الخرطوم: تصاعدت في العاصمة الخرطوم دعوات تنادي بإسقاط الحكومة الانتقالية بعد إعلان إجراءات اقتصادية تشمل تحريرا كاملا لأسعار الوقود، ما تسبب في احتجاجات وإغلاق للشوارع الرئيسية وانتقادات واسعة من قبل قوى سياسية أعلن بعضها عزمه الإطاحة بالحكومة، في حين حذرت الحكومة مما سمته مخاطر الفوضى والحرب الأهلية بينما تعمل الحكومة دفاعا عن الإصلاحات لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية.
وتواجه السياسات الاقتصادية التي تتخذها حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك برفض كثير من القوى السياسية المعارضة أبرزها الحزب الشيوعي السوداني والقوى السياسية المستبعدة من الحكومة بما فيها حزب المؤتمر الوطني الذي تم حله، والأحزاب التي كانت ضمن حكومة شكلها الرئيس عمر البشير قبل وقت قصير من عزله.
ويستبعد محللون الإطاحة بالحكومة رغم الدعوات التي تنادي وتعمل على ذلك، ويعتقد هؤلاء أن الهشاشة الأمنية فضلا عن انتشار حالة عدم اليقين بجدوى تغيير الحكومة الانتقالية تكبح جماح الكتلة الحرجة القادرة على إسقاط النظام السياسي رغم الدعم الذي يجده هذا المطلب من قوى سياسية معارضة لحكومة حمدوك، إضافة إلى الإعلانات المتكررة لقادة القوات المسلحة والتي تؤكد على العمل المشترك مع المدنيين في الحكومة لإنجاح الفترة الانتقالية.
بيد أن آخرين، يشيرون إلى أن الغضب الشعبي يتنامى جراء الارتفاع الجنوني في تضخم الأسعار وعجز الحكومة عن تنفيذ حزمة مساعدات اجتماعية مصاحبة لسياساتها الاقتصادية، وأن من شأن تلك الأسباب، توسيع رقعة الناقمين على الحكومة وسياساتها ودعم دعوى إسقاط الحكومة.
وتعرضت قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية الرئيسية للحكومة للانشقاق، وانسلخ عنها الحزب الشيوعي ومكونات سياسية أخرى، بينما أعلن حزب الأمة القومي وهو أكبر الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة الانتقالية تجميد نشاطه في مؤسسات تحالف الحرية والتغيير، بينما تعد أحزابا أخرى من الفاعلين في التحالف مثل التجمع الاتحادي، والمؤتمر السوداني، وحزب البعث.
وتشترك جميع هذه الأحزاب وحزب الأمة القومي في الحكومة الانتقالية إلى جانب الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية سلام في العاصمة جوبا، والمكون العسكري وفقا للوثيقة الدستورية الموقعة في العام 2019م بعد الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير.
وفي هذا الصدد، يقول محمد عصمت القيادي في الحزب الاتحادي الموحد، وهو من المكونات المؤسسة لقوى الحرية والتغيير، إن دعوات الإسقاط لا ترتبط فقط بالإجراءات الاقتصادية وقد ظلت متكررة لأسباب عديدة مثل قضية القصاص لشهداء ثورة ديسمبر والنزاعات القبلية الناشئة من حين لآخر في الشرق أو الغرب.
ويقول في حديث لـ«المجلة»: «نحن لسنا من دعاة إسقاط الحكومة»، مشيرا إلى أن حزبه يتبنى مسألة إصلاح وتصحيح المسار بصورة عامة من خلال إعادة هيكلة الحرية والتغيير بوصفها الحاضنة السياسية المفترض أنها المسؤولة عن إدارة الفترة الانتقالية.
ويضيف قائلا: «في هذا المجال قطعنا شوطا كبيرا في إقناع القوى السياسية والمدنية والنقابية بضرورة تبني هذا المسار بعيدا عن دعاوى إسقاط الحكومة وإدخال البلاد في متاهات ومآلات غير معروف نتائجها».
ويؤكد على وجود تحركات الآن داخل الحاضنة السياسية لمعالجة الخلل، وأنهم على أعتاب عقد مؤتمر تأسيسي لتقييم المرحلة الفائتة حتى يستطيع التحالف أن يقوم بعملية الإصلاح وتبني سياسات ومواقف يمكن عبرها الخروج من هذا النفق، وأعرب عن أمله في أن تصل هذه العملية إلى غاياتها المرجوة كبديل للصراعات ودعاوى إسقاط الحكومة.
وكان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، قد ألقى خطابا عقب التطورات الأخيرة، ورأى أن التدهور الأمني الآن يعود بالأساس للتشظي الذي حدث بين مكونات الثورة، والذي ترك فراغا تسلل منه أعداؤها وأنصار النظام البائد.
وأضاف قائلا: «هذه التشظيات يمكن أن تقودنا لحالة من الفوضى وسيطرة العصابات والمجموعات الإجرامية، كما تساعد على تفشي النزاعات بين المجموعات السكانية كافة، مما قد يؤدي إلى حرب أهلية».
وأعلن حمدوك عن اتفاقيات عديدة خلال الأيام المقبلة، ودخول استثمارات جديدة في مجالات النقل والمواصلات والبنى التحتية والاتصالات والمطارات الجديدة.
واتهم أيادي خبيثة بتعطيل عجلة الإنتاج ودولاب العمل الحكومي وسير عمل القطاع الخاص، والتحريض على الانفلات الأمني.
لكن سكرتير الحزب الشيوعي السوداني قال إن حزبه سيعمل لإسقاط الحكومة بعد فشلها في تحقيق شعارات الثورة وإرجاع حق الشهداء، وشدد في مؤتمر حضره موفد «المجلة»، الأربعاء، إن حزبه سيعمل على تنظيم الثورة، واستعادتها زخمها والإطاحة بحكومة انحازت ضد غالبية المواطنين ولا تملك لهم غير التخدير بأن هنالك ضوءا في آخر النفق.
وذكر الخطيب أن حزبه يطرح وثيقة بعنوان «السودان الأزمة وطريق استرداد الثورة»، لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية قائمة على المواطنة وتحقيق قواعد السلام وإصلاح القوات المسلحة والنظامية، وحل وتسريح كافة الميليشيات والحركات المسلحة وفق ترتيبات أمنية متعارف عليها دوليا.
وأضافت هند أنه لا بد من أن يزيح الشعب من طريقه هذه الفئة التي سطت على الثورة وعادت بالسودان لعهد الإنقاذ؛ وفتح الطريق لإنجاز أهداف الثورة كاملة بما فيها سياسات حشد الموارد الداخلية بديلا للروشتات الأجنبية المفروضة من الخارج.
وعلى ذات الصعيد، نادى التحالف الاقتصادي لقوى الثورة بالإطاحة بالحكومة القائمة لتبنيها للروشتات الأجنبية المفروضة من الخارج، وتجاهل أهداف الثورة.
وقالت هند التجاني، العضوة القيادية في لجنة التحالف لـ«المجلة» إنه لا بد من أن يزيح السودانيون من طريقهم هذه الفئة التي سطت على الثورة وعادت بالسودان للعهد السابق، وفتح الطريق لإنجاز الأهداف كاملة بما فيها سياسات حشد الموارد الداخلية.
وفي ذات السياق، دعت قوى سياسية من بينها حزب المؤتمر الوطني الحاضن السياسي للنظام المعزول، إلى مظاهرات لإسقاط الحكومة، وقالت في بيانات في وسائل التواصل الاجتماعي إن الحكومة الانتقالية فشلت في تحقيق أي تقدم يذكر، وإنها استبعدت مكونات كبيرة ومؤثرة في البلاد، وإنها خدعت الشباب بشعارات براقة ولكنها عجزت عن تحقيقها، لأن همها الوصول إلى كراسي الحكم فقط، ودعت إلى تسليم السلطة إلى القوات المسلحة، وتكوين حكومة من التكنوقراط تمهيدا لإجراء انتخابات مبكرة في غضون عام واحد.
بينما رأت الدكتورة شذى عمر الشريف الباحثة في الشؤون السياسية والقيادية في الحزب الاتحادي الأصل، أن البلاد تعاني من أزمات اقتصادية حادة رغم أن السودانيين استبشروا بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الأولى والثانية، ولكن الواقع يشير إلى أن الحكومة لا تملك برنامجا اقتصاديا واضحا وجدولا زمنيا لتنفيذه، وأن الحزم الإصلاحية التي تطرحها الحكومة هي حزم منقوصة وتزيد الأعباء على المواطنين.
وتشير الشريف في حديث لـ«المجلة» إلى ضرورة تكوين حكومة قائمة على برنامج ممرحل يشعر فيه السودانيون بجدوى النظام السياسي الحاكم، محذرة من مخاطر استمرار الوضع الحالي و«تفتت البلاد»، داعية الحكومة إلى الاستجابة لدعوات الشارع بإحداث تغيير وتشكيل حكومة مهام لمدة عام تعقبها انتخابات.
لكن متحدثا رسميا في الحكومة قال لـ«المجلة» إن حمدوك وفريقه في الحكومة الانتقالية يبذلون مجهودات واسعة للسيطرة على الأوضاع الاقتصادية، وإن أبرز الإنجازات تمثلت في فك العزلة السياسية والاقتصادية التي كانت مضروبة على البلاد، وإن التحسن في الاقتصاد يتطلب وقتا وإصلاحات ضرورية، وإن الحكومة تملك برنامجا لتخفيف حدة هذه الإصلاحات من بينها برنامج «ثمرات» للدعم النقدي بالتعاون مع البنك الدولي ويستهدف الفئات المجتمعية الضعيفة.
من جهتها، لاحظت البعثة المتكاملة للأمم المتحدة في السودان، تطورات الأوضاع السياسية والأمنية، وقالت إنها تدعم الحكومة الانتقالية، والمساعدة في بناء السلام وحماية المدنيين، وحشد الموارد الاقتصادية للسودان.
وقال ممثل الأمين العام ورئيس البعثة فولكر بيرتس إن عملية السلام في السودان تحتاج لدعم مادي خارجي، وأضاف: «سافرت إلى باريس وبعض الدول الأوروبية، كما سنسافر إلى دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية من أجل حشد الدعم لمساعدة السودان لبناء السلام، وكشف عن أنه حصل على بعض التقدم الملحوظ المرتبط بقرب إعفاء السودان من الديون المتراكمة.
ودعا بيرتس إلى حوار سوداني سوداني يشمل الجميع حول صناعة الدستور وإقامة الانتخابات في موعدها المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية الانتقالية.
وقال إنه بإمكان البعثة المساعدة في الحوار وتيسيره، ولكن الحوار ذاته يجب أن يكون سودانيا يشمل كل المناطق وكل المكونات الاجتماعية والدينية واللغوية والثقافية والسياسية.
وتحدث بيرتس في مؤتمر صحافي حضره موفد «المجلة» عن شعوره بالقلق إزاء «عدم تنفيذ أو التأخير في تنفيذ الترتيبات الأمنية المضمنة في اتفاق جوبا للسلام، بما في ذلك إنشاء قوات مشتركة لحفظ الأمن».
كما أعرب عن قلقه إزاء آليات وقف إطلاق النار كما هو منصوص عليها في الاتفاق. وقال: «سألنا عن هذا الموضوع وعن أسباب التأخير في تنفيذ هذه القرارات المشتركة السودانية، وجدنا إجابات تتعلق بنقص الموارد ونقص الإرادة السياسية- وقد يكون الأمران معا».
ودعا إلى خارطة طريق لتكوين جيش واحد، على أن تأخذ الخارطة في الحسبان مخاوف كل الأطراف بعين الاعتبار، مشيرا إلى أنها يجب أن لا تكون مثالية، أو قصيرة الأمد، بل خارطة طريق واقعية، برغماتية وتدريجية.
بالنسبة للسياسي البارز مبارك الفاضل، فإن حل الأزمة الاقتصادية والسياسية يتمثل في إعادة تأسيس السلطة الانتقالية وفق اصطفاف وطني ينهي حالة الاستقطاب الحاد في السلطة السّياسية بين مكونات الحرية والتغيير، وبين اليسار واليمين، وبين بقايا الحرية والتغيير والقوى السّياسية خارجها.
وقال الفاضل في مؤتمر صحافي حضره موفد «المجلة» إن الأزمة التي تعيشها البلاد تتطلب اصطفافا وطنيا يعاد على أساسه تشكيل السُّلطة الانتقاليّة وتشكيل سُلطة تنفيذيّة بقيادة قوية اكتسبت خبرة من خلال العمل في دولاب الدولة خلال الثلاثة عقود الماضية تساعدها مجموعات عمل من كفاءات في كافة القطاعات دون فرز أو تدخل سياسي.
ودعا إلى تشكيل المجلس التشريعي على أساس الدوائر الانتخابية في انتخابات 1986 حتى نضمن أوسع تمثيل لأهل السودان في جميع الولايات مع التعديلات اللازمة لاستيعاب لجان المقاومة والمهنيين من خلال دوائر الخريجين.