سوف تكون دول مجلس التعاون الخليجي متربعة على عرش الإنتعاش الإقتصادي العالمي في المرحلة القادمة

سوف تكون دول مجلس التعاون الخليجي متربعة على عرش الإنتعاش الإقتصادي العالمي في المرحلة القادمة

[escenic_image id="555649"]

أثرت الأزمة المالية العالمية دون شك على إقتصاديات الخليج. وإنخفضت أسعار النفط من إرتفاع 147 دولار إلى 32 دولاراً للبرميل في غضون بضعة أشهر. ولا تزال أسعار النفط أهم مؤشر على صحة الإقتصاد الإقليمي. وانتشرت مقايضات الإئتمان للتخلف عن السداد كما انتشرت أسعار الفائدة بما يشير إلى إنغلاق النظام المالي نتيجة للذعر. وربما من أكثر الأمور المقلقة كما الحال في أجزاء أخرى من العالم، أن أصبحت القدرة على الوفاء بالديون بالنسبة للأنظمة المالية الكبرى والحكومات موضع تساؤل. وهذه العوامل مجتمعة أدت إلى الخوف من إنهيار النظام المالي بأكمله سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي.

وينتشر عجز الإئتمان و معدلات الفائدة، مما يشير إلى أن النظام المالي قد تعطل نتيجة حالة من الذعر. وربما أكثر ما يثير القلق، مثل مناطق أخرى في العالم هو التساؤل حول قدرة الأنظمة المالية الكبيرة والحكومات على الوفاء بالديون.

وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى الخوف من إنهيار النظام المالي بأكمله، سواء على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

لقد تأثر الإقليم ويرجع السبب إلى حد كبير إلى أنه عضو متكامل في المجتمع المالي العالمي. وهناك حقيقة عن الأزمة العالمية لم تلق ما يكفي من الإنتباه وهى أنها الأزمة الأولى ذات الإنتشار العالمي فعلاً منذ الكساد الكبير. وقد ضربت جميع المشكلات المذكورة أعلاه، بإستثناء أسعار النفط، إقتصاديات الدول من شرق أوروبا إلى شرق آسيا إلى أمريكا الجنوبية. وفي هذا السياق، فإن التحديات التي تواجه إقتصاديات دول الخليج خلال الضربة الأولي للأزمة المالية العالمية تمت بمشاركة  العديد من البلدان على نطاق واسع  في جميع أنحاء العالم على مستويات عديدة.

وبعبارة أخرى، خلال الأشهر الأولى من الأزمة العالمية، لم يكن هناك فائزون وخاسرون بشكل واضح. وكان من أهم الأسباب المباشرة للأزمة الإفراط في استخدام الأدوات المالية الإصطناعية والتي كانت من المفترض أن تدير المخاطر ولكنها إنتهت إلى تضخيم هذه المخاطر إلى مستويات لم نشهدها من قبل.

ورغم أن أسباب الأزمة تركزت في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، فان أثارها لم تحدث داخل ذلك النطاق. ونتيجة لذلك، وفي أعقاب الأزمة، حامت الشكوك حول دعائم النظام المالي العالمي. وشملت هذه التساؤلات دور الدولار بوصفه العملة الإحتياطية العالمية المهيمنة وعملة المعاملات الدولية، بالإضافة إلى وضع المؤسسات المالية العالمية العملاقة التي شوهدت كأنها دول مستقلة في حد ذاتها.

وظل هناك سؤال واضح ومشروع يتردد في أعقاب الأزمة المباشرة: هل زعزعت الأزمة المالية العالمية الإقتصاد العالمي حتى النخاع؟ وبعبارة أخرى، هل ستؤدى الأزمة إلى تغيير جذري في طبيعة المؤسسات التي تحكم النظام المالي العالمي، أو تؤدي فقط إلى إصلاحات تهدف لمجرد معالجة الأسباب المباشرة للأزمة؟

وإجابتى المبدئية على السؤال الأول هي نعم ولا. والسبب أنه بينما لم يكن هناك فائزون وخاسرون بشكل واضح في الفترة التي تلت الأزمة، فإن الفترة الحالية في طريقها إلى كشف أن بعض الدول سوف تتضرر أكثر من غيرها. فى بعض الدول وصل سلوك المضاربة لأقصى منحنى، مما ولد الأزمة. وسوف تدخل هذه الأزمة تغييرات كبيرة لتصحيح ما أصبح يمثل إختلالاً أساسياً لا يمكن تحمله. وبسبب أن بعض هذه الدول، ولا سيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، هي أطراف هامة جداً في النظام المالي العالمي، فلابد أن يؤدي هذا أيضاً إلى تغييرات في النظام المالي العالمي نفسه.
غير أنه بالنسبة لمعظم الدول يبدو أن الأزمة سوف تتحول إلى صدمة سلبية مؤقتة على الطلب الكلي. ولن تؤدى مثل هذه الصدمة إلى تغييرات إقتصادية هيكلية أساسية في معظم إقتصاديات العالم، بينما تؤدي إلى قدر كبير من الإضطراب والمعاناة للأفراد والأسر وسوف تقود بالتأكيد إلى تغيير حياة كثير من الأشخاص للأسف.

تقع دول مجلس التعاون الخليجي ضمن هذه المجموعة. وبالنسبة لهذه الإقتصاديات، فلم تعد قوة النظام المالي ككل محل شك. وخلافاً للوضع قبل عدة أشهر حيث كان التفتيش على البنوك أمراً مخشياً، توجد الآن نظرة متزايدة تقول إنه بينما قد تواصل مؤسسات معينة الإنهيار، فان النظام نفسه ليس تحت تهديد وشيك. وما يتبقى هو هزة في الطلب والتي ستؤدى لسوء الحظ إلى إنكماش إقتصادي وإرتفاع معدلات البطالة في الأجلين القصير والمتوسط.

ويأتي الدليل على أن النظم المالية سليمة في دول مجلس التعاون الخليجي من البنوك المركزية نفسها. في 12 يونيو، أعلن رئيس البنك المركزي في الإمارات العربية المتحدة أنه راض عن حالة الجهاز المصرفي ككل. (حياة عمان التجارية، وغيرها من المصادر).

وقد اتبع كل هؤلاء المصرفيين نفس اتجاه سياسة التنفيذ الفوري لسياسة مالية لمواجهة التقلبات الدورية مع بعض التشدد النقدي. كانت هذه السياسات سريعة ومنسقة وفعالة، ويبدو أنها كانت ناجحة في معالجة التحديات الفورية التي طرحتها  الأزمة المالية العالمية.

وإذا تركنا الوضع الحالي جانباً، بدأت تظهر أدلة على أن المنطقة قد أخذت في الإنتعاش، ولكن هذا الأمر ليس قاطعاً بعد. وقد بلغت أسعار النفط أكثر من ضعف سعرها السابق المنخفض وهو 32 دولاراً للبرميل. وتبقى أسعار النفط من أهم العوامل التي تحدد مستقبل معدل النمو الإقتصادي في المدى القصير.

وبدأت القيود المفروضة على الإقراض يتم تخفيفها، وكانت شبه مطلقة في المرحلة المبكرة من الأزمة، وإنخفضت أسعار الفائدة بشكل ملحوظ.

ومع ذلك، تظل هناك دلائل على أن المنطقة قد لا تكون في مرحلة الإنتعاش التام بعد. ويبدو أن معدلات البطالة تزيد في بعض أنحاء الإقليم، والمنطقة ككل. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن المشكلات التي تواجهها بعض المؤسسات المالية الفردية في المنطقة بطيئة في تطورها نسبياً بحيث من الصعب أن تكتشف بالمقارنة مع أجزاء أخرى من العالم.

وتشير الأدلة التي تؤيد ذلك إلى أن الحكومات في جميع أنحاء المنطقة قد اتخذت إجراءات لمنع جيوب الإفلاسات أو وجود كيانات ضخمة متضررة (كما هو الحال في العقارات). وإذا ظل تعثر الشركات يتكشف ومن ثم يتجاوز استعداد الحكومات أو قدرتها على تقديم نوع من الإنقاذ، فيمكن أن تخضع المنطقة لصدمة سلبية أخرى نتيجة الأزمة المالية.

وحتى لو حدث هذا التصور السلبي قصير المدى، سيظل مستقبل المنطقة على المديين المتوسط والطويل يعتمد على أسواق الطاقة العالمية. وفي هذا الصدد، فربما كان للأزمة المالية أثران إيجابيان كبيران على دول مجلس التعاون الخليجي. الأول هو أن الأزمة المالية جعلت الكثير من الإستثمارات في إكتشاف وتكرير النفط غير إقتصادية أو غير قابلة للتعامل البنكي.

وسوف يؤدى هذا إلى تقليل العرض على المدى الطويل، مما سيؤدي إلى إرتفاع سعر النفط، مع ثبات العوامل الأخرى. والميزة الثاني للأزمة المالية للدول المنتجة للنفط هي أن الإستثمار في البدائل سوف ينخفض أيضاً. ويأتي الكثير من الإستثمار في الطاقة البديلة تحت فئة رأس المال الإستثماري، والتي تصبح ترفاً باهظاً خلال الأوقات الصعبة.

وربما يكون للأزمة المالية العالمية آثار إيجابية هامة لدول مجلس التعاون الخليجي على الصعيد السياسي أيضاً. وبسبب قوة الوضع المالي نسبياً للمنطقة، فقد تمت دعوتها للقيام بدور رائد في عملية تحقيق الإستقرار العالمي، وقد فعلت ذلك بالفعل. وحينما قامت بذلك، أكدت المنطقة ودعمت مكانتها كعضو مسئول ومتعاون في المجتمع المالي العالمي. وسوف يساعد هذا التطور على زيادة التنمية الإقتصادية في المنطقة باقتصاد يزداد عولمة.

وخلاصة القول، خرجت دول مجلس التعاون الخليجي من أشد اللحظات حرجاً في الأزمة المالية العالمية، والتي كانت بمثابة اختبار للسيولة المادية المتوفرة والقدرة على الوفاء بالديون مباشرة بعد الصدمة الأولى. وخلال الفترة القريبة القادمة، يتبقى لنا أن نرى مدى سرعة تعافى الطلب الكلى، لكن توجد أسباب عديدة تدفعنا للإعتقاد بأن المنطقة العربية ستكون من أسرع المناطق في العالم الآخذة في التعافي.

السبب الأول أن المنطقة لم تكن في بؤرة السلوك المتسيب الذي أدى إلى الأزمة، لذا لن تكون المنطقة من بين الأكثر مناطق تضرراً. والثاني هو أنه نظراً لأن سوق النفط هو سوق عالمي فإن إنتعاش الطلب الكلي في أي مكان آخر في العالم قد حفز الطلب الكلي في دول مجلس التعاون الخليجي. والسبب الثالث هو أن إستجابة سياسات المنطقة للتأثير المباشر للأزمة التي يبدو أنها كانت سريعة وفعالة ومنسقة جيداً.

والسبب الرابع هو أن المنطقة تبدو أنها قد عززت موقفها الدولي بظهورها كقائد مسئول في عملية تحقيق الإستقرار. وتدعم كل هذه العوامل الرأي القائل بأن دول مجلس التعاون الخليجي تبدو في وضع يؤهلها لأن  تقود العالم  نحو الخروج من الركود الذي أعقب الأزمة المالية العالمية.

محمد سليمان - اقتصادي يعمل كمدير للأسهم العادية والعقارات في الشركة الوطنية لصناديق الإستثمار وعضو مجلس إدارة في جمعية القادة الشباب العرب- فرع الإمارات العربية المتحدة.

font change