[caption id="attachment_55251358" align="aligncenter" width="620"] الشاعرة والإعلامية اللبنانية صباح زوين[/caption]
كتبت صباح زوين، في بداية تجربتها، باللغة الفرنسية، إلا أنها لم تشبع قلقها الداخلي، كون لغتها الأم، العربية، هي اللغة التي تتحرك في فضائها، وهي البيئة العملية لمنتجها الأدبي، فانصرفت إلى الكتابة بالعربية، وأصدرت عدة دواوين شعرية، منها: «لأني وكأني ولست»، و«في محاولة مني»، و«بدءا من أو ربما». هذا فضلا عن كتابتها الأصلية بالفرنسية، وإصدارها لعدة كتب في هذه اللغة، ومنها: «على رصيف عارٍ»، و«هيام أو وثنية».
عملت صباح زوين، في حقل الترجمة، كنشاط موازٍ لنشاطها التأليفي المباشر، جريا على عادة الكتّاب الذين تكون ترجمتهم امتدادا لوعيهم الأسلوبي والنقدي، فتأتي الترجمة كأدوات كاشفة للمشروع الذاتي، وكذلك لتقديم أدب الآخر، كممارسة ثقافية صافية. فترجمت شعرا وروايات من الفرنسية والإسبانية، وكذلك نقلت إليهما من العربية، شعرا ونصوصا وأنطولوجيات. فأصدرت أنطولوجيا للشعر العربي بالإسبانية، وأنطولوجيا للشعر الأرجنتيني بالعربية. ومن كتبها في حقل الإعداد، كتابها المعروف بالأدب النسائي اللبناني المعاصر. وكذلك «أصوات لبنانية معاصرة» و«تلك الأشياء التي في الأفق».
ترك رحيلها أثرا بالغا في المشهد الثقافي، فرثاها الكتّاب اللبنانيون، ونقلت بعض الصحف المصرية خبر رحيلها مذيلا بتعريف عنها وعن كتبها. ولم تخل صحافة عربية، بعامة، من إشارة إلى خبر رحيلها المبكر، حيث تمكّن منها المرض الذي كانت تعاني منه منذ فترة. وقال الشاعر اللبناني شوقي أبي شقرا في رثائه لها: «.. وبنا من جراء الرحيل القاسي ما يقرب من الابتهال ومن الدعاء، وأن تكون هي في المثالية الأنثوية والأدبية، وأن تنتبه لها أجيالنا، وأن يأخذوا منها ومن مؤلفاتها».
في تجربة زوين الشعرية، لا يمكن اختزال صوتها عبر بناء جملة واختصارات حادة ميزت كتابتها. فهي كتبت الشعر عبر هاجس فلسفي ورؤيوي معين، يدمج قلق الموت وأسئلة البدايات، في نسيج لا يقصي التفاصيل المشهدية الصغيرة، كونها الدليل التطبيقي لهذا الهاجس الذي يبدأ جدلية هابطة، من الأعلى، لينتهي في التجربة الحية التي تجمع الجسد بالكون. فكانت جملة زوين حريصة على ألا تكون تعبيرية المنشأ، وفي الأصل على ألا تكون مستمدة من تنميطات جمالية عرفت في اللغة الفرنسية أو العربية أو الإسبانية على حد سواء. هذا وإن منحها التنوع في خلفية مستترة لبناء الجملة، إلا أنه ساهم، إلى حد ما، بنوعية من الغموض غير المرتبط بالدلالة بل بالمدلول ذاته، حيث تتعدد مصادر التجربة وتمارس تأثيرها التكويني، ليبدو النص كما لو أنه قادم من اللامكان.
عملت زوين في الصحافة اللبنانية، وامتد نشاطها في أكثر من منبر عربي، ولم تخل تجربتها من «معارك» صحافية وإعلامية، حالها حال كل التجارب الأدبية التي يحدد لها الواقع الثقافي مكان وتوقيت تلك «الاشتباكات» التي هي جزء من المشروع الأدبي ذاته، بغض النظر عن أبطاله وسرده وتفاصيله. رحلت صباح زوين، بهدوء، وتركت عند كل من يعرفها إحساسا ما بأنه إمّا كان مقصّرا أو متحمّسا أو أنانيا، أو أنه في غلبة الواقع، غلب نفسه، ونسي من يعاني من المرض، في ظل وحدة متوحشة، وعزلة لا تشبع من محو أثر من كان يلهو للتو ويبتسم على كل الموائد.
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.