
صرح المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين محمود غزلان في يناير 2013، على خلفية توقيف بعض المصريات في دولة الإمارات العربية المتحدة «تحاشينا وجود تنظيم للأخوات المسلمات لحمايتهن من المخاطر وحتى لا يتعرضن لما يتعرض له الرجال»، هكذا صرح.
كما أشارت استشهاد حسن البنا ابنة مؤسس الجماعة إلى أن التنظيم النسائي الإخواني هو تنظيم الأسر العادي بين الأخوات اللائي يجتمعن معا، ويحضرن لقاءات كالإخوان ولكن دون وجود تنظيم بالمعنى المعروف تقليديا، الذي يكون له هيكل وقيادة تفاديا للاعتقالات والمداهمات الأمنية.
هذه التصريحات الإعلامية تنفيها وثائق جماعة الإخوان المسلمين نفسها (المعلن منها وليس الخفي) سواء على المستوى التاريخي، أو الراهن. وهو ما يضع كثيرا من علامات الاستفهام حول ما هو مؤكد وثائقيا ومنكر على مستوى التصريحات الإعلامية.
التنظيم النسائي للجماعة
بدأ تعبير «الأخوات المسلمات» في التداول بين أعضاء الجماعة وفي أدبياتها المنشورة وغير المنشورة منذ 1933م أي عقب تأسيس الجماعة الأم بنحو خمس سنوات.
لم يكن أمر التنظيم النسائي للجماعة مثار جدل حتى بدا واضحا الأثر الذي تحدثه مشاركة المرأة في الاستحقاقات الانتخابية المتعاقبة فيما بعد يناير 2011، خاصة بعد انتخابات الرئاسة المصرية 2012، وقتها بدأ التساؤل الذي طرح سابقا عن وجود تنظيم نسائي مواز للتنظيم الذكوري، وهو ما تؤكده لائحة لتنظيم تدون اجتماعاته وتجمع من عضواته الاشتراكات، وجرى تدشينه بعد نحو خمس سنوات من تأسيس الجماعة الأم، نشرتها جريدة «الإخوان المسلمون» (22 يوليو 1933م) تحت عنوان: «أول لائحة للأخوات المسلمات»، وجاء فيها: «في غرة المحرم سنة 1352هـ (26 من أبريل سنة 1933م) تألفت في الإسماعيلية فرقة أدبية إسلامية تسمى (فرقة الأخوات المسلمات)». عبر «الدروس والمحاضرات في المجتمعات الخاصة بالسيدات والنصح الشخصي والكتابة والنشر».
وقد حددت هذه اللائحة طبيعة هذا التنظيم بأنه «تعتبر عضوًا في الفرقة كل مسلمة تود العمل على مبادئها وتقسم قسمها وهو: (عليَّ عهد الله وميثاقه أن أتمسك بآداب الإسلام، وأدعو إلى الفضيلة ما استطعت).
رئيس الفرقة هو المرشد العام لجمعيات الإخوان المسلمين ويتصل بأعضائها بوكيلة عنه تكون صلة بينهن وبينه.
كل أعضاء الفرقة، ومنهن الوكيلة، أخوات في الدرجة والمبدأ، وتوزع الأعمال التي يستدعيها تحقيق الفكرة عليهن، كل فيما يخصه.. يعقد أعضاء الفرقة اجتماعًا أسبوعيًا خاصًا بهن يدون فيه ما قمن به من الأعمال خلال الأسبوع الماضي وما يرونه في الأسبوع الآتي، وفي حالة ما إذا كثر عدد الأعضاء يصح أن يقتصر هذا الاجتماع على المكلفات بالأعمال منهن.
تقدر اشتراكات مالية اختيارية حسب المقدرة وتحفظ في عهدة إحدى الأخوات للإنفاق منها على مشروعات الفرقة».
أيام من حياتي
وقد أكدت وجود هذا التنظيم على المستوى العملي مجموعة غير قليلة من الوثائق المنسوبة لأعضاء وعضوات منها، وأن هذا التنظيم لم يكن مجرد تنظيم نظري؛ فقد روت الداعية زينب الغزالي في سيرتها «أيام من حياتي» كيف رفضت التعاون مع الإخوان المسلمين في البداية وكيف عادت بعد عام 1948 لتنضم للجماعة وكيف جرى تكليفها من قبل حسن البنا بوساطات بين الجماعة وحزب الوفد وزعيمه مصطفى النحاس (1876 – 1965م). ثم موقفها بعد ذلك من جمال عبد الناصر (1918 – 1970م) الذي حل جمعيتها «السيدات المسلمات» وسجنها نحو ست سنوات.
تشير زينب الغزالي دون تصريح إلى مستوى تنظيمي لـ«الأخوات المسلمات». لكن القيادية الإخوانية فاطمة عبد الهادي - وكيلة أول لجنة نسائية في الإخوان المسلمين وزوجة أحد قيادييها البارزين الشيخ محمد يوسف هواش (1923 – 1966م) الذي أُعدم برفقة سيد قطب(1906 – 1966م) – صرحت بهذا الوجود التنظيمي في شهادتها «رحلتي مع الأخوات المسلمات.. حقائق من داخل الإخوان وعلاقتهم بثورة يوليو».
قامت فاطمة عبد الهادي في هذه الشهادة بسرد كيفية نشأة قسم الأخوات المسلمات في الجماعة ودور المرأة والمهام الموكلة إليها، كما ذكرت كثيرا من خفايا العمل التنظيمي خاصة ما يتعلق منها بالجانب الأسري. ومنها مثلا أنه على الرغم من جاذبية العمل السياسي لكثيرات من زوجات أعضاء الإخوان المسلمين فإن زوجة مؤسس التنظيم حسن البنا لم يرق لها العمل السياسي – حسب فاطمة عبد الهادي – حيث نأت بنفسها بعيداً عن نشاط زوجها وتفرغت لتربية أبنائها.
تكون قسم «الأخوات المسلمات» في بدايته من فاطمة عبد الهادي وأمينة الجوهري وفاطمة توفيق وفاطمة البدري وزينب زوجة الشيخ الشعشاعي وأخت الأخ محمود سعيد، وكان ذلك - حسب فاطمة عبد الهادي - عام 1942، على الرغم من أن أول لائحة للقسم النسائي في جماعة الإخوان المسلمين كانت عام 1933، كما تشير اللائحة سابقة الذكر.
[caption id="attachment_55251117" align="alignleft" width="300"]

تعرج القيادية فاطمة عبد الهادي في شهادتها التاريخية المهمة على علاقة جماعة الإخوان بنظام حكم عبد الناصر ونظام السادات في سنواته الأولى، بالإضافة إلى بعض الجوانب الاجتماعية داخل الجماعة مثل كيفية تربية الأعضاء والعضوات وكيفية زواج الأخوات بالإخوان.. إلخ.
لكن الأهم في هذه الشهادة هو ملاحظة تحولات دور «الأخوات المسلمات»؛ حيث بدأ نشاط هذا القسم التنظيمي اجتماعيا ثم أصبح دعويا وأخيرا اتجه اتجاهات سياسية واضحة. وهو ما ظهر في الأحداث المصرية الأخيرة التي رافقت وأعقبت 25 يناير 2011.
هذا الدور السياسي الذي كان خافتا في البداية واتسع شيئا فشيئا هو ما اهتم برصده عبده مصطفى دسوقي في كتابه «تاريخ قسم الأخوات المسلمات»، الذي يرصد بالوثائق بداية الفكرة مع نشأة الجماعة عام 1928 في الإسماعيلية، ثم تبلورها المبدئي في لائحة 1933، كما أشرت سابقا، ثم تطور الدور بداية من الحقبة الناصرية وحتى ثورة يناير 2011.
عرض الكاتب لموقف حسن البنا وفكرته عن دور المرأة بداية من رسالته المعنونة بـ«المرأة المسلمة» التي حدد فيها حقوق المرأة وواجباتها ودورها الاجتماعي طبقا لفكر الجماعة. كما تناول نشأة وتطور «الأخوات المسلمات» في الثلاثينات منذ أول مسؤولة عن القسم وهي السيدة لبيبة أحمد (1875 – 1955م)، وكان رئيس القسم هو الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي، والمشرف على القسم من قبل مكتب الإرشاد الأستاذ صالح عشماوي. ثم عرض لقسم الأخوات ولوائحه، وأنشطة الأخوات، ودور القسم بعد مقتل حسن البنا، ودور «الأخوات» في مراحل المحنة ومرحلة غياب الأزواج، واعتقال الأخوات، ثم تحدث الكتاب عن «الأخوات» والعمل السياسي في انتخابات عام 2000م، وانتخابات 2005م، ثم انتخابات 2010م.
كما رصد دور «الأخوات المسلمات» في «أوقات المحن» التي مرت بالجماعة، فحينما حُلت جماعة الإخوان المسلمين في 8/12/1948م شكلت «الأخوات المسلمات» لجانا لمساندة المعتقلين وأسرهم، فتكونت لجنتان؛ الأولى مهمتها إعداد الطعام والملابس للإخوان بالسجون، والثانية مهمتها زيارة أسر الإخوان المسجونين وتقديم ما تحتاجه هذه الأسر.
أهمية التنظيم النسائي
تشير هذه الشهادات والوثائق إلى وجود وأهمية التنظيم النسائي بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين فيما قبل يناير 2011، سواء على المستوى الاجتماعي أو على المستوى السياسي بشكل عام. لذا كان طبيعيا أن تهتم الجماعة بوجود مثل هذا القسم النسائي، وكان طبيعيا أيضا وفق هذا السياق أن يصرح أحد قادة الجماعة - وهو المحامي صبحي صالح - بأنه لا يصلح لإخواني إلا زوجة من الإخوان، وهو ما يشير إلى أي مدى تحظى المرأة في هذا التنظيم بأهمية خاصة، طبقا لما ذكرته سيدة كانت يوما «أختا»، وهي الإخوانية المنشقة انتصار عبد المنعم صاحبة كتاب (مذكرات أخت سابقة.. حكايتي مع الإخوان) التي تروي «الآن» - بعد أن خرجت من الجماعة تنظيميا – حكايتها وتطرح رؤيتها لطبيعة الجماعة وأزماتها التربوية والإدارية، والبناء الطبقي داخل الجماعة والبنية الذكورية التي لا تسمح للمرأة بتجاوز أدوار محددة لها؛ فهي مثلا لا يسمح لها بدخول مكتب الإرشاد وهي الخطوة التي حاولها عضو الجماعة إبراهيم الزعفراني قبل استقالته لكنه فشل. هذا بالإضافة إلى تهميش جيل الشباب في حالات اتخاذ القرار وفي دخول مكتب الإرشاد واختيار المرشد الذي يتم عن طريق مكتب الإرشاد العام الذي يأخذ البيعة له من مجلس شورى الجماعة من الجيل الثاني والثالث في الداخل والخارج.
الوجود النسوي بعد عزل محمد مرسي
أيا كانت الانتقادات التنظيمية التي توجه لطبيعة الوجود النسوي في جماعة الإخوان المسلمين، فقد كان من الواضح أن دورها خاصة بعد عزل محمد مرسي يزداد يوما بعد يوم، فقد نظمت مسيرات ومظاهرات ودشنت حركات ومبادرات ودعت لفعاليات سياسية بشكل أثر على النظرة إليها بعد يناير 2011، وقد رفعت نساء الإخوان شعارات لا يختلف عليها في المجتمع المصري مما حشد كثيرات من غير نساء الإخوان، وذلك نظرا لعمومية الشعار وعمومية الهدف منه، مثل شعار «بنات مصر خط أحمر»، هذه العبارة التي أصبحت عنوانا لعدد كبير من الصفحات على «فيس بوك»، والتي دشنت كلها تقريبا بعد أحداث ضرب وسحل الفتيات في مظاهرات ميدان التحرير، وخاصة بعد أحداث مجلس الوزراء، فأعقب ذلك مظاهرات حرائر مصر وتدشين هذا الكم الكبير من الصفحات تحت هذا العنوان الذي كان يستخدم كذلك ضمن شعارات هذه المسيرات النسائية.
كما أنه أصبح طبيعيا أن يطالع المراقب عناوين مثل ألتراس بنات أزهري، أو نساء ضد الانقلاب.. لكن أشهر حركة نسائية ظهرت في المشهد السياسي المصري في الآونة الأخيرة كانت «حركة بنات 7 الصبح» وهي حركة افتراضية تحولت إلى الواقع الحقيقي لمجموعة من الفتيات على خلفيات تنظيمية إخوانية. وقد بدأت هذه الحركة في الظهور في شهر نوفمبر 2013، على خلفية الاعتقالات في صفوف المتظاهرين عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة. واللافت في هذه الحركات أن مطالبها لم تكن تتعلق بقضايا المرأة وحسب بل بمجمل القضايا السياسية في مصر.