لندن: خلال عقد من الحرب في سوريا، تزايدت الضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية على النظام السوري. وفي ظل وجود تيار قوي يرى أن هذه العقوبات فعالة في ردع ومحاسبة الأفراد والجهات الفاعلة في الحرب والتي تساهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي وقمع وقتل وتعذيب وتشريد السوريين، يبقى السؤال الأهم: هل استطاعت العقوبات فعلاً تحقيق أهدافها؟ وهل تستحق النتيجة الثمن الذي يدفعه الشعب السوري؟
للحديث عن هذا الموضوع، التقت «المجلة» الباحث ربيع نصر مؤسس ومدير المركز السوري لبحوث السياسات، وإليكم نص الحوار:
* نسمع دوماً أن العقوبات الاقتصادية تهدف إلى تغيير سلوك النظام السوري وحلفائه، هل هناك آليات لتقييم هذا التغيير؟
- بداية أشير إلى دور الضغوط السياسية وقطع العلاقات الدبلوماسية، ورفع الشرعية عن النظام السوري، وهو بالتأكيد ذو أثر كبير، لأن الشرعية الدولية أمر أساسي للدولة ودورها ضمن الشرعة الدولية والفضاء العالمي ضمن منظومة العلاقات الدولية.
أما العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، فهي لا تحظى بالإجماع في مجلس الأمن، وبالتالي هناك هوامش واسعة أمام النظام السوري للتحرك وتفادي آثار تلك العقوبات، خصوصاً مع إمكانية إقامة علاقات اقتصادية مع اقتصاديات الجنوب كالصين وشرق آسيا ودول أميركا اللاتينية خارج إطار العقوبات.
فالتجارب المرتبطة بعقوبات اقتصادية لا إجماع دوليا عليها، ولا تُغيّر سلوك الأنظمة، والدليل على ذلك استمرار وجود الأنظمة السياسية في كافة الدول التي فرضت على أنظمتها عقوبات غربية، أي أنه لا يوجد نظام سياسي تغيّر نتيجة العقوبات الاقتصادية الغربية، والسبب بسيط لأن الأنظمة قادرة على تغيير السياسات الاقتصادية وبناء شبكة مصالح خاصة من خلال اقتصاديات العنف والاقتصاديات غير المباشرة واقتصاديات النزاع حول العالم.
وهنا من الضروري أن أوضح أمراً، أن جدوى العقوبات مرتبط بالهدف الحقيقي وراء فرضها، ففي سوريا مثلاً، تُفرض عقوبات بحجة ممارسات يتم التغاضي عنها في حالات أخرى، ودول مختلفة.
الهدف المعلن من فرض العقوبات الاقتصادية على النظام السوري هو تغيير سلوكه لنشر الديمقراطية وحماية المدنيين، والمشكلة أن من يفرضون العقوبات، هي أنظمة إما لا تطبق ما تطالب به النظام السوري، أو تتغاضى عن ممارسات مشابهة من جانب حكومات أخرى، دون تحرك لفرض عقوبات مشابهة، بل قد تحصل على دعم دولي، وهو ما يجعل الهدف الأساسي من العقوبات بعيداً كل البعد عن حماية المدنيين.
كما أن الدول التي تفرض العقوبات، كأميركا مثالاً، تمارس انتهاكات مباشرة في المنطقة كما فعلت في العراق وفي سوريا في الرقة، وبالتالي نجد مجدداً أن هدف معاقبة الأنظمة الاستبدادية وحماية المدنيين لا مكان له في المعادلة.
* يعزى تردي الوضع الاقتصادي وغياب الخدمات إلى العقوبات بشكل أساسي في كثير من البحوث والخطابات السياسية، إلى أي مدى يمكن القول إن العقوبات هي السبب الرئيسي في ذلك؟ لو رفعت العقوبات هل سنشهد تحسناً مباشراً وملحوظاً في الأوضاع الاقتصادية والإنسانية؟
- تهدف العقوبات على النظام السوري وخاصة بالنسبة للحكومات الأوروبية إلى إرضاء الرأي العام، وبالتالي تبالغ الحكومات الغربية بالحديث عن أثر العقوبات، وفي تبيان آثارها السلبية البالغة، وتشدّد دائماً على أنها فرضت عقوبات على الأنظمة الاستبدادية خاصة حين يتم التركيز على الانتهاكات في الإعلام، وعند تحول أحد الانتهاكات إلى قضية رأي عام.
كذلك الأمر بالنسبة للنظام السوري، الذي يبالغ هو الآخر في الحديث عن آثار العقوبات التي يفرضها «عدو خارجي متآمر»، وهي حجج تستخدمها دائماً قوى محلية، لتخرج من قضايا النزاع الداخلي مع المجتمع والقوى الداخلية، وتبالغ فيها حتى جعلتها نزاعاً مع المجتمع الدولي... هذه الحجج تجعل التبرير لأي أزمة اقتصادية غاية في السهولة.
خلاصة القول إن العقوبات الاقتصادية أثرت بشكل رئيسي على الاقتصاد، لكن هذا الدور تراجع مع تقدم النزاع، أي إن أثر العقوبات ودورها يتقلص مع ارتفاع وتيرة القتال وزيادة شدة الحرب. وبالتالي، فإن المشكلة الأساسية هي في النزاع والحرب والقتل والدمار المادي والمعنوي أكثر من كونها مشكلة العقوبات، ويمكن تصنيف أثر العقوبات في المرتبة الرابعة أو الخامسة ضمن مجموعة العوامل التي تؤثر على حياة السوريين.
بالتالي فإن النظام السوري والأنظمة الغربية، كلاهما يبالغان، لأهداف سياسية، في الحديث عن أثر العقوبات.
رفع العقوبات لن يحسن الوضع الاقتصادي إلا بصورة طفيفة، فالإشكالية في الداخل السوري تتمثل في أن النظام استبدادي ولا مصداقية له اقتصادياً ولا في تعامله مع مواطنيه داخلياً وخارجياً، ويرتكب مختلف الانتهاكات، فهو بالتالي غير قادر على إتمام دورة اقتصادية منتجة ولا على دفع عجلة الاقتصاد. بالنتيجة، فإن رفع العقوبات لن يؤدي إلى تغيير جوهري تجاه إصلاح الخلل الاقتصادي الداخلي الناتج عن النزاع واقتصاديات الحرب.
* كيف يمكن تخفيف الآثار السلبية للعقوبات على حياة الناس؟ من أين الانطلاق؟
- قطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية قضية رئيسية للضغط على النظام ورفض شرعيته، ومن الضروري استمرار العقوبات على الأفراد، بينما يجب رفع العقوبات على القطاعات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، كالتحويلات المالية والقطاعات الحيوية مثل الطاقة والاستيراد وإعادة الإعمار. كافة هذه القطاعات ما عدا القطاع العسكري تحتاج لرفع العقوبات عنها لأن الضرر الرئيسي منها يقع على المجتمع واقتصاد الداخل، وبالتالي يرفع معدلات الفقر.
إذن فإن تخفيف الأثر السلبي للعقوبات يتمثل بتجنب فرضها على القطاعات الاقتصادية وحصرها بالأفراد والقطاع العسكري، وقد تكون هذه العقوبات أيضاً بلا جدوى في ظل تصدير الأسلحة للأنظمة الديكتاتورية، كتقديم السلاح المباشر من قبل روسيا للنظام السوري.
في النهاية فإن الدعاية القائمة على أن العقوبات الاقتصادية على سوريا قامت بداعي الدفاع عن الديمقراطية وأرواح المدنيين إنما هي دعاية غير حقيقية، وأعتقد أن الجميع يعرفون ذلك، لأن أحداً لا يثق بالنظام الغربي أو أنظمة روسيا والصين كقوى منافسة.