دمشق: الوصول إلى الكمال أو الشكل المناسب، يعتبر أكثر ما يؤرق العديد من الأشخاص، لكسب الثقة أو تحقيق غاية ما، بطريقة تسهل الحياة الاجتماعية، أو ربما الحصول على الشهرة، كفنان ذي شكل مناسب وأداء عال، أو رياضي بمهارات مرتفعة، وغيرها من الأعمال التي يحصل صاحبها على الشهرة أمام الناس، مما يحقق له قيمة اجتماعية ملائمة.
وفي ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والارتباط بين الافتراضي والواقعي، خُلقت العديد من الأعمال المتعلقة بـ«السوشيال ميديا»، مثل التسويق الرقمي، والكتابة لمحركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي، وخبراء في إدارة المواقع والصفحات على «فيسبوك»وغيره من الوسائل الرقمية، بالإضافة إلى «الفاشينستا»،و«المدونين»،و«المؤثرين»بين الناس، وخبراء في الطعام ونشر ثقافة ما، على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تتطلب شكلاً وهيئة مميزة للإطلالة عبر هذه المنصات الرقمية.
ونتيجة للحاجة نحو الإطلالة المميزة، بات هنالك توجه للشباب، ومن الذين يسمون أنفسهم مؤثرين عبر التواصل الاجتماعي لإجراء عمليات أو إضافة بعض الأمور التجميلية، للجسد أو تعديل «رتوش»في الوجه ومعالجة بعض الأمور الظاهرة على الشاشة، لينصب نحو زيادة عدد المتابعين الذين سيقومون بالتقليد أو التأثر بما يشاهدونه، وبالتالي زيادة الإعلانات أو الحصول على فرص لتمثيل شركات والإعلان لها.
الفضاء الكبير لمواقع التواصل الاجتماعي دفع الكثير من الناس لامتهان العمل، واللجوء لمتطلباته كي يكونوا على سوية مع من يعملون بها، بالإضافة للأشخاص المتأثرين بما يعرض ويتمنون الحصول على الإجراءات التي تقدمها المراكز الطبية بجميع خدماتها.
ومن هذه الخدمات التي تقدمها المراكز الطبية والمقدر عددها في جميع المحافظات السورية بأكثر من 150 مركزا طبياً وعيادة تخصصية، عدا المراكز ذات الأفرع المتعددة، (فيلر- بوتوكس- أجهزة التنحيف- أجهزة الليزر- أجهزة لشد السي لوليت- أجهزة العناية بالبشرة)، وتختلف الأجور من مركز عن آخر، لنوعية المواد وطبيعة الأجهزة ومكان تصنيعها، أو سمعة المركز وقدمه والأطباء والمختصين بالعناية.
المراكز: مكان ديكور أصول
ثائر الخضر، (اسم مستعار)، لأحد مديري المراكز الطبية في دمشق، يبين أن الفترة الممتدة ما بين 2018 و2020ارتفع فيها عدد الأشخاص الذين يريدون الحصول على الخدمات الطبية والتجميلية، وهو أمر طبيعي لا سيما مع الانتشار الضخم لمواقع التواصل الاجتماعي، وهذا الارتفاع توازى مع ازدياد عدد المراكز في سوريا لتلبية كل الشرائح السورية على اختلاف ثقافاتها، فبعض النسوة المحافظات يحبذن المراكز التي تحتوي على العاملات فقط من أطباء وأخصائيات دون الذكور، فيما شرائح أخرى تفضل المراكز التي تقدم الخدمات بأجور منخفضة عن غيرها، وتسعى فئة أخرى خلف العروض التي اجتاحت السوق في الآونة الأخيرة بسبب كثرة المراكز.
ويتابع، أن كل المراكز تجتهد في شراء أجهزة معروفة لدى العامة، والعمل على صيانتها بين مدة وأخرى، في سبيل الحفاظ على الجودة وعلى زبائنها، فيما تركز عيادات أخرى بالإضافة لأجهزتها على نوعية المواد الطبية المستخدمة، سيما المواد التي يتم حقنها تحت الجلد، كون تقليدها قد يسبب مشاكل ظاهرية لدى الإنسان.
مكان المراكز والديكور، من الأمور الهامة في هذا الوقت، حيث تسعى المراكز لاختيار عياداتها في مكان يستطيع الناس الوصول إليه بكل سهولة وفي مراكز المدن والأحياء الراقية لكونها تضفي نوعاً مميزا لدى الزبائن وقيمة اجتماعية قد تكون أعلى.
إن ما ذكر بأنه زبون عن فلان عن غيره، ما يعكس الحالة الاجتماعية لدى رواد هذه المراكز، بالإضافة للديكور المستخدم والذي يعطي شكلاً من الرقي والتفاخر بالأليات التي توضع عند الأبواب ووسائل التعقيم أيضاً والتي تم الاهتمام بها بشكل كبير، بسبب انتشار فيروس كورونا، مع خدمة العملاء التي تسعى إليها أغلب المراكز لإضفاء نوع من المتابعة والاهتمام بالزبون مما يجعلها طريقة جيدة للحفاظ على الزبائن وجلب زبائن أخرى.
قد يكلف تجهيز مركز عناية طبية وتجميلية مميز في سوريا بحسب الخضر، ما يقارب المليار ليرة سورية أي ما يعادل ثلاثمائة ألف دولار، وهذا مبلغ يشمل مكان المركز والديكور والأجهزة والمواد الطبية، وطبعا يتوافق طردياً مع نسبة الأرباح الكبيرة التي يجنيها صاحب المركز من الخدمات التي يقدمها.
أما عن المواد المستخدمة في التجميل من إبر ومستحضرات، فإن بعضها يصنع محلياً والبعض الآخر يدخل بصورة شرعية إلى سوريا، لكونها مواد طبية، في حين أن تكاليف المستورد يتم تنسيقها حيث لا تكون الضرائب عليها مرتفعة، وتختلف تسعيرة المواد بين مركز وآخر وبين طبيب وآخر، وهذا يعتمد على ضمير الطبيب في إعطاء السعر المناسب والمجدي مع المادة وابتعاده عن الغش أو استخدام مستحضر مزور أو منتهي الصلاحية، والذي سينعكس عليه سلبيا بقلة الزبائن، حسب الخضر.
تسويق بحلة جديدة
لم تقف المراكز حيز الإعلان التقليدي عن خدماتها والتحدث عنها في برامج حوارية، وعن كونها مناسبة ولا داعي للخوف منها، بل راحت لمواقع التواصل الاجتماعي وتحديدا «إنستغرام»،حيث راحت تستضيف الفاعلين والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي ليشرحوا عن المركز وخدماته مقابل أجور في بعض الأحيان أو زيادة عدد المتابعين على صفحة المركز أو خدمة طبية لصاحب الإعلان عبر صفحته، على أن يقوم بتصوير الإجراء الطبي أو التجميلي وعرضه عن طريق خاصية «الاستوري»، بشكل يكون أقرب للناس وإيضاح مدى فعاليته.
لا يمكن الفصل بين طبيعة المؤثرين، ومدى ملاءمة المواضيع التي يقومون بطرحها على صفحاتهم مع المخرجات، كما لا يمكن تحديد إن كانوا مجرد حالة ستنتهي مع الوقت أم لا، وهل هم فعلاً مؤثرون على المستوى الاجتماعي في سوريا؟ إلا أن المرجح هو أن الارتفاع الكبير في أعدادهم جاء بسبب الحصول على المال، بشكل أكبر عن باقي الأعمال الأخرى.
إحدى الناشطات على «السوشيال ميديا»،واسمها «رانيا»ولديها صفحة تحوي أكثر من 15 ألف متابع، رفضت الإفصاح عن اسمها، كي لا يتسبب ذلك في خفض عدد متابعيها أو إحراجها، لكونها اعتبرت أن الناس تتبع الجسد والملابس، لا المضمون، وكل همهم المتعة والتسلية لا المعلومات.
وتتابع بأنها تحب التصوير وتحب أن تصور نفسها وكل الأماكن التي تذهب إليها، حتى لو أنها بقيت 24ساعة في البيت فهي تفضل أن تقوم بتبديل ملابسها وتصوير نفسها، ونتيجة لذلك كثر عدد متابعيها، الذين يفضلون رؤية ما تقوم بعرضه، وكانت المفاجأة لديها عندما اتصلت بها إحدى شركات التجميل تطلب منها أن تحصل على خدمة إزالة الشعر عن طريق الليزر وتنظيف البشرة وتعرض التفاصيل عبر صفحتها، مقابل الحصول على مبلغ مالي جيد، فوافقت على العرض، ومن ثم انهالت عليها الطلبات من الشركات والمراكز، لتتحول الهواية إلى عمل خاص ومجدٍ على الصعيد المادي.
تبين رنا، أن الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، كلما قام بخلع قطعة من الثياب زاد جمهوره، عدا عن ثياب السباحة التي تنال قسطاً كبيرا من المتابعة، وكي تكون الصورة في ثياب السباحة مناسبة يجب أن يكون صاحب الصورة مميزا بجسده، ما يدفع الكثير من الناس للتقليد، وخصوصاً النساء.
وترى أخرى، أن المؤثرين على صفحات التوصل الاجتماعي، لا يحملون طابعا سيئا، بل يعتبرون نوعاً جديدا من هوية المجتمع وثقافته، فلا بد من السعي نحو التعريف بالأماكن أو الأطعمة، ولكونها تقوم بنشر محتوى متعلق بالطعام، تجد أنها فرصة للناس للتعرف على أنواع جديدة، وأسعارها، بالإضافة لكونها وسيلة للرزق المناسب في ظل الأوضاع الاقتصادية المتراجعة.
وما بين الاختلافات في وجهات النظر حول جدوى هذا العمل، يجد الكثير أنها وسيلة فعالة للتسويق والانتشار ومفيدة على صعيد الشخص (المؤثر) ومشتري الخدمة، والمتابع الذي يتصفح ويختار ما يريد.
السياحة التجميلية
الأسعار الرخيصة، والمناظر الخلابة الموجودة في سوريا، كانت محطة تفكير لدى العاملين والمستثمرين في القطاع السياحي، لجني الأموال، لا سيما مع وجود زحمة حضارية وتاريخية للبلاد، فأينما أراد السائح التوجه، يمكنه أن يتكئ على مكان يحمل في أحجاره ذكريات كثيرة عن ماضي المنطقة.
ولم يتوقف التفكير عند القطاع السياحي فقط بل وصل للعلاجي، بحيث يمكن تقليد بعض البلدان ذات الطبيعة المناسبة كي يتم جلب السياح ومن ثم يقومون بتلقي العلاج لمرض ما يعانون منه وبالتالي يلبون حاجتين في آن معاً، وحاولت الكثير من الشركات التفكير في هذا الموضوع ومحاولة الربط مع القطاعات الصحية في المناطق السياحية أو العمل على استثمار مركز طبي في تلك المناطق، وإنتاج عروض خاصة في سوريا الأمر الذي يقوم برفع سوية السياحة والعلاجية منها، وتطوير العملية برمتها بدءاً من المناطق والمنتجعات والمراكز الطبية، لتكون عامل جذب للسياح ومصدر دخل للجميع.
ومع اندلاع الصراع في سوريا، تأثر القطاع السياحي لاعتباره قطاعاً هشاً، يتوازى مع نسبة الأمان في البلاد، وكل المشاريع والاستثمارات التي كان من المفترض لها أن تبصر النور تراجعت، لتعود بعد عام 2018وبشكل محلي وحكومي ملبية حاجة السوق في الداخل السوري ليس إلا.
ترى جودي الحفار، متخرجة من كلية السياحة، أن هنالك فرصة لدى العديد من المستثمرين المحليين بأن يلتفتوا لموضوع السياحة التجميلية لا العلاجية وتحديدا في هذه الفترة بسبب رخص الأسعار مقارنة مع باقي الدول وأولها الجارة لبنان.
وتشير إلى أن هنالك العديد من المراكز التي افتتحت خلال السنوات السابقة وتقدم خدمات مميزة وعالية الجودة توازي الإجراء التجميلي في تركيا والإمارات، بالإضافة للأطباء والمختصين السوريين الخبراء في هذا المجال وأصحاب السمعة الحسنة من حيث العمل والتعامل مع المرضى، لذلك لا بد من توجيه الأنظار لاستثمار هذا الموضوع السياحي والذي يعود بالفائدة على الجميع.
ونوهت الحفار، إلى أن معظم من في سنها جربوا ولو لمرة واحدة، إجراء في مركز طبي، وعاشوا تجربة الحالة التجميلية التي تنعكس على التصرفات الحياتية، وكيف ينظر الإنسان إلى نفسه بعد أن يقوم بتعديلات حتى إن كانت بسيطة، وتعرفوا على مدى دقة الأطباء وكفاءتهم، وطبعا كل ذلك بمبالغ مالية لا تعتبر مرتفعة بل متوافقة مع الحالة المعيشية في سوريا.
إن تم الإعلان عن مراكز طبية في سوريا، ربما لن يكون دافعاً لجذب السياح، تقول جودي، لكن إن تم الإعلان مع الأسعار، فهذا سيؤدي حتماً لجذب الزبائن، الذين سيحصلون إضافة للإجراء الطبي أو التجميلي، على جولة في بعض المناطق السورية، مبينة أن الوضع ورغم سوداويته عند البعض، إلا أنه يجب التركيز على المخارج الكثيرة التي تشكل عامل جذب وتحت أي ظرف.
وبالنسبة لعلاء أحمد، محاسب في شركة حواسيب وبرمجيات في مصر، فإن عملية «الفينير لأسنانه»أجراها في سوريا عام 2019بسبب ارتفاع تكاليفها في القاهرة، حيث دفع ما لا يتجاوز 400دولار عن كامل العملية مقابل 1200دولار لو أراد إجراءها في بلد آخر، حالةٌ مشابهة لدى السوريين الموجودين في الإمارات الذين يجرون العمليات المتعلقة بالأسنان عندما يعودون إلى سوريا، بسبب جودة الأطباء وكفاءتهم من جهة وارتفاع تكاليف إجرائها بشكل كبير من جهة ثانية، ولأن تكاليف التأمين الصحي لا تغطي نفقات العمليات الخاصة بالأسنان وتجميلها.
تجميل أفضل من تعويل
«الجيب عند علّام الغيب»،جملة كانت مستخدمة في كثير من الأحيان قبل الأزمة الاقتصادية، لكن حال المواطن السوري في هذه الأوضاع بات معروفاً، كل الناس سواسية بجيوب ممتلئة لأسبوع وفارغة لأيام، وعند الحديث عن مواضيع ثانوية كالتجميل أو إجراء إزالة شعر أو تجميل للأنف، يكون موضوعاً مثيرا للسخرية؛ «كيف لمواطن يتقاضى أقل من 100ألف ليرة سورية في الشهر ويقوم بإجراء تجميلي تكلفته تساوي نصف راتبه؟».
قد يكون الطرح مستهجناً بالنسبة لبعض الناس في سوريا، الذين يعتبرون مثل هذه العمليات موجهة لأصحاب الدخل المرتفع أو المتوسط، لا للموظفين وأصحاب الدخل المحدود، الذين يُضطرون لعمل إضافي كي ينفقوا على أسرتهم، لكن بحسب معظم المراكز الطبية فإن جميع الشرائح في سوريا تأتي إلى المراكز، حتى من لا يستطيع أن ينفق، فإنه يلجأ لأحد أقربائه أو يستدين المال من أجل هذا الإجراء، ولم تعد مثل هذه العمليات حكراً على أحد، بل إنها أصبحت للجميع، سيما مع التنافس بين المراكز التجميلية والعروض المقدمة، والتي أتاحت المجال لأكثر من إجراء ولعدة جلسات وبحسب طبيعة الزبون ونوعيته.
ولا تزال نسبة قد تكون أقل من النصف تقريبا غير مقتنعة بعمليات التجميل أو أي إجراء تجميلي إلا في حال وجود مبرر، على اعتبار أن جمال الإنسان ومظهره يعتمد على شخصيته لا على شكله، وأن السوري في هذه الأوقات يجب أن يلبي المتطلبات الأولية.
وهنالك من يرى أن الراتب سينفق في جميع الأحوال، وأن ضعف الليرة السورية مقابل الدولار، تسبب في عدم قدرة السوريين على ادخار المال، فراح يلجأ لإمتاع نفسه سواء بتناول الطعام، وارتياد مقهى أو صالة رياضية، أو إجراء عملية تجميلية.
ويبقى التجميل هو الحالة المثلى لدى معظم السوريين مهما اختلفوا في الرأي وعلى جميع الصعد، ليصبح أمرا لا بد منه سواء كان في مركز للعناية، أو في الواقع، والذي يسعى فيه لأن يُظهر نفسه بشكل أجمل عما يعيشه في الحقيقة.