القاهرة: تساؤلات عديدة أثيرت حول الانتخابات الإثيوبية وهي الانتخابات العامة الأولى التي تجرى في البلاد منذ تولي رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد مقاليد السلطة في العام 2018، والتي تم تأجيلها مرتين بحجة تفشي وياء كورونا، حيث يحق لحوالي 36 مليون ناخب التصويت فيها لاختيار 547 نائبا من بين أكثر من 8 آلاف مرشح يمثلون 46 حزبا سياسيا في 10 أقاليم باستثناء إقليم تيغراي والإقليم الصومالي، بسبب الأوضاع الأمنية، حسب الحكومة الفيدرالية. ومنع إجرائها في إقليمين آخرين بسبب نقص بطاقات الاقتراع، وذلك حسب رئيسة مجلس الانتخابات في إثيوبيا، برتكان مديقسا، التي أكدت على حرمان ولاية سيداما من التصويت لنقص بطاقات الاقتراع، وهو ما يعني حرمان ما يوازي نحو 20 في المائة من الدوائر الانتخابية البالغ عددها 547 دائرة، من التصويت، وبما يوازي 106 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 547 مقعدا.
وتأتي التساؤلات حول الانتخابات بسبب الظروف التي جرت خلالها العملية الانتخابية؛ حيث تشهد إثيوبيا التي تضم حوالي 80 عرقية مختلفة، إضطرابات عرقية ونزاعا مسلحا بين الجيش الفيدرالي، وقيادات جبهة تحرير تيغراي والتي أدت إلى نزوح الآلاف من إقليم تيغراي إلى السودان، وارتكاب الجيش الفيدرالي، والقوات الإريترية المساندة لرئيس الوزراء آبي أحمد مجازر وإبادة جماعية في حق شعب تيغراي وقيادات جبهة تحرير تيغراي، ترقى لمستوى جرائم الحرب، ومجاعات حذرت الأمم المتحدة من تبعاتها، إضافة إلى مقاطعة عدد من أحزاب المعارضة للعملية الانتخابية، إضافة إلى الأزمات التي تعاني منها إثيوبيا في محيطها الإقليمي ومع دول الجوار، خاصة النزاع العسكري الحدودي الأخير بينها وبين السودان الممتد منذ أكثر من 25 عاما. وأزمة سد النهضة بينها وبين السودان، ومصر، والتي تحاول الحكومة الإثيوبية وحزب الازدهار (الحزب الحاكم) تصعيدها، والتعنت أمام أية محاولة للتوصل فيها إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن عملية الملء الثاني والتشغيل، في محاولة لإلهاء الرأي العام في الداخل الإثيوبي حيث تم الربط بين الملء الثاني للسد، واستكمال الانتخابات العامة وذلك في بيان لحزب الازدهار، الذي أكد ان استكمال المرحلة الثانية من ملء السد، واستكمال الانتخابات بنجاح سيحددان مصير الإثيوبيين والبلاد بشكل عام، وأنه يجب ان يكون واضحا لأي شخص أن إثيوبيا لن تتنازل عن مصالحها الوطنية أبدا بسبب الضغط الدبلوماسي، والتأثيرات الأخرى التي تفرضها القوى التي لها مصالح في المنطقة.
هذه المشكلات تأتي إضافة إلى التوترات القديمة مع الصومال فيما يتعلق بإقليم أوجادين الصومالي، وهو ما أثار التساؤلات حول مدى تأثير الانتخابات الإثيوبية على مجمل الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي بشكل عام، وعلى أزمة سد النهضة بشكل خاص.
تأثيرات ضعيفة على دول الجوار
إثيوبيا تتبع النظام الديمقراطي، وإجراء الانتخابات يعزز موقف رئيس الوزراء آبي أحمد، والحكومة الإثيوبية، في أزمة سد النهضة، ويعزز موقفها من الصراع الدائر في إقليم تيغراي، وهو يقدم نفسه على أنه المحافظ على وحدة الأراضي الإثيوبية، وإذا كان هناك تجاوزات سجلتها بعض الجهات كالولايات المتحدة الأميركية، والأمم المتحدة فهي في نهاية المطاف لا تمثل قيمة كبيرة لديه، وذلك ما أكده مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق الدكتور عبد الله الأشعل لـ«المجلة»،قائلا: «هناك إرادة من جانب الحكومة الإثيوبية للمحافظة على وحدة الأراضي الإثيوبية، والانتخابات مهمة من هذا الجانب، وبغض النظر عن عدم إجراء الانتخابات في بعض المناطق، لكن إجراءها رغم ذلك يدل على أن الحكومة الإثيوبية معززة بنتائج الانتخابات ستمضي في طريقها في موضوع سد النهضة، وإتمام الملء الثاني، حيث أعلنت عدة مرات عن هذا النهج، وأي تطور في هذا السياق في إثيوبيا يأتي ضد المصالح المصرية».
ويضيف الأشعل أن الانتخابات الإثيوبية ستكون تأثيراتها على دول الجوار والقرن الأفريقي ضعيفة لأن كل هذه المناطق لها وضع مختلف؛ فعلاقة إثيوبيا بإريتريا متقلبة لأن إثيوبيا كانت تضم إريتريا، وعندما حدثت حرب أهلية أدت لانفصال إريتريا التي أصبحت دولة مستقلة، وساحلية، وأصبحت إثيوبيا دولة حبيسة، والصومال لها معادلات مختلفة، وهي ليست في وضع يمكنها من المطالبة بإقليم أوجادين الذي تحتله إثيوبيا، برغم إثارة هذا الموضوع من حين لآخر عندما تتوتر العلاقات الصومالية الإثيوبية فيتم المطالبة بإقليم أوجادين، والتي تعد مساحته كبيرة واستولت عليه إثيوبيا من الصومال الموحد، واليوم الصومال المقسم لا يستطيع أن يطالب بوحدة الأراضي الصومالية، وبالتالي فإن التطورات في إثيوبيا لا تؤثر كثيرا على الدول المحيطة بها، كما لن تتأثر دول منابع النيل بنتائج الانتخابات الإثيوبية، فالعلاقة بين إثيوبيا وهذه الدول لها عوامل أخرى، حيث إن النظام في كينيا هو نظام ديمقراطي، وتجري انتخابات ديمقراطية، والخلافات بين إثيوبيا ودول منابع النيل غالبيتها يأتي بسبب الأنهار الدولية المشتركة بينها، ولذلك افتعلت إثيوبيا مشكلات مع أوغندا، وكينيا، لكن الانتخابات الإثيوبية في ذاتها غير مؤثرة على العلاقة مع هذه الدول. ويمكن القول في النهاية إن الانتخابات سوف تعزز موقف الحكومة الإثيوبية في أزمة سد النهضة.
حالة من عدم الاستقرار
فيما اختلف مع هذه الرؤية الأستاذ بكلية الدراسات الأفريقية الدكتور عباس شراقي، وقال لـ«المجلة» إن «إثيوبيا دولة تحمل عوامل تفككها من الداخل، وهي دولة فقيرة، وبها مشاكل عرقية شديدة، حيث يوجد بها 80 مجموعة عرقية مختلفة في العادات والتقاليد واللغة والدين، والصراعات منتشرة داخل إثيوبيا، وخلال العشر سنوات الماضية أسهم مشروع سد النهضة في تجميع الإثيوبيين حوله، وكان الاقتتال بين هذه العرقيات في أدني مستوى، ولكنه ظهر خلال بعض الفترات، وفي الوقت الحالي لا تزال مشكلة إقليم تيغراي موجودة ، كما تم إرجاء إجراء الانتخابات في أربعة أقاليم، وذلك لأسباب لوجستية، وأمنية حسب الحكومة الإثيوبية، وهذه مشكلات داخلية في إثيوبيا».
ويضيف شراقي أن منطقة القرن الأفريقي تتمتع بحالة من عدم الاستقرار، وهو ما يقلق الولايات المتحدة الأميركية ويهدد مصالحها، وزاد من المشكلة التوترات الحالية بين إثيوبيا والسودان بسبب مشكلات الحدود، إضافة إلى أزمة سد النهضة، وأحيانا تحدث صدامات مسلحة بين الإثيوبيين والسودانيين على أرض الفشقة التي تحتلها إثيوبيا وتسيطر عليها منذ أكثر من 25 عاما، مما أدى لمظلومية كبيرة للسودانيين في هذه المنطقة، كما لا يزال إقليم تيغراي به مشكلات كبيرة جدا، والصومال به مشكلات، إضافة إلى أزمة إقليم أوجادين الصومالي، كما لا يزال الأهالي في منطقة بني شنقول غير راضين لأنهم لا يزالون مضطهدين من الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، وهو ما يدفعهم للعودة مرة أخرى للسودان، كما أن هناك صراعات مستمرة بين عرقية الأرومو، وعرقية الأمهرة، وهما أكبر المجموعات العرقية داخل إثيوبيا، وما يزيد التأزم في منطقة القرن الأفريقي هو وجود دول عديدة مثل الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، وتركيا، لها تواجد وقواعد عسكرية هناك، والانتخابات برغم تعزيزها لمكانة رئيس الوزراء آبي أحمد لا يمكن أن تأخذ أكبر من حجمها لأن إثيوبيا هي دولة من دول العالم الثالث، والانتخابات ليست بالنزيهة، أو الديمقراطية، ولن تأتي بمجموعة سياسية أخرى مختلفة لها آراء أخرى في إثيوبيا.
ولكن النتيجة- حسب شراقي- «حسمت بفوز آبي أحمد، ولذلك فلن تحدث تغيرات جذرية، ولكن قد تؤثر نتائج الانتخابات في موضوع أزمة سد النهضة، حيث إن جزءا من التعنت الإثيوبي خلال المفاوضات كان متأثرا بالانتخابات، وأن الخطاب الإعلامي حول الملء الثاني لسد النهضة، وإقدام إثيوبيا على إنشاء 100 سد أخرى، كان موجها في أغلبه إلى الداخل الإثيوبي، وأعتقد حدوث بعض من المرونة في الموقف الإثيوبي في أزمة السد بعد الانتخابات، ومن الممكن حدوث التخزين في الملء الثاني بأقل ما يمكن حيث تخضع المسألة لعملية هندسية، والأيام القادمة قد تشهد مرونة في الموقف الإثيوبي أيضا بعد الضغط المصري والسوداني الذي استطاع حشد المواقف الدولية لصالحه مثل الجامعة العربية، والضغوط الأخرى التي كان آخرها تقديم السودان شكوى رسمية لمجلس الأمن، وتقديم مصر خطابا للأمم المتحدة، وهذه ضغوط على الجانب الإثيوبي، وقد تصل هذه الضغوط إلى إحداث نتيجة. وإثيوبيا قد يتحلى موقفها بعد الانتخابات بالمرونة والوصول لاتفاق، لأن الوصول لاتفاق هو مصلحة للجميع خاصة إثيوبيا لأن زيادة التوتر، ولجوء مصر والسودان لبعض الخطوات للحفاظ على أمنها المائي خاصة اللجوء للخيار العسكري ليس في صالح إثيوبيا».
الهروب نحو الأمام
إجراء الانتخابات في إثيوبيا فى ظل التوترات الماثلة فى اقليم تيغراى، بجانب التعقيدات الملازمة لملف سد النهضة هو محاولة لهروب حكومة آبي أحمد نحو الأمام، حسب الكاتب والمحلل السياسي السوداني، خالد الفكي، الذي أكد لـ«المجلة»أن «آبي آحمد يحاول استغلال هذه الأجواء لحشد الدعم السياسى لحكومته التي تتآكل شعبيتها بعد أن قل صيته بعد التصريحات السالبة التي وجهت له من قبل المجتمع الدولي بشأن الانتهاكات الإنسانية فى إقليم تيغراي، مع العلم أن إجراء هذه الانتخابات في تلك الظروف الراهنة يمثل قنبلة موقوتة ربما تتطاير شظاياها نحو دول الجوار الإثيوبي. ويأتي على رأسها السودان الذي يؤوي حاليا نحو 100 ألف نازج إثيوبي فروا من القتال القبلي والصراع الحكومي مع جبهة تيغراي».