صيحات حذر ودعوات استقطاب

صيحات حذر ودعوات استقطاب

[escenic_image id="555710"]

ونشهد في العصر الحاضر سجالاً جدلياً تسبب في قلق النخب السياسية والدينية -على حد سواء- مصدره التمدد الشيعي في المنطقة وماهية هذا التمدد خاصة أنه مدعوم من دولة لها ثقلها. واختلفت الآراء حول التمدد الشيعي، فهل هو (سياسي أم ديني)، فهناك من يراه مسلك فردي أو إمتداداً طبيعياً لهوية الشعوب في علاقتها بالتشيع وتعاطفها مع أهل البيت، وحيث  يُتهم الطرف المستفيد من هذه الحالة  بإستغلال آل البيت وحصر الصلة الوجدانية بـ "آل بيت الرسول(ص)" بالتشيع فقط من أجل تمرير مشاريع نفوذه وامتداداً لنظام مصالحه القومية من خلال استغلال الدين في الجانب السياسي و"المجلة" تستضيف مجموعة من الكتاب أصحاب الرؤى المختلفة لطرح رؤاهم حول هذه القضية وكيف يرون الإمتداد أو التمدد الشيعي في المنطقة وما يقف وراءه؟ وهل فعلاً يشكل خطراً على المنطقة؟

-------------------------------------------------------------------------------

الموسوي: إيران "خطر" حتى على نفسها

يجب ألا نسمح برفع أي لافتة إيرانية في بلادنا

إيران دولة مسلمة ودولة إقليمية مهمة في المنطقة، ولكن غريزة إيران الثورية أصبحت خطراً على إيران نفسها وعلى المنطقة.

الخط المتشدد في إيران وجد في التراث الشيعي الموشى بزينة أهل البيت مصباحه السحري، لاختطاف عقول الشباب الشيعي والسني في العالمين العربي والإسلامي، خصوصاً والعالم العربي يعيش أزمة هوية وضياع لخارطة ثقافية متينة. فالجماهير العربية والإسلامية مهووسة في ظل الهزيمة الحضارية وتكدس أوجاع ونفايات السياسة بالرجل البطل ورجل الضرورة.

الهزيمة الحضارية لأي مجتمع تقوده للبحث عن الموثولوجيا والوهم والخرافة، ولو كانت خرافة عنترة بن شداد، لذلك إيران وهي توزع بكائياتها على فلسطين ولبنان والعراق لمصالحها القومية، تجد أحضاناً لإستقبال هذه الدموع وإن كان هناك من استيقظ من الكومة الإيرانية في جنوب العراق، والدليل ما أسفرت عنه انتخابات المحافظات الأخيرة في العراق. فرهاننا في إيران على خط خاتمي المعتدل. وايران تسللت للشاب المغربي ارتكازاً على المخدة الفاطمية من حكم الفاطميين لهذه المنطقة حيث حب أهل البيت، بالإضافة لوجود حالة من الفراغ لبعض المغاربة المأخوذين بخطاب وأدبيات إيران، والسبب ضياع بوصلة المذاهب وكيفية اختلاط السياسي بالمذهبي، وهذه قد تضيع حتى على مفكرين كبار كالأستاذ أدريس هاني. فحب أهل البيت إضاءة لكل قلب ولكن الخوف من التسييس.

الشاب المغربي خصوصاً المسكون بالرهاب من الحداثة، يبحث عن البديل فيجد في أدبيات إيران المتسللة للجاليات طريقاً لهذا الفراغ. ما حدث في لبنان والوهج المشتعل كفيل بإختلاط الأوراق وإضاعة البوصلة لمجتمعات هي بالأساس قائمة على العاطفة والرومانسية السياسية.

إيران جارة مسلمة ودولة إقليمية مهمة في المنطقة، ولكن غريزة إيران الثورية أصبحت خطراً على إيران نفسها وعلى والمنطقة. فتسلل الثورية إلى الحوثيين أو الصدريين أو غزة ولبنان يشير إلى مخاوف على الحداثة والدولة المدنية لأن الحكومات المؤدلجة لا يمكن أن تتلاقى مع التطور والإبداع. فيجب أن نختار بين ولاية الفقيه وولاية الحداثة، بين الفقيه الوتد وبين الديمقراطية الوتد، لا يمكن أن نؤمن بالحداثة وفي ذات الوقت نقوم  بتغليف صندوق الانتخاب بمسبحة كهنوتية.

إيران تتحرك لمصلحتها القومية وهذا حقها ولكنها براغماتية فهي تحاول الاستفادة من فكر أهل البيت لاستجلاب المشاعر الإسلامية. المشكلة هو في اختلاط السياسي بالديني ولذلك أنا أدعو لفصل الدين عن السياسة لأن الدين طاهر يجب أن لا ندخله في البازار السياسي.

انظر إلى اليمن وإلى أزمة المغرب والبحرين مع إيران، وانظر إلى تصريح الرئيس اليمني عن إيران، إلى تصريحات عراقيين عن تدخل إيران. فالتوسع الإيراني كان في الذاكرة، والآن يراد له أن يتوسع جغرافياً. وهذه هي مشكلتنا كبحرينيين مع إيران عندما نرى شيخاً بحجم ناطق نوري، وهو قاب قوسين أو ادني يفوز برئاسة إيران في يوم ما في قبال خاتمي يصرح أن البحرين محافظة رقم 14.

إن هناك فرق كبير بين التشيع الديني والسياسي، فالتشيع الديني يعيش في مسجده بعيداً عن السياسة وهذا ما دعي له أهل البيت، وهو التعاطي بعقل ووطنية وحكمة مع الوطن والدين والمجتمع وعدم الاستماع للسياسة وهي تستغل الدين. لقد نظر إلى ذلك على تشريعيتي من التشيع العلوي والتشيع غير العلوي. فالمذاهب لا تتدخل في السياسة حتى يجرجرها الإنسان. فرجال السياسة يدخلون الدين إلى الحزب ليحولوه إلى سندوتشات حزبية مغلفة بورق ديني ليبقى لمصالحهم. الدين إذا دخل زنزانة الحزب الضيقة يتحول إلى سوبر ماركت لهذا نرفض إقحام الدين الجميل المتسامح في دهاليز السياسة. فما هو دخل الإسلام بالإرهاب وقتل الأبرياء كما حدث في 11سبتمبر؟

يجب أن نفصل فكر أهل البيت عن فكر السياسة الذي تمارسه إيران. فهناك إسقاطات تاريخية والتاريخ يلوى عنقه لمصالح  سياسية. إن امتداد إيران في المنطقة قومي وليس ديني، فماذا تسمى احتلال الجزر الثلاث الإماراتية؟ وماذا تسمي تكالب شخصيات كبيرة على أن البحرين إيرانية من حسين شريعتي إلى داريوش إلى ناطق نوري؟ هل هذا امتداد ديني؟ أين هي الوحدة الإسلامية هنا؟ أين هي سيادة الدول والتعاون المشترك؟

يجب أن نحصن أنفسنا مع دولنا وشعوبنا ونتعامل مع إيران كدولة مسلمة لها احترامها ووزنها في المنطقة ولكن في نفس الوقت يجب أن لا نسمح بتدخلها في شؤوننا الوطنية أو تخلط أوراقنا الدينية بالقومية. يجب ألا نسمح برفع أي صورة لأي شخصية إيرانية تحت أي ذريعة لأن ذلك يعد مساساً لسيادة الدولة وخطوة وثغرة قد يتسلل بها المتشددون لأبنائنا.

نحن كشيعة وما أكثر عقلاءنا مع أوطانهم وسيادة بلدانهم - تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً- لذلك نحن العقلاء والوطنيين يجب أن نحذر الأمة والشباب العربي والإسلامي من أي تدخل أو استغلال أي دين من التسلل، ونحن قادرون على إيجاد الفكر الحداثوي الوطني الخارج من اطار الزنزانات الإيديولوجية ليكون لصالح الوطن والدين التسامحي لمصالح حكوماتنا.

ضياء الموسوي - عضو مجلس الشورى البحريني

----------------------------------------------------------

إيران تقاوم إسرائيل ولا تتدخل في الشؤون العربية

التسخيري: الحديث عن التمدد الشيعي هو للتخويف وإثارة الفتنة بين المسلمين

القول بالنشر المنظم للتشيع في العالم السني كما هو القول بالنشر المنظم للتسنن في إيران. وأظن أن كلاهما للتخويف والتحريض وإقامة الفتنة بين المسلمين .

الخلاف أمر طبيعي يتناسب مع الفطرة الإنسانية وهو سبب الثروة العلمية لتنوع الثقافات وبناء الحضارات الإنسانية ولا يمكن لمجتمع أن يسعى نحو التنمية الشاملة بدونه. والمرفوض منه ما يؤدي إلى تمزق الأمة وهدر طاقاتها وانجرارها إلى العبودية والأسر وفقدان السيادة.

أما الأزمة المعاصرة فهي ليست وليدة اليوم والساعة بل لها جذور تاريخية فقهية وكلامية، وما يثار اليوم أسبابه سياسية  وليست دينية، ومن لديه أدني تتبع تاريخي يعرف جيداً أن الحكومات بعد الخلافة الراشدة استغلت هذه الاختلافات الطبيعية لتحقيق مآربها سواء كانت سنية أم شيعية، ومن يطالع تاريخ الإسلام يكتشف أروع العلاقات التي كانت فيما بين أئمة المذاهب خلافاً لما هو ملحوظ من إتباعهم اليوم، ولقد تحمل أئمة المذاهب الأذى والتعذيب من الحكام نتيجة ولائهم ومحبتهم لأهل البيت.

فالأزمة هي سياسية وليست دينية. والديني أمر قابل للنقاش في مواطنه الأكاديمية العلمية وليست وسائل الإعلام العامة. والمسلمون جميعهم محبون لأهل البيت ولا يحق لطائفة معينة أن تحتكر هذا الحب وتتهم الآخرين بعدم الحب لأهل البيت وقد نشاهد أن البعض يستغل شعار محبة أهل البيت للطعن بطائفة أخرى من المسلمين ويسعى لنشر أفكاره ومشاريعه لكن بالنسبة لإيران باعتبار أن أكثرية شعبها هم من الشيعة الاثني عشرية فمن الطبيعي أن ينتهج أهلها منهج أهل البيت، وهذا لا يعني معاداة الآخرين والطعن بهم.

ولا يجوز أن تحمل الحوادث التاريخية السالفة مهما كانت أسبابها وظروفها على شعب ودولة لا ترضى بتحمل مسؤولية ذلك التاريخ، فلابد من الإشارة إلى نقطة محورية وهي أن الفكر الإسلامي لا يدعو إلى فرض فكرة وعقيدة ما بالقوة والخدعة والاستغلال وكل هذه الطرق هي مصداق واضح للإكراه (لا إكراه في الدين) لكن من حق كل إنسان أن يبدل على معتقداته ويعتبرها الحق سنياً كان أم شيعياً، فهو في النهاية مسلم ومن يتبع مذهباً (سنياً أو شيعياً) من دون اعتقاده أنه حق فهو يخالف عقله وقلبه ووجدانه. والقول بالنشر المنظم للتشيع في العالم السني كما هو القول بالنشر المنظم للتسنن في إيران. وأظن أن كلاهما للتخويف والتحريض وإقامة الفتنة بين المسلمين ولم يقدم الدليل على ما قيل.

ولا ننسى أن المستعمر والمستكبر ما أراد يوماً خيراً لمنطقتنا، والدليل عليه واضح. إن زرع إسرائيل والخلافات الحدودية والحروب الداخلية وحروب الدول أوجد أرضية للحركات المتطرفة والإرهابية... فإن كان القصد هو الامتداد الفيزيقي الإيراني فذلك أمر غير مشهود وإن كان القصد هو دعم حركات المقاومة أمام الكيان الصهيوني فهذا فخر واعتزاز وإن كان  القصد تحريض الشعوب ضد حكوماتها والتدخل في شؤون الدول العربية، فلم يقدم أي دليل على هذا مع كثرة الادعاءات وإن كانت إيران تدافع عن حقوق الشعوب العربية في المجاميع الدولية فهذا واجبها الطبيعي لأن شراكتنا الدينية والحضارية والأخوة الشرقية تفرض علينا ذلك، فالمصالح العربية والإيرانية لا يمكن تفكيكها وما يؤلمهم يؤلمنا والعكس صحيح أيضا.

وإن حاول البعض غفلة أو تغافلاً أو لعدم اطلاعه عن الواقع المعاش أن يبدي غيره. ومع الأسف أن تكون هنا مصالح أميركية في المنطقة تستوجب حضور عشرات الآلاف من القوات الأميركية والقواعد العسكرية في الدول الإسلامية وأن لا نتحدث عن مصالح فيما بين شعوبنا الإسلامية عربية كانت أم فارسية.

وأرى أن على الدول الإسلامية المؤثرة وزعمائها كالسعودية وإيران أن يتعاونوا بحكمة وجدارة حفاظاً على مصالح الأمة الإسلامية وسداً للأبواب التي يسعى أهلها للصيد في الماء العكر، والكل يعرف ما للجانب السلبي في السياسة من دور مؤثر في تأجيج الخلافات المدمرة.

وبإمكان الجانب الإيجابي في السياسة أن يخيم وتلتحم الأمة وتتفق لتوفق في الحصول على مدارج الرقي والتنمية والتكنولوجيا المعاصرة تمهيدا لتقديم حضارة إسلامية جديدة بوسائلها الخاصة لا وفقاً للطرق المستوردة من الغرب.

محمد مهدي التسخيري - أستاذ في الجامعات الإيرانية ومستشار أمين عام مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية ـ شيعي

---------------------------------------------------

إيران تنجح في سياسة الاستقلال

جرادي: إيران ترفض الدخول في لعبة النزاعات المذهبية في المنطقة

إيران ترفض الدخول في لعبة النزاعات المذهبية في المنطقة وتعتمد على سياسة التمحور حول القضايا الحيوية والمركزية كجامع بين الجماعات على اختلاف انتماءاتها الدينية أو المذهبية أو الفكرية.

إن الأزمات حينما تعصف في مناطق هذا العالم وبين أممه، لا تعبّر عن سبب واحد دافع نحو مثل هذه الأزمات، وإن كان السبب الواحد هو المدخل لإطلاقها من عقالها.. لذا فإن الكثير من النزاعات التي وقعت في التاريخ، والتي أطلق عليها اسم النزاعات الدينية أو الحروب الدينية، هي بالواقع لا تختصر بمثل هذه الأحادية في النظرة؛ ونفس الأمر يمكن انسجامه على ما يحصل اليوم في العالمين العربي والإسلامي.

إذاً الحديث عن نزاع يتطلب بالحد الأدنى وجود طرفين، فإبراز الأمر وكأن المشكلة تتعلق بالشيعة وحدهم هو كلامٌ غير علمي فضلاً عن كونه غير حيادي، إذ أن من وجوه الأزمة تنامي النزعة المذهبية والدينية عموماً، واغتنام السياسة الدولية لفرصة هذه الشرذمة والتصلّب في العقليات المذهبية التي تكاد أن تأخذ صورةً عند أصحاب مذهب إسلامي معيّن مثلاً تجاه مذهب إسلامي آخر، إن الكفر والسلوك الوثني أفضل منه.. وهذه التصورات لا تتعلق بالتشيّع أو التسنّن الديني، بل هي ترتبط بالصور القبلية المختزنة في الذاكرة التابعة للتوظيفات السياسية عند النخب ومن يدور مدار قرارات سلطات الأمر الواقع. وهل إيران تتمدد من أجل مصالحها القومية أم الدينية؟

هذا تساؤل مطروح لتأكيد فرضية هي أشبه بالمصادرة منها بالفرضية البحثية، فأن يكون السؤال قائماً بين احتمالين لتفسير منشأ النفوذ الإيراني في المنطقة.. الاحتمال الأول هو مصالح إيران القومية، والاحتمال الثاني هو مصالحها الدينية فيه ما فيه من مجافاة صياغة الاحتمالات الموضوعية، هذا وإن كنت أعتقد أن ما من دولة في العالم تمارس سياسة إلا ولها حساباتها في المصالح القومية.. إلا أن أصل المصلحة القومية في الفقه السياسي الذي تتبنّاه إيران لا ينفصل مطلقاً عن البعد الديني، إذ إن هوية إيران الحضارية اليوم تتماهى مع عمق إيمانها الديني، لكن والحق يقال: إن نجاح الخيارات السياسية لإيران في المنطقة يعود لأسباب إضافية منها:

أولاً: بروز إيران كدولة تحدٍّ وجودي في الصراع مع إسرائيل في الزمن الذي دخل فيه العالم العربي بين موقّع أو متسالم مع إسرائيل في المنطقة، مما رفع الرصيد الشعبي لإيران عند الكثيرين.

ثانياً: نجاح إيران في اعتماد سياسة الاستقلال بتأمين الكفاية العلمية والاقتصادية خارج سلطة القهر الغربي، وإن ناورت هذا الغرب كلاعبٍ رئيسي في مسار المعادلات.

ثالثاً: رفض إيران الدخول في لعبة النزاعات المذهبية في المنطقة واعتمادها سياسة التمحور حول القضايا الحيوية والمركزية كجامع بين الجماعات على اختلاف انتماءاتها الدينية أو المذهبية أو الفكرية.

لذا فمن يريد البحث عن سر النفوذ الإيراني في المنطقة فعليه قبل ذلك أن يبحث عن الأمور التي تتعطّش لها شعوب المنطقة وبودّي هنا التأكيد على مدى محبة كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة لرسول الله محمد عليه السلام وآل بيته الأطهار.. وأن ما من أهل مذهب يمكن لهم أن يزايدوا على أهل مذهب إسلامي آخر في مثل هذه المحبة. فإذا كانت محبة النبي وآل بيته هي سر جمع وتوحيد معنوي بين جماعة المسلمين، فهي غاية يجب على كل حكّام ورؤساء وملوك العالم العربي والإسلامي أن يشتغلوا لها.

لذا ينبغي التنبّه أن حب أهل البيت هو أوسع من أي مذهبية.. كما ينبغي التنبّه أن عرض أي مذهب لأصوله وقيمه وأحكامه حق يجب على السنة والشيعة التسابق إليه والتفاخر به.

شفيق جرادي - مدير معهد الدراسات الحكمية في بيروت ـ شيعي

---------------------------------------------------------------------

إيران أخطر من إسرائيل

الكبيسي: المشروع الإيراني أخطر علينا من المشروع الإسرائيلي وإيران متحالفة مع أمريكا لتقاسم الكعكة العربية

الخطر الشيعي هو خطر خاص لأنه يستهدف هويتنا وعقيدتنا، واستطاع اختراق التجمعات وبعض العشائر العربية، وهذا ما لم تقدر عليه الحركات اليهودية.

التشيع مذهب مؤسس على أصول عقائدية معينة مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة ، وهذا المذهب في أصوله يسعى للتوسع والانتشار على حساب المذاهب الأخرى، لأنهم يعتقدون أن غيرهم على خطأ وضلال ومن بين هذه المذاهب أهل السنة والجماعة، حيث يرون أن أهل السنة قاموا على أصول خاطئة، ومن أجل ذلك يسعون لنشر الإسلام الحق أو تصدير الثورة.

ومن هذه الحيثية ارتبط حلم التوسع الشيعي المذهبي بحلم آخر وهو الحلم القومي بإعادة إمبراطورية الفرس القديمة وأصبح هناك نوع من التزواج بين المشروعين الفارسي والشيعي، وأصبح القوميون الفارسيون يستخدمون الشعارات الدينية الشيعية للترويج للقومية الفارسية، وكذلك المحافظون الشيعة يستخدمون المبادئ القومية للترويج للمذهب الشيعي.

فمن حيث الواقع لا يمكن التمييز بين التوسع المذهبي الشيعي والتوسع الإمبراطوري الفارسي. ونحن أمام هذه المشاريع التي تتوسع على حسابنا وينبغي أن تكون لنا نظرة مزدوجة لمواجهة هذا التوسع بكلا شقيه القومي والمذهبي، فنحن نعتقد بأن منهج أهل السنة والجماعة هو الحق، واستهداف أهل السنة لم يعد خافياً في البلدان العربية في العراق ولبنان ومصر والبحرين، فيجب على جميع الدعاة التنبه لهذا الخطر القادم، صحيح أن هناك خطر الكيان الصهيوني وخطر التغريب، لكن الخطر الشيعي هو خطر خاص لأنه يستهدف هويتنا وعقيدتنا، واستطاع اختراق التجمعات وبعض العشائر العربية، فالحركات اليهودية على الرغم من انتشارها وقوتها لم تستطع تحويل مسلم للديانة اليهودية، لكن المشروع الشيعي قادر على الاختراق وتغيير الهوية الإسلامية، فهذه ليست قضية جانبية، وإنما أرى أنها قضية إستراتيجية يجب التنبه لها وعدم إهمالها .

ومما يؤسف له أننا نرى القوميون العرب يتحالفون مع إيران, ويغضون الطرف عن مشاريع إيران التوسعية، وهي التي تحتل أجزاء من الوطن العربي أكثر مما تحتله إسرائيل، فهي تحتل منطقة عربستان التي تقع في الأهواز، وتحتل الجزر الثلاث، والغريب أن بعض دعاة القومية العربية يقف متفرجاً.

إن هناك توافقاً صريحاً بين المشروع الإيراني والأمريكي في المنطقة، والأمريكان سلموا العراق للإيرانيين، فلا يوجد رئيس عربي استطاع زيارة بغداد، إلا أحمدي نجاد الذي جاء بحماية أمريكية واستطاع الدخول للمنطقة الخضراء، فمن الواضح الآن أن هناك تحالفاً بين المشروع الأمريكي والمشروع الإيراني لتقسيم الكعكة العربية .

عياش الكبيسي - باحث إسلامي عراقي

--------------------------------------------------------------

التشيع والتسييس

توسيع قاعدة الإصلاح الوطني والانفتاح على المراجعة هو الحل

الحبيل: أطراف رسمية عربية تساهم في تأجيج الصراع الطائفي

المسئولية ملقاة على النظام الإيراني في تجييش الطائفية، لكن هذا لا يبرئ الطرف الرسمي العربي الذي شارك في هذا التأجيج بلغة طائفية معاكسة لاحتواء مأزق داخلي أو تبرير مشاركته للولايات المتحدة في مشاريعها الإستراتيجية .

قضية الاحتقان الطائفي الشديد في المنطقة العربية, لم يبدأ بوجود الشيعة في الحواضر العربية عموما أو في الخليج، لكنه وجود قديم وتاريخي, وليس قادما من الخارج في أصل تركيبته الديموغرافية، وأيضا الأزمة الفكرية في العلاقة بين التشيع ومدرسة أهل السنة قديم، ولكنه مختلف بين  مدرسة الاعتدال الشيعي المنفصلة عن قضية الطعن الرئيسية في الجيل الأول للرسالة الإسلامية وبين مدرسة الغلو والتطرف ذات الخطاب الثأري من المدرسة المقابلة لها.

ولم يكن هذا التوتر قائماً بهذا المستوى قبل قيام الثورة الإيرانية، إذ أن الإشكال الرئيسي كان في استدعاء النظام السياسي للثورة الإيرانية التي خلفت عهد الشاه 1979 لفكر متطرف للغاية كرسه حكم الشاه إسماعيل الصفوي 1514 إبان صراعه مع العثمانيين أجج فيه ثقافة الانتقام على الأسس المذهبية بناءاً على تعزيز المرويات المُنتقدة من تيار الاعتدال الشيعي والتي تُركز أصل الانحراف والمواجهة مع مدرسة أهل السنة فيما يعتبرونه المظلمة الكبرى على يد الخلفاء الثلاثة، ومن ثم فإن قضية المواجهة لازمة مع تسلسل هذا الوجود السني.

ولم يكن هذا التصريح ماثلاً في وسائل الإعلام الإيرانية عند قيام الثورة ولكنه تركز في برنامج الحوزات العلمية ومؤسسات إعادة تصدير الثورة الإيرانية التي رأت في تأجيج هذه القضية جسراً مهماً لاختراق أبناء الطائفة في عدد من البلدان وتسخيرهم للولاء المطلق بحجة الشرعية التاريخية للاقتصاص من المظلمة الكبرى، وربط الحالة الإنسانية التي تعاني من مظالم وإقصاء وتهميش في بلدانها الأصلية بهذه القضية.

وأبقت الجمهورية الإيرانية على هذا الخطاب تحت البرنامج الخاص للبناء الهيكلي للحركات الموالية لها للحفاظ على علاقة ودية مع العالم السُني واستقطاب عدد من مفكريه لتأييدها باعتبار أنها لا تحمل مشروع طائفي إنما برنامج مقاوم للهيمنة الأمريكية مستفيدةً من انخراط مجمل النظام الرسمي العربي بالبرنامج الأمريكي وهيمنته السياسية على القرار والموقف الرسمي العربي فضلاً عن تخندق واشنطن المستمر مع الدولة العبرية ومعاركها ضد الوطن العربي.

والغريب أنّ من أوائل من تبنى التحذير من هذا الانخراط الطائفي للثورة في المأزق التاريخي الأيدلوجي العنيف هو الأستاذ علي شريعتي احد مفكري الثورة الذي حذر مبكرا من أن ما اسماه بالتشيع الصفوي يهدد مفاهيم الثورة الإسلامية في إيران ومشروعها الوحدوي الحضاري.

كل  ما ذكرناه يؤكد على تداخل بل وهيمنة التسييس للخطاب الشيعي سواء كان تبشيريا أو إعادة تصدير لمنطق الحالة الشيعية عموماً. غير أن ما زاد من هذا الاحتقان تحول هذه الثقافة بالفعل إلى برنامج عمل وتشكل جماعات تنتمي إلى اطر التصدير وتتقاطع مع المشاريع الدولية كما حصل ذلك في العراق واستخدام هذه المظلومية على نطاق دولي أدى إلى تنفيذ هذا المشروع بالفعل في تقاطع واضح انتهى إلى إسقاط العراق.

ولم يقف الأمر في التسييس عند هذا الحد لأن الطرف الطائفي باشر بعد هيمنته على العملية السياسية بإعادة المفاهيم المتطرفة عن قضايا الخلاف مع الصدر الأول وتأجيج مشاعر المظلومية الانتقامية، وهكذا تم ضخ العديد من القنوات الإعلامية في العراق بعد الاحتلال إلى المنطقة العربية بحجة الولاء لأهل البيت ومحبتهم المقطوع بها عند أهل السنة كجزء من الاعتقاد الأصلي، غير أنّ هذا التأجيج يتحول المحبة تلقائياً في الخطاب الجديد إلى معادة للخلفاء وباقي الصحبة عمق الشرخ الوطني والاجتماعي, وبلا شك فان مسئولية الجمهورية الإيرانية كبيرة في هذه النتيجة.

في كل الأحوال هذه المسئولية على النظام الإيراني في أصل المأزق لا تبرئ الطرف الرسمي العربي الذي شارك في هذا التأجيج بلغة طائفية معاكسة لاحتواء مأزق داخلي أو تبرير مشاركته للولايات المتحدة في مشاريعها الإستراتيجية . ومن المهم للغاية أن نؤكد بان تصنيف الحالة لا يبرر التعدي على كرامة أشخاص والهيئة الاعتبارية لأبناء الطائفة أو سلب حقوقهم الوطنية واحترام تنوعهم ضمن الدولة الوطنية وان بقيت قضية حق التشريع الإسلامي للمدرسة السنية بحكم الانتماء الطبيعي للوطن وللغالبية الشعبية.

وإن من عوامل تجاوز هذا الاحتقان الطائفي المتزايد بسبب الضغط الإيراني المستمر لتسييس الحالة الطائفية العمل على توسيع قاعدة الإصلاح الوطني في القضايا المركزية, واحترام الفرد وحقوقه السياسية ضمن نظام دستوري عادل لجميع أبناء الوطن, وهي قضية نص عليها الفقه الدستوري الإسلامي مبكرا, معتبرا العدالة ركيزة العلاقة بين الدولة والمواطنة.

والجانب الثاني انفتاح الساحة الثقافية الأهلية والرسمية على دعوات المراجعة والتصحيح التي يتبناها نشطاء ومفكرون شيعة لتعزيز قيم التواصل والفكر المشترك، وهي حالة تعاني من خنق شديد بسبب النفوذ الإيراني الرافض لرؤى الاعتدال الشيعية.

مهنا الحبيل - باحث سعودي

font change