الخرطوم: في خطوة اعتبرت تحولا جديدا على صعيد العلاقة بين الحكومة السودانية والقطاع الخاص، وقعت وزارات وهيئات ومؤسسات رسمية على ميثاق يتعلق بإدارة وتشغيل ميناء بورتسودان طرحه اتحاد الغرف التجارية، وذلك ضمن خطة لإعادة تأهيل الميناء وتمهيدا لخطوة أكبر تشمل شراكات سودانية وأجنبية لإنشاء مواني حديثة على الساحل السوداني للبحر الأحمر.
وتأتي الخطوة التي تبنتها وزارة التجارة ووقعت عليها غالبية مؤسسات الحكومة ما عدا البنك المركزي ووزارة الثروة الحيوانية، على خلفية إجازة قانون خاص يسمح بالشراكة بين القطاع العام والخاص.
وتكثف الحكومة الانتقالية هذه الأيام من حملة الترويج للقانون، ويهدف في الأساس إلى خروج الحكومة من كل أشكال التجارة والاستثمارات والإنتاج، وتركها للقطاع الخاص، بما فيها أنشطة تنموية مثل مشروعات الكهرباء والمعادن والنفط والزراعة والصناعة والبنى التحتية، بينما تختص الحكومة فقط بتقديم الخدمات والرقابة.
التوم لـ«المجلة»: مستعدون لاتفاق «مرحلي ومشروط» قبل الملء الثاني لسد النهضة
ويُعتقد أن الخطوة تعتبر خليطا بين اقتصاديات السوق الحرة واقتصاديات السيطرة الحكومية على الأنشطة الاقتصادية، ويساند هذا الاتجاه البنك الدولي الذي يقود رؤية عالمية لإحداث شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، بما يضمن إشراك رجال المال والأعمال في مشاريع التنمية الكبرى والاستراتيجية وإعطاءهم الأولوية في برامج الدولة الاقتصادية.
بيد أن القانون الذي تمت إجازته، ما يزال يُنظر إليه بكثير من الشكوك والتساؤلات، إذ يخشى أن يؤدي خروج الدولة كاملا من النشاط الاقتصادي إلى سيطرة القطاع الخاص على موارد البلاد، خصوصا وأن القطاع الخاص في السودان ما يزال ناميا، وأن قدراته التمويلية لا تناسب مشروعات التنمية الكبرى التي تحتاجها البلاد، فضلا أن هنالك بعض السلع لا تستطيع الحكومة الخروج نهائيا من إدارة نشاطها لعدم قدرتها على تحمل «التكلفة السياسية»في حال عجز القطاع الخاص عن إدارتها بكفاءة.
ومنذ فترة طويلة، يعاني ميناء البلاد الرئيسي في مدينة بورتسودان على البحر الأحمر من مشكلات عديدة، أبرزها ضعف البنيات التحتية ما تسبب في فقدان الخزانة العامة لإيرادات كبيرة من العملات الأجنبية.
ويشكو الميناء من نقص الآليات وتدني معدلات سحب وتخليص الحاويات، وازدياد فترة بقاء الحاويات المتداولة الصادرة والواردة، بجانب زيادة زمن انتظار السفن الناتج عن نقص الآليات والترحيل إلى مناطق الكشف الجمركي، بالإضافة إلى مشكلة ترحيل الواردات إلى داخل البلاد.
وتعاقدت الحكومة الانتقالية في السودان مع شركة ألمانية متخصصة في إنشاءات وصيانة الموانئ البحرية ومحطات الحاويات البحرية للقيام بصيانة شاملة وتأهيل لمحطة حاويات الميناء الجنوبي في بورتسودان ضمن الخطة الحكومية لتوسعة الميناء وتأهيله وزيادة قدرته الاستيعابية.
وأعلن وزير التجارة والتموين علي جدو تبني ورعاية الوزارة لمبادرة الغرفة التجارية حول ميناء بورتسودان وقال إنها تجد الترحيب من قبل الحكومة، وتابع بالقول إن المبادرة تصب في مسألة الإصلاح الاقتصادي الذي تتبناه الدولة وتنفيذ إجراءات النافذة الواحدة وذلك ضمن خطة الوزارة والحكومة الانتقالية.
ونوه الوزير في تصريحات صحافية إلى أن الشراكة بين الوزارة والقطاع الخاص مهمة، خاصة مع اتحاد أصحاب العمل والغرفة التجارية وستصب في حل الكثير من المشاكل التي تعترض العمل.
وأبلغ رئيس اتحاد الغرف التجارية الأمين الشيخ الأمين «المجلة»، أن المبادرة المتعلقة بتشغيل وإدارة ميناء بورتسودان، تفتح الباب أمام انخراط القطاع الخاص السوداني والأجنبي للاستثمار في مجال الموانئ، ورأى أن السودان بات مؤهلا لاستقبال رؤوس الأموال الأجنبية عبر شراكات وطنية تشاركية بين الحكومة والقطاع الخاص.
هل تطيح المعارضة السودانية بالحكومة الانتقالية؟
ويتضمن الميثاق المبرم بين الأطراف، على إجراءات لانسياب حركة الصادرات والواردات، ووضع أنظمة ولوائح للمعاملات البينية وللعمليات وإجراءات بسيطة وواضحة ومحكمة، والعمل مباشرة مع الوكلاء الملاحيين دون طرف ثالث تقليلا للتكلفة ودورة الإجراءات.
ويدعو الميثاق إلى منح سلطات تشغيل عمليات المناولة للبواخر لوكلاء الملاحة البحرية وفقا للنظام الدولي المتعارف عليه، كما اتفقت الأطراف الموقعة في الميثاق على العمل المشترك لتسريع عمليات الصادر والوارد من خلال وضع جدولة واضحة ومعلنة عن تعريفة الخدمات والرسوم وطرق دفعها، إلى جانب العمل بنظام النافذة الواحدة في الميناء موضع التنفيذ، وتمثيل منظمات المخلصين والوكلاء الملاحيين والمصدرين والموردين في النافذة والهيئة الاستشارية، وضبط الفترة الزمنية لإجراءات الصادر والوارد بمتطلبات موثقة ووفقا لجدول زمني محدد، وتشجيع الشراكة بين القطاع الخاص وهيئة الموانئ الحكومية من أجل تطوير موانئ البحر الأحمر وإنشاء موانئ جديدة.
وحسب الخبير الاقتصادي الدكتور هيثم فتحي فإن الميثاق عمل على دراسة التحديات والمعوقات بالمنظومة الحالية ووضع بناء هيكلي لآليات الإفراج الجمركي عن الرسائل الواردة والصادرة بما يعمل على خفض الفترة الزمنية لدورة العملية التجارية لشحنات الصادر والوارد مع ضمان التكامل والترابط بين وحدات الجهاز الإداري للدولة المشاركة في عمل المنظومة ورفع درجة الحوكمة لآليات العمل.
وقال فتحي لـ«المجلة»إن السودان يحتل مركزا متدنيا في مؤشر التجارة العابرة للحدود الوارد في تقرير أداء الأعمال الصادر عن البنك الدولي ما يستلزم تدخل الدولة بجدية لعلاج الخلل لأنه طبقا لهذا المؤشر فالسودان يصنف مع دول الحروب والأزمات في وقت يحتاج فيه السودان إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة في قطاع اللوجستيات وهو أحدالقطاعات المعنية بمؤشر التجارة العابرة للحدود.
ةوصف الميثاق الذي طرحته الغرف التجارية بأنه بمثابة رؤية؛ حيث إنهلا توجد معايير كمية واضحة يمكنقياس تحقيق كل هدف عليها، كما أنه لا يوجد إطار زمني محدد يمكن وضعه لإنجاز هذه الاتفاقية، مبينا أن ميناء بورتسودان يعاني من تدني معدلات الشحن والتفريغ، نتيجة تهالك وقدم معدات وأوناش الشركات العاملة في الشحن والتفريغ وعدم امتلاكها عمالة مدربة ومنتظمة، إلى جانب حاجة الخطوط الملاحية العالمية، لعناصر مهمة كالتجهيزات المتكاملة والسعر المشجع والمنافس والجودة في سرعة أداء العمل وإنجازه.
ورأى أن القطاع الخاص السوداني ضعيف لمثل هذه الشراكات الضخمة، لذلك يتطلب جهودا حكومية وإرادة سياسية قوية لتنفيذ مثل هذه الاتفاقيات، وأوضح أن ميناء بورتسودان محل أنظار كثير من الشركات الأجنبية ما يجعل عملية إمكانية تطويره عبر الميثاق الآن أو مستقبلا عبر شركات استثمارية أجنبية بطريقة أو أخرى.
وبدأت الحكومة الانتقالية في التخلص نهائيا من سياسة الاحتكار، وتخطط لمشاركة القطاع الخاص، غير أن السياسة الاقتصادية الجديدة تثير شكوك كثير من النقاد ومخاوف من رهن موارد البلاد لمؤسسات القطاع الخاص، وهي أيضا تُثير أسئلة حول ضمانات منع عودة الحكومة بأساليب أخرى لمنافسة القطاع الخاص.
بيد أن رئيس اتحاد الغرف التجارية قال إن القطاع الخاص مكمل للقطاع العام وليس «نقيضا»، وهو مؤهل للشراكات الخارجية والداخلية ويسهم في تنمية البلاد وتوفير فرص العمل وترقية وتطوير الصادرات.
البنك الدولي يُخصص ملياري دولار لتمويل مشروعات في السودان
ودعا الشيخ إلى أن تسود روح الشفافية ومحاربة الفساد، وأن تتبنى الدولة سياسة دعم الإنتاج من أجل الصادر وليس الاستهلاك فقط، وذكر أنه في حال صدقت الحكومة في التعامل مع القطاع الخاص، ستكون قادرة على القفز بالصادرات لخمسة أضعاف، وأن يرتفع العائد وفق خطة محكمة وليس كلاما نظريا، مبينا أن قيمة الصادرات تتراوح حاليا ما بين مليارين إلى 2.7 مليار دولار.
ورهن الشيخ تحقيق التعاون والتبادل بين القطاعين العام والخاص معا وخلق مناخ صحي، بالعمل بروح الفريق الواحد، بما يمكن الطرفين من العبور سويا، مؤكدا على سياسة وزارة التجارة بإعادة الروح لشركات القطاع العام.
إقرأ أيضاً: ماذا يريد السودان من مؤتمر باريس؟