محاولة اختراق ما لا يمكن اختراقه!

محاولة اختراق ما لا يمكن اختراقه!

[escenic_image id="555623"]

كانت أول زيارة قمت بها إلى غزة قبل أكثر من عقد مضى، لإجراء مقابلة مع الشيخ "أحمد إسماعيل ياسين" وكان الزعيم الروحي لحركة حماس آنذاك. حدث ذلك في خريف عام 1998، واستغرقت الرحلة من الفندق الذي أقيم فيه بـ "تل أبيب" إلى منزل الشيخ ياسين المتواضع في مدينة غزة تسعين دقيقة، وكانت آخر مرة زرت فيها غزة في شهر فبراير من عام 2007. وكان قد مضى على وفاة ياسين وقت طويل، حيث كان الإسرائيليون قد قتلوه قبل ثلاث سنوات من ذلك الوقت. وقد دفن القطاع بأكمله وراء طوق من الألواح الخراسانية بإرتفاع 18 قدماً. وقد عبرتُ إلى داخل القطاع خلال زيارتي الأولى عن طريق معبر حدودي بدائي، غير أنه قد تم استبداله الآن بمحطة جديدة ذات أنظمة أمنية مجهدة. وقف ضباط الهجرة _وليس الجنود الإسرائيليون_ على حراسة صالات الوصول وطالبونا بجوازات السفر وليس البطاقات الصحفية. وبعد أن أجلت إسرائيل المستوطنين اليهود في عام 2005، حولت قطاع غزة إلى جيب مغلق ومارست عليه سلطة غير مقيدة.

وربما لا يوجد خطان إحداثيان على الخريطة الجغرافية السياسية متباعدان عن بعضها البعض مثل واشنطن العاصمة وقطاع غزة. فلا يزور المشرعون الأمريكيون غزة طواعية إلا القلة القليلة منهم ويزور عدد أقل من سكان غزة الولايات المتحدة أو أي مكان آخر. ويرجع السبب وراء ذلك إلى القيود الصارمة التي تفرضها عليهم إسرائيل.

يبدو أن الحديث المتفائل الذي دار مؤخراً عن عقد صفقة جديدة بشأن عملية السلام بين العرب وإسرائيل يستخف بالعقبات التي خلفها تغيب الزعامة الأمريكية خلال الثماني سنوات الماضية وحصار غزة والحائط الأمني الإسرائيلى وتزايد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بصورة كبيرة وتشدد السياسة الإسرائيلية وإنقسام الزعامة الفلسطينية.         

ويبدو أن الوقت المثالي للتفاوض على إتفاق سلام دائم قد انقضى منذ وقت طويل إذا نظرنا إلى القطاع من وراء مجموعة كثيفة من نقاط التفتيش الإسرائيلية والأطواق الأمنية. يقول سام باحور"لا يمكننا إنكار حقيقة أن الأضرار التي وقعت خلال السنوات الثماني الماضية من حكم بوش قد يتعذر إصلاحها". ويعمل سام كإستشاري مقيم في رام الله وقد أمضى جزءاً كبيراً من حياته في تعزيز المصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وعلى الرغم من التعليقات القوية للرئيس الأمريكي "باراك أوباما" والتي تفضل الحل على أساس الدولتين، فإن خلفيته حول هذا الموضوع لا تزال غير مكتملة وفي بداية مراحلها. فقد أعلن أوباما بوضوح الحاجة إلى قيادة أمريكية قوية بعد ثماني سنوات من الإهمال وجاءت تعيينات أوباما لتنم عن حكمة ملهمة، كتعيين "جورج ميتشل" مبعوثاً خاصاً إلى المنطقة والجنرال "جيمس جونز" كمستشار للأمن القومي. ويتمتع كلا الرجلين بخبرة واسعة بشأن طرفي النزاع العربي الإسرائيلي. وقد تعهد أوباما بالتعامل مع التحدي في وقت مبكر خلال فترة حكمه الأولى بدلاً من الإنتظار حتى الرمق الأخير من ولايته الثانية، كما فعل "بيل كلينتون" خلال الأسابيع التي أدت إلى محادثات السلام الفاشلة في كامب ديفيد في عام 2000 والإنتفاضة الثانية.

ولم يوضح أوباما فقط أن المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية تشكل عقبة في طريق السلام، بل وأكد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض الأسبوع الماضي أن إزالة المستوطنات أمر محوري في أي إتفاق.

إلا أن أوباما قد تراجع أيضا نتيجة ضغوط حلفاء الليكود الإسرائيلي في واشنطن. وخلال حملته الرئاسية أستبعد "روبرت مالي" من فريقه وكان خبيراً في الشرق الأوسط ومفاوضاً للسلام خلال حكم كلينتون وذلك عندما اتضح أنه إلتقى مع قادة حماس.

وقد هاجمت عناصر متمردة من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل ترشيح "شاس فريمان" لمنصب إستخباراتي هام، وهو من أكفأ خبراء الشئون العربية وخبير بالحضارة الصينية ومن أبرز المنتقدين للمعاملة الإسرائيلية للفلسطينيين. وعندما حدث ذلك وقف أوباما دون حراك واضطُر فريمان للإنسحاب تحت وطأة الضغوط الرهيبة.

ثم نأتي لمسألة حماس، فلا أحد يعرف ما إذا كان أوباما يُقّدر أو حتى يفهم الأمر الذي يفهمه بشكل بديهي عدد كبير من رجال الدولة والخبراء الذين يعرفون الشرق الأوسط وهو أنه ليس من الممكن التوصل إلى إتفاق سلام دون موافقة الجماعة المسلحة.

وتسيطر حماس على دائرة إنتخابية كبيرة موالية لها بعد فوزها في الإنتخابات البرلمانية منذ عامين. وقد جاءت محاولات إدارة "بوش" تصفية حركة حماس بتسليح وتدريب فتح بنتائج عكسية سيئة للغاية؛ حيث لم تتفوق حماس فقط خلال الحرب الأهلية الفلسطينية في قطاع غزة في عام 2007، بل سوف تسيطر على الأرجح على أية حكومة وحدة وطنية تتم بالشراكة مع منافستها العلمانية.

ولحسن الحظ أعلنت حماس استعدادها للتفاوض من أجل السلام، لدرجة أنها تبدو أكثر قبولا لحل الدولتين أكثر من نتنياهو وتحالفه المتشدد. ففي شهر فبراير لعام 2007، فوضت حماس الرئيس الفلسطيني محمود عباس بسلطة التفاوض مع إسرائيل – كجزء من اتفاق مكة المكرمة والذي جلب هدنة مؤقتة للتوترات في غزة. وتعد هذه اللفتة اعترافا واقعيا إن لم يكن قانونيا بالدولة اليهودية. و قد أعلن زعيم حركة حماس أن وجود نوع من الحوار مع الولايات المتحدة هو "أمر حتمي." ونسبت إليه تصريحات في 4 مايو في صحيفة نيويورك تايمز يقول فيها إنه يؤيد قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، ورحب بالعلاقات مع واشنطن. (وقد تراجعت حماس في وقت لاحق عن بعض تصريحات مشعل على موقعها على شبكة الإنترنت الأمر الذي يثبت حقيقة هامة أخرى عن الحركة وهى أنها تفتقر إلى التماسك.)

و ثمة مؤشر آخر يدل على أن حماس لن تقبل بحل الدولتين فقط، ولكنها تعد له بشكل فعال. وهذا المؤشر يأتي من مؤسسة مجلس المصلحة الوطنية وهى جماعة مؤيدة للسلام تتألف من مسئولين بالدولة وزعماء  سابقين لمجالس نيابية ومحامين.  وقد أطلع باحور الخبير الاستشاري في رام الله وفد  المؤسسة مؤخراً على الأوضاع خلال جولته في ست دول في منطقة الشرق الأوسط.

وقد عاد أعضاء الوفد لتوهم من غزة حيث اجتمعوا مع السياسيين والعلماء والمثقفين والمنظمات غير الحكومية. ويقول باحور إن أهم لقاء لهم كان مع ممثلين لحركة حماس والذين وصلوا إلى الاجتماع مع خمسة أو ستة خبراء متخصصين في القضايا الرئيسية التي يختلفون مع الإسرائيليين حولها وهى الحدود والمياه والقدس واللاجئين، مع توصيات بشأن كيفيةحلها.

ويواجه الرئيس أوباما أزمة السلام بين العرب وإسرائيل في وقت أصبحت فيه التحديات الناجمة عن ثماني سنوات من الفرقة أكثر صعوبة من قبل. لكن طموح حماس الواضح للتعامل مع الولايات المتحدة يشكل عنصراً قوياً في المعادلة. والسؤال الآن: هل أوباما ذكى وشجاع بما يكفي لمنح حماس مقعداً على طاولة المفاوضات.

ستيفن جلين - صحفي مقيم بواشنطن ومؤلف قام بتغطية أحداث أسيا والشرق الأوسط لصحيفة وول ستريت جورنال قبل أن يعود إلى الولايات المتحدة في عام 2001. ويؤلف حالياً كتاباً عن عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية.

font change