اللفياثان: الكتاب الأكثر تأثيرًا في السياسة بعد كتاب الأمير

اللفياثان: الكتاب الأكثر تأثيرًا في السياسة بعد كتاب الأمير

[caption id="attachment_55250708" align="aligncenter" width="620"]يؤكد الفيلسوف توماس هوبز أن البشر أنشأوا تقاليد سياسية للحكم والدولة استنادًا إلى قدراتهم ومخاوفهم وطبائعهم الخاصة يؤكد الفيلسوف توماس هوبز أن البشر أنشأوا تقاليد سياسية للحكم والدولة استنادًا إلى قدراتهم ومخاوفهم وطبائعهم الخاصة[/caption]


يعتبر كتاب "اللفياثان" الذي ألَّفه "توماس هوبز" سنة 1651 من الكتب المؤسِّسة لنظرية فلسفة الدولة، ولعله الأكثر تأثيرًا في السياسة بعد كتاب الأمير لمكيافيلي، وتقوم فكرة الكتاب على أن البشر أنشأوا تقاليد سياسية للحكم والدولة استنادًا إلى قدراتهم ومخاوفهم وطبائعهم الخاصة، وليس بناءً على الغيب!

واللفياثان هو كائن خرافي له رأس تنين وجسد أفعى يستعمله "هوبز" ليصور سلطة الحاكم أو الدولة التي يستبدل بها الناس ضمن عقد اجتماعي جديد سلطة الدين أو اللاهوت.
تحدث "هوبز" في القسم الأول من الكتاب عن الأجسام وحركتها في العالم الطبيعي، وتحدث في القسم الثاني الأكبر عن الدولة المدينة، وتحدث في القسم الثالث عن الدولة المسيحية، ليتوصل إلى ضرورة أن تخضع الكنيسة للدولة وليس العكس، وفي القسم الرابع "مملكة الظلام" يتحدث عن مساوئ الدولة الدينية، وعن مخالفتها للعهد القديم والعهد الجديد.
ويعلق "رضوان السيد" على الكتاب بالقول: إن "هوبز" أخذ بالفكرة السائدة للعقد الاجتماعي، ولكنه أفرغه من مضمونه حين اعتبره مؤدًا لا رجعة فيه ولا تعديل ولا مسؤولية، وحين ربطه بخطأ في الطبيعة البشرية يستحيل إجراؤه إلا بهذه الطريقة، وبذلك تسود النظام الهوبزي جبرية مطلقة يؤسسها الفيلسوف على فرضيات يعتقد أنها في يقينها مثل مسلمات الرياضة والهندسة. وطبيعي وسط ازدهار أفكار الديمقراطيات وممارساتها أن لا يأخذ أحد اليوم نظرة "هوبز" عن الدولة بالاعتبار، ولكنه يظل مرحلة مهمة في تاريخ الفكر الحديث، وصرخة في وجه الاضطراب السياسي، ودعوة لسلطة واحدة في المجتمع الواحد (15 – 16).

تبدو أفكار "هوبز" حول الطبيعة الإنسانية ملفتة للاهتمام، وسأخصها بالجزء الأكبر من مساحة هذا المقال باعتبارها المؤسسة لنظريته عن السلطة والدولة، ولظرافتها وذكائها.. يقول "هوبز": إن الإنسان في سعيه لأن يعيش في سلام ووحدة، وفي تطلعه وميله إلى السعادة فكّر في السلطة، ولكنها (السلطة) رغبة دائمة لا تهدأ، ولا تنتهي إلا بالموت؛ والسبب في ذلك أن الإنسان لا يستطيع ضمان القوة ووسائل العيش الجيد التي يملكها الآن دون أن يقتني المزيد منها، ومن هنا نتج أن الملوك الذين يملكون السلطة الأعظم يوجهون جهودهم نحو ضمانها في الداخل بواسطة القوانين، وفي الخارج بواسطة الحروب، وعندما يتم لهم ذلك تنشأ رغبة أخرى (105 – 106).

التنافس على الثروات يدفع إلى النزاع والعداوة والحرب، والرغبة في الراحة والمتعة والمعرفة وفنون السلام تجعل الناس مستعدين لأن يطيعوا سلطة مشتركة، والرغبة في المديح تدفع الناس لأداء الأفعال الممدوحة، وأن يتلقى المرء عطاءً أو جميلاً من شخص يعتبره ندًّا أكثر مما يؤمل برده يخلق استعدادًا للحب المزيف الذي هو في الحقيقة حقد دفين، وإذا كان هناك أمل برد الجميل فإن ذلك يخلق ميلاً إلى الحب، وأن يكون المرء قد ألحق بإنسان ضررًا أكبر مما بإمكانه أو مما يريد أن يعوضه يجعل الفاعل يميل إلى كره المتأذي، فهو لا بد أن يتوقع انتقامًا أو غفرانًا، وكلاهما مكروه، والخوف من القهر يجعل الإنسان مستعدًّا لتوقع مساعدة المجتمع أو لطلبها؛ فإنه ليس ثمة طريق آخر يستطيع الإنسان به أن يؤمن حياته وحريته.

والذين يشعرون بالمجد الباطل دون أن يشعروا بأن لديهم الكفاءة يستمتعون بادعاء الشجاعة، ويميلون فقط إلى التباهي وليس الإقدام، وحين يظهر الخطر لا يأبهون إلا لانكشاف عدم كفاءتهم، والذين يشعرون بالمجد الباطل وهم يقدرون كفاءتهم من خلال المديح أو من خلال نجاح عمل سابق فإنهم عند اقتراب الخطر يميلون إلى الانسحاب ويفضلون المخاطرة بشرفهم الذي يمكن استعادته بعذر بدلاً من حياتهم التي لا يمكن استعادتها.

medium_15593

[blockquote]اللفياثان: الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة.
تأليف: توماس هوبز (1588 – 1679).
ترجمة ديانا حرب، وبشرى صعب.
الفارابي (بيروت) وكلمة (أبو ظبي).
692 صفحة، 2011.[/blockquote]



والذين يعجبون بحكمتهم يملكون استعدادًا للطموح، والجهل بالأسباب، والتكوين الأصلي للحق والإنصاف والقانون والعدالة يجعل الإنسان مستعدًّا لأن يتخذ من العادة والمثل قاعدة لأفعاله، والجهل بالأسباب البعيدة يجعل الناس مستعدين لنسبة كل الأحداث إلى مباشرة وذرائعية، والجهل بالأسباب الطبيعية يجعل عند الإنسان استعدادًا للسذاجة؛ فيصدق أشياء مستحيلة.

وحين يكون المرء متأكدًا من أن هناك أسبابًا لكل الأشياء التي حدثت في السابق وستحدث فيما بعد يكون في حالة قلق دائم.
وبناءً على طبيعة الإنسان وغرائزه هذه ينشئ "هوبز" فهمًا للحق والحرية وقانون الطبيعة، فالحق بمقتضى الطبيعة -كما يقول- هو حرية الإنسان في أن يستخدم قوته وفق ما يشاء هو نفسه من أجل الحفاظ على طبيعته، وبعبارة أخرى الحفاظ على حياته، وبالتالي في أن يفعل كل ما يرى بحكمه وعقله أنه أفضل السبل لتحقيق ذلك. والحرية هي غياب المعوقات التي تمنع الإنسان من استخدام القوة طبقًا لما يمليه حكمه وعقله. وقانون الطبيعة هو مبدأ يتخذه العقل لمنع الإنسان من فعل ما هو مدمر لحياته، أو ما يقضي على وسائل الحفاظ عليها.

وكانت الدولة هي الوسيلة الوحيدة لإنشاء السطلة المشتركة القادرة على الدفاع عن البشر في وجه احتياجات الغرباء، والإساءات المرتكبة بحق بعضهم، وحمايتهم حتى يتمكنوا من الشعور بالرضا؛ فتكمن في جمع كل قوتهم وقدرتهم باتجاه شخص واحد أو مجموعة أشخاص تستطيع بغالبية الأصوات حصر كافة إرادتهم في إرادة واحدة.

الدولة يراها "هوبز" على ثلاثة أنواع، تفويض شخص واحد (نظام ملكي)، أو عدة أشخاص (ديمقراطية)، أو فئة من الأشخاص (أرستقراطية)، والفرق بين هذه الأنواع الثلاثة من الدول لا يكمن في الفرق من ناحية السلطة، بل في الفرق من ناحية الأهلية، أو القدرة على تأمين السلام والأمن للشعب، وهو الهدف الذي أدى إلى إنشائها، ولما كانت أهواء البشر عمومًا أقوى من عقولهم، ويشمل ذلك بطبيعة الحال الحكام، فإنهم سيرجحون مصالحهم الخاصة على المصالح العامة إذا تعارضتا، والحل -برأي هوبز- أن تكون مصالحهم الخاصة هي مصلحة الناس العامة.

ويعالج "هوبز" على نحو مفصل علاقة الحكومة المدنية بالكنيسة، وذلك بمناسبة أن الكتاب قد وضع في ظل حروب أهلية سياسية ودينية معقدة، فالناس كما -يقول هوبز- يجب أن يطيعوا قوة تضبطهم وترعبهم، قوة الله، أو القوة الحقيقية الممثلة بالعنف، ولكن عنف السلطة أقوى في عقول الناس، فلا يمكن أن تترك مصالحهم وأعمالهم لتنظم وفق "مخافة الله".. وهكذا تتشكل الأمم حول التعهد بين الناس لمنح طاعتهم لشخص واحد؛ لأجل أن يعيشوا بسلام! .. وتكون الأمم!
font change