الجزائر: بعد تجربة لعدة سنوات في مهنة المحاماة، قررت أخيراً هجيرة بن علاي خوض غمار تجربة جديدة في مسارها وحياتها العملية، بدخول سباق أول انتخابات نيابية أو برلمانية تجرى بالجزائر بعد الحراك الشعبي الذي انطلق في الثاني والعشرين من فبراير (شباط) 2019، وأطاح بالرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، ضمن قائمة حرة ومستقلة، رفقة مجموعة من الشباب والشابات الطامحين لإحداث التغيير السياسي المنشود ببلادهم.
وفي حديثها لـ«المجلة» بمقر مداومتها ببلدة سيدي موسى غربي العاصمة الجزائر خلال أيام الحملة الانتخابية، ورغم اعترافها بصعوبة المأمورية، بحكم أنها أول تجربة انتخابية لها، مع نظرة المجتمع الذكوري لمزاحمة النساء للرجال في المعترك السياسي، إلا أن هجيرة كانت تتمسك بأمل كبير في الفوز بمنصب برلماني لعدة أسباب، أبرزها الخطابات الرسمية التي تدعم تواجد المرأة في المجالس المنتخبة، وأن البرلمان الجديد سيكون لصوت الشباب والنساء الحضور القوي والبارز، خاصة ممن ترشحوا في قوائم حرة ومستقلة.
وتقول هجيرة إن «أغلب من ترشحوا في هذه القوائم جاءوا من عمق الحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة وأنهى حقبة عشرين عاماً من الفساد»، لذلك هي تأمل أن «يكون فوز الشباب والشابات بأغلبية مقاعد البرلمان تكريساً لإرادة الحراك، ولإرادة الجزائريين في التغيير السلس للنظام».
وقبل موعد الانتخابات النيابية السابقة، سارعت الحكومة الجزائرية إلى تغيير قانون الانتخابات، ضمن الوعود الإصلاحية التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون خلال حملته الانتخابية للرئاسيات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وكان من أبرز النقاط التي شملها التغيير تخليه عن قانون الكوتة أو الحصة، الذي يفرض أن يكون ثلث أعضاء البرلمان من العنصر النسوي، بقانون جديد هو قانون المناصفة في قوائم الترشح، بمعنى أن يكون نصف المترشحين في القوائم المتنافسة سواء كانت حزبية أو مستقلة من العنصر النسوي، وهو القانون الذي أثار نقاشاً وجدلاً واسعين، وتوقع البعض أن تكون له تداعيات سلبية كبيرة على الحضور النسوي في الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري لعدة اعتبارات، وأسباب متراكمة ومتشابكة.
وفعلاً مع إعلان النتائج تحققت المخاوف، حيث تراجع عدد البرلمانيات من 120 نائبة من العنصري النسوي إلى 34 فقط في البرلمان الحالي المنتخب ضمن قانون الانتخابات الجديد.
وفي حديثه لـ«المجلة»، يبرز الخبير القانوني محمد عصمان بالقول إنه «كان متوقعاً أن يشكل قانون الانتخابات الجديد نكسة وتراجعاً حاداً في تواجد وحضور العنصر النسوي في البرلمان، وفي باقي المؤسسات المنتخبة مستقبلاً»، ويوضح الخبير ذلك بالقول «رغم أن قانون الانتخابات شجع حضور النساء بقوة في القوائم الانتخابية من خلال اشتراط المناصفة، إلا أنه من جانب آخر أقر قانون أو مبدأ القائمة المفتوحة والاختيار المباشر للمترشحين الذين يرغب فيهم الناخب، بإقرار القانون العودة إلى الاقتراع النسبي، وإلغاء العمل بالقوائم المفتوحة، مع العمل أيضا بـالتصويت التفضيلي، وعدم مزج القوائم الانتخابية الخاصة بالمجالس البلدية والولائية أو الخاصة بالتشريعيات، وبموجب تلك المادة، ألغى المشرّع رأس القائمة، حيث يحق للناخب الجزائري التصويت على أي مرشح في القائمة الانتخابية»، وجاءت هذه المادة بحسب الخبير على خلفية فضائح «بيع المقاعد ورأس القائمة التي فجرها النائب المثير للجدل بهاء الدين طليبة في الحزب الحاكم الجزائري السابق»، وكان ذات النائب قد كاشف عن بيع قوائم انتخابية بنصف مليون دولار.
ونص القانون الجديد حسب الخبير عصمان على أن «يختار الناخب بمجرد وجوده داخل المعزل قائمة واحدة، ويصوت لصالح مترشح أو أكثر من القائمة نفسها في حدود المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية، على أن يتم توزيع المقاعد المطلوب شغلها بين القوائم بالتناسب أولاً، حسب عدد الأصوات التي تحصلت عليها كل قائمة مع تطبيق قاعدة الباقي الأقوى. وهو ما يعني أنه لأي مرشح متذيل في ترتيب القائمة الانتخابية الفوز بالمقعد في حال حصوله على أكبر نسبة من المصوتين». وأشار إلى أن إلغاء «رأس القائمة الانتخابية يهدف لوقف الفساد الانتخابي وبيع المراكز في قوائم الترشح، كما حدث في انتخابات 2017، ووضع حد لتغول المال السياسي في الانتخابات».
وحسب حديث الخبير فإن «مساوئ قانون الكوتة السابق الذي يفرض تواجد ثلث النساء في البرلمان سمح بوصول برلمانيات دون مستوى الغرفة التشريعية الأولى بالبلاد، حتى أطلق عليه البعض لقب برلمان الحفافات، لتواجد عدد من البرلمانيات كن يمتهن الحلاقة سابقا، وليس لهن أي رصيد نضالي أو مسار سياسي حزبي أو مستقل»، لذلك تضررت صورة المرأة برأيه في «الأوساط الشعبية التي كانت ترفض أصلاً انخراط المرأة في العمل السياسي لاعتبارات اجتماعية وثقافية ودينية»، لذلك يشدد على أن «قانون الانتخابات الجديد على الرغم من المناصفة، لا يزال بحاجة إلى العمل على مستوى الوعي لدى الأفراد والمجتمع بأهمية مشاركة المرأة في مختلف الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية». ووفق تقدير الخبير فإن «مشكلات المرأة مع المشاركة السياسية ليست في القوانين فحسب، بل تتعداها إلى السلوك العام والقيم المتحجرة».
وكان رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، قد ذهب إلى التحذير مما وصفه في ندوة للكوادر النّسوية بما سماه «المتاجرة بالمرأة في الاستحقاقات الانتخابية»، وقال: «المناصفة في الترشّح لا تقدم للمرأة الفوز بل تحقق لها الديكور فقط»، داعيًا إلى «تحقيق الشراكة بين الرّجل والمرأة في إصلاح المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إطار مشروع الجزائر الجديدة، التوجه نحو حسن اختيار المرأة ذات الكفاءة العالية والتي تكون نموذجًا حقيقيًا لتمثيل المرأة في المجالس المنتخبة».
وبرأي المترشحة إيناس مالكي، فإن «قانون الانتخابات الجديد يفرض المناصفة في الترشح بين المرأة والرجل والشطب لأي مترشح يتم اختياره من طرف الناخبين شيء جميل»، لكنها توضح في تصريح لـ«المجلة»أنه «لا يجب أن ننسى أن مجتمعنا الجزائري هو مجتمع ذكوري بالدرجة الأولى، والرجل والمرأة لا يمكن أن يكونا بنفس المستوى والقدرات سواء المادية أو المعنوية فقانون الانتخابات الجديد جعل كل مترشح يمارس حملة انتخابية خاصة به سواء كان رجلا أو امرأة، وأصبحت المرأة تنافس الرجل كأنهما من نفس الجنس، وهذا خطأ لأن الأولى أن يتم ضمان نسبة الـ30 في المائة بالنسبة للنساء مع عملية الشطب، فتكون المرأة تنافس النساء في الحصول على النسبة وهذا يخلق منافسة متكافئة، ويمنح التمثيل لمن تستحقة، وليس أن تنافس امرأة مجموعة من الرجال» وهذا برأيها «خطأ وإجحاف في حق أي امرأة سياسية طموحة، وهو الأمر الذي اتصح جلياً مع العدد القليل جداً لعدد المقاعد البرلمانية بالنسبة للنساء».
وبالنسبة للكاتبة والإعلامية نسرين جعفر فإنه بالنظر لتحجيم حضور المرأة في البرلمان القادم، تعتقد أن «المشكل لا يرتبط بالضرورة بنظام القائمة المفتوحة، ولا حتى بالأحكام الانتقالية التي تسمح بتمرير قوائم انتخابية لم تنجح في تحقيق شرط المناصفة بين النساء والرجال، بل التركيبة الاجتماعية في الكثير من مناطق الوطن خاصة الداخلية منها ما زالت ترى أن السياسة ليست ميدانا مناسبا للمرأة»، وبالتالي فإن الرهان حسب ما كتبته نسرين في صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»يتعلق أساسا بـ«تغيير الذهنيات، وكسر الصورة النمطية للمرأة دون النظر إلى طبيعة القوانين التي تلعب دون شك دورا في تدعيم أو تحجيم وجود المرأة في الساحة السياسية بشكل عام».
في دراستها البحثية تسجل الدكتورة زهيدة رباحي وهي باحثة بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، عدة معوقات تحول دون التمثيل الحقيقي والمشاركة السياسية الفاعلة للمرأة الجزائرية في العمل الحزبي والتواجد في المؤسسات المنتخبة، وأبرز تحدٍ بالنسبة لها هو «سيطرة العادات والتقاليد التي تدعم الرجل في المجتمع الأبوي، مع افتقار المرأة لعنصر الاستعداد لمواجهة العمل العام بما فيه المجال السياسي، وعدم اقتناعها بفعاليتها السياسية لأن نظرتها السلبية في ميادين التعاون والمناقشة الإيجابية مع ذكور المجتمع يكرس تخلفها عن الساحة السياسة»، كما ترصد أسبابا أخرى مثل: «غياب المشاركة الفعلية في العمل السياسي للمرأة، وانكماش دورها في الهيئات الحزبية والهياكل النقابية والاتحادات المهنية، مع وجود فجوة بين الخطاب السياسي والواقع، بحيث لا توجد استراتيجيات أخرى تمكّن المرأة من التأثير في اتخاذ القرارات من منابر الأحزاب السياسية».
ولتجاوز المعضلة تقترح الباحثة عدة سبل لإنجاح جهود إشراك المرأة سياسياً، أولها «محاولة تغيير نمط التفكير في المجتمع الذي يقوم على ممارسات تجعل الذكور أعلى من الإناث، مع محاولة تعميم ثقافة المساواة والمشاركة في العمل السياسي»، كما ترى الباحثة بضرورة «تقليص الفارق بين النص القانوني والواقع العملي بإيجاد آليات كفيلة بتجسيد المساواة في ممارسة العمل السياسي، مع تحريك الوعي السياسي لدى جميع فئات المجتمع لفهم طبيعة النظام السياسي وتحليل الواقع الاجتماعي والاقتصادي من أجل تجسيد المساواة ليس بين الجنسين فقط بل بين جميع المواطنين دون النظر للانتماء السياسي أو العرقي أو المكانة الاجتماعية، مع إخراج المرأة من النطاق الضيق وهو الأسرة، إلى نطاق أوسع يسمح لها بإدارة وتسيير الشأن العام». ما سبق برأيها يكون من خلال «تحريك فواعل المجتمع المدني للقيام ببرامج توعية وتدريب للمرأة لتعريفها بحقوقها الاجتماعية والسياسية»، مع «إبراز آليات ممارسة الديمقراطية بإيجاد الطرق الكفيلة لتفعيل التمثيل النسوي على مستوى المجالس المنتخبة كدلالة على زيادة الوعي السياسي وتعزيز مشاركة المواطنين في مراكز السلطة لمباشرة دور رئيسي في عملية التنمية بالمجتمع». ما سبق لا يكون وفق تقديرها إلا «بتوفر الإرادة السياسية لتوسيع فرص مشاركة المرأة في العمل السياسي وتطبيق نظام الحصة أو المساواة في مختلف مجالات الحياة السياسية دون الاقتصار على المجالس المنتخبة فقط».