القاهرة: دخلت أزمة سد النهضة في منعطف خطير بعد تأزم الموقف إثر إرسال إثيوبيا خطابا رسميا لمصر يفيد بدء الملء الثاني لسد النهضة، وهو ما رفضه الجانب المصري والذي رد على الخطاب الإثيوبي بخطاب مضاد أكد فيه على الرفض القاطع للخطوة الإثيوبية المنفردة، والرفض القاطع للإجراءات الإثيوبية الأحادية.
وزير الري المصري: جاهزون للتعامل مع كافة سيناريوهات سد النهضة
كما أرسلت مصر في هذا السياق صورة من الخطاب الإثيوبي إلى مجلس الأمن لإرفاقه بالملف المقدم منها حول أزمة سد النهضة، ليكون أمام أعضاء المجلس خلال مناقشة الأزمة التي تحولت إلى سجال خشن من خلال التصريحات الإثيوبية التي تدفع دائما إلى الاستخدامات العسكرية لحل الأزمة على الرغم من عدم تطرق دولتي المصب مصر والسودان في أي من جولات التفاوض للحديث عن الحلول العسكرية، فيما جاءت التصريحات التي تشير إلى الدفع باتجاه الحل العسكري من قبل الجانب الإثيوبي والتي كان آخرها تصريحات مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية، الجنرال بوتا باتشاتا ديبيلي حول التشكيك في القدرات المصرية والسودانية، وعدم قدرة مصر على ضرب سد النهضة، وأن الجيش الإثيوبي مستعد للمواجهة العسكرية. فيما جاءت تصريحات رئيس الوزراء آبي أحمد أمام البرلمان، أن إثيوبيا قادرة على تجييش أكثر من مليون شخص للدفاع عن السد.
التصريحات الإثيوبية تأتي في وقت مليء بالمتغيرات المتسارعة وتغير في المعادلة سواء على المستوى الدولي أو على المستوى الإقليمي والعالمي، حيث إن السيطرة الإثيوبية المزعومة على إقليم تيغراي والتي خلفت عددا كبيرا من الضحايا والمشردين واللاجئين، والتي تحدثت تقارير دولية عن أنها ترقى لمستوى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، قد تلاشت، وباتت سيطرة الجيش الإثيوبي الفيدرالي على الإقليم منعدمة، خاصة بعد إعلان قيادات المعارضة المسلحة في تيغراي سيطرتها على عاصمة الإقليم، وأسر أكثر من 7 آلاف جندي إثيوبي تم عرضهم في شوارع ميكيلي عاصمة الإقليم وهتافات الجماهير المؤيدة لقادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، ما يمثل انهيارا داخليا جديدا يمثل عبئا كبيرا على رئيس الوزراء آبي أحمد، إضافة إلى مخاطبة مصر والسودان رسميا لمجلس الأمن الدولي وطلب عقد جلسة طارئة لمناقشة أزمة سد النهضة ومواجهة التعنت الإثيوبي في ظل عدم مقدرة الاتحاد الأفريقي على إيجاد حلول، أو ممارسة الضغط على أديس أبابا.
القاهرة من جهتها أعلنت عدم قبول التفاوض مع الجانب الإثيوبي إلى ما لا نهاية، وأصبح الحديث الدائر في الأوساط المصرية غير الرسمية، والإعلامية، أن الأزمة وصلت إلى نهايتها، وأن جميع الحلول متاحة، خاصة الحل العسكري، وسط مطالبات شعبية بتدمير سد النهضة للقضاء على التعنت الإثيوبي وللحفاظ على الأمن القومي المصري، في ذات الوقت لا يزال التحرك المصري في منطقة منابع النيل والقرن الأفريقي والجوار الإثيوبي متواصلا، لتطويق إثيوبيا سياسيا وعسكريا، من خلال توقيع اتفاقيات عسكرية ومذكرات تعاون عسكري مع دول الجوار الإثيوبي والتي كان آخرها توقيع رئيس الأركان المصري مذكرة تعاون عسكري بين مصر والسودان والتي تم توقيعها في العاصمة السودانية الخرطوم، خلال عودة رئيس الأركان المصري من زيارة قام بها لدولة جنوب السودان، بما يعزز الموقف المصري، إذا ما تم فرض الحل العسكري حال مواصلة إثيوبيا لتعنتها.
* القاهرة من جهتها أعلنت عدم قبول التفاوض مع الجانب الإثيوبي إلى ما لا نهاية، وأصبح الحديث الدائر في الأوساط المصرية غير الرسمية، والإعلامية، أن الأزمة وصلت إلى نهايتها
السجال الدائر حاليا حول الاستخدامات العسكرية لحل أزمة سد النهضة يفتح الباب للتساؤلات حول السيناريوهات المتاحة للتعامل مع الأزمة؟ خاصة بعد التشكيك الإثيوبي في قدرة مصر والسودان على خوض تجربة الخيار العسكري، وأنهما غير قادرتين على ضرب جسم السد، وما هي جدوى الخطوات والتصريحات الإثيوبية، وأهدافها؟ وهل بات الحل العسكري بالفعل هو الطريق الوحيد؟ أم إن القضية لا تزال تخضع للتجاذبات السياسية بحثا عن حلول، بعيدا عن استخدام السلاح؟
أهداف إثيوبية ورد مصري
تهدف إثيوبيا بإرسالها خطابا رسميا للقاهرة يفيد ببدء التخزين الثاني إلى توصيل رسالة للمجتمع الدولي ومجلس الأمن، والإيحاء بأنها تتبادل المعلومات مع مصر والسودان حول السد، وكانت قد طلبت في أبريل (نيسان) الماضي، تعيين مندوبين لتلقي المعلومات، ورفضت مصر والسودان هذه الخطوة لتعارضها مع إعلان المبادئ، والذي ينص على التعاون في الملء الأول وإدارة السد والاتفاق على قواعد الملء والتشغيل وهذا لم يحدث، لذا لا يمكن تبادل معلومات غير متفق عليها، كما يعد استمرارا للتعنت الإثيوبي والانفراد باتخاذ القرار وفرض سياسة الأمر الواقع، كما أنها لم تحدد في خطابها الأخير لوزارة الري المصرية مقدار التخزين الثاني بالتحديد لأنه يرجع لحجم الإنشاءات التي تتم حاليا من صب خرسانة على الممر الأوسط رغم محدودية التخزين هذا العام والذي سيقل عن 4 مليارات متر مكعب، لذا فإن هناك رفضا مصريا سودانيا لهذه الخطوة بصرف النظر عن كميته، وأن مصر رفضت التخزين الثاني في خطاب رسمي ردا على الخطاب الإثيوبي بهذا الشأن وأرسلت نسخة منه إلى مجلس الأمن لإرفاقه بالمستندات المقدمة من مصر إلى مجلس الأمن حول سد النهضة بما يثبت التعنت الإثيوبي واتخاذها خطوات أحادية، وهذا ما يفتح المجال أمام مصر حال تعثر مجلس الأمن في إصدار قرار ملزم لأديس أبابا، لتنفيذ جميع الخيارات بما فيها الخيار العسكري الذي يعد السيناريو المقبول شعبيا الآن في مصر خاصة بعد تعنت الجانب الإثيوبي وإصراره على تنفيذ الملء الثاني للسد بشكل أحادي ومنفرد.
جلسة خاصة لمجلس الأمن حول أزمة «سد النهضة»
اكتمال الترتيبات العسكرية والأمنية لمصر والسودان
الخطاب الإثيوبي الموجه لمصر والذي يخطرها ببدء الملء الثاني لخزان سد النهضة، إضافة إلى التصريحات الإثيوبية حول عدم قدرة مصر أو السودان على ضرب سد النهضة، وأنهم جاهزون للحل العسكري والتي جاءت على لسان مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية، الجنرال بوتا باتشاتا ديبيلي، لا تقوم على معرفة معطيات الواقع، وذلك حسب تصريحات الكاتب والمحلل السياسي السوداني خالد الفكي لـ«المجلة»؛ حيث إن القوة العسكرية المصرية حاليا في أتم الجاهزية من الناحية المعنوية واللوجستية خاصة التدريبات المشتركة مع قوى نظيرة على مستوى المنطقة خاصة القوات السودانية.
كما أن إثيوبيا حاليا وبعد أن استعادت قوات تحرير شعب تيغراي عاصمتها واستردادها عددا من المناطق التي سيطر عليها الجيش الفيدرالي سابقا، بالإضافة إلى تعقيدات ملفات القوميات الأخرى مثل الأمهرة، فضلا عن ملفي سد النهضة والحدود مع السودان، كل هذا يجعل الحكومة الإثيوبية تسعى لمحاولة إيجاد منافذ للخروج من عنق الزجاحة فرارا من أزماتها الداخلية.
كما أن الخرطوم والقاهرة أكملا كل الترتيبات العسكرية والأمنية لوضع أديس أبابا في موقف الغريق الذي يستجدي من هو بالبر للنجاة، ولكن الحل العسكري سيكون مكلفا للدول الثلاث ويفتح الباب للتدخل الدولي واسع الانتشار من القوى الدولية.
دون شك، يعد توقيع المذكرة بين الجيشين تأكيدا على توثيق العرى بين السودان ومصر عسكريا وأمنيا فى إطار منع التهديدات الاستراتيجية للبلدين، كما أن علاقات الخرطوم والقاهرة، خاصة بعد الثورة، أصبحت أكثر متانة وقوة وأعلى تنسيقا على مستوى المحافل الإقليمية والدولية، لا سيما وأن هناك ملفات مشتركة تهم أمن البلدين وعلى رأسها ملف سد النهضة والتداعيات المترتبة على انفراد إثيوبيا بالقرار بشأن تشغيله وملئه.
جميع السيناريوهات متاحة.. ولا نقبل توجيها من أحد
التصريحات الإثيوبية التي أطلقها اللواء بوتا باتشاتا ديبيلي، تخاطب الداخل الإثيوبي بلغة معينة، وهو يعرف أنه مهزوم من قوات تحرير شعب تيغراي، وقواته تعاني كثيرا، والمهم هو: ما إمكانيات الجيش الإثيوبي القتالية مقارنة بالجيش المصري؟ وحسب المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا اللواء أركان حرب عادل العمدة، فالجيش المصري جيش دولي له ترتيب متقدم حسب تصنيف «غلوبال فاير باور»، ويجب عليه أولا قبل إصدار مثل هذه التصريحات النظر إلى ترتيب جيشه، وترتيب الجيش المصري على مستوى العالم.
* خبير استراتيجي مصري: مصر تملك القدرة على ضرب السد، والمياه بالنسبة لمصر خط أحمر كما أكد رئيس الجمهورية
والأهم من ذلك أن هذه التصريحات- حسب اللواء العمدة- تأتي في إطار محاولات لاستفزاز مصر لضرب السد، لأن السد به مشكلات، وعوار فني، ولا يفي بالغرض الذي بني من أجله وتكلف حوالي 7 مليارات دولار من أجل تخزين ما يقارب نحو 74 مليار متر مكعب من المياه، والإمكانية التي يمكن تخزينها الآن لا تتخطى 8.8 مليار متر مكعب فقط، وبالتالي المستهدف في عملية التشغيل وإجراء التجارب الابتدائية تبدأ على الأقل من مستوى الـ18 مليارا المخطط تخزينها في الملء الثاني، وهذا لن يتحقق لأنه تم في الملء الأول تخزين 4.8 مليار متر مكعب، وهذا العام أقصى ما يمكن تخزينه 4 مليارات متر مكعب فيكون المجموع 8.8 مليار متر مكعب وهذا المنسوب لا يفي بعمليات التشغيل وهو يحتاج إلى 10 مليارات متر مكعب أخرى من المياه لتشغيل 12 توربينا، وهو الآن لا يمكنه سوى تشغيل توربنين اثنين فقط وهما الموجودان في القاع، وهذا معناه أن هذا المشروع فاشل، والإدارة الإثيوبية تسعى إلى استفزاز مصر والسودان لضربه حتى تتحملا تكاليف المشروع، والحكومة الإثيوبية تسعى لإلقاء تبعات فشل المشروع على أطراف أخرى حتى تخرج هي من الأزمة، والترويج أمام شعبها أنها ليست مسؤولة عن إفشال المشروع والذي تم تصويره للشعب الإثيوبي على أنه المشروع القومي الذي سيوحد الإثيوبيين، وهي تريد إيجاد مبرر لضرب السد حتى تكون أمام الشعب غير مسؤولة عن إفشاله، على الرغم من أنها السبب في ذلك، إضافة إلى القياسات الفنية الخاطئة، حيث إن القياسات الفنية خاطئة، فالمستهدف توليد 5220 ميغاواط، وإجمالي المتاح الآن 1800 ميغاواط ففائدة المشروع غير مجدية بالنسبة للشعب الإثيوبي الذي كان المشروع بالنسبة له حلما وهدفا قوميا.
وختم اللواء العمدة بأن «مصر تملك القدرة على ضرب السد، والمياه بالنسبة لمصر خط أحمر كما أكد رئيس الجمهورية، وكل السيناريوهات متاحة، ولكن مصر لا تقبل توجيها من أحد، وهي ستفعل ذلك عندما تريد دون توجيه من أحد، ولن يفرض علينا أحد توقيتا لذلك».
إقرأ أيضاً:
الملء الثاني لسد النهضة يزيد التوتر وجميع السيناريوهات متاحة