بيروت: يشهد لبنان وضعا سياسيا حرجا وأزمة اقتصادية خانقة والحال من سيئ إلى أسوأ، خاصة مع غياب تام للدعم العربي والغربي للبلاد... ما أبرز المستجدات على الساحة اللبنانية، وعلى الساحة الدرزية بالأخص بعد المصالحة التي حدثت مؤخرا في البيت الداخلي وما رأي الحزب التقدمي الاشتراكي حيال المبادرات الإقليمية عموماً والدولية خصوصاً، وما ستؤول إليه البلاد في ظل حرب الجوع والوباء؟
كل هذه الموضوعات نطرحها مع عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، النائب السابق أكرم شهيب، في حوار خاص مع «المجلة»...
* شهدت منطقة الجبل مؤخرا مصالحة بين الأقطاب الدرزية، ما هي الدوافع التي أدّت إلى اتخاذ التقدمي الاشتراكي هذه الخطوة، وأي مخاوف دفعته لطي صفحات ملطخة بالدماء والخصومة الشرسة التي وصلت أحيانا للعداوة؟
- الجبل فيه تنوع سياسي وطائفي، ولا يحتمل أي مشكلة؛ هذا مسار طويل سرنا فيه بعد المصالحة التاريخية مع صاحب الغبطة المغفور له مار نصر الله بطرس صفير وتم تثبيتها برموش العين. أي خلل داخل أي فريق من الفرقاء قد يؤثر على الآخر ومن هنا كانت الرغبة الدائمة في «لملمة» البيت الداخلي خصوصاً في ظل المتغيرات المتسارعة إقليمياً ودولياً، ولبنان حجر «داما» صغير بالنسبة لهذه المتغيرات. لهذا السبب المنطق يقول إن «التسوية» و«منطق التسوية» فن من فنون السياسة والاختلاف في الرأي مشروع في السياسة وإذا كانت هناك ديمقراطية حقيقية فلا بد من الاعتراف بالآخر.
* ولكن هل تعتبر المصالحة اعترافا من التقدمي الاشتراكي بالزعامة «الثلاثية» في الجبل؟
- الاستاذ وئام موجود على الساحة الدرزية كما أن الأمير طلال أرسلان موجود أيضا، وهو يعتبر أنه يرأس حزباً يعتزّ به ويدافع عنه. المسألة ليست لتثبيت زعامات بل للتعاون مع القوى الفاعلة على الأرض لتجنب أي اهتزاز في البنية الاجتماعية والأمنية للجبل.
* منطق التسوية الذي اعتمده وليد جنبلاط في أغسطس 2001، أثبت أنه لا بد من الوصول إلى تسويات لحل كل المواضيع الخلافية لأننا نعيش سويا ونواجه جميعا خطر السقوط الكبير
* تسيرون منذ مدّة بمبدأ الدعوة إلى تسويات، لماذا هذا الإصرار؟
- إن منطق التسوية الذي اعتمده الأستاذ وليد جنبلاط منذ فترة طويلة خصوصاً بعد المصالحة التاريخية في أغسطس (آب) 2001، ورغم الخلافات التي وقعت مع التيار الوطني الحر، أثبت أنه لا بد من الوصول إلى تسويات لحل كل المواضيع الخلافية لأننا نعيش سويا ونواجه جميعا اليوم خطر السقوط الكبير. لقد أثبتت الحادثة الأليمة التي وقعت في قبرشمون أن منطق التسوية ضروري أكثر وقد كان الأستاذ وليد جنبلاط ولا يزال سباقاً في اعتماد هذا المنطق الذي ساهم في تثبيت الاستقرار بالحد المقبول في الجبل.
* كيف يساند الحزب التقدمي أبناء الجبل في ظل هذه الأزمة الخانقة؟
- لطالما حمل الحزب هموم الناس ووقف إلى جانبهم، ورغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي لم نشهد لها مثيلاً، إلا أن الحزب وبناء على توجيهات رئيسه يحاول قدر المستطاع من خلال الإمكانيات التي يضعها رئيس الحزب توفير كل الخدمات الممكنة للناس أكانت صحية أم معيشية. كما لم تقتصر مساهمات الأستاذ وليد جنبلاط على منطقة الجبل فحسب، بل طاولت مساهماته كافة المناطق والجمعيات الخيرية التي تعنى بشؤون الناس صحياً واجتماعياً.
* كيف تصف مسار الاتصالات الدولية والعربية حول ما يحصل في لبنان؟
- بدأ مسار الاتصالات مع المملكة السعودية بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حينما حكى عن زيارة محتملة له إلى المملكة لكنها لم تتم لغاية اليوم لكن الاتصالات مستمرة وبكثافة بين فرنسا والمملكة. وفي فترة الانتخابات الأميركية ابتعدت واشنطن عن الملف اللبناني نتيجة أوليات داخلية والانتخابات. ثم حصل لقاء ثلاثي بين وزراء خارجية الولايات المتحدة، فرنسا والمملكة العربية السعودية مما أدى إلى استمرار التواصل مع لبنان عبر السفراء. ثم كان إلى جانب الاجتماع الثلاثي، اجتماع أكثر أهمية وهو الاجتماع الذي عقد في الفاتيكان، حيث تمنى قداسة البابا على القادة اللبنانيين المسارعة في تشكيل حكومة جديدة لأنها المفتاح لأي حل. وكذلك شهدنا مؤتمراً بالغ الأهمية استضافته فرنسا لدعم الجيش اللبناني وقبلها الاستقبال المميز الذي خصصته باريس لقائد الجيش الذي زار فرنسا واستقبله الرئيس ماكرون، وهذا التكريم يعود إلى كون العماد جوزيف عون شخصية متزنة وحكيمة.
إذن من الواضح أن الغرب ليس مع السلطة القائمة في لبنان وبعض المسؤولين اللبنانيين نتيجة تفريغ المبادرة الفرنسية التي أطلقها ماكرون، ونتيجة «العك» في السياسة، وهذا اللامنطق بالتعاطي مع ملف الحكومة من المسؤولين، وبالتالي تحوّل اهتمام الغرب إلى دعم الشعب اللبناني ومؤسساته أو عبر بعض جهات المجتمع المدني، منها ما هو ممتاز ومنها ما يحمل علامات استفهام حول تحركاته. فالدعم الذي يقدمه الغرب لهذه المؤسسات هو لحماية هذا الشعب حيث الأولوية اليوم هي للمستشفى، والدواء، والمازوت، والبنزين، والأفران. والأهم في هذا الإطار هو وقف هذا الانهيار الكببير، وجزء منه بسبب التهريب. والمعلوم أن هناك فريقاً لبنانيا يهتم بالاقتصاد السوري أكثر من اهتمامه بالاقتصاد اللبناني مع الأسف.
* ما رأيك في موضوع تكرار تهريب الكبتاغون خاصة أن العلاقات مع السعودية ليست على ما يرام؟
- من حق المملكة العربية السعودية حماية شعبها ومجتمعها، خصوصاً أن هناك إصراراً من بعض الفئات اللبنانية وفريق لبناني معين على تصنيع الكبتاغون وتصديره عبر خط مباشر أو عبر خطوط خارجية أخرى. لقد أوقفت المملكة الاستيراد من لبنان وهذا الأمر أضر بالزراعة والصناعة وبكافة المنتجات اللبنانية الأخرى، وبرأيي هذا الأسلوب في استمرار التهريب يجب أن يتوقف، ولا يحدث ذلك إلا عبر إعادة هيبة الدولة ودورها وفعاليتها وهذا الأمر لا يتم إلا بتشكيل حكومة.
* لو كنت في منصبي كوزير للتربية لما ألغيت الامتحانات بل ذهبت إلى محاسبة الجامعات «الدكاكين» في لبنان
* ما هي الرسالة التي يود حزب الله إرسالها إلى المملكة مع تكرار عمليات التهريب؟
- أماكن تصنيع الكبتاغون معروفة وفريق التصنيع معروف أيضاً. لم يكن للمملكة أي دور عبر التاريخ إلا الخير للبنان على كافة المستويات ومن يفكر في أذية الشعب السعودي عليه أن يفكّر أن للسعودية على لبنان والعالم العربي والإسلامي الكثير. التهريب أمر مستنكر وعمل غير مشروع وغير مقبول وأعتقد أن الأجهزة الأمنية اللبنانية تحاول القيام بدور أساسي في وقف هذا العمل لكن يظهر أن للبعض فعالية وقوة أكثر من بعض الأجهزة.
* كيف يستعد الحزب التقدمي للانتخابات المقبلة؟
- «بعد ما زيّتنا المكنة»، فالحزب يفكر حالياً في حرب الجوع وحرب الوباء ونعمل إلى جانب الناس وبكل الوسائل المتاحة لمساعدة أهل الجبل. عن أي انتخابات نتحدث قبل تشكيل حكومة وفي ظل هذه الظروف المأساوية التي نعيشها؟
* هل برأيك سيحاسب اللبنانيون الطبقة السياسية في الانتخابات المقبلة؟
- منطق «كلن يعني كلن» شعار خاطئ ويسيء إلى تاريخنا ودورنا. أما منطق «كلنا يعني كلنا» والقضاء هو من يحاسب، فهذا هو المنطق الأسلم. لا بد من تقديم برنامج واضح وبديل وهذا ما لم تفعله ما يسمى «17 تشرين» إذ لم تحمل في طياتها أي برنامج الذي هو حق للناس. فهذا البرنامج يجب أن يكون واضحاً بمعنى أي وطن نريد، هل نريد الاقتصاد الحر أم الاقتصاد الموجه؟ إلخ... ثم منطق «قوم تاقعد محلك» فهو في غير مكانه. وللأسف كل البرامج التي تقدم خلال التحضير للانتخابات تنتهي بعدها، لا بد من التخلي عن الطائفية والمذهبية للتغيير والتحسين إلى الأفضل. نتمنى أن نرى وجوهاً جديدة في داخل مجلس النواب علماً أنهم سيتفاجأون كثيراً بالإدارة اللبنانية وواقع السياسة عندما يكونون في الداخل.
* يعيش اللبنانيون اليوم في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تمرّ منذ عقود، هل برأيك نحن أمام مزيد من التفاقم؟
- الوضع سينحدر بكل أسف إلى الأسوأ إن لم يتم تشكيل حكومة قريباً. إلا أن الأمر السار هو أنه لن يسمح بسقوط لبنان بفضل قوة الفاتيكان الروحية والمعنوية والسياسية وتحرك الدول العظمى أميركا وفرنسا، ناهيك عن الدور العربي من السعودية إلى الإمارات فمصر وقطر والكويت، حيث الحركة نشطة في دول الخليج العربي. ثم لا يجب أن ننسى دور اليونيفيل كداعم أساسي في لبنان.
* هناك حركة سياحية لافتة للمغتربين اللبنانيين في البلاد، هل من الصائب التعويل على هذه الحركة كما يروّج البعض؟
- نبذة تفاؤل، فالوضع الأمني لا يزال ممسوكاً بسبب جهود القوى الأمنية وصمود الشعب اللبناني المضياف. السياحة مهنة ناجحة تاريخياً في لبنان رغم أنه شهد مؤخراً هجرة للمطاعم اللبنانية المعروفة إلى العالم العربي ففتحت فروعاً لها في الخارج نتيجة تدهور سعر الصرف.
* ما رأيك بهجرة الشباب اللبناني إلى الخارج؟
- هجرة الطاقات اللبنانية الشابة إلى الخارج مأساة كبيرة وموضوع يطول شرحه. لكن ماذا تقول للشاب اللبناني الذي لا يجد أمامه فرصة عمل في لبنان، ويشاهد هذا التخبط السياسي الذي يحرمهم من الاستقرار الذي يطمحون إليه؟ نحن نعاني من هذه المسألة منذ فترة طويلة، غير أن هذه الظاهرة، الهجرة الشبابية، تزايدت في الفترة الأخيرة نتيجة الأزمات السياسية وتدهور سعر صرف الليرة، وعلى الحكومة العتيدة التي يجب أن تتشكل في أقرب فرصة أن تسعى إلى تأمين الاستقرار الذي بدوره يؤمن عودة الاستثمارات إلى لبنان لكي يفتح معها سوق العمل وتصبح أمام الشباب إمكانية البقاء في لبنان.
* أخيرا كوزير سابق للتربية والتعليم العالي، الأكيد أنّك تتابع صرخة الأهالي والطلاب، لو كنت مكان وزير التربية اليوم هل كنت ستصر على إجراء الامتحانات الرسمية أم كنت ستتخذ موقفا آخر؟
- أنا مع إلغاء الشهادة المتوسطة (البريفيه) إضافة إلى تعديل القوانين الخاصة بهذه الشهادة، أما الشهادة الثانوية، فلا يمكن أن تلغى. الإفادات التي أعطيت في العام الماضي لم تقبل من الجامعات العربية وحتى من جامعات سوريا وبالطبع لم تقبل في الجامعات العالمية. إن إلغاء الشهادة الثانوية سيؤدي إلى هبوط مستوى التعليم والأهم أن المتخرجين لن يجدوا جامعات تقبلهم. ولأن التعليم اعتمد هذه السنة مبدأ التعليم أونلاين فلا توجد أي مشكلة في إجراء الامتحانات. لو كنت في منصبي كوزير للتربية لما ألغيت الامتحانات بل ذهبت على محاسبة الجامعات «الدكاكين» في لبنان. لكن بالعودة إلى موضوع الامتحانات، ليست هناك مقومات تسمح بإجرائها بسهولة بغياب الكهرباء والإنترنت. المأساة ستقع بالنسبة للطلاب في الحياة الجامعية وسوق العمل.