القاهرة: كشفت الإحصاءات الأخيرة الخاصة بعدم تلقي عشرات الملايين من الأطفال أي قدر من التعليم والتي قدرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) والبنك الدولي، بما يزيد على 258 مليون طفل،عن أزمة اجتماعية خطيرة تتعرض لها العديد من دول العالم، وزادت الإحصاءات من حالة الهلع الدولي خاصة مع تفاقم الأوضاع بسبب الإجراءات الوقائية من فيروس «كوفيد 19» الذي اجتاح العالم، وهو ما ضاعف من حدة الأزمة، خاصة في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل والتي وصل فيها فقر التعلم إلى حوالي 58 في المائة، وهو ما دفع إلى مطالبات حقوقية وأممية بضرورة التحرك بشكل فعال وسريع لمواجهة أزمة التعليم التي من المرجح استمرارها لوقت غير معلوم .
ورغم سعي العديد من دول العالم إلى التغلب على الأوضاع والإجراءات الصعبة التي صاحبت محاولات التعايش مع الجائحة وذلك من خلال التعليم عن بعد باستخدام التواصل الإلكتروني بين الطالب والمعلم، إلا أن دولا ليست بالقليلة لا تمتلك هذه الرفاهية بسبب ضعف خدمات الكهرباء والإنترنت، وكذلك انشغال الطلاب الصغار بالعمل لمساعدة أسرهم في التغلب على حالات الفقر المدقع الذي تعاني منه العائلة والذي زاد بلا شك بعد أزمة كورونا وفقدان الملايين لوظائفهم أو تقليص عدد ساعات العمل وهو ما ظهر جليا خلال العام الفائت .
البنك الدولي يُخصص ملياري دولار لتمويل مشروعات في السودان
ناقوس خطر
تقديرات البنك الدولي والتي أكدت ضعف الحصيلة التعليمية لأكثر من نصف الأطفال في سن العاشرة والذين لا يستطيعون قراءة أو فهم نص بسيط بدأت تدق ناقوس الخطر في مناطق كثيرة من العالم، خاصة في قارة أفريقيا ومنطقة جنوب الصحراء الذي زاد فيها معدلات فقر التعلم لحوالي 90 في المائة بعد أن توقف 94 في المائة من الطلاب (حوالي 1.6) مليار طفل على مستوى العالم عن الذهاب إلى المدارس، في حين يستمر حوالي 700 مليون طفل في عملية الدراسة من المنزل عن بُعد وسط أجواء تسودها الضبابية في ظل عدم اليقين والغموض الذي يكتنف الوضع الصحي خلال الفترة القادمة، وتوقع البنك الدولي ارتفاع مستويات فقر التعلم إلى 63 في المائة في حالة استمر الوضع الراهن وخسارة 10 تريليونات دولار في مستويات الدخل أو حوالي 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
ضعف التعلم وإغلاق الكثير من المؤسسات التعليمية، خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة بسبب العديد من العوامل، والذي زاد من وتيرته جائحة كورونا، ارتبط كذلك بإخفاقات كثيرة للدول الأكثر فقرا في ملفات الصحة والتغذية للأطفال والتي شهدت ارتفاعا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة وفارقا شاسعا مع الدول الكبرى، وزاد سوء الأوضاع الاقتصادية من الضغط على الأسر لتلبية الإحتياجات الأساسية لأطفالها، ومن بينها صراع للإبقاء على حياتهم فقط في ظل واقع سيئ يشوبه نقص الخدمات الصحية والتعليمية بالإضافة لصعوبة الحصول على الغذاء والماء والدواء والحياة الصحية، وارتبطت المشاكل التعليمية والصحية في العديد من الدول بإجراءات التقشف الاقتصادي العالمي والذي أثر بالسلب على العملية التعليمية التي تعاني من التأثيرات الاقتصادية التي ارتبطت بشكل أو بآخر بالجائحة .
مطالبات حقوقية
وحثت الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ والتي تضم أعضاء من المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة والوكالات المانحة والحكومات والمؤسسات الأكاديمية والمدارس والسكان المتضررين للعمل على ضمان حق جميع الأشخاص في التعليم الجيد والآمن في حالات الطوارئ والعودة بعد الأزمات، وطالبت الحكومات وإدارات المدارس والمجتمع الدولي والدول المانحة والمنظمات العالمية والأمم المتحدة للتكاتف وتضافر الجهود للحفاظ على أمن ودعم وتعليم الأطفال خلال هذه الفترة الحساسة وبعدها، والحاجة لخطط مرنة وتنسيق بين الجميع للتخفيف من الآثار الطويلة المدى على التعليم وضمان عدم التخلي عن الأطفال الأكثر ضعفا والذين لم يلتحقوا بالمدارس أو الذين تعطل تعليمهم بسبب الأزمات أو النزاعات، خاصة بعد الأعداد الكبيرة من الأطفال التي فقدت حقها في التعليم بسبب التمييز بسبب الجنس أو الفقر أو الإعاقة والنزوح القسري والهجرة والنزاعات.
* رغم سعي العديد من دول العالم إلى التغلب على الأوضاع والإجراءات الصعبة التي صاحبت محاولات التعايش مع الجائحة، إلا أن دولا ليست بالقليلة لا تمتلك هذه الرفاهية بسبب ضعف خدمات الكهرباء والإنترنت
وطالبت الشبكة بضمان تحديد الأولويات الخاصة بالتعليم لضمان استمراره كحق عالمي للإنسان، وعدم تعطيله خلال الأزمات وحالات الطوارئ بحيث يكون التعليم أولوية قصوى عند الجميع خلال أي أزمة، وكذلك ضمان التعليم الجيد في كل وقت ووضعه في الأولوية عند رسم أي سياسات أو تخطيط لتلبية الاحتياجات الأساسية للأطفال والكبار للتعلم، خاصة بعد أن تسببت أزمة كورونا في تأثر ما يقارب 90 في المائة من الطلاب (أكثر من مليار ونصف المليار طالب) بعد إغلاق المدارس في 186 دولة وتعطل الأطفال والشباب عن الدراسة، ويجب على الجهات والدول المانحة الالتزام بتعهداتها وزيادة مخصصاتها الموجهة للتعليم لتمويل آثار الجائحة وما بعدها من مرحلة التعافي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تعليم مواز
الدكتور محمد عبد العزيز، أستاذ العلوم والتربية بكلية التربية جامعة عين شمس، قال في تصريح خاص لـ«المجلة»: «المشاكل التعليمية في العالم حاليا ربما هي الأكبر، وساهم في ذلك العديد من العوامل من بينها بالطبع جائحة كوفيد-19 والتي فاقمت بشكل كبير من هذه الأزمات عالميا، ولا شك أن جميع دول العالم تضررت بشكل أو بآخر، لكن بما أن حجم الضرر أكبر في الدول الفقيرة، وتناسب حجم الضرر كذلك عكسيا مع درجة تقدم الدولة، فكلما زاد التقدم قل الضرر والعكس، والحل هو بدائل التعليم، أو التعليم الموازي، أو بديل عن المدارس النظامية من خلال نظام محاكاه، وهذا يتطلب مناهج خاصة بالأسلوب التعليمي الجديد ولا بد في هذا من دراسة الواقع بالنسبة للمناطق المستهدفة من حيث نسب الفقر في هذه المناطق وذلك لتحديد العناصر اللازمة للعملية التعليمية من معلم وإطارات تعليمية تتناسب مع هذه المرحلة حيث ستكون الأمور مختلفة عن المدارس التقليدية، ولابد أن تتوافر أماكن مهيأة لاستقبال أعداد محدودة من الطلاب بالتبادل، وتكون مفتوحة وليست مغلقة لتتناسب مع الإجراءات الصحية للجائحة، وسلامة الإجراءات، ووضع كل هذا في منظومة إجرائية حكومية صارمة لقياس المعايير الأساسية لعدم انتشار الفيروس والتأكد من تطبيق الاشتراطات الموضوعة، والبحث عن بدائل أصبح أمرا ضروريا وملحا خلال المرحلة الحالية بكل ما تحمله من تحديات».
* التعليم الإلكتروني يقوم بحل بعض المشكلات لكن لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يكون بديلا عن التعليم النظامي ووجود المعلم وسط تلاميذه
وأضاف: «من بين الحلول المطروحة استخدام التعليم الإلكتروني، ونعلم يقينا معاناة الكثير من الدول في البنية التكنولوجية، وفقر منظومة الكهرباء والإنترنت، ولكن التعليم الإلكتروني من الممكن أن يتواجد في مثل هذه النماذج من خلال طرق وأساليب يمكنها التغلب على هذه السلبيات، ومن الممكن استخدام استراتيجيات للتعليم الإلكتروني تتغلب على موضوع ضعف الإنترنت أو عدم وجوده، فالعالم والدول خاصة الفقيرة تحتاج إلى بدائل غير تقليدية لمواجهة المشاكل التعليمية الحالية شرط أن تسير وفق معايير مدروسة، ورؤية تتم بلورتها عند تحديد الهدف الموجود بالفعل أمام العالم كله في تحقيق سياسة تعليمية واقعية ومفيدة تستهدف الأطفال منذ بداية مراحلهم التعليمية في الدول الفقيرة».
البنك الدّولي: أزمة لبنان الماليّة من بين 10 أسوأ أزمات حول العالم منذ القرن التاسع عشر
قواعد بيانات
وتابع الدكتور محمد عبد العزيز في حديثه لـ«المجلة»: «وجود قواعد بيانات في المجتمع المستهدف شيء مهم جدا، وطبيعة أولياء الأمور الذين سيكون دورهم مهما جدا في تنفيذ الخطة، وكذلك المربون المشاركون في العملية التعليمية الجديدة التي ستكون بديلا للمدرسة خاصة بعد أن فقدت دورها في عدد من المجتمعات واقتصر دورها في بعض الدول على التعليم، فيما تراجع الدور التربوي والسلوكي بسبب عدم توافر الاشتراطات التربوية والسلوكية في الكثير من المعلمين، ويحتاج الأمر كذلك لتضافر مؤسسات الدولة وليس فقط المنوط بها العملية التعليمية».
وحول تنفيذ الدول الأكثر فقرا لسياسات من شأنها تحقيق أهداف العملية التعليمية للأطفال بداية من عمر المدرسة، قال: «هناك العديد من الدول نجحت في التغلب على ظروفها الاقتصادية الصعبة من خلال وضع خطط تتناسب مع هذه الظروف، واستطاعت من خلالها تحقيق الحد الأدنى من التعليم الجيد لطلابها بداية من سن المدرسة، ولا بد في ذلك التماشي مع الواقع بحسب ظروف كل دولة أو حتى منطقة داخل الدولة، حيث يحدد الواقع الأسلوب الأمثل للتعلم وفق ظروف هذا الواقع وطبيعته، فمن الممكن استغلاله في التعلم وفي نفس الوقت في تحسين البيئة المحيطة اقتصاديا واجتماعيا، وفي نفس الوقت تجنب حدوث تصادم في حالة محاولات تطبيق أفكار لا تنسجم مع البيئة وظروفها، فلا بد أن ينبع النظام ويتوافق مع الواقع والبيئة وهذا هو السبيل لحل المشاكل الموجودة والتغلب عليها وإذا أردنا تطوير العملية التعليمية فيجب التوفيق بين الإمكانيات المتاحة وما نريد تحقيقه شرط أن يخضع لرؤية منهجية واقعية».
إمكانيات ورؤى
وتابع: «يجب النظر بعين الاعتبار إلى تجارب دول مثل الصين التي يزيد عدد سكانها على مليار و400 مليون نسمة، وكانت في الوقت نفسه بؤرة انتشار فيروس كورونا، وفي الوقت نفسه قادرة على تفعيل نظام تعليم إلكتروني على أعلى مستوى بسبب إمكانياتها الاقتصادية والتكنولوجية، لكنها لم تمنع الطلاب من المدارس، وقامت بفرض الإجراءات الطبية الاحترازية من تباعد وكمامات ومطهرات على الطلبة والمدرسين، فلا بد أن يتماشى التعليم عن بعد مع مقررات محددة وبنسبة صغيرة وليس على المطلق، والتعليم الإلكتروني مجرد وسيلة مساعدة، ولا يمكن بأي حال الاستغناء عن التعليم النظامي ووجود المعلم وسط تلاميذه، خاصة إذا كنا بصدد مراحل تعليمية تأسيسية، فمن الممكن أن يتم الاعتماد على التعليم الإلكتروني بنسبة في التعليم الجامعي مع ضرورة وجود الأستاذ أيضا، لكن في مراحل التعليم ما قبل الجامعي لا يمكن الاعتماد الإلكتروني بنسبة 100 في المائة، ولا حتى بنسبة 40 في المائة، فهو مجرد وسيلة مساعدة تستخدم في حل المشكلات التي لا يستطيع التعليم النظامي تحقيقها، فلنفترض مثلا أنني أريد كمدرس القيام برحلة تعليمية لتلاميذي، وهناك استحالة أن أقوم بذلك بسبب ظروف معينة، ففي هذه الحالة من الممكن أن أستخدم التعليم الإلكتروني، أو التعليم عن بعد لكي أحضر للمرحلة التعليمية سواء إلكترونيا أو داخل الفصل من خلال وسائل عرض فيديو لفيلم تعليمي أو خلافه، وأرى أن التعليم الإلكتروني يقوم بحل بعض المشكلات لكن لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يكون بديلا عن التعليم النظامي ووجود المعلم وسط تلاميذه، ولكن بالطبع تختلف الأمور من دولة لأخرى بحسب إمكاناتها في ظل تفشي الجائحة وقدرة كل دولة على توفير السلامة لطلابها ودارسيها».