شهد لبنان جولة جديدة من تبادل القصف الصاروخي، يوم الجمعة الفائت، بين حزب الله وإسرائيل عند الحدود الجنوبية، إلا أنه سرعان ما أعلن الطرفان تطويق الاشتباك والامتناع عن التصعيد الحربي، وطي صفحة المواجهة، مع تعمّد كل منهما الإعلان أنه يستهدف الآخر في «الأراضي المفتوحة» غير المأهولة، بما يؤكد أن المواجهة مضبوطة ضمن أطر تجنب الانزلاق إلى حرب ومواجهة واسعة أقله حتى الآن.
طي صفحة المواجهة
فرنسا تحشد العالم لدعم اللبنانيين وتتعهد بـ100 مليون يورو مساعدات جديدة
وبعد ثلاثة أيام متعاقبة من التوترات الحدودية «بالواسطة»، بين إسرائيل و«فصائل» تنسب غالبا إلى بقايا منظمات فلسطينية، تحولت المواجهة إلى «ميني حرب» ميدانية مباشرة بين حزب الله وإسرائيل من خلال إعلان الحزب بوضوح تبنيه للقصف الصاروخي على منطقة مزارع شبعا المحتلة.
وأشار مدير «المنتدى الإقليمي للدّراسات والاستشارات»، العميد الركن خالد حمادة في حديث لمجلة «المجلة»، إلى أنه «لا بدّ من التوقف عند ما جرى جنوب لبنان في اليومين الأخيرين، لا سيما المعطى الأول وهو عدم تبني حزب الله في اليوم الأول إطلاق الصواريخ والقول إن هناك فصائل فلسطينية خارجة عن السيطرة هي التي قامت بإطلاق هذه الصواريخ، وكذلك تبني إسرائيل لهذه المقولة»، لافتا إلى أن «اللبنانيين يعلمون جيدا وكذلك قوات اليونيفيل والجيش اللبناني أنه ليس هناك فصائل فلسطينية قادرة على الخروج من المخيمات وإطلاق صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة وأن كل ما يجري في الجنوب اللبناني لا يمكن أن يكون خارج إرادة حزب الله بصرف النظر عن الجهة التي نفذت هذه العملية».
وأضاف: «لا شك أن حزب الله أخطأ بعدم تبني عملية إطلاق الصواريخ، لأن إسرائيل عندما تبنت هذه الرواية وكأنها تقول للمجتمع الدولي إن الجنوب اللبناني أصبح مسرحاً لفصائل فلسطينية دخلت على خط الصراع العربي- الإسرائيلي، وهي تهدد استقرار إسرائيل، وذلك يستدعي بالتالي تدخلا دوليا للنظر في مدى صلاحية القرار 1701»، مشيرا إلى أنه «كذلك فإن الرد الإسرائيلي واستخدام الطيران الحربي كان خرقا غير مألوف وكان تهديدا واضحا لقواعد الاشتباك التي نص عليها الـ1701، والتي تعرضت لاهتزاز كبير نتيجة استخدام هذا الطيران».
وعن ردّ حزب الله يوم الجمعة، رأى حمادة أنه «لربما كان استدراكا لذلك التبني فيما يتعلق بنسبة العملية لفصائل فلسطينية، إذ أعلن حزب الله تبنيه العملية والقول إنها رد على العدوان الإسرائيلي»، وتابع: «لا يمكن فصل إطلاق الصواريخ في اليوم الأول عن إطلاق الصواريخ في اليوم الثاني، وهذا ما لا يمكن فصله عن كل المناخ الذي تعيشه إيران في علاقاتها المتوترة مع المجتمع الدولي لا سيما مع تعثر مفاوضات جنيف ولا سيما بعد الموقف الأوروبي الذي أصبح يميل أكثر فأكثر نحو الموقف الأميركي وربما نحو الموقف الإسرائيلي».
كما أكّد أن «ما جرى في الجنوب اللبناني يشبه تماما ما جرى في بحر العرب، فليس هناك فرق بين ما جرى في البحر والبر، والقول إن طهران قادرة على تهديد الاستقرار وتهديد أمن الممرات البحرية في منطقة الخليج وبحر العرب، وهنا تقول أيضا إنها قادرة على تهديد استقرار لبنان»، مشيرا إلى أن «الحادثتين بحد ذاتهما تخدمان إشكالية تضعها طهران أمام المجتمع الدولي، وهي الاستقرار مقابل وقف الضغط على إيران وإعطاء الأولوية لدى المجتمع الدولي للاستقرار في الجنوب اللبناني والاستقرار في منطقة الخليج»، وتابع: «طهران تمارس الهروب إلى الأمام والسير على حافة الهاوية وتهدد حيثما تستطيع الاستقرار».
فهل يغامر المجتمع الدولي بهذا الاستقرار القائم ويقوم بحصر التفاوض مع إيران بالملف النووي، أم إن الملفات المفتوحة لن تقفل ولن يأبه المجتمع الدولي بمدى التهديد الذي يمكن أن تشكله طهران؟
وقال حمادة إنه «لا يرى في الوضع الحالي انزلاقاً إلى حرب، وبالتزامن مع هذا الجو المتوتر مع طهران سوف تستمر هذه الانتهاكات عبر الحدود وهذه الردود وليس هناك أي بوادر تشير إلى أننا ذاهبون إلى حرب حقيقية لأن الحرب الحقيقية ليست في حسابات طهران تلامس الخطوط الحمراء مع المجتمع الدولي، وقرار الحرب لا يقع على عاتق إسرائيل إنما هو قرار دولي يجب أن توافق عليه الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي نحن لا زلنا في مرحلة تبادل التهديدات والأمور مرهونة بحسب التطورات، فإذا تطور الموضوع ودخلت طهران في المغامرة فسوف نذهب إلى الحرب وقد تكون الساحة اللبنانية إحدى أكثر الساحات المفتوحة والمرشحة للحرب».
لا حاضنة شعبية لحزب الله
وعلى الرغم من أنها المرة الأولى منذ التصعيد العسكري بين الطرفين في العام 2019 التي يعلن فيها حزب الله استهداف مواقع إسرائيلية، إلا أن اللبنانيين اعتادوا على المناوشات بين إسرائيل والحزب بين الحين والآخر. ولكن ما لم يكن في الحسبان ما جرى في بلدة شويا قضاء حاصبيا جنوب لبنان (ذات الغالبية الدرزية)، عندما اعترض أهالي البلدة طريق مقاتلي حزب الله الذين أطلقوا صواريخ باتجاه قوات إسرائيلية يوم الجمعة الماضي، في سابقة وتحد نادر يواجهه الحزب.
ومع العلم أن مهمة عناصر حزب الله كانت تحصل ضمن نطاق السرية التامة كما جرت العادة، ومع ذلك عندما علم أهالي شويا بما حصل سارعوا إلى التصدي للمجموعة وتوقيف عناصرها ومصادرة راجمة الصواريخ وتعنيفهم والتهجم عليهم وعلى حزب الله، وتسليمهم للجيش اللبناني وصوَّر بعضهم مشاهد من العملية انتشرت كالنار في الهشيم.
هي حادثة عفوية، تعبّر عن مزاج المواطن اللبناني الغارق في الأزمات المالية والمعيشية الصعبة تجعله عاجزا عن تحمل أعباء «مغامرات» الحزب ورد فعل إسرائيل. إذ اعترض أهالي البلدة بشكل عفوي حرصا على أمنهم قيام عناصر حزب الله بإطلاق الصواريخ من بلدتهم وعلى مقربة من منازلهم، وهو الأمر الذي قد يجعل الردّ الإسرائيلي على أماكن إطلاق الصواريخ خطيراً بالنسبة إلى السكّان، هذه العفوية كانت قبل بدء محاولات احتواء الأشكال من قبل الحزب التقدمي الاشتراكي أو الحزب الديمقراطي اللبناني والفعاليات السياسية في المنطقة والبلدية من خلال تأكيدهم على دعم المقاومة بوجه إسرائيل.
تبرير حزب الله
وفيما أكد حزب الله في بيان أنه «لدى عودة المقاومين من عملهم وأثناء مرورهم بمنطقة شويا في قضاء حاصبيا، أقدم عدد من المواطنين على اعتراضهم»، مشيرا إلى أن الإطلاق جرى «من مناطق حرجية بعيدة تماما عن المناطق السكنية حفاظا على أمن المواطنين».
ورأى الجنرال حمادة أن «ردة الفعل في شويا لا يمكن فصلها عن ردة فعل الجماهير اللبنانية التي تظاهرت في الرابع من أغسطس (آب)، ووجهت أكثر من رسالة تجاه حزب الله بأنه مسؤول عن تفجير مرفأ بيروت، كذلك ما جرى في خلدة من اشتباكات مع عشائر العرب، ساهم في تهشيم وجه حزب الله في إظهار مدى الرفض الشعبي له، وما جرى كذلك في شويا يضيف مشهدا ثالثا من نوع آخر أن هذا المواطن اللبناني المهدد بأمنه وباقتصاده في كل مرة، يعيش أزمة طويلة لا يدري متى تنتهي، حزب الله مسؤول عن جزء كبير من هذه الأزمة، وهو مسؤول عن إقفال أي إمكانية لتشكيل حكومة ومسؤول عن تشريع الحدود أمام كل أنواع التهريب ومسؤول عن كل الضيق الاقتصادي الناتج عن توتر العلاقات مع الدول العربية والمجتمع الدولي، والآن أدخل تهديد جديد هو تهديد اللبنانيين القاطنين في مساكنهم».
وتابع: «كأن ما جرى (الجمعة) يحاول القول إنه حتى السقوف التي تنامون تحتها مهددة بالانهيار، إذا شاء الحزب ذلك»، مضيفا: «ردة الفعل هذه كانت طبيعية ومنطقية ربما لا يجب التساؤل لماذا يطلق حزب الله هذه الصواريخ من منطقة العرقوب وليس من مناطق أخرى محسوبة شعبيا بالمعنى المذهبي عليه، ولكن حتى المواطن الجنوبي الموجود في بنت جبيل أو في كفركلا كان يمكن أن يكون لديه نفس ردة الفعل لأنه ليس بمقدور المواطن أن يتحمل هذا التهديد المباشر على حياته اليومية بعد كل التهديدات التي يشارك حزب الله في نسبة كبيرة من المسؤولية عنها».
وقال: «نعم، يمكن القول إن الحاضنة الشعبية لحزب الله قد تفسخت، وليس هناك سوى دائرة ضيقة مستترة من حزب الله بإمكانها أن تجاهر أو أن تصطف حول الحزب في مواقف معينة، وإنما أزمات المحروقات والأزمات الصحية والأزمات الغذائية والتعليمية والأمنية وجميعها يعيشها المواطن الجنوبي، والمواطن الذي كان يعتبره الحزب جزءا من بيئته الحاضنة يعيش نفس التهديدات التي يعيشها كل اللبنانيين، وبالتالي لا وجود لشيء اسمه البيئة الحاضنة».
تعليق نصر الله
وعبّر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، مساء السبت، في خطابه بذكرى حرب 2006، عن حزنه وغضبه لما جرى في شويا، وخاطب أهالي شويا وحاصبيا بالقول: «لو كنا نستطيع الرمي من قرانا الشيعية لاستهداف المنطقة المفتوحة في المزارع غير المأهولة لكنا فعلنا، ولكن حكم الجغرافيا والأداء العسكري فرض علينا أن نرمي من تلك المنطقة»، مشيرا إلى أن «المسؤولية يتحملها السفهاء الذين اعتدوا على العناصر وليس جميع البلدة»، محذرا من «الذين يدخلون على خط التوتير»، لافتا إلى أن «المجموعة التي قامت بالكمين يجب أن يتم التحقيق معهم لأنهم حرضوا على قتل شبابنا، وسرقوا ما كان بحوزتهم».
وأعلن نصر الله أن «ذهابنا إلى الرد السريع يوم الجمعة مرتبط بالغارات الإسرائيلية المباشرة على جنوب لبنان للمرة الأولى منذ 15 عاماً، وأمس اخترنا أرضاً مفتوحة في مزارع، ولدينا الشجاعة لتحمل المسؤولية وهذا الرد بجهارة وبوضوح قصفتم أرضاً مفتوحة ونحن قصفنا أرضاً مفتوحة، ونحن قصدنا بالعملية تثبيت قواعد الاشتباك القديمة ولم نقصد صنع قواعد اشتباك جديدة، وأي غارة إسرائيلية جديدة على لبنان سنرد عليها حتماً بشكل مناسب ومتناسب، ونحن لن نضيع ولن نفرط بما أنجزته المقاومة في حرب يوليو (تموز) 2006 أياً كانت التضحيات أو المخاطر لأن ذلك سيستبيح لبنان».
سامي الجميل لـ«المجلة»: ما دام حزب الله يسيطر على لبنان فسنظل معزولين عن محيطنا