تتحمل مسؤولية إدارة البلد على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، ولكن كيف يحصل ذلك وهم لا يجتمعون، مما حوّل هذه الإدارة الفاشلة إلى رئاسة الجمهورية من خلال عقد اجتماعات للمجلس الأعلى للدفاع الذي ألغى دور الحكومة وحوّل إدارة البلد إلى قصر بعبدا.
المطلوب للخروج من هذه الدوامة هو تشكيل حكومة مكوّنة من اختصاصيين مستقلين كفوئين لإدارة البلد، للبدء في تطبيق الإصلاحات مما يفسح المجال للحصول على مساعدات دولية للخروج من هذه الدوامة.
الاحتلال الإيراني
* لماذا خفت لهجة المطالبين بتدويل القضية اللبنانية لرفع يد الاحتلال الإيراني للبنان؟
- لا أظن أن المطالبين برفع يد الوصاية الإيرانيّة عن لبنان قد تراجعوا من ناحية العدد، على العكس، فهذا الأمر أصبح طلبًا أساسيًا للمتظاهرين الذين يرون أن سلاح حزب الله غير الشرعي هو السبب الرئيسي في تدهور لبنان.
أما موضوع التدويل فلديه شروط خاصة لعلاجه من قبل الأمم المتحدة، ولبنان ليس في وارد الخضوع لهذه الشروط رغم الصعوبات التي يعيشها اللبنانيون.
الرئيس الغائب
* كيف تنظرين إلى تصرف رئيس الجمهورية بعد انفجار الوضع في الجنوب؟
- كان تصرف رئيس الجمهورية غائبًا عما حدث في الجنوب ولم يتدخل في ضبط حزب الله الذي يملك حتى الآن قرار السلم والحرب، علماً أنّ الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلّحة ورئيس المجلس الأعلى للدفاع وسبق أن وعد بتطبيق استراتيجيّة دفاعيّة، الأمر الذي سيسمح بضمّ سلاح حزب الله إلى الدولة وتوحيد قرار السلم والحرب مع الجيش اللبناني الذي هو المسؤول الوحيد عن الدفاع عن الأراضي والحدود اللبنانية.
لبنان: عون يبدّد الأجواء الإيجابية في ملف تشكيل الحكومة.. عبر خرقه الدستور
الابتعاد اللبناني
* ما هي الأسباب التي أبعدت لبنان عن محيطه العربي وعن الدول الصديقة له؟
- للأسف، لبنان لكونه بلداً متعدداً طائفيا أصبح مشمولًا بالصراعات الإقليمية والفتن الدينية، فما يجري في الخارج يؤثر على الداخل، وعلينا كلبنانيين أن نتحدى هذه الصراعات وأن نفتخر بهذا التنوع الذي يميّز المجتمع اللبناني وأن نكون مثالًا للعيش المشترك في المنطقة.
الحملة على البطريرك
* كيف تنظرين إلى الحملة التي شنت من قبل أنصار حزب الله على غبطة البطريرك الراعي لأنه طالب الجيش يبسط سلطته على كل الأراضي اللبنانية؟
- إنّ هذه الحملة غير مقبولة أبدًا، فتخيلوا كيف سيكون ردّ الفعل لو أنّ هذه الحملة شُنت على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله؟ نحن بلد ديمقراطي وعلى جميع مكوّناته احترام الحرية وهذه القواعد، فالبطريرك طالب بأمرٍ وطنيّ وهو أن يكون الجيش اللبناني المدافع الوحيد عن الأراضي اللبنانية وقرار السلم والحرب يعود إلى الدولة وليس لفريق لا يمثل أكثر من ربع عدد سكان لبنان، لذا فإنّ التخوين مرفوض، وعلينا أن نتعلّم أنّ هذا البلد لنا جميعًا، وأنّ الطائفيّة تدمّر، ولا ينقصنا المزيد من الدمار في لبنان.
* كيف تقيمين تجربتك في السلك الدبلوماسي وما توجهك السياسي الجديد كونك من بيت سياسي لبناني عريق؟
- إنّ تجربتي كانت مدرسة في حدّ ذاتها، وكان موقعي كسفيرة في المملكة الأردنية الهاشمية شرفاً لي، لأن العلاقة بين البلدين تاريخية وتعود لأيام جدي الرئيس الراحل كميل شمعون.
أما في موضوع السياسة، وبسبب انتمائي لبيت سياسي لبناني عريق، فهناك مسؤولية وطنية لكي أستمر وأدافع عن هذا الوطن الحبيب ولن أتراجع رغم الصعوبات السياسية والاجتماعية التي نعيشها جميعا.