الجزائر: رغم أنها تسمى «عاصمة النفط» في الجزائر، إلا أن محافظة ورقلة جنوب الجزائر تعيش منذ أيام على وقع احتجاجات سكانها، وخاصة الشباب منهم بسبب تردي أوضاعهم المعيشية والتنموية، مع غياب فرص العمل، وسوء الخدمات، وغياب البنى التحتية الأساسية، ويطالبون الحكومة بـ«الإنصاف والعدالة في التنمية، وحق التوظيف في الشركات العاملة في المنطقة» ، وهي الاحتجاجات التي اتسعت لتشمل مدنا أخرى جنوبي البلاد بنفس المطالب والشعارات المنددة بالتهميش والإقصاء.
وفي الواقع فإن احتجاجات شباب الجنوب الجزائري الغني بالنفط ليست وليدة اليوم أو هذا الأسبوع، ففي عام 2011 شهدت احتجاجات واسعة تطالب بتوفير مناصب الشغل وإنهاء ما يصفونه بـ«التمييز» الذي يطالهم منذ سنوات في مجال التشغيل، وخاصة في قطاع المحروقات، حيث يتهمون السلطات المركزية بتوظيف أبناء مناطق الشمال على حسابهم.
وخلال العام 2011 برزت رابطة حقوقية ومطلبية تتبنى مطالب الشباب في مناطق الجنوب أطلق عليها اسم «اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطالين»أي العاطلين، وهي اللجنة التي انبثقت عن النقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية ومقرها محافظة ورقلة، وتكوّنت بمبادرة من مجموعة شباب من أبناء المحافظات الجنوبية، وبفضل جهود هذه اللجنة أصبح سكان ورقلة الساخطين أكثر اطلاعًا وتنظيمًا، وتعزّزت شبكات معارفهم، وازداد انخراطهم السياسي عن السابق.
ورداً على تأسيس اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطالين، وتصاعد وتيرة الاحتجاجات، باشرت الحكومة إصلاحات في الوكالة الوطنية للتشغيل وكلفتها بتوظيف السكان المحليين وزيادة الرواتب. وتعهدت كذلك بخفض معدل الفائدة على القروض الممنوحة لأبناء الجنوب وتوفير التدريب المهني لهم. وبدا لوهلة أن الحكومة تفي بوعودها، ففي العام 2013، تم افتتاح مركز تدريب للمهن المرتبطة بقطاع النفط، وهو الأول من نوعه في ورقلة. وفي العام 2018، تم تنظيم برامج تدريبية في مجالات متنوعة مثل زراعة الحبوب، والبناء، والاتصالات، والتكنولوجيات الجديدة. إضافةً إلى ذلك، استثمرت السلطات في بناء ترامواي بدأ تشغيله في العام 2018. لكن هذه الجهود وغيرها لم تفلح في دفع التنمية بالمنطقة، ولم تساعد في خلق مناصب شغل جديدة، ما يدفع السكان للاحتجاج في كل مرة للمطالبة بتحقيق الوعود الحكومية المتكررة.
وفي السياق، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الشباب الغاضب، وخلال الأسبوع الماضي قطعوا عدة طرق بصخور كبيرة وعجلات مطاطية أشعلوا فيها النيران، رافعين شعارات توضح مطالبهم، والاحتجاجات لم تتوقف في ورقلة بل اتسعت لتشمل محافظات أخرى على غرار الوادي، حيث نقلت صحيفة «الخبر»المحلية أن «البلدة شهدت الأربعاء حركات احتجاجية للشباب البطال تطالب بالحق في مناصب الشغل في الشركات النفطية الوطنية والأجنبية العاملة بالمنطقة، حيث أغلق الشباب البطال بقرية السويهلة مقر بلدية سيدي عون كما نظموا مسيرة سلمية جابت الطريق الرئيسي من القرية إلى مقر البلدية. وقام شباب بلديتي الدبيلة وحساني عبد الكريم بغلق الطريق الوطني رقم 16 الرابط بين ولايتي الوادي وتبسة باستعمال المتاريس والحواجز البشرية. وقد طالب هؤلاء المحتجون بتنحية مدير وكالة التشغيل محملين إياه رفقة مسؤول وكالة التشغيل الجهوية بورقلة مسؤولية تعفن ملف التشغيل بالمنطقة».
وفي بلدية جامعة شمال شرقي الوادي قطع الشباب البطال الطريق الوطني رقم 3 الرابط بين ولايتي الوادي وتوقرت بالمتاريس والحجارة. وشلت تماما حركة المرور حيث توقفت جميع السيارات وحافلات نقل المسافرين المتجهين إلى توقرت وحاسي مسعود وورقلة وولاية إليزي. كما عرفت بلدية قمار حركة احتجاجية للمطالبة بالإعلان عن القائمة النهائية للتحصيصة الاجتماعية للسكن. واتهم المحتجون عبر شعاراتهم مسؤولي البلدية بالتقصير في دراسة هذا الملف وطالبوهم بالتعجيل في إجراء القرعة بحضور المستفيدين.
وامتدت رقعة الاحتجاجات، إلى أحياء عدة في محافظتي توقرت وورقلة، بحسب صحافيين محليين، إذ تظاهر كثير من العاطلين عن العمل أمام مقار وكالات التشغيل، وصبّوا غضبهم على المسؤولين المحليين، واتهموا الحكومة بـ«التمييز» في التشغيل بقطاع المحروقات، خاصة المهن البسيطة كالسباكة والنجارة حتى الحراسة في مواقع النفط والغاز، واستقدام عاملين من الشمال.
تسعة عشر مطلبا
وقد أشار الناطق باسمهم كمال بوشول الذي تلا تسعة عشر مطلبًا نيابةً عن المتظاهرين المحتشدين في المكان، إلى الفساد المتفشي داخل الوكالة الوطنية للتشغيل، متهِمًا فرع الوكالة في ورقلة بممارسة التحايل والتزوير في منظومته التوظيفية لمصلحة «الغرباء»، والمقصود بهم جزائريو الشمال، على الرغم من القرار الصادر في العام 2005 الذي يفرض على الشركات إعطاء الأولوية لأبناء المنطقة في التوظيف، واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تدريبهم. ومن خلال بوشول، طالب المتظاهرون الذين يعاني معظمهم من البطالة أو العمالة الناقصة، فتح تحقيق بشأن الوكالة، وإقالة كل من مدير فرع الوكالة في ورقلة، والمسؤولين الذين أساءوا استخدام السلطة وتورطوا في الفساد والمحاباة.
وتعدُ محافظة ورقلة من المناطق الجزائرية التي تختزن الكثير من الثروات، إذ يؤدي استخراج النفط من حقول حاسي مسعود دورًا محوريًا في تعزيز الاقتصاد الجزائري. تؤمّن حقول حاسي مسعود 400000 برميل من النفط يوميًا، وتضم 71 في المائة من احتياطي النفط الخام في البلاد. حتى الآونة الأخيرة، كان عدد سكان ورقلة يقدر بـ600,000 شخص، وهو عدد مرتفع مقارنة مع ولايات أخرى تقع جنوب جبال إيدوغ في شمال الجزائر.
وفي مارس (آذار) الماضي، نظم أكثر من 5 آلاف شخص مظاهرة في المدينة للمطالبة باستحداث فرص عمل، ومكافحة الفساد في المؤسسات العامة. ونددت منظمات المجتمع المدني وأحزاب سياسية، بتجاهل السلطة مطالب المحتجين، وانتقدت لجوءها إلى العنف وقمع المسيرات بدل الاستماع إلى المحتجين ودراسة مطالبهم.
ولاقت احتجاجات شباب الجنوب تفاعلاً واسعاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وعبر كثيرون عن موقفهم المساند لمطالب المحتجين، وكتب شنوف أحمد مجاهد في صفحته على «فيسبوك»قائلاً: «كثيرون يسألونني: من وراء احتجاجات ورقلة؟ وأجيبهم أن السلطات نفسها لا تعرف من وراء هاته الهبّة، إنها جماهير عريضة ميمنتها اليأس وميسرتها القهر، وصدرها دهر من التهميش. هناك إحساس بعدم الانتماء يتبلور منذ عقدين تُزكيه ممارسات السلطة عموما، إن كانوا حقا يبحثون عن الحل، فهو في فتح جبهة حوار تقودها أعلى السلطات في البلاد وإرادة سياسية وقضائية تفتح أبواب التنمية وتغلق على الفاسدين في المنطقة، لا كما نرى اليوم جبهة أمنية صرفة ومتابعات قضائية قاسية، تفضي إلى ما لا تحمد عقباه مستقبلا».
وفي حديثه لـ«المجلة»،يؤكد علي مداني وهو من نشطاء منطقة الجنوب أن «احتجاج شباب الجنوب جاء بعد غلق كل الأبواب في وجوههم، وبعد أن فقدوا كل أمل في تحسين أوضاعهم». ويتابع: «نحن لسنا عنصريين ولا مثيري شغب، ولا أحد يمكنه أن يزايد علينا وعلى أهل الجنوب في الوطنية وحب الجزائر، لكن وعلى مر الأزمات التي شهدها الجنوب عموما، وورقلة خصوصا، تبين أن العقل السياسي في الجزائر ظل ينظر إلينا وإلى المنطقة على أنها مصدر للثروات، وهي لا تعدو أن تكون برميل نفط، وواحة نخيل، وكوب شاي، وشبابا مختزلا في إعداد الشاي، وإقامة الحفلات الفلكلورية، أما عن الأزمات التي شهدها الجنوب بدءا من احتجاجات ورقلة، وانتهاء عندها، ومرورا بأزمات غرداية، والغاز الصخري، وغيرها، فدوما كان المراهنة على أن عامل الوقت هو الحل، بينما يتم التدخل لإصلاح حفرة وسط العاصمة، ويتجند لها الإعلام والحكومة والساسة»، ويتابع: «صحيح أنه لا أحد يريد العنف، ولا أحد يشجع عليه، لكن كيف لك أن تقنع شابا انهكته البطالة، وأرهقته متطلبات الحياة، وهو يرى سنوات العمر تمضي دون أن ينال أبسط حقوقه، وهو العمل، كيف لك أن تقنع شابا وهو ينام ويصحو على حقول النفط، ليقابله أفق مظلم، ومستقبل مجهول، ولا يناله من هذه الثروة سوى لحيفها وسمومها وما تخلفه من أمراض». مؤكداً أن «الأمر بات يتطلب تدخلا عاجلا لاحتواء الوضع، ونزول وفد وزاري لكل من له صلة بقطاع التشغيل، وفتح حوار مباشر مع البطالين الحقيقيين والاستماع لهم لوضع حد لحالة الاحتقان التي لا تخدم أحداً».
الطبقة السياسية تفاعلت مع مطالب المحتجين، وعبّرت أحزاب سياسية عن تضامنها مع مطالب المحتجين، وحسب بيان حصلت «المجلة»على نسخة منه، قالت «حركة مجتمع السلم»إن «الاحتجاجات التي تشهدها ولاية ورقلة وعدد من ولايات الجنوب تعبر عن حالة احتقان متصاعد في البلاد بسبب إرث الفساد واستمرار الفشل في تحقيق التنمية، وغياب العدل في التوظيف، وفي الفرص الاقتصادية والاجتماعية في جنوبنا الميمون، وقد زاد من نفاد صبر المواطنين غياب الأفق السياسي بسبب التزوير الانتخابي وعودة الانتهازية والزبونية للواجهة، ومنطق الفوقية والنظرة الأحادية في التعامل مع الأزمات، وتكرار إنتاج المشاهد المخيبة التي ضجر منها الشعب الجزائري». وسجل الحزب موقفه المؤكد على «شرعية المطالب المرفوعة، ومشروعية الوسيلة الاحتجاجية السلمية». مع «التأكيد على السلمية ونبذ كل أشكال التمييز والجهوية وعدم تكافؤ الفرص في التشغيل وفي التنمية». ودعت كل الأطراف إلى «تحمل المسؤولية والحوار الجاد والمسؤول بين الجميع من أجل إيجاد الحلول الجذرية، وعدم تكرار نفس أسباب الأزمة».
الأحقية بفرص العمل
رئيس حركة البناء الوطني المشاركة في الحكومة الجديدة، عبد القادر بن قرينة، دعا في بيان، السلطات إلى «التحرك العاجل بفتح حوار مع المحتجين والاستماع إليهم، من أجل التخفيف من التوترات المتصاعدة». كما طالب بفتح «تحقيق في التحايل والمضاربة بالتوظيف، عن طريق شركات مناولة (في قطاع النفط) تخالف التعليمات الوزارية المختلفة وكذا تعليمات الوزير الأول».
واعتبر بن قرينة أن شباب ورقلة «لهم الأحقية في فرص أكبر للعمل في الشركات الوطنية أو الخاصة والمؤسسات الاقتصادية الموجودة بالمنطقة، بما يسمح لهم بمكابدة الظروف الصعبة للحياة وتوفير أسباب العيش الكريم»، ولكن بالوقت نفسه أكد الحزب على «ضرورة الحفاظ على سلمية هذه الوقفات الاحتجاجية، وانتهاج أسلوب الحوار الهادف، لتفادي انزلاقات لا تحمد عواقبها، وتفويت الفرصة على مخططات تريد ضرب استقرار البلد والمس بسيادته، بالنبش في التمييز الذي نرفضه، وندعو للتصدي له بمزيد من التماسك وتمتين الجبهة الداخلية».
وحسب مسلم محمد وهو من سكان محافظة ورقلة فإن «القطاع الصحي يقدم النموذج الأبرز لتردي الخدمات الحكومية، فالمنشآت الصحية قليلة جداً ومتباعدة، وتفتقر إلى الكوادر الصحية اللازمة، وإلى التجهيزات، وكثير من المراكز الطبية تعتمد على طبيب واحد متجول ومتنقل، أما المستشفيات الحكومية التابعة للجامعات والعيادات الخاصة التي توفر عادةً رعاية أفضل، فتقع على مسافة بعيدة من بلدية ورقلة». فعلى سبيل المثال يوضح «تقع العيادة الأقرب في ولاية الوادي على بعد 320 كيلومترًا، في حين أن المستشفى الجامعي الأقرب يقع في ولاية باتنة التي تبعد 550 كيلومترًا عن ورقلة». وذكّر بحادثة الأكاديمية عائشة عويسات التي فارقت الحياة عام 2018 بعد تعرّضها للسعة عقرب سامّة، ما دفع بأبناء ورقلة إلى التنديد علنًا بالرعاية الصحية ذات المستوى المتدنّي وإلى اتهام المسؤولين السياسيين بالإهمال.
أحداث الجنوب استنفرت أيضا النائب البرلماني عبد الوهاب بن زعيم عضو اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني الذي طالب بفتح تحقيق مع شركات المناولة التي اتهمها بتعفين الوضع، مؤكدا في ذات السياق أن «المشكلة قديمة وتستدعي أن تستعمل القبضة الحديدية مع مسؤولي الشركات والأجور المعلنة وغير المعلنة وفتح تحقيق في المحسوبية والعشائرية في التوظيف» .
ووجه بن زعيم سهامه باتجاه المسؤولين المحليين من منتخبين وسلطات إدارية معاتبا إياهم بأنهم يتحملون كافة المسؤولية في هذا الملف، مردفا بأنه من حق كل جزائري العمل وبعدالة..
كما تساءل بن زعيم من خلال منشور له في صفحته على «فيسبوك»:«أليست هناك إجابات وإجراءات أخرى لطالبي الشغل والماء والمرضى والمحروقين!». مؤكدا أن «إخراج قوات مكافحة الشغب ليس حلا ولن يكون، بل يزيد الأمور تعقيدا»..