تل أبيب: وجدت إسرائيل نفسها، بمؤسساتها السياسية، والعسكرية، والأمنية والاستخبارية، أمام مفترق طرق، حول قرارها في كيفية التعامل مع تطور الأحداث، سواء فيما يتعلق بما سماه البعض «معركة السفن» والنووي الإيراني، من جهة، وتكرار إطلاق الصواريخ من لبنان نحو بلدات الشمال وإحداث حرائق وإلحاق أضرار بالممتلكات، من جهة أخرى.
وضع، هددت القيادة الإسرائيلية بعدم السماح به، وصعدت تهديداتها سواء تجاه إيران، حيث اعتبر وزير الأمن، بيني غانتس، خلال حملة أطلقها إلى جانب وزير الخارجية يائير لابيد، أن إيران باتت على بعد عشرة أسابيع من أن تصبح دولة نووية وهو أمر لن تسمح به إسرائيل، أو تجاه لبنان وسوريا، حيث هدد رئيس الحكومة، نفتالي بنيت، من أقرب نقطة حدود شمالية بأن «إسرائيل لن تقبل بأي تهديد أمني من قبل حزب الله على حدودها وسكانها وحمّل دولة لبنان، برمتها، مسؤولية تداعيات التصعيد الأمني».
وما بين «معركة السفن» التي تتهم بها إيران، والتصعيد الأمني عند الحدود الشمالية الذي تتهم به إسرائيل حزب الله، تواصل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مشاوراتها في كيفية التعامل مع الوضع، فيما يستعد نفتالي بنيت لزيارة واشنطن، حيث سيكون، وفق ما نصحه الكثيرون، مستعدا لضمان بناء الثقة بينه وبين الرئيس الأميركي جون بايدن والإدارة الأميركية، لضمان أي دعم لخطوات تقوم بها إسرائيل إلى جانب طموح إسرائيل بالحفاظ على تفوق نوعي لجيشها والتعاون في كيفية التعامل مع مختلف التهديدات المحدقة بها من مختلف الجبهات.
لقد أوضح بنيت موقفه قبل سفره، عندما قرر التوجه إلى منطقة الحدود الشمالية ليطلق هناك أكثر من رسالة إلى من اعتبرهم «أعداء إسرائيل».
وإلى جانب تهديد حزب الله ولبنان وسوريا، خصص حيزا كبيرا لطهران، عندما قال: «إيران تعرف الآن الثمن الذي ستدفعه، عندما يقوم أحد بتهديد أمننا. إيران يجب أن تعرف أنه لا يمكن الجلوس براحة في طهران وإشعال كل الشرق الأوسط من هناك. هذا الأمر انتهى». وأضاف أن «زيادة ميزانية الأمن التي تقررت، في الأسبوع الماضي، استهدفت أيضا تحسين قدرة الجيش الإسرائيلي ضد إيران».
* قرر بنيت التوجه إلى منطقة الحدود الشمالية ليطلق هناك أكثر من رسالة إلى من اعتبرهم «أعداء إسرائيل».
السفينة «ميرسر ستريت» فرصة لإسرائيل
منذ تعرض السفينة «ميرسر ستريت» للهجوم، رفعت إسرائيل ملف إيران إلى رأس أجندتها السياسية، الأمنية والعسكرية، بل إن هناك من اعتبرها فرصة لتعزيز «الخط الصقري» ضد إيران، وفق الإسرائيليين. وخلال أبحاث الأجهزة الأمنية أطلق مسؤولون تصريحات لمحوا خلالها إلى أن إسرائيل «ستجبي أيضا من الإيرانيين ثمن الهجوم على السفينة»، وذلك في محاولة لمنع الإيرانيين من خلق معادلات جديدة يردون فيها في البحر ضد أهداف ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بإسرائيل، ردا على الهجمات المنسوبة لإسرائيل في سوريا، وفق مسؤولين أمنيين.
وفي الوقت نفسه، تطلق إسرائيل حملة دولية لمواجهة إيران وتعمل بالتعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا لاتخاذ قرار ضد إيران في مجلس الأمن في الأمم المتحدة. وقد بعث بنيت بمستشاريه الكبار، رئيس هيئة الأمن القومي إيال حُلتة والمستشارة السياسية شمريت مئير، إلى واشنطن لإجراء سلسلة لقاءات مع كبار رجال الرئيس جو بايدن، تمهيدا لزيارة بنيت.
غانتس من جهته، الذي كان أول من أطلق الحملة الدولية إلى جانب لابيد، في لقائهما مع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، عاد وصعد تهديداته عبر تصريحات جديدة أطلقها، الخميس، واعتبر فيها جيشه مستعدا لحرب تجاه إيران ولبنان، أيضا. وبرّر غانتس، منذ ذلك اليوم احتمال توجه إسرائيل لحرب مع إيران على خلفية مساعيها للحصول على قنبلة نووية، قائلا: «إيران دولة على عتبة النووي، حيث إنها قامت بتخصيب 60 في المائة من اليورانيوم وتواصل تجميع كميات، وهو أمر لا تقبله إسرائيل»، بحسب غانتس، الذي أضاف: «لا يمكننا الاستمرار في وضع الجمود أمام إيران، وعلينا مواصلة تعزيز قدراتنا لضمان التعامل مع عدة جبهات في آن واحد».
واعتبر غانتس أن التطورات الأخيرة عند الحدود الشمالية «تشير إلى أن إسرائيل تواجه التهديد الإيراني بشكل نشط، من خلال أذرعها التي تعمل في سوريا، ولبنان، وغزة أيضا».
وتطرق غانتس إلى استهداف «ميرسير ستريت»، معتبرا العملية دليلا على أن إيران هي مشكلة عالمية وإقليمية وفي الوقت نفسه تحد لإسرائيل، على حد قوله.
حرب أم عودة إلى الاتفاق النووي
مع تصعيد التوتر بين إيران وإسرائيل والتهديدات التي لا تتوقف من الطرفين، وفي الوقت نفسه مناقشة تداعيات أي اتفاق جديد مع إيران، ظهرت خلافات في المواقف الإسرائيلية حول الموضوع. فهناك من دعم موقف غانتس حول حرب مع إيران، وهناك من رأى أن الوضع الأفضل هو العودة إلى الاتفاق القديم.
وخلال النقاش الإسرائيلي اعتبر أصحاب الرأي، الذين يحذرون من خطوة إسرائيلية حربية تجاه إيران أن «العمليات الأخيرة في استهداف السفن تشير إلى أن إيران تنتقل إلى هجمات مباشرة ضد أهداف إسرائيلية ردا على عمليات قتالية إسرائيلية، وهذا لا يعتبر معركة أخرى في خطة إسرائيل (الحرب بين الحروب)، بل هذه بداية حرب، لأن الطريقة التي تدير بها إسرائيل الصراع أمام إيران، سواء في الساحة النووية أو ضد مبعوثيها في لبنان وفي سوريا، تشعل الإمكانية الكامنة للحرب وتزيد استعداد إيران للرد وتخلق تهديدا على إسرائيل بدلا من تبديده، في الوقت الذي لا يوجد فيه أي تأكيد على أن الجيش الإسرائيلي والجمهور في إسرائيل مستعدان لمواجهة حرب كهذه».
«الحل الوحيد المتوفر في هذه الأثناء لمنع تهديد إيران هو استئناف الاتفاق النووي الأصلي، الذي تسعى إليه الولايات المتحدة والدول التي وقعت عليه»، كما يرى الإسرائيليون.
خلال المناقشات التي أجراها جهاز الأمن، وكما تسرّب منها، اتضح أن هناك صعوبة لدى إسرائيل في تقدير دوافع إيران لاستهداف السفن، وهو جانب استدعى المحذرين من حرب على إيران إلى دعوة الحكومة الإسرائيلية بعدم التهور بخطوات متطرفة قد تلحق ضررا كبيرا بإسرائيل.
القائد السابق لسلاح البحرية الإسرائيلية، والذي شغل أيضا قائد المخابرات والقوات البحرية الإسرائيلية، اليعزر مروم، حمّل مسؤولية ما سماه «الإرهاب البحري الإيراني» لدول الغرب، بسبب صمتها، قائلا: «لا شك في أن الأزمة مع إيران تستدعي رد فعل من الغرب. فأعمال إيران هي أعمال إرهاب بحري بكل معنى الكلمة، وهي تتعارض مع القانوني الدولي. يوجد لدى الغرب غير قليل من الوسائل الدبلوماسية لردع الإيرانيين من أعمال إرهاب أخرى في الساحة البحرية، والدول المتصدرة ملزمة بأن تعمل على تنفيذ هذه الأعمال»، وفق مروم، الذي واصل تحذيره وتهديده بالقول: «أكثر من ثلاثين في المائة من ناقلات الوقود التي تتحرك في البحر في العالم تمر في المنطقة التي وقعت فيها العملية الأخيرة، ولهذا فإن معبر المياه هذا هو من الأكثر حساسية في العالم والمس به من شأنه أن يؤدي إلى أزمة قد تصل إلى حرب ضد إيران».
* منذ تعرض السفينة «ميرسر ستريت» للهجوم، رفعت إسرائيل ملف إيران إلى رأس أجندتها السياسية، الأمنية والعسكرية، بل إن هناك من اعتبرها فرصة لتعزيز «الخط الصقري» ضد إيران
وفي مقابل هذا التحذير يرى الجنرال عاموس جلعاد، الذي شغل في السابق رئيس الدائرة الأمنية العسكرية الإسرائيلية ويشغل اليوم رئيس معهد السياسة والاستراتيجية، المركز متعدد المجالات هرتسيليا، أن التوجه الدبلوماسي هو الحل الأفضل، ويقول: «في نظرة إلى الوراء، فإن الاتفاق، مهما كان سيئا، أفضل من الأوهام التي تحطمت، وبموجبها كان يفترض أن تكسر العقوبات الاقتصادية وفرض العزلة على إيران من الداخل ووقف مسيرة تطوير القدرات النووية العسكرية. رغم الحملات ضدها والعقوبات الخطيرة، تتقدم إيران باتجاه الهدف، أي جمع المعرفة والقدرات كأساس لحسم سياسي وبالتالي أن تصبح دولة نووية. وأمام هذا الوضع يبدو بشكل واضح أن الولايات المتحدة معنية باستئناف الاتفاق النووي». وإذا ما حصل هذا بالفعل، يضيف جلعاد: «فإن إسرائيل ستجد نفسها معزولة ولن تتمكن من ناحية استراتيجية- سياسية من هجوم عسكري على المشروع النووي الشامل لإيران. وفي حال لم يوقع اتفاق ستكون إسرائيل مطالبة بعملية بناء قوة استثنائية في حجمها وتفوقها»، يقول ويضيف: «مثل هذا السيناريو يستوجب، أيضا، التنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة. من هنا فإن البديل الاستراتيجي أمام إسرائيل هو خلق منظومة تنسيق شاملة، واسعة ونوعية مع الولايات المتحدة ومع شركاء آخرين حيال إيران. والى ذلك ينبغي أن يضاف البعد الإقليمي، الذي في مركزه تصميم إيران على محاصرة إسرائيل مع قدرات من القذائف الصاروخية، والصواريخ، والطائرات المسيرة المسلحة، على أساس قوات تخضع لإمرتها وتفرغ من محتواها سيادة الدول التي تعمل فيها مثل لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن وغيرها»، وفق عاموس جلعاد.
دولة على حافة عتبة نووية أم لا؟
المواقف المطروحة من قبل جلعاد ومروم، تعكس جانبا مما تشهده إسرائيل من خلافات في الرأي حول إيران، ولكن كان أبرز ما ظهر من خلال الأبحاث إذا ما كانت إيران على حافة أن تصبح دولة نووية أم لا.
الراي الذي يطرحه معظم الأمنيين والسياسيين يعكس موقفا حاسما في أن إيران باتت على حافة دولة نووية، إنما في جهاز شعبة الاستخبارات العسكرية، وفي أول موقف لمؤسسة رسمية إسرائيلية يعتقدون أن إيران لن تكون دولة نووية.
* محللون إسرائيليون: العمليات الأخيرة في استهداف السفن تشير إلى أن إيران تنتقل إلى هجمات مباشرة ضد أهداف إسرائيلية ردا على عمليات قتالية إسرائيلية
الدبلوماسي ألون بينكاس، الذي شغل منصب القنصل الإسرائيلي العام في نيويورك، يرى أن إيران ومنذ اليوم، باتت دولة على عتبة النووي... ولكنه يتساءل ويوضح تساؤلاته قائلا: «إيران هي نوعا ما دولة نووية. وحسب تعريفات معينة يمكن أن تعتبر حتى دولة حافة نووية. ولكن لا توجد لإيران قدرة نووية عسكرية. وهنا يكمن الفرق الكبير وتشويش المفاهيم. عندما تعلن جهات في إسرائيل أنها لن توافق في أي يوم على سيناريو تكون فيه إيران دولة نووية، فإنهم يعبرون عن مصلحة حقيقية جدية وسياسة واضحة. وعندما يعلن بايدن أن إيران لن تكون دولة نووية أثناء ولايته، فهو يقصد ما يقول. ولكن في الحالتين التصريحات ليست بالضرورة تناقض الوضع القائم، وحتى إنها تتفق مع حقيقة أن إيران، الآن، هي حسب تعريفات معينة على عتبة دولة نووية».
ويسهب بينكاس في شرح موقفه حول وضعية إيران النووية اليوم قائلا: «من اجل التحول إلى ما هو معروف بـ(دولة عتبة) تحتاج إيران لكمية كافية من اليورانيوم المخصب (هناك مسار بلوتونيوم لإنتاج القدرة النووية الذي ليس له أي صلة بحالتنا هذه، لأن إيران اختارت مسار تخصيب اليورانيوم). ومن أجل إنتاج قنبلة نووية واحدة فإن الدولة تحتاج إلى 220 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بمستوى 20 في المائة، وهي تحتاج إلى قدرة تخصيب تصل إلى 93 في المائة. عمليا، دولة الحافة (عتبة) هي دولة قامت بتخصيب اليورانيوم في السابق إلى مستوى 93 في المائة، لكنها اختارت عدم اجتياز الحافة وإنتاج قنبلة من المواد. من ناحية تخطيط أمن قومي استراتيجي فإن دولة (عتبة نووية) يمكن أن تُعتبر، أيضا، دولة يوجد لديها كمية كافية بمستوى تخصيب 20 في المائة وقدرة تخصيب إضافية دون أن تفعل ذلك، لا سيما عندما يدور الحديث عن تهديد حقيقي أو شبه تهديد أمني».
ويرى بينكاس أن الخلاف حول تعريف دولة «عتبة نووية» يوضح أيضا الخلاف الاستخباري في تقدير زمن الاندفاع، إلى جانب عدم الدقة الكامن في أي تقدير استخباري من هذا النوع. وللتخفيف من حدة البعد الزمني بين القدرة وبين إنتاج القنبلة، بين زمن إلقائها من طائرة مثل قصف هيروشيما وناغازاكي في 1945 وبين أن تكون مركبة كرأس متفجر على صاروخ باليستي بعيد المدى، هو زمن الاندفاع».
وفي غضون شرح موقفه حول «إيران على عتبة دولة نووية»، يشرح قائلا: «المشكلة الأساسية في دول العتبة النووية ليست الفترة الزمنية المطلوبة لتجاوز هذه العتبة، بل حقيقة أن إيران في ظل رعايتها واستخدامها كتهديد تعتقد أنه يمكنها العمل بحرية ومن خلال القدرة على المناورة، أي مواصلة تطوير صواريخ دقيقة وتقويض أنظمة وتوفير رعاية للإرهاب وإلحاق الضرر بالسفن التجارية وإجراءات أخرى نسبت لإيران مؤخرا».
إسرائيل، من جهتها، يضيف بينكاس: «ما زالت ملتزمة بمبدأ (لن نسمح بإيران نووية). ولكنها عمليا تعترف بأن إيران هي دولة عتبة نووية في كل شيء، وتفترض أن أبعادا معينة تخلق ردعا بما فيه الكفاية. الولايات المتحدة بالتأكيد وافقت في السابق على واقع فيه إيران هي دولة عتبة نووية».
والسؤال الكبير، الذي يطرحه بينكاس وغيره، هو: هل الاتفاق النووي الآخذ في التبلور سيقيد قدراتها التطويرية وبصورة دراماتيكية مثلما فعل الاتفاق السابق؟ وإذا كان سيعوض عن ذلك تقدم إيران منذ العام 2019 عندما قامت بخرق القيود ردا على الانسحاب أحادي الجانب للولايات المتحدة منه في مايو (أيار) 2018؟.
يقول بينكاس: «بحسب تقديرات المخابرات في الولايات المتحدة وفي إسرائيل، فإن إيران لا تعمل في مجال تطوير سلاح نووي عسكري، لكن ما الذي سيضع الردع لخرق الاتفاق؟ وإذا لم يتم التوقيع على الاتفاق، وهو السيناريو المحتمل، فما الذي سيردع إيران عن اجتياز الحافة إذا قررت فعل ذلك؟».
أمام تساؤلات بينكاس والنقاش حول «إيران على حافة عتبة نووية»، خرجت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في تقرير، شكل مفاجأة لجهات أمنية، عسكرية وسياسية عدة، إذ ترى أن إيران ليست على عتبة دولة نووية.
ويكمن الخلاف في تقديرات الأجهزة الاستخبارية والأمنية في إسرائيل حول الكمية التي تنقص إيران لتصبح على حافة دولة نووية.
وفي هذه الأثناء، ووفق التقرير الإسرائيلي، ستواصل إيران التقدم، وفي حالة تم في النهاية توقيع اتفاق، فإن الافتراض السائد في جهاز الأمن هو أنه توجد احتمالات جيدة في أنه في مرحلة معينة سيوافق الإيرانيون على ما يتم اقتراحه من نص للاتفاق، وبذلك فإن الشروط الأصلية في الاتفاق السابق من عام 2015 لن تكون كافية لأن تصبح طهران أقرب بكثير من القنبلة النووية.