جدة: يبدو أن استثمار دولة نفطية عملاقة كالسعودية في صناعة سيارات كهربائية، لا تعمل أصلاً بالنفط، أمراً مثيراً للتساؤل في أكثر من اتجاه. للوهلة الأولى، يظهر أن انتشار السيارات الكهربائية، سيحيل النفط ومشتقاته إلى التقاعد؛ رغم أنه لا يزال السلعة الخام التي تحقق إيرادات هائلة للخزينة السعودية، آخذين في عين الاعتبار أن نحو نصف الإنتاج النفطي العالمي يذهب للاستهلاك في قطاع النقل.
من جانب آخر، يبحث صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، الجهة المستثمرة في شركة لوسيد الأميركية الناشئة لصناعة السيارات الكهربائية عن استثمار مجدٍ، يدر له الأرباح، وهو الهدف الذي أنشئ الصندوق من أجله. لكن نظرة أعمق، تشير إلى أن دخول مجال الطاقة النظيفة ومنتجاتها والآليات التي تعمل عليها، هو في صلب الاستراتيجية السعودية للعمل بخلائط الطاقة الأحفورية والمتجددة على حد سواء، وأن الاستثمار في صناعة تلك السيارات الخضراء، هو جزء من استراتيجية تعزيز الصناعة السعودية وفقاً لرؤية المملكة 2030، سيما مع وجود إمكانية لتصنيع ذلك النوع من السيارات في السعودية مستقبلاً.
ويبقى السؤال عما إذا كانت السيارات الكهربائية ستجتاح العالم بسهولة وسرعة فائقة أم إن الأمر يتطلب عقوداً لتحقيق ذلك. نتابع معاً آفاق توجه الذراع الاستثمارية للحكومة السعودية، صندوق الاستثمارات العامة، نحو الاستثمار في السيارات الكهربائية الفاخرة والفرص المترتبة على هذا النوع من الاستثمار، وإذا ما كانت ستؤثر سلباً على الإنتاج النفطي السعودي.
حتمية السيارات الكهربائية؟
اتخذت بعض الدول قراراً بإيقاف استخدام السيارات العاملة على البنزين أو الديزل بحلول عام 2040 مثل المملكة المتحدة، وفرنسان وكذلك قرار بعض مصنعي السيارات بتعزيز إنتاج السيارات الكهربائية مثل صانع المركبات الألماني بي إم دبليو أو قرار صانع المركبات السويدي فولفو بالاقتصار على إنتاج السيارات الكهربائية بحلول 2030.
ويظهر أن الدول الأوروبية هي الأكثر تشدداً واتخاذاً للمبادرات المحفزة على استخدام السيارات الكهربائية، لكنها، في الوقت نفسه، لم تعد مركز النمو العالمي في الاستهلاك والإنتاج، فدول الاتحاد الأوروبي، تحسب نموها الاقتصادي بالهوامش العشرية، ولا تزال بعيدة عن النمو المضاعف المتحقق في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
ووفقاً لتقارير مجمعة متعددة المصادر، يبلغ عدد السيارات الكهربائية التي تسير على الطرقات حول العالم نحو 10 ملايين سيارة من أصل 1.2 مليار مركبة في جميع قارات العالم، أي أقل من 1 في المائة.
ويقول تقرير لوكالة الطاقة الدولية إن عدد السيارات الكهربائية المتوقع عام 2030 سيكون بحدود 145 مليون سيارة كهربائية من أصل 1.5 مليار سيارة، تمثل العدد الإجمالي لجميع السيارات حتى ذلك الوقت، أي إن النسبة تصل إلى أقل بقليل من 10 في المائة.
صحيح أن عدد السيارات الكهربائية سيزداد، لكن توقعات وكالة الطاقة تقول إن استهلاك الوقود الأحفوري في قطاع النقل، سيزيد بنحو 30 في المائة من 54 مليون برميل يومياً في الوقت إلى 70 مليون برميل يومياً.
وقد يستغرق التحول إلى السيارات الكهربائية عقوداً، وليس من السهل استبدال مئات الملايين من السيارات العاملة على الوقود الأحفوري. ولا يزال صانعو السيارات ينتجون طرازات 2022، التي بدأت الآن بالنزول إلى الأسواق، بوقود أحفوري. بل على العكس، تشير التوقعات إلى ارتفاع استهلاك النفط في السنوات المقبلة.
* بناء مصنع للسيارات الكهربائية، سيجعل من المملكة رائدة لهذه الصناعة، وهي لا تزال في بداياتها، مما يجعلها حصاناً رابحاً
حجم الاستثمارات السعودية
في ديسمبر (كانون الأول) 2018، اشترى صندوق الاستثمارات العامة السعودي 8.3 مليون سهم في شركة تسلا الأميركية بقيمة 2.8 مليار دولار، تشكل 4.9 في المائة من مجمل أسهم الشركة. وبعد نحو عام، وتحديداً في الربع الأخير من 2019، تخارج الصندوق من تسلا بعد سلسلة انخفاضات لأسهم تسلا بقيمة تقارب قيمة الشراء، واحتفظ بحصة صغيرة.
وفي عام التخارج ذاته من تسلا، أي 2019، اشترى صندوق الاستثمارات العامة 67 في المائة من شركة لوسيد موتورز الناشئة لصناعة السيارات الكهربائية بقيمة 1.3 مليار دولار. وتعد الشركة متخصصة في صناعة السيارات الفاخرة. ويبدو أن التجارب مبشرة بشأن القدرات التقنية لمركبات لوسيد. وهناك خطط لبناء مصنع للسيارة في السعودية، لكن التفاصيل غير متوفرة عن ذلك حتى الآن.
وذكر تقرير أميركي حديث، نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن المملكة ستجني ما يقارب 20 مليار دولار نتيجة استثمارها في «لوسيد».
نظرة إلى المستقبل
تبلغ قيمة الوحدة المصنعة من سيارات لوسيد بحسب اختلاف الأنواع بين نحو 80 ألف دولار لطراز لوسيد أير، و170 ألف دولار لإصدار «دريم» (الحلم). وسواء دار الحديث عن الطراز الأول أو الثاني، فإن السعر يعتبر غالياً، سواء بالمقاييس الأميركية أو السعودية، وهو السعر الذي تباع به معظم السيارات الفاخرة للنخبة.
كما تدل أسعار البيع لطرازات لوسيد، التي من المقرر أن تنضم إليها سيارة دفع رباعي ضمن خطة الشركة المصنعة- ولا يتوقع أن تباع بأسعار أقل مما ذكر أعلاه- أن الطبقات الشعبية ليست الجمهور المستهدف لهذا النوع من السيارات.
وبالانتقال إلى الحديث عن السيارات الكهربائية في المملكة، فإن تواجدها لا يزال محدوداً، وبخاصة أن تلك السيارات تحتاج إلى بنية تحتية واستثمارات ضخمة في محطات الشحن. كما أن خدمات ما بعد البيع لا تزال في طور التشكل. ويضاف إلى ذلك أن عدد المختصين في المحركات العاملة على الكهرباء من التقنيين والميكانيكيين، لا يزال محدوداً، مما يجعل قرار امتلاك هذا النوع من السيارات يحتاج إلى التأني والدراسة.
ويستضيف أحد مراكز التسوق الكبرى في جدة، محطة شحن للسيارات الكهربائية، جرى افتتاحها قبل بضعة أشهر. إنها البداية لانتشار السيارات الكهربائية، لكن ليس من المتوقع في المستقبل القريب أن تكون منافساً جدياً للسيارات العاملة على الوقود الأحفوري.
ومع التوجه السعودي المكثف لتبني الصناعة وتنميتها محلياً، فإن بناء مصنع للسيارات الكهربائية، سيجعل من المملكة رائدة لهذه الصناعة، وهي لا تزال في بداياتها، مما يجعلها حصاناً رابحاً مثل الاستثمار المجدي لصندوق الاستثمارات العامة في شركة لوسيد موتورز. أما الحديث عن إزاحة النفط من على عرش تسيير قطاع النقل، فإنه لا يزال مبكراً- على الأقل- في المستقبل المنظور.