الجزائر: في حوار خاصّ بـ«المجلة»،يتحدث الخبير الاقتصادي الجزائري كمال سيدي محمد عن آثار تعافي أسعار النفط في الأسواق العالمية على الاقتصاد الجزائري، مشيرا إلى أن هذا التعافي غير كافٍ لمواجهة العجز المسجل في الميزان التجاري، ومؤكداً على أهمية اتخاذ الحكومة الجديدة التي يقول إنها يجب أن تكون حكومة كفاءات، لا حكومة سياسية، لجملة إصلاحات بعيداً عن الحلول المعتادة، مثل: سياسات تخفيض العملة أو التمويل التقليدي بطبع العملة أو تجميد المشاريع.
وفيما يلي نص المقابلة:
* أسعار النفط خلال الفترة الأخيرة تشهد تعافياً تدريجياً، إلى أي مدى يؤثر هذا التعافي على الاقتصاد الجزائري القائم على إيرادات النفط بشكل أساسي؟
- أسعار النفط خلال اليومين الأخيرين شهدت بعض الانخفاض من 76 دولاراً للبرميل إلى حدود 73 دولاراً، بسبب تحفيظ العقوبات على إيران، ولكن عموماً أسعار النفط بالنظر إلى مسارها خلال الأشهر الأخيرة تشهد نوعاً من التحسن، ورغم ذلك يبقى سعر 76 دولاراً غير كافٍ للموازنة، ولتحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات، السعر الحالي ربما يغطي فوق التوقعات الجباية البترولية التي كانت موقعة في قانون المالية، ما يعني مبلغا إضافيا كبيرا، لكنه لا يحقق التوازن المطلوب بين الإيرادات والنفقات.
* تراجع أسعار النفط أثر بشكل مباشر على احتياطي الصرف، هل الجزائر مقبلة على أبواب الاستدانة الخارجية مجدداً، أم إن هناك هامش مناورة للحكومة لتجاوز هذه المعضلة الاقتصادية؟
- هناك بعض السياسات التي تنتهجها وزارة المالية من أجل تفادي الذهاب للاستدانة الخارجية، وبإمكاننا أن نحقق ذلك، ولكن هناك صعوبة كبيرة بحكم أن العجز في الميزانية يقدر بنحو أربعة آلاف مليار دينار، أي نحو 20 في المائة من الناتج المحلي، وهذا في الاقتصاد رقم كبير، العجز من المفترض أن يكون في حدود 3 إلى 5 في المائة، وأعتقد أن هناك مجموعة من الإجراءات التي تٌتَخذ، ولكن لا يلاحظها إلا الفنيون، حيث إن هناك الكثير من المصاريف تم حجبها، كثير من المشاريع تم توقيفها، وغير ذلك من الإجراءات الفنية، بيانات البنك المركزي ووزارة المالية جد متأخرة، لا زلنا ببيانات 2020، ولهذا لم يتضح بعد كم هي نسبة العجز الذي ستحاول الحكومة تغطيته.
* بتقديركم ما هي الحلول المستعجلة لمواجهة هذه المعضلات حالياً؟
- الحكومة مع البنك المركزي تقوم ببعض الإجراءات، مثل: تخفيض قيمة الدينار أو تجميد بعض المشاريع، ولكن هذه الإجراءات اتضح من خلال التجربة أنها لا تجدي نفعاً، لا بد من إصلاحات حكومية جادة للقطاع النقدي، مع ترشيد النفقات العامة، حيث إن الدعم يستهلك ما يقارب 1600 مليار دينار وهذا مبلغ كبير، أيضا هناك مصاريف كبيرة في الجهاز الحكومي، توجد نحو أربعون حكومة مصاريفها تثقل كاهل الخرينة العمومية، ويجب ترشيدها، إلى جانب نفقات أخرى غير مجدية وغير منتجة، ولهذا أعتقد أن ترشيد النفقات وتقليصها يعتمد على السياسات الإصلاحية أكثر من سياسات تخفيض العملة أو التمويل التقليدي بطبع العملة أو تجميد المشاريع.
* هل قانون المالية التكميلي حمل بعض الحلول لمواجهة المشكلات الاقتصادية، وخاصة تدني القدرة الشرائية للجزائريين؟
- قانون المالية التكميلية لم يتضمن الكثير، وأعتقد أنه لا علاقة له تماماً بالقدرة الشرائية للجزائريين، حيث إن المواطن لا يزال يتحمل لوحده تبعات الوضع الاقتصادي، وخاصة أصحاب الدخل الضعيف، وخاصة في ظل تعقيدات وباء كورونا، خلال الأشهر الأولى للوباء كانت الحكومة تقدم مبالغ مالية كمساعدات مباشرة للفقراء لكنها توقفت بعد ذلك، المواطن لا يزال بين غلاء الأسعار، وتوقف المشاريع، وما صاحب ذلك من ارتفاع نسب البطالة، ونحن ننتظر الجديد من خلال قانون المالية الجديد والذي ستأتي به الحكومة الجديدة المرتقبة، وأعتقد أن هذه الحكومة ستكون حكومة إصلاحات.
* هناك حديث عن مراجعة سياسة الدعم الحكومي لتلقيص النفقات، ما يثير المخاوف من تدهور أكثر للقدرة الشرائية؟ هل تعتبر أن الظروف مواتية لمراجعة هذه السياسة التي تثير جدلاً في مناسبات عدة؟
- هذا البرنامج دائما ما يُعلن عنه، وبعد ذلك يتوقف، أعتقد أنه يمكن مراجعة هذه السياسات، لكن يواجهنا مشكل تحديد الفئات التي تحتاج الدعم، وهنا يجب أن تكون البيانات الإحصائية متوفرة ومتاحة بالنسبة للعديد من الأسر، وتلك التي تزاول أعمالا وأنشطة اقتصادية لكنها غير مدرجة في قوائم التأمين الاجتماعي، هذا هو الإشكال، لكن المعالم الكبرى للدعم قد تكون واضحة، وهناك إطارات في الحكومة يمكنها إنجاح هذا المسعى.
* هنا مشاورات تجرى لتشكيل الحكومة، يصاحبها جدل بين من يقول بضروة حكومة سياسية تمثل الأحزاب الفائزة بمقاعد البرلمان، وبين من يدعو لحكومة تكنوقراط بكفاءات اقتصادية لمواجهة التحديات القائمة، أي الرأيين توافق؟
- جربنا سابقاً حكومات سياسية، وجربنا حكومات بقيادة وزير أول سياسي، وأعقتد أننا لم ننجح كثيراً في ذلك، أعتقد أن أغلب الدول استعانت خلال كورونا بوزير أول تكنوقراط، يميل للاقتصاد أكثر، وأعتقد أن الجزائر حالياً مجبرة على تبني هذا الخيار، من خلال حكومة تكنوقراط مصغرة ببرنامج إصلاحات.