القاهرة: أثارت تصريحات بعض أعضاء البرلمان الليبي الموالين للمشير خليفة حفتر حول مطالباتهم بتشكيل «حكومة موازية» لحكومة عبد الحميد الدبيبة، وتكون موالية لقائد الجيش الليبي المشير حفتر، العديد من التكهنات حول مضمون الدعوة، وأهدافها في مثل هذا التوقيت الصعب، والذي يأتي في وقت تتحرك فيه الملفات نحو إنجاز دستور جديد للبلاد، وإنجاز انتخابات رئاسية وانتخابات عامة في البلاد خلال ديسمبر (كانون الأول) المقبل، أو هكذا يجب أن يكون، كما تثير التصريحات التكهنات حول تعقد المشهد السياسي الليبي في ظل هذه الدعوة، والتي قد تدفع إلى عرقلة جميع الجهود الوطنية الليبية، والجهود الأممية، والإقليمية الساعية لحلحلة الأزمة الليبية، حتى الخروج بانتخابات برلمانية ورئاسية تضمن الأمن في ربوع البلاد، وعودة المسار السلمي والديمقراطي بتوافق جميع الفرقاء الليبيين، كما تثير هذه التصريحات والتي أطلقها عضو مجلس النواب الليبي سعيد اسباقة، والمعروف بولائه الشديد للمشير حفتر، والتي أكد خلالها، أن جميع الخطط مطروحة الآن على الطاولة ومنها تشكيل حكومة مضادة (حكومة موازية)، في حال استمرت السلطة الحالية، في إشارة إلى حكومة الدبيبة، ورئاسة محمد المنفي في طريقها، خاصة أن أغلب مناطق ليبيا تحت سيطرة القيادة العامة للمشير خليفة حفتر، وأن هذه الخطوة تأتي بعد الجمود الذي طرأ على المسار السياسي، والإخفاق في الوصول إلى تنفيذ وقف لإطلاق النار، وكذلك الترتيبات المالية، وهو ما يدفع للتساؤلات حول مغزى هذه التصريحات؛ هل هي إحدى وسائل الضغط التي يتبعها قيادات الشرق الليبي لإجبار الطرف الآخر على صياغة مواد دستورية تمنح الحق للمشير حفتر في الترشح لرئاسة البلاد، مع عدم تنازله عن زيه العسكري، وقيادته للجيش الوطني الليبي، وعدم التنازل عن الجنسية الأميركية التي يحملها؟ أم أنها تعتبر دعوة جديدة، وجادة لتقسيم البلاد إلى شرق ليبي، وغرب ليبي، وجنوب ليبي؟ وما هو الموقف الدولي تجاه هذه الأطروحات حال تنفيذها؟ وما هو الموقف الإقليمي من مثل هذه الدعوات؟ إضافة إلى موقف الأطراف الدولية والإقليمية الداعمة لخطوات المشير حفتر؟
نجلاء المنقوش... أول وزيرة خارجية في تاريخ ليبيا
هيمنة «أنجلو ساكسونية» على ليبيا ودعوة للفتنة
الدولة الليبية تقع برمتها اليوم تحت الهيمنة والاحتلال التام غير المباشر للقوى الغربية عموماً، والتحالف «الأنجلو ساكسوني» على وجه الخصوص ما يجعل رغبة أعضاء من البرلمان بتشكيل حكومة موازية أخرى أمرا مرهونا بكليته لإرادة الدول الغربية وعلى وجه الخصوص، الولايات المتحدة، وبريطانيا وذلك حسب تأكيدات المحلل السياسي الليبي، عز الدين عقيل، الذي أكد لـ«المجلة» أنه «بغض النظر عن هدف هؤلاء الأعضاء في البرلمان الليبي، سواء كان هدفهم تقويضيا، أم تقسيميا. فإن سعيهم لإحداث تقويض لجهود الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني ويليامز، الفاشلة أصلا، قد يكون ظنا بعيدا، لأن التقويض قد حدث فعلا بالرعاية الكاملة لمؤتمر برلين-2 الذي جعل العملية السياسية القائمة على علاتها تحت رحمة الروس والأتراك بإحالة مصير ليبيا إليهما كليا تحت مخرج تكليفهما ببحث خروجهما من ليبيا الذي سيماطل الطرفان بشأنه حتى العظم.. ولسوف يختلقان الذريعة تلو الأخرى لتحقيق استمرارهما التفويضي الدائم بليبيا».
* مسؤول ليبي رفيع: الدعوة لتشكيل حكومة موازية في الشرق ليست أداة ضغط على الحكومة بقدر ما هي أداة لابتزاز الشعب الليبي
كما أن حكومة موازية ستزيد من العنف والفوضى والفساد، دون أن تحقق أي خطوة باتجاه توفير ضمانات لمشاركة المشير خليفة حفتر في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها، لأن حدوث الانتخابات نفسها في ظل استمرار وجود الميليشيات والمرتزقة هو أمر مشكوك فيه، والإجراء الوحيد الذي يمكنه الوصول بالبلاد إلى انتخابات هو جمع أمراء الحرب وقادة القوى والجماعات المسلحة لصناعة اتفاق سلام يحدد آليات نزع السلاح وتفكيك الميليشيات وإعادة هيكلة وتنظيم مؤسستي الجيش، والشرطة، وقبل ذلك أن تكون نتائج أي انتخابات كما سبق ووقع من عواقب وخيمة ترتبت على انتخابات المؤتمر الوطني العام والبرلمان ولجنة الستين.
كما أن الدعوة لحكومة موازية، سوف تعقد المشهد الليبي وتؤثر على المسار السياسي، وذلك حسب الباحث المصري بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور عمرو الشوبكي، ومن خلال تأكيداته لـ«المجلة» بأن هذه الدعوة غير موفقة ولن تجد صدى، حيث إنه على الرغم من وجود أوجه قصور كثيرة في عمل حكومة الدبيبة، إلا أنها من الناحية النظرية تضم تمثيلا لكل الأطياف والمناطق الليبية بما فيها كيانات محسوبة على الشرق الليبي، ومقربة من المشير خليفة حفتر، ونالت دعما واعترافا دوليا وإقليميا غير مسبوق، لم تتمتع به حكومة السراج، فقد نالت هذه الحكومة دعم مصر ودول الخليج، وتركيا، والمجتمع الدولي، ويمكن الاختلاف مع حكومة الدبيبة، في محاولة لتقويم أدائها، وإصلاح أوجه القصور فيها، لكن فكرة تشكيل حكومة أخرى موازية، سوف تعقد المشهد الليبي ولن يحله.
فيما قال مسئول ليبي رفيع رفض ذكر اسمه لـ«المجلة»: «نحن في حاجة ماسة لعدم الانجرار وراء مثل هذه الدعوات، وقد مر شعبنا بتجربة قاسية ومريرة نتيجة الانقسام السياسي السابق كانت حصيلته حربا دموية غير واجبة بين أبناء الشعب الواحد، والآن من المفترض إعطاء فرصة لصوت العقل والحكمة لمعالجة كافة القضايا الشائكة والوصول بالبلاد إلى شاطئ الأمان، كما أن الدعوة لإنشاء حكومة موازية في الشرق الليبي هي دعوة لإشعال الفتنة التي تخلص منها الشعب الليبي بصعوبة ولا زال في طور معالجة آثارها السلبية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويجب التركيز في الوقت الراهن على المصالحة الوطنية الشاملة وإخراج جميع المرتزقة من البلاد لأن وجودهم سيحول دون إجراء انتخابات حرة وسيؤثر سلباً على السلم والأمن الأهلي في ليبيا، كما أنه من المهم جداً تكثيف الجهود من أجل ترميم النسيج الاجتماعي الليبي وتجاوز خلافات الماضي والسير في طريق بناء الدولة الوطنية القائمة على أسس العدالة والمساواة وبعيداً عن لغة الحقد والكراهية، والفيصل في الوصول إلى السلطة بين جميع المتنافسين هو صناديق الاقتراع ويجب تكريس الجهود لترسيخ التجربة الديمقراطية في بلادنا الحبيبة ليبيا ونبذ العنف والاستقواء بالخارج وإعلاء قيم التآلف والتآخي وإحباط المؤامرات الخارجية التي تحاك ضد الوطن والمواطن الليبي.
تكهنات برفض إقليمي ودولي لـ«حكومة الشرق الموازية»
وفي حال أقدمت قوى الشرق الليبي على إعلان حكومة موازية، فإنها لن تحظى بأي قبول إقليمي، أو دولي، حسب الدكتور عمرو الشوبكي، لأن هناك اتفاقا على إنجاح المسار السياسي، وإنجاح العملية الانتخابية، ورأينا أن هناك قنوات اتصال مفتوحة مع الحكومة الحالية، كما قام رئيس الوزراء المصري بزيارة طرابلس منذ شهرين، والجانب التركي حاضر، إضافة إلى الدعم السعودي والدعم الأوروبي، والألماني على وجه الخصوص وهذه هي الوسائل التي يجب الضغط من خلالها، ولا أعتقد أن تدعم الأطراف الإقليمية هذا التوجه.
هل ينجح الليبيون في إجراء انتخابات الرئاسة والبرلمان؟
كما أنه من غير المتصور أن تجد الدعوة لحكومة موازية في الشرق الليبي أي صدى دولي أو موافقة أطراف إقليمية عليها، لأن عقارب الزمن لا تدور إلى الوراء وتتم مقابلة اَي تحرك من هذا النوع بالاستهجان وعدم التعاطي معه دولياً، وجميعنا تابع مقررات برلين-2 والتي نصت بشكل صريح على ضرورة تسوية القضايا العالقة والانطلاق نحو العملية الانتخابية في موعدها المحدد بل ونصت على معاقبة المعرقلين للمسار السياسي.
* عمرو الشوبكي: هناك أطراف عديدة في ملتقى الحوار تطالب بالسماح للمشير حفتر بالترشح للرئاسة على غرار القائد العسكري الغربي أسامة جويلي الذي خسر في انتخابات ملتقى الحوا
كما أنه لو سمح ما يسمى المجتمع الدولي بظهور حكومة موازية في الشرق الليبي، فإنه لن يعترف بوجودها، لأن اعترافه بها يعني اعترافه رسميا بتقسيم ليبيا. والخلاصة حسب ظن الدكتور عز الدين عقيل أن ليبيا قد علقت بين الموارد التى تحضر لاشتعال حرب باردة ضخمة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين تحديدا، والغرب والصين عموماً، فالولايات المتحدة تحتاج إلى بؤرة فوضى في أفريقيا تصدر من خلالها العنف إلى قلب القارة الأفريقية لمحاربة التغلغل الصيني في أفريقيا من خلال إعادة نشر حروب الجيل الرابع الأهلية بالقارة الأفريقية لمنع الصين من تحقيق طموحاتها بالقارة، وعليه فإن المتيقن هو أن الغرب يسخر من ليبيا بادعائه اختلاق الحلول لأزمتها، ولا يمكن القول بوجود إرادة غربية حتى الآن وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأميركية لعودة استقرار ليبيا.
أداة ضغط «غير ناجعة» وابتزاز للشعب
ومن حيث الشروط التي تمنع ترشح أي من المنتمين للمؤسسة العسكرية إلا بعد تخليه عن زيه العسكري، وكذلك حاملو الجنسيات الأجنبية وهو ما يعرقل ترشح المشير خليفة حفتر للرئاسة الليبية، فهذا الموضوع لا يزال محل جدل، من لجنة التوافقات بملتقى الحوار، ولا تزال تناقش هذا الموضوع بحيث إنه في المراحل الانتقالية الأولى من المفترض أن تكون المعايير أكثر اتساعا بحيث تستوعب أكثر الأطراف ولا يجب استبعاد أحد سواء كان هذا الشخص خليفة حفتر، أو أشخاصا آخرين، لكن إذا اعتبرنا أن الإعلان عن إمكانية تشكيل حكومة موازية في الشرق الليبي هو ورقة ضغط، ففي رأي الدكتور عمرو الشوبكي، أن أوراق الضغط موجودة ومستمرة، وهناك أطراف عديدة في ملتقى الحوار تطالب بالسماح للمشير حفتر بالترشح للرئاسة على غرار القائد العسكري الغربي أسامة جويلي الذي خسر في انتخابات ملتقى الحوار وعاد لموقعه العسكري مرة أخرى، وأنا مع الضغوط ولكن على أن لا تكون هذه الضغوط بتشكيل كيانٍ موازٍ وهذا سوف يخصم من رصيد القوى التي تعبر عن الشرق ولن يضيف لها أي مكسب.
* عز الدين عقيل : الدولة الليبية تقع برمتها اليوم تحت الهيمنة والاحتلال التام غير المباشر للقوى الغربية
فيما أكد المسؤول الليبي الرفيع لـ«المجلة» أن هذه الدعوة ليست أداة ضغط على الحكومة بقدر ما هي أداة لابتزاز الشعب الليبي، وذلك- حسب المسؤول الليبي الرفيع، الذي يؤكد أن الحكومة لا علاقة لها باللجنة المختارة من الأمم المتحدة المكلفة بوضع قاعدة دستورية. وللأسف، فإن الشعب الليبي قد وقع بين المطرقة والسندان نتيجة الصراع غير المبرر على السلطة والذي يجب الاحتكام فيه لإرادة الشعب الليبي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ففي كل دول العالم المواطنون الذين لديهم جنسيات أخرى إما أن يتخلوا عن هذه الجنسية عند خوض السباق الانتخابي، وإما عدم الدخول في السباق الانتخابي، وهذا حق مشروع للشعب الليبي يقبل بمن يريد، ويرفض من يريد، وذلك عبر صناديق الاقتراع. فلا يوجد وصي على إرادة الشعب وهو فوق كل الاعتبارات.