يعرف ختان الإناث بأنه عملية قطع أو استئصال متعمدة للأعضاء التناسلية الخارجية للمرأة يتم عادة بدون استخدام التخدير وفي ظروف غير صحية ودون موافقة جهات طبية متخصصة، مما يؤدي إلى تشويه الأعضاء التناسلية للمرأة وأمراض جسدية ونفسية وجنسية وقد ينتهي بوفاتها. وتصف المنظمات العالمية هذه الممارسة بأنها انتهاك لحقوق الإنسان.
وصرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تغريدة له بأن نحو مليوني فتاة ستنضم إلى الفتيات اللاتي تعرضن إلى عملية الختان بحلول 2030 في حال استمرار الصمت وعدم تغيير الظروف الراهنة، مطالبا بتوظيف إمكانات الأمم المتحدة والاتحاد لوقف هذا الانتهاك الخطير لحقوق الإنسان.
وتفيد توقعات الأمم المتحدة بأن نحو 200 مليون امرأة وفتاة تعرضن لأحد أشكال تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية من بينها نحو 44 مليون فتاة دون 14 عاما وأن ختان الإناث منتشر في دول على غرار الصومال والسودان وغينيا وجيبوتي ومصر وغيرها.
وفي الوقت الذي تتركز فيه هذه العادة في كل من أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط حسب الإحصائيات الدولية، فإن كلا من مصر والسودان صادقتا على قانون يجرم ختان الإناث معتبرتين إياه جريمة ضد النساء. ويعتبر نشطاء حقوق المرأة بأن هذه الخطوة تمثل نقطة انطلاق لحقوق المرأة في أفريقيا.
وفي الوقت الذي يعاقب فيه كل من يمارس ختان الإناث في مصر بالسجن بما يتراوح بين 5 إلى 7 سنوات، أعاد حادث وفاة الفتاة المصرية ندى إثر تعرضها لعملية الختان هذه الظاهرة إلى الواجهة مجددا.
يشار إلى أن نحو 92 في المائة من النساء المتزوجات التي تتراوح أعمارهن ما بين 15 و49 عاما في مصر خضعن للختان وفقا لتقارير نشرت عام 2014.
وناضلت نوال السعداوي الكاتبة والناشطة النسوية الراحلة على مدار حياتها ضد ختان الإناث وأجرت دراسات وكتبت مؤلفات عدة في سبيل الحد من هذه العادة مما أدى إلى تجريم عادة ختان الإناث في مصر عام 2008.
هيئة إفتاء أهل السنة في إيران: ختان الإناث يفتقر إلى أي سند شرعي والروايات التي تجيز هذه الممارسة ضعيفة ولا يجوز الاستناد إليها
وأصدر السودان قانونا يجرم ختان الإناث تصل عقوبته إلى السجن 3 سنوات مع دفع الغرامة. وجاء في نص المادة: «يعد مرتكبا جريمة كل من يقوم بإزالة أو تشويه العضو التناسلي للأنثى مما يؤدي إلى ذهاب وظيفته كليا أو جزئيا سواء كان داخل أي مستشفى أو مركز صحي أو مستوصف أو عيادة أو غيرها من الأماكن، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز 3 سنوات وبالغرامة». وتعرض 9 من كل 10 نساء في السودان إلى هذه الجريمة.
وتلتزم السلطات الإيرانية الصمت ولا تحرك ساكنا للحد من انتشار هذه العادة لأسباب أمنية تتعلق بمخاوف من تحركات احتجاجية في المناطق الحدودية واستياء بعض الطوائف والمذاهب، ولذلك فإن معاناة الفتيات في بعض المناطق الإيرانية مستمرة.
ويعمل العديد من النساء والرجال في دول العالم لوقف هذه المعاناة العميقة.
«رائحة مظفريان» كاتبة إيرانية وطالبة فرع علم الاجتماع في مرحلة الدكتوراه في جامعة الأناضول ومديرة حملة stop FGM Iran. وتعتبر مظفريان التي قامت بتأليف كتاب بعنوان «تيغ وسنت» (الشفرة والتقاليد) من ضمن النشطاء في مجال مكافحة ختان الإناث ولها نشاطات عديدة بهدف الحد من هذه الممارسة.
وقالت مظفريان في حوار مع «المجلة» حول ختان الإناث في إيران: «نحن على ثقة بأن هذه العادة ما زالت تمارس في المناطق الكردية على غرار كردستان وكرمانشاه وأذربيجان الغربية وأجزاء في جنوب البلاد على غرار محافظة هرمزكان، غير أننا لسنا متأكدين من انتشار هذه العادة في أجزاء أخرى على غرار بوشهر وبلوشستان وخوزستان ولرستان وغلستان. قمت أنا و2 من زميلاتي بكتابة مقال أشرنا فيه إلى أن ختان الإناث بات يمارس خلال الآونة الأخيرة بأشكال مختلفة عن السابق. كانت تمارس هذه العادة في مناطق أقلية (لك) في غرب إيران، غير أن عملية ختان الإناث لم تعد موجودة هناك ومع ذلك فإن النساء البالغات من العمر أكثر من 60 عاما تعرضن للعملية وهن ما زلن على قيد الحياة. ونلاحظ أن أدوات العملية وأساليبها تغيرت في الوقت الراهن في تلك المنطقة. وبدأ يظهر خلط كبير بين عمليات تجميل الأعضاء التناسلية للمرأة وبين عادة الختان في بعض المناطق الريفية. وهناك أمر مهم آخر وهو مسألة عمليات تجميل الأعضاء التناسلية والتي تلقى إقبالا كبيرا في البلاد».
وكانت عادة ختان الإناث تنتشر في إقليم كردستان العراق غير أن جهود منظمة «وادي» في الإقليم خاصة في مدن أربيل والسليمانية وحلبجة وكرميان ورانيه وكركوك أدت إلى حظر هذه الممارسة في 2011 في الإقليم.
وردا على سؤال حول الدول التي تنتشر فيها هذه العادة قالت مظفريان: «يمكن وضع الدول في مجموعتين؛ المجموعة الأولى: الدول التي تنتشر فيها هذه العادة بحكم العادات والتقاليد. والمجموعة الثانية: الدول التي أخذت فيها هذه الممارسة بالتزايد بسبب ارتفاع نسبة المهاجرين في تلك البلدان على غرار أستراليا وبعض الدول الأوروبية. وتفيد التقارير بأن هذه العادة ما زالت منتشرة في دول على غرار سلطنة عمان وماليزيا والإمارات والهند بحكم التقاليد».
وتصنف منظمة الصحة العالمية دول العالم حسب معدلات انتشار ختان الإناث فيها.
وأضافت: «تشمل المجموعة الثالثة الدول التي تمارس العادة في أجزاء منها أو من قبل قوميات فيها غير أنها لم تدخل قوائم المنظمات الدولية للدول التي تنتشر فيها العادة على غرار العراق وعدد من دول الخليج وبعض دول ما بعد الاتحاد السوفياتي وجورجيا».
وتابعت: «تقوم كل دولة بتقديم إحصائيات حول ختان الإناث في البلاد إلى منظمات دولية. تعلن كل دولة عن نسبة هذه الممارسة في البلاد ومن ثم تقوم المنظمات الدولية المعنية بتقديم دعم لها من خلال تخصيص ميزانية معينة لها وأشكال أخرى من الدعم والتي تشمل ورشات تدريبية وخدمات لمكافحة ختان الإناث. ولا تزال تنتشر عادة ختان الإناث في بعض الدول على غرار أجزاء في إيران والعراق وسلطنة عمان وعدد من دول الخليج. وهناك دول لم تعترف بعد رسميا بعملية ختان الإناث الجارية هناك وبأن تشويه الأعضاء التناسلية للمرأة يشكل تحديا ومشكلة يجب مكافحتها».
وحول أسباب انتشار هذه العادة ترى مظفريان: «الأسباب مختلفة وعديدة. على سبيل المثال هناك فتاة أميركية تعرضت للختان في الطفولة بعد استشارة والدتها مع الطبيب لأن الفتاة كانت تمارس العادة السرية منذ طفولتها».
وتوضح مظفريان بشأن جذور هذه الممارسة قائلة: «عادة تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى كانت تمارس في العهود القديمة كعملية جراحية ولكنها لم تذكر في الأديان الإلهية غير أن سكان بعض المناطق يزعمون أن عادة ختان الإناث تحظى بتأييد بعض المذاهب والأديان وبالتالي فهي عملية مشروعة. وكانت هذه العادة تمارس في أفريقيا الوسطى قبل أن تنتشر في مصر وذلك لأسباب ثقافية. على سبيل المثال كانت تجري عملية الختان في مصر القديمة على الرجال الذين كانوا على وشك البدء في الكهنوت أو على الذكور من الطبقة النبيلة ووثق الختان في شريعة النبي موسى وهكذا فتح الباب أمام ختان الرجال والنساء. وتفيد أساطير أفريقية أن أصل هذه الممارسة كان يحدث في أفريقيا الوسطى لأسباب ثقافية ومن هناك انتقلت إلى الفراعنة. وكانت أدوات الختان ونوعه تختلف من قبيلة إلى أخرى حيث كانت هذه الممارسة تحدد انتماء الفرد لقبيلته. وأثبتت الدراسات بأن الختان يؤدي إلى انخفاض الشعور بالرغبة الجنسية لدى النساء والرجال.
وكان حزام العفة الحديدي يستخدم لمنع حدوث لقاء جنسي أو اغتصاب. وينسب ختان الإناث إلى دين الإسلام غير أن علماء الأزهر أصدروا العديد من الفتاوى بمنع ختان الإناث.
وترى مجموعة كبيرة من كبار علماء الدين بأن أصل هذه الممارسة ليست إسلامية فيما تعتقد فئة أخرى من علماء الدين بأن الختان كان وسيلة لدخول غير المسلمات وغير المسلمين إلى الإسلام ولكن هذه النظرية غير مدعومة علميا».
لماذا لم تعتمد السلطات الإيرانية سياسات للحد من ختان الإناث؟
قالت مظفريان: «تتمثل مهمتنا كناشطات حقوق المرأة أن نسلط الضوء على جريمة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في إيران غير أن السلطات الإيرانية تتستر على هذا الأمر خوفا من تشويه سمعتها كدولة تتمتع بحضارة تمتد لآلاف الأعوام. ويزعم النظام الإيراني أن هذه المشكلة شأن داخلي يتولى حلها بنفسه. ولا تملك المؤسسات الدولية المعنية معلومات ووثائق كثيرة حول ختان الإناث في إيران ولذلك يتم تصنيف إيران في قائمة الدول التي توجد فيها هذه الممارسة ولكن حجم انتشارها في البلاد غير معروف».
وقدمت مظفريان رسالة إلى هيئة إفتاء أهل السنة في إيران في ديسمبر (كانون الأول) 2018 تستفسر حول آراء أهل السنة بشأن ختان الإناث وجاء الرد عبر إفتاء يفيد بأن ختان الإناث لا يجوز شرعا.
يؤدي ختان الإناث إلى النزيف الحاد والكآبة والتهابات الجهاز التناسلي ومشكلات الدورة الشهرية ومضاعفات في الولادة وعدوى مجرى البول وأمراض نفسية وانخفاض الرغبة الجنسية والوفاة
وجاء في نص الفتوى بأن ممارسة ختان الإناث «تفتقر إلى أي سند شرعي وأن الروايات التي تجيز هذه الممارسة ضعيفة ولا يجوز الاستناد إليها».
ويؤدي ختان الإناث إلى مخاطر ومضاعفات كثيرة على غرار الألم الشديد والنزيف الحاد والكآبة والصدمة النفسية وارتفاع درجات الحرارة والتهابات الجهاز التناسلي ومشكلات الدورة الشهرية ومضاعفات في الولادة وعدوى مجرى البول وأمراض نفسية وانخفاض الرغبة الجنسية والوفاة.
وسمّت منظمة الأمم المتحدة يوم 6 فبراير (شباط) اليوم العالمي لعدم التسامح مع تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية حيث يشكل هذا اليوم فرصة للتوعية بهذا الشأن.
وتتعرض 68 مليون فتاة إلى هذه الممارسة من 2015 إلى 2030 في حال لم يتم اتخاذ إجراءات فورية ورادعة لوقف ختان الإناث.