هل ستنتصر الديمقراطية في باكستان أم ستقع إسلام أباد فريسة لطالبان؟

هل ستنتصر الديمقراطية في باكستان أم ستقع إسلام أباد فريسة لطالبان؟

[escenic_image id="555028"]

لقد أصبحت المعركة ضد مسلحي طالبان في الحزام القبلي، وإقليم الجبهة الشمالي الغربي على طول الحدود الأفغانية نقطة تحول لأمن واستقرار باكستان الداخلي، وفي الأسبوع الماضي ترددت أنباء بأن باكستان المسلحة نووياً تترنح نحو كارثة، حيث استولى مقاتلو طالبان تماماً على مساحات شاسعة من الأراضي الوعرة والبرية في شمال غرب البلاد، معقل تمرد طالبان.

وجاء الاستيلاء الجريء لطالبان على الموقع الإستراتيجي لمقاطعة بونر في الإقليم الحدودي الشمالي الغربي، ليس فقط ليهز ثقة الشعب الباكستاني، وإنما ليدق ناقوس الخطر أيضاً في العواصم الغربية حول الدولة الإسلامية الوحيدة ذات القدرة النووية، وجاء استيلاء طالبان على المنطقة بعد تأسيسهم لدويلة في وادي سوات ذي المناظر الخلابة.

ثمة أسئلة تثار حول ما إذا كانت الحكومة الباكستانية بجيشها ينقصها الإرادة أو القدرة على وقف مسيرة طالبان، التي تتقدم دون هوادة، وتعاني الحكومة الباكستانية بالفعل من انتقادات حادة لتوقيعها اتفاق سلام مثير للجدل مع المسلحين في وادي سوات، ويزيد من حدة استيلاء طالبان السهل على منطقة بونر في الإقليم الحدودي الشمالي الغربي موجة من الأنباء المفزعة عن انهيار باكستان على أيدي طالبان.

لقد أصبحت طلبنة باكستان حقيقة واقعة الآن، وغني عن القول أن حركة طالبان الباكستانية التي يقودها القائد بيت الله محسود قد اكتسحت معظم أجزاء المناطق القبلية السبعة المعروفة باسم المناطق القبلية الإتحادية والتي تديرها الحكومة،  ونجد وجود الحكومة اسمياً فقط في معظم أجزاء الإقليم القبلي، حيث يتمتع مقاتلو طالبان بسيطرة مطلقة تقريباً ويديرون إدارات بالتوازي مع الحكومة الباكستانية ويستخدمون المنطقة كقاعدة ينطلقون منها لشن هجمات داخل باكستان وعبر الحدود في أفغانستان.

ومع ذلك، فإن ما يبعث على القلق أن مقاتلي طالبان قد بسطوا نفوذهم على أجزاء مستقرة من البلاد، وتحدوا أوامر الحكومة وأقاموا دويلات صغيرة خاصة بهم، وعلى مدى العامين الماضيين أسس متمردو حركة فضل الله المسلحون ذو العمائم السوداء دولة مصغرة خاصة بهم بين قمتين شاهقتين فى منطقة هندو كوش في وادي سوات، وحولوا الوادي ذا المناظر الخلابة إلى ساحة قتال، وكان الوادي الجميل معروفاً فيما قبل باسم "سويسرا آسيا".

وينتمي وادي سوات إلى ما يسمى بالمناطق المستقرة في باكستان على عكس المناطق القبلية، وتتمتع هذه المناطق باستقلال جزئي رسمي، ولم تكن من الناحية العملية تحت السيطرة المباشرة للحكومة أبداً، ومن المفترض أن تحكم الحكومة تلك المناطق بسلطة كاملة.

ونظراً لهذا الوضع، فإن أبرز سؤال يثار حالياً في واشنطن أكثر من أي مكان آخر هو: هل تستطيع باكستان النجاة أمام النفوذ المتصاعد لحركة طالبان التي ترعرت داخل باكستان؟ وهناك نقاش دائر الآن حول مستقبل باكستان، وقد تنبأ بالفعل بعض "الخبراء" بانقسام البلاد، بل إنه تم نشر خريطة تصور كيف ستبدو باكستان المنهارة. وأظهرت الخريطة أجزاء من الأراضي الباكستانية مندمجة مع أفغانستان مسلطة الضوء على كيان جديد حر لبلوجستان غير أن مثل هذه الاستنتاجات غير دقيقة ومضللة. ويقدر عدد مقاتلي طالبان بالآلاف فقط من أصل مجموع سكان باكستان البالغ عددهم 170 مليون نسمة. وتعارض الغالبية العظمى من الباكستانيين حركة طالبان ورؤيتها للشريعة بشدة.

لقد أتيت من الإقليم الحدودي الشمالي الغربي بنفسي، وسمعت الكثير من الباشتون في منطقتي يسبون طالبان ووحشيتهم. كما سمعت الكثير من شيوخ البشتون يقولون "كيف يدرسون الإسلام لنا، ويفرضون الشريعة على مجتمعنا. ألسنا مسلمين؟".

وتنتشر مشكلة مواجهة طالبان في جميع أنحاء المنطقة القبلية والإقليم الحدودي. فالحرب ضد متمردي طالبان لا تحظى بشعبية. ويعتبر الباشتون من الشمال الغربي والكثير من الباكستانيين أن هذه حرب أمريكا. ويواجه النظام الحالي مهمة شاقة لتشكيل الرأي العام وإقناع السكان المحليين بأنها بالفعل حرب باكستان. لقد كان هناك تغيير جذري ضد طالبان بين السكان المحليين. بل إن العديد من الجماعات الدينية اليمينية بدأت تقاوم نفوذ حركة طالبان وتشجع العمليات العسكرية بقوة لطرد مقاتلي طالبان من قواعدهم في وادي سوات.

وتواجه باكستان اليوم عدداً من المشكلات، إلا أنه ليس هناك شك في أن الإرهاب يأتي على رأس القائمة فقد أصبح تعبيراً تقليدياً أن نقول أن باكستان تمر في حالة حرجة من تاريخها. وما يحدث الآن في المناطق الحدودية والقبلية هي نتيجة مباشرة لاستمرار فشل سياسات الأنظمة المتعاقبة. لا داعي للذهاب إلى الماضي البعيد حيث أن المستنقع الحالي هو ظاهرة لما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

أولاً، كان هناك النظام العسكري للرئيس السابق برويز مشرف الفاقد لمصداقيته، والآن توجد الحكومة الديمقراطية الغير محبوبة لحزب الشعب الباكستاني بزعامة عاصف على زرداري، أرمل بنظير بوتو الراحلة.

وهناك اتفاق عام بين الباكستانيين على أن كلاً من الدكتاتور العسكري السابق وما يسمى بالنظام الديمقراطي الحالي قد تماديا في دعم ما يعتبره السكان المحليون "الحرب الأمريكية." وقف الناس بشكل لا لبس فيه ضد مشرف وحلفائه في انتخابات فبراير لعام 2008 وفاز حزب عوامي الوطني التابع لقومية باشتون العلمانية في التصويت الشعبي في الإقليم الحدودي. غير أن نشوة تغيير الحكم في أعقاب الانتخابات العامة حيث ثبت أنها مجرد أمنيات لأنه بعد سنة ونصف السنة من نهاية الانتخابات يمكن للمرء أن يرى أن الأمور قد ازدادت سوءاً بدلاً من أن تتحسن.

ولكن كل هذا لا يعني أن باكستان سوف تسقط في غضون بضعة أشهر. وهذا مجرد استنتاج مضلل من قبل بعض ما يسمون نفسهم خبراء وقد تجاهلوا حقائق أخرى على أرض الواقع. ما تواجهه باكستان اليوم هو أساسا "أزمة قيادة". وهناك بعض التحديات الكبيرة تواجه البلاد، ولكن لا يستحيل حل أيا منها.

لدى القوات الباكستانية القدرة على محاربة المسلحين وطردهم. ولكن المشكلة تقع على عاتق القيادة. والذين يرسمون تصوراً مظلماً لباكستان يجب ألا ينسوا العوامل الثلاثة التالية، وهى عوامل تم تجاهلها بشكل كبير في خضم العناوين المثيرة عن مكاسب طالبان.

 فأولاً وقبل كل شيء، فإن لدى باكستان طبقة وسطى قوية جداً تؤيد الديمقراطية بشدة وترفض تماماً أفكار حركة طالبان ومفهومها الضيق للإسلام. وقد أعلنت هذه الطبقة الوسطى في الانتخابات العامة الأخيرة بشكل واضح عن تأييدها الكامل للأحزاب العلمانية مثل حزب الشعب الباكستاني وحزب عوامي الوطني والحركة القومية المتحدة.

وثانياً، فإن ظهور مجتمع مدني قوي يعد حدثاً هاماً في تاريخ باكستان. فإعادة إقالة رئيس المحكمة العليا، شودهار افتخار، على سبيل المثال، هو شيء يصعب تصديق حدوثه. و قد تحقق كل هذا بفضل نضال الطبقة الوسطى.

وأخيراً وليس آخراً، تأتي زيادة عدد وسائل الإعلام المستقلة. فوسائل الإعلام تلعب دوراً كبيراً في تشكيل مستقبل باكستان. وقد تم إغفال هذه العوامل الثلاثة للأسف من قبل الخبراء الذين يتوقعون انهيار باكستان رغم أنها تعتبر بمثابة تطورات هامه في الفترة الأخيرة.

وقد أصبحت باكستان اليوم جبهة الحرب الفعلية ضد الإرهاب. ومن ثم، يجب على المجتمع الدولي برئاسة الولايات المتحدة مساعدة باكستان على مواجهة آفة الإرهاب والقضاء عليها. فمستقبل باكستان لا يقع بين أيدي مقاتلي طالبان. فكيف يمكن للآلاف من مقاتلي طالبان احتلال أمة يزيد عدد سكانها عن 170 مليون شخص؟

إن مستقبل باكستان سيتحدد بأيدي الملايين من أبناء الطبقة الوسطى الباكستانية، وبنشاط المجتمع المدني ويقظة وسائل الإعلام و حيويتها. فباكستان بحاجة ماسة إلى قيادة قوية قادرة عملياً على قيادة البلاد والخروج من أزمتها الراهنة.

امتياز علي راندولف جنينجز هو زميل في معهد الولايات المتحدة للسلام والذي يقع مقره في واشنطن. وقد كتب عن القاعدة وطالبان والتطرف في باكستان وعن المناطق القبلية التي يغيب عنها القانون من خلال عمله كصحفي في هيئة الإذاعة البريطانية وصحيفتي "لندن تليجراف" و "واشنطن بوست".

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأى الكاتب فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأى معهد الولايات المتحدة للسلام الذي لا يدعو إلى تطبيق سياسات محددة.

 

زميل في معهد الولايات المتحدة للسلام، ويعمل كصحفي بواشنطن وقد قام بعمل تقرير عن القاعدة وطالبان والتشدد في باكستان والمناطق القبلية التي يغيب عنها القانون لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، لندن تليجراف وواشنطن بوست.

font change