القاهرة: لا تكاد مصر تغلق قضية لتهريب الآثار إلا وتفتح أخرى، ولا تهدأ عمليات تهريب الآثار أو عمليات التنقيب عنها بكل السبل في ربوع مصر، بحثا عن حلم الثراء السريع الذي يلعب برؤوس الذين ينقبون عن الآثار ومن يمولهم ضاربين عرض الحائط بكل القوانين المقننة لعمليات البحث عن الآثار والمتمثلة في وزارة الآثار والبعثات العلمية المصرية والأجنبية، بدعم من الدولة.
قضايا تهريب آثار كبيرة
عرفت قضية تهريب الآثار الكبيرة، التي تورط وأدين فيها الممثل بطرس رؤوف غالي، والقنصل الإيطالي السابق أوتكر سكاكال، بقضية تهريب الآثار الكبرى، حيث تعد أكبر قضية تهريب آثار خلال الثلاثين عاما الأخيرة، نظرا لكمية القطع المهربة، والتغطية الإعلامية التي حظيت بها من لحظة اكتشاف عملية التهريب في ميناء ساليرنو بإيطاليا، حتى الحكم بسجن المتهمين فيها، مرورا بعودة القطع الأثرية المهربة إلى مصر، بالتنسيق مع السلطات الإيطالية بعد التأكد من تهريبها بوسائل غير شرعية.
التحقيقات في القضية كشفت جوانب مهمة عن الوسائل التي تستخدم في تهريب الآثار التي تنتمي لعصور من الحضارات المصرية المتعاقبة، لكن ظلت الطريقة التي تم بها تهريب هذا العدد الكبير من القطع الأثرية موضع تساؤلات، على الرغم من الكشف عن عنوان عام لعملية التهريب بطريقة إخفائها داخل طرد دبلوماسي من ميناء الإسكندرية إلى ميناء ساليرنو في إيطاليا قبل أن يتم ضبطها هناك.
من خلال التحقيقات ومصادر مطلعة على القضية، تبين أن عملية التهريب لهذا العدد الكبير من القطع الأثرية بها تفاصيل معقدة وكثيرة جدا نفذها المتهمون حتى تنقل القطع الأثرية، دون أن يعرف أحد، وإجراءات اتخذوها حتى لا يتعرف أحد على شخصياتهم الحقيقية في حالة اكتشاف ما بداخل الحاوية التي بها الطرود المهربة.
بعد اكتشاف العملية في إيطاليا وإبلاغ السلطات المصرية ممثلة في وزارة الخارجية والنيابة العامة، تبين أن الطرود التي وضعت بها الآثار كانت 22 طردا مرقمة من 1 إلى 22 داخل حاوية دبلوماسية بها طرود أخرى، لكن الطرود التي بها الآثار مسجلة باسم شخص يدعى ماسيمليانو سبونفيل، وهو موظف سابق كان يعمل في السفارة الإيطالية بالقاهرة، لكن فور اكتشاف عملية التهريب توجه ماسيمليانو إلى السلطات في بلاده وأقر بأنه لا علاقة له بتلك الطرود ولم يشحنها من القاهرة وأنه لم يعد يعمل في مصر.
أعيدت الآثار المهربة، وأجرت النيابة المصرية تحقيقات موسعة لكشف ما حدث، بدأت من شركة الشحن التي شحنت تلك الطرود باسم ماسيمليانو، فتبين أن مسؤولا بالشركة يدعى مدحت ميشيل هو من أنهى إجراءات الشحن من ميناء الإسكندرية باسم شركته، فأصدرت النيابة قرارا بضبطه وإحضاره وتفتيش منزله، وعثرت في المنزل على عدد من القطع الأثرية والمتعلقات الخاصة بالملك فاروق، وتحفظت عليها وعلى جهاز اللاب توب الخاص به، ووجدت مراسلات بينه وبين شركة الشحن الإيطالية تفيد طلبه تسليم الطرود من 1 إلى 22 في الحاوية التي عثر بداخلها على الآثار المصرية إلى شخص يدعى أوتكر سكاكال، هو قنصل إيطاليا الفخري السابق في القاهرة وليس ماسيمليانو الذي تم الشحن باسمه، فأصدرت النيابة قرارا بضبط سكاكال وتفتيش منزله.
* فتحت قضية شقة الزمالك التي تحتوى على آثار وأنتيكات الملف الشائك بحيازة بعض المواطنين للآثار المصرية
توجه فريق التحقيق إلى منزل القنصل السابق بمنطقة الزمالك لتفتيشه فوجدت عددا من القطع الأثرية النادرة وتحفظت عليها وأرسلتها لوزارة الآثار واستجوب المحققون خادمته، فقالت إنها لا تعلم شيئا عن تلك الآثار، وبمناقشتها عن معارفه وأصدقائه قالت إن الممثل المعروف بطرس رؤوف غالي، شقيق وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي، صديقه المقرب، وأضافت أنه في إحدى المرات كان سكاكال في إيطاليا واتصل بها هاتفيا وطلب منها تنظيف الشقة وترتيبها لأن صديقه بطرس غالي وآخرين سيحضرون إلى الشقة لمشاهدة بعض التحف الموجودة بها.
أمرت النيابة بالقبض على رؤوف غالي، وأمرت بتفتيش منزله، وقررت التحفظ على أمواله وممتلكاته هو وسكاكال ومدحت ميشيل داخل مصر، مع الكشف عن حساباتهم في البنوك، وتفتيش شقة أخرى مملوكة للقنصل السابق في منطقة قصر النيل، عُثر بداخلها أيضا على قطع أثرية، وأخطرت النيابة من الجهات المصرفية بأن القنصل السابق له خزينة مستأجرة في أحد البنوك الشهيرة ومنذ استئجارها كان لبطرس غالي حق التعامل عليها وفتحها ووضع أو أخذ أشياء منها فتوجه فريق من المحققين إلى تلك الخزينة وفتحوها ووجدوا بداخلها آثارا أخرى تحفظوا عليها.
أثناء معاينة النيابة للقطع الأثرية المهربة لإيطاليا وجدت ورقة مطوية في إحدى القطع بها رقم هاتف يتبع شركة هواتف محمولة في مصر، وعندما عاد المحقق للقاهرة استعلم رسميا عن الرقم، فوجده مسجل باسم شخص يدعى أحمد مجدي من منطقة الأقصر، يعمل فرد أمن على إحدى المراكب فألقت النيابة القبض عليه وفتشت منزله فوجدت به آثار فرعونية، وبتتبع رقم هاتفه تبين وجود علاقة بينه وبين القنصل الإيطالي السابق.
أمرت النيابة بحبس المتهمين الذين توصلت لعلاقتهم بتهريب الآثار جميعا وهم بطرس رؤوف غالي، والقنصل الإيطالي السابق، ومدحت شفيق مسؤول شركة الشحن، وأحمد مجدي الذي تبين أنه منقب عن الآثار، وصدرت أحكام قضائية بالسجن والتحفظ على أموال المدانين، وتم إغلاق أحد أكبر عمليات مافيا الآثار في مصر.
قضية نائب الجن علاء حسنين
على نفس الطريق شهدت الأيام القليلة الماضية قضية أخرى كبيرة أطرافها النائب السابق بمجلس النواب المصري علاء حسنين وشقيقه ورجل الأعمال المعروف حسن راتب صاحب قناة «المحور» الفضائية السابق ومالك عدة شركات كبيرة تعمل في مصر.
حيث كشفت النيابة العامة المصرية تفاصيل جديدة في قضية الآثار المتهم فيها رجل الأعمال الشهير وصاحب فضائية «المحور» حسن راتب، والبرلماني السابق علاء حسانين، حيث قرر النائب العام حبس 19 متهما احتياطيا لتنقيبهم عن الآثار والإتجار فيها وتهريبها خارج البلاد.
إلى هذا، قالت النيابة في بيان رسمي إنها تلقت تحريات إدارة مكافحة جرائم الأموال العامة والتي أسفرت عن تورط تشكيل عصابي مكون من 19 شخصا بالإتجار في قطع أثرية منهوبة، إثر عمليات تنقيب وحفر ممولة في مناطق متفرقة في كافة أنحاء الجمهورية، وذلك لبيعها داخل البلاد وتهريبها للخارج لذات الغرض.
وأضافت أنها أصدرت إذنا بضبط المتهمين، فضبِط المتهم علاء حسانين عضو البرلمان المصري سابقا، زعيم التشكيل العصابي، ومتهم آخر بصحبته، وعثر بحوزته على عملات معدنية مشتبه في أثريتها، كما عثر بالسيارة التي يستقلها على تماثيل وأحجار وعملات وأشياء مشتبه في أثريتها، واستجوابه فيما نسب إليه من إدارته التشكيل العصابي بغرض تهريب الآثار لخارج البلاد، وإجرائه أعمال الحفر للتنقيب عنها وتهريبها والإتجار فيها.
كما كشفت تحقيقات النيابة عن أسماء كتب استخدمها المتهم علاء حسنين في أعمال التنقيب واستخراج الآثار في 4 أماكن بمنطقة مصر القديمة حيث تم ضبط المتهمين في التشكيل العصابي.
وكشفت النيابة أن أحد المتهمين كان قد أفاد عقب ضبطه بمشاركة المتهم رجل الأعمال حسن راتب في تمويل عمليات الحفر والتنقيب عن الآثار، وأكدت تحريات الشرطة ذلك، وصلته بزعيم التشكيل، فأصدرت النيابة قرارا بضبطه، يذكر أن أجهزة الأمن المصرية كانت قد ألقت القبض على رجل الأعمال حسن راتب تنفيذا لقرار النيابة بتهمة تمويله ماديا للنائب علاء حسانين نائب الجن والعفاريت فى عمليات التنقيب عن الآثار، وباستجواب حسن راتب أنكر ما نسب إليه من اتهامات وقرر وجود تعاملات مالية بملايين الجنيهات بينه وبين زعيم التشكيل العصابي وخلافات حولها.
* طالب عدد كبير من الأثريين والمثقفين بضرورة تعديل قانون حيازة الآثار خاصة القانون رقم 113 لسنة 1983 والذي يعطي الحق للشخص الحائز على إبقاء القطع الأثرية لديه
واعترف البرلماني السابق في التحقيقات أنه كان يمارس عمليات التنقيب في منطقة أثرية بالقرب من منطقة مصر القديمة بالقاهرة وأن لديه مخزنا للتهريب، كان يخفي فيه المضبوطات، والآثار التي نجحوا في استخراجها.
كتب عن السحر والجن
أرشد المتهمون عن 4 كتب وأدوات تم استخدامها في ممارسة أعمال السحر للتنقيب عن الآثار، وهي: «موسوعة أهل البيت في الطب الروحاني»، وهو من كتب الطب الروحاني التي اعتمد عليها المعالجون الروحانيون في إقناع ضحاياهم بأنه سيشفيهم بعدد من آيات الشفاء والأحجبة والصلوات والأدعية وغيرها.
وكتاب «السحر الأحمر» الصادر في تسعينات القرن الماضي، ويحتوي على «دعوات وتسخير واستحضار للجن»، وكتاب «بشارات أولياء الرحمن وحسرات ضحايا الهوى والشيطان» وهو من الكتب الروحانية الحديثة، ويتضمن «نماذج وقصصا عن بعض التابعين من ضحايا الشيطان وضحايا العشق والهوى»، وكتاب «شمس المعارف الكبرى» وهو من تأليف أحمد البوني، «ويستخدم لتسخير الجان لما يحتوي عليه من طقوس وتعاويذ لاستحضار الجان» وهو من الكتب القديمة.
معاينة أماكن الواقعة
كما أضافت النيابة أنها تحفظت على أربعة مواقع للحفر والتنقيب وانتقلت لمعاينتها فتبينت ما فيها من أعمال حفر عميقة، حيث أكدت اللجنة المشكلة من المجلس الأعلى للآثار خضوع تلك الأماكن لقانون حماية الآثار لكونها من الأماكن الأثرية، وأن الحفر فيها كان بقصد التنقيب عن الآثار.
وذكرت اللجنة أن القطع المضبوطة بحوزة المتهمين- وعددها 227- جميعها تنتمي للحضارة المصرية وتعود لعصور مختلفة ما قبل التاريخ والفرعوني واليوناني والروماني والإسلامي وتخضع لقانون حماية الآثار.
التحفظ على أموال المتهمين
كانت محكمة الاستئناف في مصر قد قررت يوم الأربعاء التحفظ على أموال رجل الأعمال حسن راتب وأسرته والبرلماني السابق علاء حسانين وزوجته وابنه، ومنعهم مؤقتا من التصرف في أموالهم الشخصية، بعد اتهامهم في قضية الآثار.
وقررت المحكمة التحفظ على أموال باقي المتهمين في القضية سواء كانت أموالا نقدية أو سائلة أو منقولة أو أسهما أو سندات أو صكوكا، أو خزائن أو ودائع مملوكة لهم بالبنوك.
وقررت المحكمة كذلك منع المتهمين من التصرف في أموالهم العقارية الشخصية بالبيع أو التنازل أو الرهن أو ترتيب أي حقوق شخصية أو عينية عليها بجميع البنوك العاملة داخل مصر، هذا وسيصدر القضاء المصري حكمه في هذه القضية الكبيرة بعد البدء في المحاكمات.
شقة الزمالك
فتحت قضية شقة الزمالك التي تحتوى على آثار وأنتيكات الملف الشائك بحيازة بعض المواطنين للآثار المصرية، وجاء قرار وزارة العدل بتشكيل لجنة مشكلة تضم ممثلين من وزارات العدل والآثار والمالية لفحص كميات كبيرة من مقتنيات وأوسمة ونياشين تاريخية ومجوهرات وتحفا ولوحات فنية نادرة تعود للعصر الملكي، ليفتح من جديد ملف حائزى الآثار من المواطنين، حيث قامت الدولة بمجهودات وخطوات وتعديل للتشريعات التي من شأنها تغليظ العقوبات لتحقيق الردع بشقيه العام والخاص لكل من تسول له نفسه العبث بممتلكات الدولة الثقافية وتراثها القومي والحضاري من التداول غير المشروع، ومن أهم تلك الخطوات ما قام به مجلس النواب فى عهد الدكتور علي عبد العال بالموافقة النهائية على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 117 لسنة 1983 لحماية الآثار بعد ورود رد قسم التشريع نائب رئيس مجلس الدولة بالموافقة عليه، حيث استهدف القانون تغليظ العقوبات المقررة عن مخالفة المادة 42 مكرر 2 ليعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على 10 ملايين لكل من أحرز أو باع أثرا أو جزءاً من أثر خارج حدود مصر بصالات العرض وذلك ما لم يكن بحوزته مستند رسمي يفيد خروجه بطريقة مشروعة من مصر ويحكم فضلا عن ذلك بمصادرة الأثر محل الجريمة، وذلك في ظل القوانين المصرية السابقة والتي كانت تسمح بذلك.
ويأتي مشروع القانون متفقا مع أحكام الدستور والقانون والاتفاقيات الدولية بغية الحماية القانونية لآثار مصر وللحد من الظواهر الكارثية والأفعال غير المشروعة التي تتعرض لها من سرقة وإتجار وتخريب وتدمير والتي يمارسها بعض الأفراد ومافيا سرقة الآثار.
مطالبات الأثريين والمثقفين
وكان عدد كبير من الأثريين والمثقفين قد طالبوا بضرورة تعديل قانون حيازة الآثار خاصة القانون رقم 113 لسنة 1983 والذي يعطي الحق للشخص الحائز على إبقاء القطع الأثرية لديه، واصفين ذلك الأمر بالخطير لأنها تصبح عرضة للكسر والتلف وربما للسرقة، وأن ذلك القانون وضع شرطا لذلك بأن يتم تسجيل بيانات تلك القطع الأثرية في سجل خاص بالإدارة المركزية للحيازة وآخر يوجد لدى صاحب الحيازة، وتقوم وزارة الآثار بالتفتيش عليه مرتين في السنة، مطالبين بتعديل قانون الحيازة لرد تلك القطع لوزارة الآثار.