القاهرة: شهد عدد من دول العالم مؤخرا آثارا مدمرة نتيجة لبعض الكوارث الطبيعية المتتالية من بينها الفيضانات وارتفاع درجات الحرارة بشكل قياسي، لتعلن الأرض عن غضبها مجدداً، مما سبب حرائق للغابات، وعواصف رعدية ورملية، وانهيارات أرضية عنيفة، ما زاد من التخوفات بسبب الوتيرة المتصاعدة لهذه الكوارث الناتجة عن التغيرات المناخية والتي كان أحد أسبابها المباشرة ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بسبب الانبعاثات الغازية الناتجة عن الثورة الصناعية والتي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري التي تضر بالكوكب، وكان من بين المفارقات تأثير هذه الظواهر على دول لم تكن تتعرض لها من قبل مثل ألمانيا التي ضربتها الفيضانات بشكل سبب أضرارا كبيرة لا زال السكان يعانون منها.
أوروبا تحت الصدمة إثر فيضانات خلفت 120 قتيلا والحصيلة قابلة للارتفاع
ودفعت هذه المخاطر مجددا للخوف على مستقبل كوكب الأرض في ظل زيادة الكوارث الطبيعية التي يعلم الجميع مسبباتها، لإعادة التذكير بالعواقب الوخيمة القادمة للتغيرات المناخية خاصة مع اقتراب موعد قمة المناخ التي ستقام في جلاسكو باسكتلندا خلال شهر سبتمبر (أيلول) القادم 2021 والتي ستبحث مع الدول الصناعية الكبرى مجددا إمكانية خفض الانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بشكل سريع، وحل الإشكاليات التي تعوق تطبيق اتفاقية باريس للمناخ. بالإضافة لحث الدول الكبرى على تمويل القضايا التي تخص المناخ، وحث الدول السبع الكبرى على زيادة مساهمات تمويل قضايا المناخ، بالإضافة لضخ استثمارات كبيرة في التقنيات المنخفضة الكربون.
ورغم أن الغازات المسببة للاحتباس الحراري ضرورية لبقاء البشر والكائنات الحية، إلا أن التوسع الكبير في الصناعة وإزالة الغابات أديا إلى ارتفاع كميات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي لأرقام قياسية لم تشهدها الأرض منذ ثلاثة ملايين عام وذلك بسبب نمو الاقتصاديات ومستوى معيشة الناس، مما يزيد من تراكم الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
تحذيرات أممية
تحذر منظمة الأمم المتحدة بشكل مستمر من خطورة قضية التغيرات المناخية، ولم يسبق من قبل ازدياد الآثار العالمية لتغير المناخ بمثل هذا الحجم، والذي صاحبته تأثيرات هائلة على كم الإنتاج الغذائي، وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات. وسيكون التكيف مع هذه التأثيرات أكثر صعوبة وتكلفة خلال الفترة القادمة ما لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية حاليا وبسرعة كبيرة.
6 أعوام على اتفاقية باريس دون تحسن يذكر
توصل المجتمع الدولي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لمكافحة تغير المناخ فيما يعرف باتفاقية باريس التي وقع عليها 175 من زعماء العالم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك بهدف تكثيف الإجراءات والاستثمارات اللازمة لتحقيق مستقبل مستدام منخفض الكربون، وتم إقرارها في عام 2015 للقيام ببذل جهود حثيثة ومتواصلة لمكافحة تغير المناخ والتكيف مع آثاره، إلى جانب مساعدة الدول النامية على القيام بذلك، إلا أن الأمر لم يسر وفق ما خطط له، ولم يتم تعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ، أو الحد من ارتفاع درجات الحرارة في الكوكب.
ظلت الآثار الكارثية للتغيرات المناخية واضحة ومدمرة للعديد من الدول مثلما حدث في ألمانيا والصين، وتسير دول صناعية كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية في طريقها الصناعي دون الالتفات لارتفاع درجة الحرارة على الكوكب.
وتعد أميركا من أكبر ملوثي المناخ في العالم، وتشكل الانبعاثات الغازية لدول الاتحاد الأوروبي حوالي 7.8 في المائة من إجمالي انبعاثات العالم، ورغم عمليات التطور التكنولوجي والطاقة المتجددة التي تشجع معظم دول الاتحاد الأوروبي لانتهاج تقليل انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري والحفاظ على البيئة إلا أن الأمور لا زالت تسير ببطء شديد ولا تلبى الطموحات والآمال اللازمة لتصحيح الوضع الكارثي الذي يسير من سيئ إلى أسوأ.
تحذيرات متواصلة من ناسا
حذرت وكالة ناسا الفضائية الأميركية مؤخرا من ظهور ما يعرف بتذبذب مدار القمر، وذلك بعد دراسة أجرتها الوكالة بالتعاون مع جامعة هاواي وهو ما يمكن أن يؤدي لفيضانات هائلة خلال العقد القادم مما يمكن أن يهدد البنى التحتية والتجمعات السكانية ويدمر أجزاء واسعة من الأراضي ويؤثر على الحاصلات الزراعية والمنشآت العامة والخاصة، ونبهت الوكالة إلى أنه رغم أن هذه الظاهرة طبيعية إلا أنها تزيد من المخاطر بسبب ارتفاع وتيرة العوامل الأخرى الخاصة بالتغيرات المناخية ومن بينها ارتفاع مستوى البحار والمحيطات الناتج عن زيادة درجات الحرارة.
زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب سواحل بابوا غينيا الجديدة
فيضانات غير مسبوقة في ألمانيا
وفي ألمانيا، شهدت مناطق عدة فيضانات عنيفة لم تحدث من قبل في ذروة الصيف بسبب عاصفة بيرنت والتي أدت إلى خسائر بشرية ومادية فادحة لم تتعرض لها ألمانيا منذ عقود طويلة، وعرضت وسائل الإعلام الوضع ووصفته بالكارثي بعد غرق المنازل بالكامل وجرف السيول للسيارات، واقتلاع الأشجار بسبب الفيضانات والأمطار الغزيرة، وتدفق المياه الذي وصل بحسب مسؤولين ألمان إلى 1450 مترا مكعبا في الثانية وهو ما يعد 20 ضعف معدلها المعتاد في مثل هذه الفيضانات.
ووصل ارتفاع منسوب المياه إلى أكثر من 7 أمتار وهو ما لم يسجل من قبل، لدرجة أنها وصفت بفيضانات الموت بسبب الأمطار الغزيرة، ويرجع ذلك بحسب مسؤولين ألمان إلى ارتفاع درجة الحرارة في ألمانيا بشكل أسرع مرتين من معدل الاحتباس الحراري.
وسبب ذلك أنها من الدول الصناعية الكبرى التي يزيد فيها معدل انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، مما يزيد من احتمالية هطول الأمطار بنسب أعلى 20 في المائة مقارنة بما كان يحدث في الماضي، وهو ما يراه مسؤولون ألمان جرس إنذار قوي بعد أن شاهد الجميع الكارثة التي تسببت في موت العشرات وفقدان المئات في أكثر من مدينة ألمانية.
حرائق غابات في اليونان وإيطاليا وفيضانات بالصين وألمانيا
شهدت اليونان اندلاع أكثر من 50 حريقا في الغابات خلال الفترة الأخيرة بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة التي تجاوزت 40 درجة مئوية، والرياح القوية التي ساعدت على انتشار الحرائق وانتقالها إلى مناطق أخرى، مما أدى إلى تضرر الكثير من المنازل وإجلاء السكان من المناطق المنكوبة، وبذلت المروحيات وقوات الإطفاء جهودا كبيرة للسيطرة على الحرائق التي استمرت عدة أيام، وشهدت جزيرة سردينيا الإيطالية كذلك حرائق في غاباتها ألحقت ضررا كبيرا بالبيئة من بينها تضرر آلاف الهكتارات من الأراضي، وتدمير زراعات واسعة فيها مما دفع دولا أوروبية لإرسال طائرات إنقاذ وإطفاء للمساعدة في إخمادها، وأعلنت هيئة الزراعة الإيطالية عن الكارثة وقدرت احتياج الغابات المتضررة لعشرات السنوات للنمو مرة أخرى.
كما شهدت مقاطعة خنان وسط الصين ضحايا بالعشرات جراء فيضانات بسبب سيول ضربت البلاد مما أدى لوفاة ما يزيد على 70 شخصا بالإضافة لعشرات المفقودين والمصابين، وتم نقل حوالي 200 ألف شخص من المتضررين لأماكن أخرى، وتم إغلاق محطات المترو في المدينة، وتعرضت في نفس الوقت مناطق في شمال غربي الصين لعواصف رملية كبيرة سببت شللا في الحياة بعد أن غطت السحب الترابية شوارع مدينة دونهوانغ بمقاطعة قانسو شمال غربي الصين.
وشهد مخيم لاجئين من الروهينغا في جنوب شرقي بنغلاديش انهيارا أرضيا بسبب الأمطار والسيول الغزيرة خلف خمسة ضحايا وعددا من المصابين من بينهم أطفال تم دفنهم تحت الطمي الذي طمر منازلهم.
عواصف وسيول في اليابان واليمن
لم تسلم دورة الألعاب الأولمبية الحالية في طوكيو من الآثار المدمرة، فقد شهدت تهديدا كبيرا بسبب العاصفة الاستوائية التي ضربت اليابان والتي سببت أمطارا غزيرة وأمواجا عالية ورياحا تصل سرعتها لأكثر من 100 كيلومتر في الساعة، وتتواصل التحذيرات من قبل السلطات اليابانية من توقع حدوث انزلاقات طينية وفيضانات خاصة بالأماكن المنخفضة.
كمل شهدت العاصمة اليمنية صنعاء سيولا بسبب الأمطار سببت أضرارا لعدد من المنازل، والمنشآت الحكومية ومن بينها هيئة مستشفى الثورة العام، وناشد المسؤولون المنظمات الدولية للمساعدة في إنقاذ المستشفى بشكل عاجل وذلك حتى يستمر في استقبال حالات الطوارئ من المحافظات.
مخاوف عالمية
وتتخوف الأمم المتحدة من استمرار التأثيرات السلبية المصاحبة لظاهرة الاحتباس الحراري والتي ستؤدي-بحسب المنظمة الأممية- إلى تغيرات لا رجعة فيها في النظم البيئية والمناخ في كوكب الأرض إذا لم يتم تداركها بسرعة، وبالفعل تضرر عدد من النظم البيئية الكبرى مثل غابات الأمازون المطيرة، والقطب الشمالي بسبب عملية قطع الأشجار، وارتفاع درجات الحرارة المستمرة، وذوبان الأنهار الجليدية بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وتضرر دول كثيرة ومناطق واسعة بسبب الجفاف، ولكها من العوامل المدمرة للبيئة، والتي تساهم في الكثير من الظواهر المدمرة.
وحذر تقرير سابق للأمم المتحدة كذلك من الارتفاعات المستمرة في مستوى سطح البحر بشكل مستمر ومتنامٍ بسبب عمليات ذوبان الثلوج الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة، وما يحدث بسبب الثورة الصناعية من الانبعاثات الكارثية لثاني أكسيد الكربون، وتوقع التقرير استمرار ارتفاع مستوى المياه في محيطات العالم بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وستكون الزيادة وفق المؤشرات والسلوكيات الحالية المدمرة للبيئة من 24 – 30 سم في عام 2065، وتزيد النسبة بين 40 – 63 سم خلال عام 2100.
ويتطلب علاج هذا الارتفاع والحد من مستوياته- بحسب التقرير- ضرورة إجراء تحولات سريعة وبعيدة المدى في كل ما يتعلق بالصناعة والطاقة والأرض والمدن وعمليات النقل والمباني، لخفض الانبعاثات العالمية الصافية لثاني أكسيد الكربون لتصل إلى حوالي 45 في المائة بحلول عام 2030، وإلى «صفر إنبعاث»عام 2050.
وحذر تقرير سابق للبنك الدولي أيضا من تضرر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من التغيرات المناخية بسبب ارتفاع مياه البحر المقدر بحوالي 0.5متر خلال العقود القادمة بسبب انخفاض المناطق الساحلية مما يعرضها للفيضانات، وحذر كذلك من ظاهرة الجفاف في هذه المناطق والتي تسبب فيها ارتفاع درجات الحرارة وهو ما سيتسبب في نقص المياه اللازمة للشرب والزراعة، وتوقع التقرير أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار أربع درجات عن المعدلات الحالية لتصل إلى حوالي 50 درجة مئوية في بعض الدول مما ستكون له آثار سلبية كبيرة.