لندن: في بقعة منسيّة من العالم، بأبسط الإمكانيات وبفرحة غامرة، وبينما تتعلق الأنظار على الشاشات لمتابعة أولمبياد طوكيو 2020 في أكبر وأهم الملاعب العالمية، تسابق عشرات الأطفال السوريين فوق رمال مخيماتهم على ميداليات أولمبيادهم الخاص، «أولمبياد الخيام».
تحديداً في بلدة الفوعة في مدينة إدلب، شمال غربي سوريا، حيث يعيش الأطفال معتقدين أنّ العالم كله انطوى في حدود خيامهم، أطلقت منظمة بنفسج غير الحكومية فعاليات رياضية تشابه في مخيلة الأطفال عظمة أولمبياد اليابان، تباروا فيها في مجموعة من الرياضات غير التقليدية، ضمن ملاعب رسموا خطوطها بالطبشور الأبيض.
120 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 8 و 14عاماً، من 12 مخيما مختلفا. في محيط مدينة إدلب اجتمعوا في منافسة حقيقية تضمنت تصفيات وميداليات، تنوعت الرياضات فيها بين رمي الرمح والأقراص والوثب العالي وفنون الدفاع عن النفس والجمباز وكرة الريشة والجري وركوب الخيل (الافتراضي).
وقد تعمّدت المنظمة استهداف رياضاتٍ جديدة لا يألفها الشباب والأطفال السوريون، وذلك، بحسب المدير التنفيذي للمنظمة هشام ديراني، بهدف فتح نافذة لأطفال المخيمات على العالم الخارجي، لاستكشاف عالم جديد ونشاطات جديدة، وأوضح ديراني لـ«المجلة» أن المبادرة لاقت إقبالاً ضخماً من الأطفال المشاركين، وتعاوناً ودعماً من الأهالي، وقد فوجئوا بتفاعل الأطفال وتعاملهم مع الأمر بجدية وصبر وإصرار على الفوز ما جعلها منافسات حقيقية، لا ألعاب ترفيهية.
أولمبياد 2020: رضا والدباغ يحملان العلم السعودي عالياً في سماء طوكيو
وعن الأهداف، أكد أن نواة المبادرة كانت الترفيه عن الأطفال وإبعادهم عن عمالة الصغار، لكن الفكرة تطوّرت بسرعة، وتحوّل الهدف إلى لفت أنظار العالم إلى أطفال المخيمات وقضاياهم وأحلامهم، إلى جانب إقناع الأطفال أن بإمكانهم التفوق في أي مجال، وأن مهاراتهم وشخصياتهم لا تختلف عن مهارات وشخصيات أي طفل آخر خارج المخيم، وأن الحياة لا تُختَصر بخيمة، وردَّدوا أمامهم مراراً أن بإمكانهم أن يكونوا يوماً أبطالا عالميين، في محاولة لتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتركيز طاقاتهم واهتماماتهم بما يفيدهم ويروّح عنهم، لحمايتهم من الانجرار وراء التطرف أو حمل السلاح كونهم أبناء هذا الواقع.
وعن بداية الفكرة، قال ديراني إن فريق برنامج الحماية في المنظمة عمل لسنوات على مبادرات تهتم بأطفال المخيمات، لتسرقهم بعض الوقت من واقعهم المرهق، فبعضهم ولد في المخيم وبلغ سنوات وعيه الأولى دون أن يعرف مكاناً أبعد من حدود المخيم، وفي إحدى زيارات الفريق للمنطقة الصناعية في إدلب، لاحظ أن عدد الأطفال العاملين هناك كبير جداً، بعضهم احترف أصعب المهن، فعرَض أفراد من الفريق أن ينظموا لهم ألعاباً رياضية بعيداً عن مناطق عملهم، لكنّ الأمر كان شبه مستحيل، لأن ذلك يعني اقتطاعاً من أوقات العمل، وبالتالي خصماً في مستحقاتهم اليومية، فكانت النتيجة أن جلب الفريق الملاعب إليهم، وشكّلوها في قلب المنطقة الصناعية.
* الحياة لا تُختَصر بخيمة، وبإمكان أيّ منهم أن يكون بطلاً عالمياً... علينا أن نعزز ثقتهم بأنفسهم ونركز طاقاتهم واهتماماتهم بما يفيدهم ويروّح عنهم، لحمايتهم من الانجرار وراء التطرف أو حمل السلاح
تحدث ديراني عن حماسٍ كبير شاهدوه لدى الأطفال، وطاقات هائلة استطاعوا تفريغها ضمن ألعاب رياضية بسيطة، شجّعت «بنفسج» للدفع بمبادرة أكبر وسلسلة ألعاب رياضية، وبما أن الفكرة تزامنت مع الحديث عن أولمبياد طوكيو 2020، فكانت البداية.
أمّنت المنظمة ملابس رياضية خاصة للأطفال، تميّزهم كفرق متنافسة، واستغرق تدريبهم حوالي 3 أشهر بشكل متقطع حسب الإمكانيات، تلاه تصفيات للمتسابقين، يعلن المنظمون في ختامها أسماء الفائزين، الذين يصعدون إلى منصة التتويج لتسلّم ميدالياتهم وسط تصفيق الجمهور وهتافاته، بما يشابه مبدأ أولمبياد اليابان، دون أن يشبهه.
لم يكن العمل بموارد بسيطة مانعاً من إدخال السرور إلى قلوب الأطفال، فقد عمل الفريق بكامل طاقاته لتوفير البيئة التدريبية المناسبة، ولتسهيل التنقل بين المخيمات، وحرص الفريق على تجنب استخدام أموال الإغاثة لهذه المبادرة، بل جمع تبرعات خجولة بغرض الترفيه عن أطفال المخيم وإسعادهم، ولفت ديراني إلى أن الفكرة لاقت معارضين، لكنّ فرحة الأطفال وحماسَهم شجعهم على الاستمرار.
عن «بنفسج»
منظمة بنفسج بدأتها مجموعة من الشباب الجامعيين كمبادرة تطوعية نهاية عام 2011 لمساعدة المُهجّرين، وبعد أن تصاعدت المواجهات، وفقدت كثير من العائلات معيليها، ركّزت المبادرة على تأمين مساعدات غذائية، وتتابعت الأحداث على الأرض وتطوّر الفريق بما يناسب الاحتياجات.
تتميز «بنفسج» بفريقها التطوعي الضخم والذي يضم 1450 متطوعا غير مأجور، مهامه تتشكل بحسب الاحتياجات والمنطقة والوقت، لتنفيذ أنشطة ومبادرات مجتمعية، استفاد منها في 2020 حوالي 850 ألف سوري.