تشبه إيران بسياساتها الخارجية المافيا أو قطاع الطرق أكثر مما تشبه الدولة، فمنذ قيام الثورة الإيرانية في العام 1979 ومن ثم استيلاء الإسلاميين على السلطة كانت سياسة إيران الواضحة هي التعدي على دول الجوار ودعم الإرهاب والمجموعات الخارجة عن القانون، وليس دعمها لنظام بشار الأسد خارجاً عن هذا السياق.
ولم تكتفِ يوما إيران بالتعدي على دول الجوار، فقد ثبتت أكثر من مرة مسؤولية النظام الإيراني عن أعمال إرهابية وإجرامية ضربت دولا عدة في العالم، وليست محاكمة الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي مؤخراً في بلجيكا بسبب ضلوعه في مخطط للاعتداء على تجمع للمعارضة الإيرانية في فرنسا إلا واحدة من أمثلة كثيرة عن الإرهاب العابر للحدود الذي تتقنه الجمهورية الإسلامية في إيران، كذلك الأمر فيما يتصل بعلاقتها مع «القاعدة»التي لطالما رأت في طهران ملاذاً آمناً لها.
وقبل أيام استنفر العالم على خلفية هجمات غامضة تعرضت لها سفن في الخليج العربي، فبعد استهداف ناقلة النفط «إم تي ميرسر ستريت»التي تديرها شركة إسرائيلية، بثت أربع سفن في الخليج العربي، تحذيرات، من أنها «ليست تحت السيطرة».
وفيما أعلنت هيئة العمليات البحرية البريطانية عن احتمال وقوع عمليتي خطف، قالت الخارجية الإيرانية إن حوادث السفن بخليج عُمان مثيرة للريبة، ونفت اي علاقة لها بالأمر بعدما كان الإعلام الموالي لطهران يشيد بالعملية.
وفي الوقت الذي تعهّدت فيه الولايات المتحدة بتنسيق «ردّ جماعي»مع حلفائها على إيران، بعد تحميلها مسؤولية الهجوم على السفينة. قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت: «نعمل على حشد العالم، لكننا في الوقت نفسه نعرف كيف نتحرَّك بمفردنا. إيران تعلم ما هو الثمن الذي نجبيه عندما يهدِّد أحد أمننا. انتهى زمن الجلوس بكل راحة في طهران، وإشعال الشرق الأوسط من هناك».
بدوره قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، إنه يرى أنّ "إيران باتت أكثر جرأة، وأنها تنتهج أساليب سلبية في أنحاء الشرق الأوسط، وتعرّض الملاحة البحرية للخطر، فضلاً عن تسليح الحوثيين، والضلوع في المأزق السياسي في لبنان، لافتا إلى أنّ الليونة التي أبدتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ساهمت على ما يبدو في تنامي أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة».
ومن الواضح أن إيران لم تتوقف عن أي من أنشطتها المعادية منذ استئناف المفاوضات النووية، فلا هجمات الحوثيين على السعودية توقفت، ولا زعزعة الاستقرار الهش في لبنان على يد ميليشيا حزب الله التابعة لإيران توقفت، وبينما نرى في سوريا إيران ومعها بشار الأسد ينقضون اتفاقات التهدئة السابقة، صرنا نرى قرصنة وتعريض الملاحة في الخليج العربي للخطر.
وكذلك بات من الواضح أن الثقة بأن تساهم الولايات المتحدة الأميركية بوضع حد لتجاوزات إيران صارت شبه مفقودة من الحليفين الأقرب لأميركا في المنطقة، فلا إسرائيل واثقة من أن أميركا ستضع حدا لكل هذه التجاوزات الإيرانية بشكل حازم، ولا الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تثق أن إدارة بايدن راغبة أصلا في وضع حد لإيران ونفوذ ميليشياتها المتعددة الجنسيات ومنعها من الاعتداء على سيادة دول الجوار وأمنهم. ومع ذلك يبدو حتى اللحظة أن تشكيل تحالف عربي إسرائيلي بوجه التهديدات الإيرانية والتجاوزات بعيد المنال، طالما أن إسرائيل ترفض جميع المبادرات السلمية وعلى رأسها المبادرة العربية للسلام.
إزاء كل هذه المخاطر والتهديدات ومع عدم توفر الإرادة الأميركية الكافية للمساهمة في ردع إيران ومع تعثر فكرة قيام تحالف عربي إسرائيلي لعدم نضوج الفكرة ولأن متطلبات السلام العادل ما تزال بعيدة عن تفكير السياسيين في إسرائيل، فإنه لا بد من مشروع أمني عربي موحد يعيد تعريف المخاطر وتحديد العدو ويضع استراتيجية أمنية شاملة تعمل على استثمار وإدارة القدرات القتالية العربية الهائلة ووضعها في إطار استراتيجية موحدة للتصدي لكل أنواع التهديدات في المنطقة ومن أهمها التهديد الإيراني، فموازين القوى العسكرية بين العالم العربي وبالتحديد دول مجلس التعاون الخليجي وبين إيران ترجح لصالح العرب، لكن المشكلة في عدم الاتفاق على منظور أمني موحد وعلى عدم الاتفاق على تعريف محدد للمخاطر والتهديدات.
وكذلك فإن هذه القدرات منفصلة عن بعضها ولا تعمل بتوافق يسمح لها بربط هذه القدرات في جسم عسكري واحد كالناتو مثلا، ولذلك قد يكون هذا الوقت بالتحديد هو الأنسب لإعادة طرح تشكيل تحالف عسكري استراتيجي ثابت أو تشكيل ناتو عربي يستطيع ليس فقط الوقوف في وجه إيران أو سواها، بل يعيد العرب إلى خارطة الفعل الاستراتيجي بدلا من انتظار تغير الإدارات الأميركية وتغير مفاهيمها والتزاماتها بحماية المنطقة من التهديدات باعتبارها ما تزال منطقة حيوية للاستقرار العالمي ولتقدم اقتصادات الدول الكبرى.