تزامنت زيارة سلطان عمان، هيثم بن طارق، إلى المملكة العربية السعودية، الأسبوع الماضي، مع حدث يوظف الجغرافيا بأسلوب شديد الأهمية، يحمل تبعات اقتصادية وسياحية وتجارية وسياسية آنيّة ومستقبلية، يتمثل في الربط البري المباشر للمرة الأولى في تاريخ البلدين عبر طريق يخترق صحراء الربع الخالي. ويوفر هذا الطريق، الذي أطلق عليه «طريق عمان»، على المسافرين من البلدين الدخول عبر دولة أخرى مثل اليمن أو الإمارات. كما يقصر المسافات، التي يتوجب على شاحنات نقل البضائع قطعها بين البلدين، ما يعني سهولة ولوج الصادرات السعودية إلى عمان ودول آسيا، وفي الوقت ذاته فتح آفاق للصادرات العمانية برياً إلى دول الخليج والمشرق العربي.
وفي حال جرى نقل النفط السعودي في الربع الخالي عبر أنبوب، يجري تداول الحديث بشأنه، فإن ذلك سيقود إلى تنويع خيارات تصدير النفط السعودي عبر بحر عمان الذي يشكل جزءاً من المحيط الهندي. أما ميناء الدقم العماني، فإنه من المقرر أن يزيد من خيارات التصدير والاستيراد السعودي؛ بعيداً عن مضيق هرمز.
نستكشف سوياً دور الربط اللوجيستي بين السعودية وعمان في توظيف الجغرافيا لصالح تعميق التكامل الاقتصادي الثنائي وفوائده الأكيدة في تعزيز أهمية منطقة الخليج العربي في حركة التجارة العالمية غير النفطية، وبخاصة مع وجود رؤيتي 2030 السعودية و2040 العمانية، اللتين تركزان على تنويع الاقتصاد والتخلي عن النفط كمصدر أساسي لتسيير أمور البلدين، إلى جانب استثمار الموقع في ربط أسواق العالم تجارياً.
تنويع المنافذ البحرية
لا تمتلك السعودية منفذاً على بحر العرب ولا تطل عمان على البحر الأحمر. ويفرض منطق التكامل الاقتصادي والتنمية أن يستفيد كل بلد من موقع الآخر، فمن مصلحة السعودية كسر ثنائية الخليج العربي والبحر الأحمر في حركة تجارتها البحرية مع العالم بخيار ثالث هو بحر العرب. وفي المقابل، من مصلحة عمان أن تستفيد من الموانئ السعودية على البحر الأحمر، وهي الأقرب إلى قناة السويس وأسواق أوروبا وشمال أفريقيا.
يقول الموقع الإلكتروني لميناء الدقم العماني، الذي يقع على الساحل الجنوبي الشرقي لسلطنة عمان ويطل على بحر العرب والمحيط الهندي، إن «موقع الدقم يعد استراتيجياً، حيث إنه بعيد عن مضيق هرمز والخليج العربي. هذا هو الموقع المفيد الذي تسعى الحكومة العمانية لتحقيقه، حيث إنها تهدف إلى وضع الدقم كواجهة آمنة ومستقرة وصديقة للأعمال من أجل الاستثمارات الصناعية والاقتصادية».
إن الموقع الفريد لميناء الدقم، يشكل فاتحة يمكن البناء عليها في تخفيف المخاطر الجيوستراتيجية المرتبطة بمضيق هرمز، وبخاصة في ظل شعور إيراني بالهيمنة على مصير المضيق، الذي يمر منه 20 في المائة من صادرات العالم النفطية. ليس النفط السعودي فقط هو ما يمر بمضيق هرمز، فجزء من الصادرات والواردات السعودية غير النفطية، يمر عبر المضيق.
أما بالنسبة لعمان، فإن لديها فرصة أكبر لمرور صادراتها براً إلى دول الخليج والمشرق العربي مع إمكانية الاستفادة من تعدد الموانئ السعودية على البحر الأحمر، مثل ميناء الملك عبد الله وميناء جدة الإسلامي وضباء، ومستقبلاً ميناء نيوم، واختصار طرق النقل البحري للصادرات العمانية بقطع جزء من المسافة عبر الأراضي السعودية؛ بدلاً من المرور بمضيق باب المندب ثم قطع البحر الأحمر كاملاً للوصول إلى قناة السويس، ثم التوجه نحو أسواق أوروبا وشمال أفريقيا.
وزير خارجية سلطنة عمان في ايران لإيجاد حلول مناسبة للمنطقة وللملاحة عبر مضيق هرمز
ومن المقرر ربط الميناء العماني بسكة حديد عمانية، فيما يجري العمل حالياً على «قطار الخليج» لربط دول الخليج العربي بشبكة من قطارات البضائع والركاب. وينطبق الأمر ذاته على الموانئ السعودية التي يرتبط بعضها حالياً بسكك حديدية، يرسم لها التوسع والربط مع الدول المجاورة. يذكر أن قطار الخليج مشروع تحت الإنشاء، يهدف إلى ربط دول الخليج الست لنقل الركاب والبضائع، بقيمة تبلغ 15 مليار دولار.
الميزان التجاري
تعد عمان من الدول القلائل التي ترجح كفة ميزانها التجاري مع السعودية. ووفقاً لآخر تقارير هيئة الإحصاء السعودي، صدرت السعودية إلى عمان سلعاً بقيمة 4.38 مليار ريال (1.17 مليار دولار) واستوردت منها سلعاً بقيمة 7.17 مليار ريال (1.91 مليار دولار) عام 2019.
أما أهم السلع السعودية المصدرة إلى عمان، فهي المنتجات المعدنية ومصنوعات الحديد والفولاذ واللدائن (البلاستيك) ومصنوعاتها، إلى جانب الألبان والبيض والمنتجات الغذائية الحيوانية. أما أهم السلع المستوردة إلى السعودية، فهي الصلب والفولاذ والسفن والقوارب والمنشآت العائمة، والشحوم والزيوت الحيوانية والنباتية، إضافة إلى المنتجات الكيماوية العضوية.
بالطبع لا تزال أرقام التبادل التجاري متواضعة جداً، إلا أن ذلك يمثل فرصة هامة لاستكشاف أسواق البلدين وحاجتيهما وتكثيف الاستثمارات في القطاعات الواعدة كالسياحة والطاقة النظيفة وتحلية المياه والعقار والصناعات الاستهلاكية، وكذلك صناعة إعادة التصدير. ومن المزمع أن تحتضن نهاية الطريق البري السعودي- العماني، مدينة صناعية متكاملة، لتحقيق استفادة أكبر من الطريق الجديد.
أنبوب النفط السعودي
يكثر الحديث عن طريق ثالث لتصدير النفط السعودي غير موانئ الخليج العربي والبحر الأحمر، وذلك عبر أنبوب نفطي، يمتد من الحقول السعودية في الربع الخالي مثل حقل شيبة الواقع وسط الصحراء إلى الشواطئ العمانية على بحر العرب، متجاوزاً بذلك مضيق هرمز، الذي تعتقد إيران أن لديها حق تعطيل الحركة فيه؛ رغم أنه مشترك بينها وبين سلطنة عمان، وهو في الأصل ممر ملاحي دولي.
إن إطلاق أنبوب نفطي، سيكون ذا فائدة مشتركة للبلدين، فهو سيضيف خياراً جديداً لطرق تصدير النفط السعودي من جانب، كما أنه سيفيد الخزينة العمانية عبر رسوم مرور تلك السلعة الاستراتيجية من أراضيها نحو المشترين الكبار للنفط السعودي في آسيا مثل اليابان والهند وباكستان والصين وكوريا الجنوبية.
وعلى المستوى الأمني الاستراتيجي، سيضمن وجود أنبوب نفط يمر عبر الأراضي العمانية، الحد من المخاطر المستقبلية في حال نشوب نزاع في منطقة الخليج لأي سبب كان وتعطل الحركة الملاحية فيه، وبخاصة مع وجود سابقة حرب الناقلات إبان الحرب العراقية- الإيرانية في حقبة ثمانينات القرن الماضي.
إن الحديث عن تطويع الجغرافيا لخدمة مصالح الاقتصاد والتجارة والسياحة من خلال الربط اللوجيستي، هو مفتاح للتنمية المتوازنة وتوسيع الأسواق وفتح المجال أمام الاستثمارات المباشرة بين بلدين برؤيتين مستقبليتين، يصبوان نحو تكامل قوامه الاقتصاد وغطاؤه السياسة وحافزه الاستقرار.