الخرطوم: شهد السودان تطورات متلاحقة هذا الأسبوع أبرزها المبادرة التي استبق بها رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، مظاهرات شعبية تدعو للإطاحة بحكومته، كان أبرز الداعين إليها الغريمان السياسيان الإسلاميون والشيوعيون، بيد أن المبادرة خففت في رؤية محللين من التوترات التي تشهدها البلاد جراء التدهور الاقتصادي والهشاشة الأمنية، إلى جانب الخلافات بين القوى نفسها الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، فضلا عن بطء تنفيذ اتفاق السلام مع الحركات المسلحة.
وأطلق رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، مبادرة من أجل «تحصين»المسار الديمقراطي في البلاد، تتكون من سبعة محاور رئيسية تشمل إصلاح القطاع الأمني والعسكري، وتحقيق العدالة، والاقتصاد، وتفكيك نظام الرئيس عمر البشير، ومحاربة الفساد، وتوحيد خطاب السياسة الخارجية، وتكوين المجلس التشريعي.
لكن الخطوة لم تمنع بعض القوى السياسية مثل الإسلاميين الذين كانوا الرافد الرئيسي لنظام الرئيس المعزول عمر البشير من تنظيم مظاهرات تدعو لإسقاط حكومة حمدوك وتشكيل حكومة من التكنوقراط برعاية المؤسسة العسكرية وعقد انتخابات عامة، وتقاطعت هذه المظاهرة مع أخرى نادى بها الحزب الشيوعي لإسقاط الحكومة الانتقالية بدعوى انصياعها لأجندة خارجية من بينها الاستجابة لاشتراطات البنك وصندوق النقد الدوليين، كما شارك في المظاهرات تيارات سياسية أخرى تندد بالغلاء والآثار المترتبة على الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة.
وعلمت «المجلة»أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أجرى هذا الأسبوع لقاءات عديدة مع قيادات سياسية ومجتمعية في إطار الترويج لمبادرته وتوسيع قاعدة الحكومة الشعبية بعد الخلافات التي ضربت الحاضنة السياسية، ومن بين الذين التقاهم حمدوك قيادات شاركت في نظام الرئيس السابق عبر اتفاقات وتفاهمات سياسية.
ووصف حمدوك في مبادرته الأوضاع التي تعيشها البلاد بأنها «مخيفة في تداعياتها وما يصاحبها»، وقال إن الشراكة السياسية بين المدنيين والعسكريين لا تسير في خط مستقيم، وتواجه تحديات كبيرة.
وقال إن هناك تعددا في مراكز اتخاذ القرار في البلاد، خاصة في السياسة الخارجية، وهناك حاجة لضبط هذه المسألة، وأن «نتحدث للعالم بصوت واحد ومن مركز واحد».وأكد أن البلاد تواجه تشظيا سياسيا وعسكريا.
وقال إن البلاد تواجه أزمة سياسية بامتياز من الدرجة الأولى، وإنه ما لم ننجح في حل هذه الأزمة فإن كل الملفات ستظل تراوح مكانها.
ونقل الصحافي السوداني إسماعيل محمد علي لـ«المجلة»ما دار في جلسة نقاش وحوار بين إعلاميين ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك في منزله، حول قضايا البلاد سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا، والحلول الممكنة، مؤكدا أن حديث رئيس الوزراء اتسم بالوضوح والشفافية عن كل ما يدور في الشارع بلا رتوش، حيث تناول الجميع بكل مسؤولية معاناة الناس في جوانب المعيشة، وقضايا العدالة، والشراكة مع المكون العسكري، ومخاطر الانتقال، ومهددات الأمن القومي، والسلام، وغيرها.
وحسب رؤية إسماعيل عن اللقاء فإنه لا سبيل ولا مخرج للبلاد غير التمسك بالوضع الحالي بما فيه من حرية وشفافية، وحل كافة القضايا مهما كانت صعبة ومعقدة عبر الحوار، موضحا أن حمدوك بدأ مستمعا جيدا، ومدونا بقلمه لكل ما طرح في اللقاء.
وحظيت مبادرة حمدوك التي أطلق عليها اسم«الطريق إلى الأمام»، بدعم من قبل «الجبهة الثورية»والتي تعد الإطار التنظيمي للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام، إضافة إلى مساندة المجلس المركزي لتحالف «الحرية والتغيير».
وصدر بيان مشترك عن تحالف الجبهة الثورية، والمجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير»يؤكد على دعم مبادرة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ودعا كافة الشركاء لتطويرها وتوسيعها كمشروع استراتيجي لإنجاح الانتقال وبناء السودان.
كما رحب البيان بتأكيد قادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع على علاقات الرفقة المشتركة بينهما، وتأكيد وحدة القوات النظامية الضرورية لحماية البلاد.
وقال حزب المؤتمر السوداني في بيان له إن المبادرة تمثل خارطة طريق قابلة للتطبيق ويمكن أن تمهد لتصحيح المسار لو توافرت الإرادة السياسية الكافية. وأعرب الحزب عن استعداده لتسخير كافة جهود الحزب عبر التعاون والعمل مع كل القوى الداعمة للتغيير من أجل بلورتها عبر الحوار وإنزالها إلى أرض الواقع.
وصرح الأمين السياسي للحزب شريف محمد عثمان، بأن مبادرة رئيس الوزراء خاطبت قضايا كبيرة ومعقدة، وأن المبادرة قطعت الطريق أمام محاولات عديدة من «فلول النظام السابق للانقضاض على الحكومة».
كما رحب الحزب الجمهوري بالمبادرة واعتبرها صحوة متأخرة وأعرب عن أمله في أن تصحبها عزيمة وإرادة من رئيس الوزراء واعتبرها الفرصة الأخيرة، فيما أكدت حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) تأييدها مبادرة رئيس الوزراء بلا تحفظ استشعاراً منا للأخطار الحقيقية المحدقة بالبلاد والثورة. وقالت إن لديها ملاحظات على بعض بنود المبادرة وستقوم بطرحها على الآلية التي ستقوم بإدارة المبادرة حال تكوينها، ودعت جميع قوى الثورة بالالتفاف حول المبادرة والتعامل معها بجدية ومسؤولية.
وقال القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي بخاري الجعلي، إن مبادرة رئيس الوزراء تتسم بالقومية وتتجاوز مسألة الخلاف بين العسكريين والمدنيين وتهدف لتسوية سياسية شاملة.
ورأى في لقاء تلفزيوني أن الخطوة تعني الخروج من حاضنة سياسية محدودة إلى حاضنة كبيرة وممتدة وبعيدة ليكون رئيساً لكل السودانيين.
وفي بيان أرسل إلى «المجلة»، انتقد رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل، الحلول التي اقترحها رئيس الوزراء في (مبادرة الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال- الطريق إلى الأمام)، واعتبرها قاصرة ولا تتناسب مع حجم وعمق الأزمة السياسية والاقتصادية.
ودعا الفاضل إلى استقالة حكومة حمدوك والتحول إلى حكومة تصريف أعمال «بعد هذا الاعتراف الشجاع الصريح بفشل السلطة الانتقالية، وطالب المجلس العسكري أن يدعو كافة القوى السياسية التي شاركت في الثورة والقوى ذات الوزن الانتخابي للتشاور حول إعادة تشكيل السلطة الانتقالية وقيام الانتخابات العامة.
كما أعلن التحالف الاقتصادي لقوى ثورة ديسمبر رفضه المبادرة وقال في بيان تسلمت «المجلة»نسخة منه أن أخطر ما جاء في مبادرة رئيس الوزراء هو تقوية التوجه الحكومي الراهن لمعالجة المشكلات الاقتصادية عبر السياسات الخارجية؛ مجدداً رفضه للتوجه ومطالبته بإسقاطه. واعتبر إصرار رئيس الوزراء على برنامج الحكومة نسفا لفكرة الكتلة الموحدة العريضة للانتقال التي طرحها في مبادرته داعياً لاستعادة الثورة وتحقيق أهدافها.
أما حزب البعث السوداني فقد أعلن رفضه مبادرة رئيس الوزراء واعتبرها متعارضة مع الوثيقة الدستورية ومحاولة لخلق حاضنة جديدة، وأعرب عن استغرابه في إعلان حمدوك للمبادرة على الرغم من موافقته فيه قبل يومين على مبادرة اللجنة الفنية لإصلاح الحرية والتغيير.
وبالنسبة للمحلل السياسي حسن دنقس فهو يرى أن مبادرة حمدوك هي تأكيد على أن مجلس الشركاء في المرحلة الانتقالية هو الحاضن الرئيسي لحكومته.
وذكر دنقس لـ«المجلة»أن حديث رئيس الوزراء عن تشظي الساحة السياسية يفهم منه تفكك قوى الحرية والتغيير الحاضنة التي رشحت حمدوك لرئاسة الوزارة، كما تظهر المبادرة رسالة أخرى متعلقة بأهمية توسيع القاعدة السياسية للحكومة الانتقالية لتشمل أطرافا أخرى ليس بالضرورة أن تكون قد وقعت على ميثاق تحالف الحرية والتغيير.
وفي ذات السياق قال عادل عبده المحلل والناشط السياسي لـ«المجلة»، إن مبادرة رئيس الوزراء جاءت نتيجة للهجوم الكثيف عليه شخصيا من قبل حلفائه والمعارضين على السواء، وأن المبادرة محاولة لكسب الوقت ورسالة من رئيس الوزراء بأن لديه رؤية جديدة لكن مضامين المبادرة ليست جديدة على الرغم من كونه وضعها في قالب فيه نوع من الإثارة، وذلك من أجل إعادة دعم ومساندة المجموعات المتعاطفة معه لكن عمليا فإن المبادرة تظهر نقطة ضعف في بنية الحكومة نفسها، وأن المؤيدين للمبادرة ينظرون إلى أن «غرق مركب حمدوك»يعني غرقهم أيضا.
وبالنسبة للمحلل السياسي لؤي عبد الرحمن فإن مبادرة رئيس الوزراء في توقيت مناسب وتحمل في طياتها رسائل للداخل الوطني والخارج.
وحسب إفادة عبد الرحمن لـ«المجلة»فإن حمدوك يريد أن يطلع المجتمع الدولي والإقليمي على تطورات الأوضاع في الساحة السياسية الداخلية وداخل الحكومة ويسجل موقفا بكشف العقبات التي تواجه حكومته وتعيق عملها، واستجداء للمجتمع الدولي للضغط على الأطراف التي تعرقل عملية التحول والانتقال الديمقراطي.
وأضاف: مبادرة حمدوك لم تأت بجديد فهي تشمل مطالب الثوار التي ظلوا يرددونها في المواكب منذ الإطاحة بنظام البشير، لكنه يهدف عبر هذه الخطوة إلى قطع الطريق أمام الشائعات ضد حكومته، خاصة فيما يلي دور المؤسسات الأمنية في العملية الانتقالية السياسية، مشيرا إلى أن جميع النقاط التي تحدثت عنها المبادرة هي بالفعل تشكل خطرا على الحكومة الانتقالية خصوصا تلك التي أشارت إليها المبادرة بعدم وجود مركز موحد للقرار ما يعد فشلا داخليا للحاضنة السياسية للحكومة.
ويعتقد عبد الرحمن أنه كان على رئيس الوزراء إصدار قرارات وليس توصيات عبر مبادرة سياسية، حتى يظهر جدية رئيس الوزراء وحكومته في معالجة المشكلات العالقة.