الذكرى الثلاثون لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل

الذكرى الثلاثون لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل

[escenic_image id="555597"]

في مصر، خيم الإحباط العام وعدم المبالاة على ذكرى مرور 30 عاماً على توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل ، مما يؤكد على اتساع الهوة بين السياسة الرسمية والرأي العام. ولا تزال الصورة التاريخية التي يظهر فيها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات وهو يصافح بحرارة مناحم بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك في البيت الأبيض مثاراً للجدل كما كان عليه الحال في عام ، وبادرة أمل بالهدوء والرخاء بعد سلسلة من الحروب القاسية التي استنزفت موارد مصر وقضت على عشرات الآلاف من البشر.

وبعد مرور ثلاثين عاماً، يشعر المصريون بأنه لم يتحقق الرخاء ولا السلام. يقول أسامة أنور عكاشة وهو سينارست رائد في مجال كتابة السيناريوهات التليفزيونية، ومعروف بقدرته على تصوير وتحليل المجتمع المصري: "في البداية، قوبل السادات بحماس شديد على اعتبار أنه سيحقق السلام ويحل مشكلات مصر، لكن اليوم ينتابك الشعور بأن الناس لا يلقون للأمر بال، ويسألون ما إذا كان بإمكانهم إنهاء المعاهدة، إنهم يشعرون بأن المعاهدة لا تحقق لهم أية مكاسب".

وبموجب معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل في 26 مارس من عام 1979، وافقت إسرائيل على الإنسحاب الكامل من شبه جزيرة سيناء التي كانت قد احتلتها منذ عام 1967، في مقابل موافقة مصر على إخضاع المنطقة للإدارة المدنية بدلاً من الإدارة العسكرية ، وأن تصبح أول دولة عربية تعترف بإسرائيل وتقيم علاقات مع الدولة العبرية. ويزعم من ينتقدون معاهدة السلام بأن هذه التسوية المستقلة غيرت الديناميكية الأساسية للصراع العربي الإسرائيلي عن طريق استثناء مصر وبشكل دائم من أي مواجهة مسلحة مع إسرائيل وتقسيم الشعوب العربية إلى شعوب تؤيد السلام وأخرى تؤيد المقاومة.

يقول المفكر المصري فهمي هويدي والذي يعارض بشدة معاهدة السلام وأي تطبيع في العلاقات مع الدولة العبرية: "كانت مصر هي الدولة الرائدة والقوية آنذاك لكن المعاهدة طرحتها أرضاً، فنتيجة للسياسات التي بُنيت على أساس المعاهدة أصبحت مصر أكثر ضعفاً وعزلة في العالم العربي". وفي تطور حدث مؤخراً، كان الرئيس المصري حسني مبارك هو الزعيم العربي الذي يتغيب عن القمة العربية التي انعقدت في قطر الأسبوع الماضي بسبب تزايد التوتر بين مصر وقطر نتيجة لانتقاد قطر لمصر أثناء الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة في ديسمبر الماضي والذي استمر 3 أسابيع ليخلف ورائه أكثر من 1400 قتيل وآلاف الجرحى من الفلسطينيين.

وقد أغلقت السلطات المصرية معبر رفح الحدودي مع غزة رغم المطالبة محلياً وعربياً بفتحه ولم تسمح إلا بمرور الجرحى الفلسطينيين والمساعدات الطبية. وقد حشدت قناة الجزيرة القطرية الرأي العام العربي، وقامت ببث صور للقتلى من الأطفال وأصوات الأمهات المنتحبات مطالبة مصر بفتح المعبر وذلك في تغطيتها للحرب على مدار الساعة.

وفي دفاعها عن نفسها، زعمت السلطات المصرية أنها ملتزمة بمعاهدة أمن مع إسرائيل ومع السلطة الفلسطينية، التي طالبت بوجود مراقبين دوليين من الإتحاد الأوروبي لرصد التحرك عبر الحدود. وقد رحل مراقبو الإتحاد الأوروبي قبل أن تسيطر حماس على قطاع غزة في يونيو 2007 بعدة أيام ومنذ ذلك الوقت تم إغلاق المعبر الحدودي بين مصر وغزة.

يقول هويدي: "لقد أفرزت المعاهدة هوة كبيرة بين السلطة والمجتمع في مصر. ففي الأحداث الأخيرة، كانت الحكومة تحاصر غزة وكان الشعب يحاول مساعدة الفلسطينيين؛ ماذا تريد أكثر من هذا؟" وهناك أصوات أخرى وجهت اللوم للرئيس حسني مبارك أكثر من إلقائها باللوم على معاهدة السلام، متعللة بأن مبارك قد فشل في إحداث التحول السياسي والاقتصادي لمصر على مدار العشرين عاماً الأخيرة التي حكم فيها البلاد في جو من الاستقرار النسبي نتيجة للسلام الفاتر الذي اتفقت عليه مصر وإسرائيل والتزمت به مصر التزاماً شديداً.

ومنذ أن تم توقيع المعاهدة منذ ثلاثة عقود، تضاعف عدد السكان في مصر ويعيش 45 % من الشعب المصري اليوم تحت أقل من دولارين في اليوم. ويقول عمر الشوبكي الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في ملحق خاص بذكرى معاهدة السلام في المصري اليوم وهي جريدة مصرية يومية مستقلة: "لقد فشلت مصر في الفوز بحرب السلام وعجزت عن تحقيق الإنتعاش الاقتصادي والإصلاح السياسي. إن التدهور الحقيقي ليس في المدرسة الفكرية أو الرؤية السياسية للسادات ولكنه نتاج فشل خلفائه في إنجاح هذه الرؤية على أرض الواقع". وأضاف الشوبكي في تهكم أن إسرائيل لم تمنع مصر من تحسين نسبة أمية مواطنيها أو بناء مجتمع ديمقراطي متطور.

وفي أي وقت ينزل فيه المصريون إلى الشارع للتعبير عن مطالبهم مثلما كان الحال أثناء الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة، تحيط الشرطة المصرية بحشود الناس وتضربهم وتفرقهم بطريقة وحشية. يقول هاشم أحمد الذي يبلغ من العمر 31 عاماً والمتخصص في العلاقات العامة: "إذا كان يتم إذلالنا باسم الاتفاقيات، فلماذا ينبغي علينا قبول هذا الوضع؟" وأوضح أحمد قائلاً إنه لا يؤيد الحرب كبديل عن السلام ولكنه يريد أن يرى المسئولين في مصر يتخذون قرارات حاسمة تعبر عن إرادة الشعب المصري. وأضاف أحمد في إشارة إلى تصدير مصر للغاز الطبيعي إلى إسرائيل، والذي بدأ في شهر مايو الماضي بموجب عقد مدته 15 عاماً لتوصيل إجمالي غاز يبلغ 1,7 مليار متر مكعب: "لست من دعاة الحرب لكن بمقدورنا تجميد العلاقات، كيف يتأتى لنا الاستمرار في تركهم يضيئون منازلهم بغاز مصري؟"

وقد أثار العقد حفيظة الرأي العام على نطاق واسع بعد أن رفع دبلوماسي سابق دعوى إلى القضاء لوقف مد إسرائيل بالغاز المصري لأنه كان يُعتقد أن الغاز يتم بيعه بسعر أقل من سعر السوق. كما كان هذا أيضاً بمثابة جزء من كراهية عامة لدى الشعب المصري ورفضه لتعزيز أي علاقات مع إسرائيل.

وعلى خلفية التوترات الإقليمية والإحباط الشعبي، التزم مسئولون مصريون الصمت في الذكرى الثلاثين لتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. وقد تلقى الرئيس المصري حسني مبارك الذي عُرف عنه دعوته المستمرة للسلام والاستقرار في المنطقة اتصالاً هاتفياً من الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بهذه الذكرى ليهنئه، لكن الاتصال لم يحظ بأي اهتمام من المصادر الإخبارية التي تديرها الدولة.

يقول محمود محمد الذي يبلغ من العمر 21 عاماً ، ويقف حارساً أمام المبنى الخاص بوزارة الدفاع كجزء من خدمته العسكرية: "دع القادة يرتبون الأمور كما يحلو لهم بأنفسهم، بالنسبة لي كمواطن، فليس لي قيمة، إنني ضائع". 

منى النجار - كانت تعمل كصحفيه بمصر وسوريا والأردن والكويت والسعودية، ومراسلة غير دائمة بالنيويورك تايمز والجزيره و BBC .

font change