الخرطوم: أثارت زيارة وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، إلى موسكو، العديد من التساؤلات بخاصة بعد أن أعلنت الوزيرة أن بلادها تدرس اتفاقية إنشاء مركز لوجيستي روسي على ساحل السودان في البحر الأحمر، ما دفع بمراقبين للنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها رسالة لعدة جهات أبرزها دولة إثيوبيا حيث تشهد علاقة الخرطوم وأديس أبابا توترا على صعيد ملف سد النهضة، فضلا عن النزاع الحدودي في منطقة الفشقة السودانية.
ونقلت وكالة «سبوتنيك»الروسية للأنباء عن وزيرة الخارجية السودانية، قولها: «موضوع مركز الدعم اللوجيستي هو جزء من اتفاقيات وقعت عليها الحكومة السابقة، ولكن لم تتم المصادقة عليها بعد، وعملية المصادقة على أي اتفاقية دولية تشترط المرور عبر المجلس التشريعي».
وأضافت: «وفي غياب المجلس حاليا، تتم ممارسة هذا الدور عن طريق إجازة الاتفاقية بواسطة المجلسين معا: المجلس السيادي ومجلس الوزراء».
وأردفت المهدي: «هذه هي العملية التي تتم حاليا مع كل الاتفاقيات الدولية التي لم تتم المصادقة عليها بعد، وليس فقط الاتفاقيات مع الجانب الروسي».
وللسودان وروسيا اتفاق على إنشاء قاعدة بحرية روسية في البحر الأحمر، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن.
اتفاق روسي- إثيوبي
وكشفت وسائل إعلام روسية أن الاتفاقية تسمح بإنشاء قاعدة لاستقبال 4 سفن حربية في وقت واحد، وستستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية.
ووقعت موسكو اتفاق تعاون عسكري مع أديس أبابا في ظل التصعيد في علاقة إثيوبيا مع الخرطوم والقاهرة جراء فشل الوصول إلى حل لأزمة سد النهضة ومخاوف السودان من عدم حيادية التفاوض عبر خبراء الاتحاد الأفريقي الذين تتهمهم الخرطوم بالانحياز إلى أديس أبابا.
وقد عقد مجلس الأمن الدولي جلسة بشأن نزاع السد عقب 3 أيام من إعلان إثيوبيا بدء ملئه للمرة الثانية، لكنه لم يصدر قرارا بشأنه وأعاد الملف إلى الاتحاد الأفريقي، دون تحديد إطار زمني للمفاوضات.
وأكد وزير الري السوداني ياسر عباس في لقاء مع مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي أنيتي ويبر، تمسك بلاده بضرورة تعزيز آلية التفاوض بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، بإشراك ضامنين دوليين.
وأشار عباس إلى أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون أحد المراقبين للمفاوضات، مؤكدًا أن آلية التفاوض السابقة غير فعالة حيث مضى عام كامل دون إحداث أي تقدم.
وأكد على رفض السودان إدراج تقاسم المياه ضمن مفاوضات سد النهضة، باعتبار أن المرجعية القانونية لمفاوضات سد النهضة هي إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في 2015.
وأكد عباس على موقف السودان الثابت بأن تكون هناك علاقات اقتصادية بين الدول الثلاث، وأن يكون السد عاملًا للتعاون وليس مصدر توتر ونزاع.
وفي بيان عقب الاجتماع، أعرب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، عن قلقه إزاء الموقف المتعلق بسد النهضة الإثيوبي، وجدد دعم الاتحاد الأوروبي لجهود الاتحاد الأفريقي لحل النزاع القائم بين إثيوبيا ودول المصب حول السد.
وشدد على أن الجهود التي يقودها الاتحاد الأفريقي لحل النزاع تحظى بدعم الاتحاد الأوروبي، وتحتاج إلى تكثيف للوصول إلى حل مقبول لجميع الأطراف.
وكان مجلس الدفاع السوداني عقد اجتماعا بشأن سد النهضة، وقال وزير الدفاع الفريق الركن ياسين إبراهيم إن المجلس استمع إلى إحاطة عن جلسة مجلس الأمن الدولي بشأن سد النهضة.
وأضاف ياسين إبراهيم أن المجلس ناقش الخطوات العملية اللازمة لحفظ حقوق السودان.
وأشار إلى أن المجلس قرر عقد اجتماع عاجل للّجنة العليا لسد النهضة، وآخر لمجلس الأمن والدفاع، بمدينة الروصيرص قرب الحدود الإثيوبية، لمناقشة تطورات هذا الملف.
رسالة ضمنية إلى إثيوبيا
وحسب مختصين فإن إعلان السودان رغبته في دراسة إنشاء المركز اللوجيستي الروسي على البحر الأحمر، يتضمن رسالة ضمنية إلى إثيوبيا بأن السودان قادر على تحييد الموقف الروسي في ملف سد النهضة، بل والعمل على مساندته للموقف السوداني الداعي إلى اتفاق ملزم حول تشغيل السد المائي.
وسارعت الخرطوم إلى الاتصال بموسكو بعد الموقف الذي أعلنه ممثل روسيا خلال جلسة مجلس الأمن الدولي بشأن سد النهضة الإثيوبي، ما بدا أقرب إلى تأييد أديس أبابا وأشبه بعرقلة غير متوقعة لجهود السودان ومصر في حشد التأييد الدولي لموقفها بشأن أزمة السد.
ويقول أبو بكر عبد الرحمن أستاذ العلاقات الدولية في الجامعات السودانية إنه سيترتب على الخرطوم أن تسلك في قادم الأيام مسارين في البحث عن كيفية لمعالجة أزمة سد النهضة مع إثيوبيا ومصر، وإلا ستكون مضطرة لقبول الأمر الواقع.
وأوضح في حديث مع «المجلة»أن للخرطوم مسارا يتعلق بتحجيم الدور الذي تقوم به إثيوبيا، ويتم ذلك من خلال حشدها لدور دبلوماسي ضليع يمكن لها كسب نقاط فيما يتعلق بالكتل الإقليمية كالاتحاد الأفريقي والدولي، ويفترض هذا المسار توجيه الإعلام المحلي والإقليمي من خلال تسليط الضوء على الأخطار التي ستنجم عن الملء الثاني لبحيرة السد في حال مضت فيها إثيوبيا، ويقرأ هذا الموقف بأنه تصعيد جديد.
أما المسار الثاني- وفقا للدكتور عبد الرحمن- فهو يتعلق بمحاولة فك الارتباط فيما يتعلق بحجم الضرر بالنسبة للبلدين، أي كل دولة علي حدة (السودان، مصر) وهنا سيكون منطق التعاطي كما افترضته وزيرة الخارجية في مؤتمر صحافي إذ طلبت من وزير الخارجية الروسي لافروف أن تتبنى دولته دوراً أكبر في الضغط علي إثيوبيا، وربما هنا إذا فهم لافروف وخارجيته مناشدة الوزيرة؛ فربما سيضع رسالتها في إطار «نريد تسوية بوساطة»وهو توجه سيكون الأقرب للحل، بما أن أديس أبابا قد يممت في ماضي الأيام قبلة علاقاتها الخارجية باتجاه الشرق عبر روسيا والصين، بعد سوء علاقاتها مع الغرب، وهنا يحسب للخرطوم تقدير موقف التوازنات الدولية التي غالبها المصالح، لا سيما بعد اختبار جلسة مجلس الأمن.
إلا أن الدكتور إبراهيم الأمين، الخبير في مجال المياه وقضايا القرن الأفريقي، فهو يرى أن القرار أصبح واضحا من خلال تداول الأعضاء في مجلس الأمن بالرجوع إلى الاتحاد الأفريقي، وزاد أن الاتحاد الأفريقي وحده لا يستطيع الوصول لحلول، ومجلس الأمن كذلك، وأوروبا تنظر لمآلات نتائج المفاوضات من زاوية الهجرة غير الشرعية، مبينا أن هذا يدفع بإيجاد حلول عبر التفاوض.
ودعا في مؤتمر صحافي بوكالة «سونا»في الخرطوم، حضره موفد «المجلة»، إلى التفكير في دبلوماسية المياه، وتوظيف العلاقات لخدمة السودان في إطار المشاريع الضخمة والمجالات التي تجذب الاهتمام والناس.
السودان يقف على أرض صلبة
وشدد الأمين على أهمية الفصل التام بين قضيتي الفشقة الحدودية وسد النهضة، مؤكدا تأييده للقوات المسلحة في استرجاع كل شبر من الأراضي السودانية، مضيفا في ذات الوقت أن قضية سد النهضة من أخطر القضايا التي تواجه السودان، وأبان أن طريقة التفاوض بين الدول الثلاث لا تعبر عن مصالح أي منها بل تخضع للأمزجة، وقال إن السودان يقف على أرض صلبة في هذا الملف.
وينادي الأمين باستغلال التطور والتغيير الذي حدث بإثيوبيا جراء الحرب مع جبهة تيغراي وتولي آبي أحمد ولاية ثانية، والتعامل مع هذه الأحداث بما يحفظ مكاسب السودان، وأكد أن الملء الثاني لسد النهضة يمثل حصانة ضد أي ضربة محتملة.
بيد أن المحلل السياسي الدكتور الحاج حمد رئيس المجموعة السودانية للتنمية والمحلل السياسي، رأى إيجابية في خطوة السودان في التفاهم مع روسيا، موضحا أن موسكو كما هو معلوم هي الداعم للتصنيع الحربي وتاريخ التعاون بينها والسودان منذ عهد قديم وظل يصعد ويهبط دون أن يخرق السيادة الوطنية أو يعرض الساسة السودانيين للابتزاز.
واعتبر في حديث مع «المجلة»أن العلاقات السودانية الروسية متكافئة و«علاقة تجارية ناضجة، وهذا عكس ما تفعله الولايات المتحدة التي استغلت النظام المعزول في السودان في أكبر قاعده لقوات أميركية في أفريقيا ودون أن تقدم مساعدات عسكرية، بل فرضت عقوبات، والآن ما زالت تمارس الابتزاز السياسي ليستمر السودان في خانة البلدان الراعية للإرهاب ويدار كملف أمني وليس كملف دبلوماسي، ويكفي أنها حتى اليوم لم تسم سفيرا لها في السودان».
بينما عد المحلل والناشط السياسي قرشي عوض إعلان الخارجية السودانية دراسة إنشاء المركز الروسي، بأنها مناورة تجيء ردا على عدم استجابة مجلس الأمن لمناقشة قضية سد النهضة باعتبارها قضية دولية واعتبرها قضية إقليمية تحل في إطار الاتحاد الأفريقي.
وحسب عوض فإن السودان لن يستفيد كثيرا من هذه الخطوة لأن الموقف تجاوز حتى التفاوض حول المرحلة الثانية من الملء لبحيرة سد النهضة التي شرعت فيها إثيوبيا بالفعل، وقالت إنها سوف تنجزها في أقرب وقت لوفرة الأمطار في الهضبة الإثيوبية. معتبرا أن عقد روسيا اتفاقا مع إثيوبيا لتطوير مقدرات الجيش الإثيوبي هي رسالة واضحة لمصر وليس للسودان، ويبدو أن السودان مضطر للتعامل مع إثيوبيا بمعزل عن مصر لأن القضية التي تجمعهما تقريبا انتهت، كما أن الاتحاد الأفريقي لن يناقش القضية إلا بعد انتهاء المرحلة الثانية وحينها تكون أديس أبابا قد فرضت على الجميع سياسة الأمر الواقع، وربما سيقنع السودان من الغنيمة بالتفاوض حول ما سيناله من الكهرباء.