الجزائر: وسط جدلٍ واسع، بين مقاطعٍ ومشارك، انطلقت فترة الدعاية الانتخابية لتشريعيات الثاني عشر يونيو (حزيران) القادم بالجزائر، وخلال عشرين يوماً سيكون المرشحون للفوز بـ407 مقاعد برلمانية في مواجهة مباشرة مع الناخبين لإقناعهم بأفكارهم ومشاريعهم الانتخابية، وذلك وسط انقسام حاد في الشارع الجزائري، بين داعم للانتخابات ومشارك فيها، وبين مقاطع، ومتمسك باستمرار الحراك حتى تحقيق كل مطالبه المرفوعة، وأبرزها إطلاق سراح معتقلي الرأي، وتوقيف حملات التضييق على النشطاء ووسائل الإعلام.
ويدخل منافسات هذه التشريعيات 1483 قائمة منها 646 قائمة حزبية و837 قائمة لمترشحين أحرار أو مستقلين، على أن تنتهي مجريات هذه الحملة الانتخابية ثلاثة أيام قبل موعد العملية الانتخابية، حسب ما ينص عليه القانون العضوي المتعلق بالانتخابات. وبحسب القرار 21-01 الصادر بتاريخ 10 مارس (آذار) 2021 بالجريدة الرسمية، فإن الحملة الانتخابية تفتح قبل 23 يوما من تاريخ الاقتراع وتنتهي قبل ثلاثة أيام من تاريخ الاقتراع.
وأوضح محمد شرفي، رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، خلال إشرافه على عملية القرعة لمنح الأرقام التعريفية للأحزاب السياسية والقوائم المستقلة المترشحة، أن السلطة «استطاعت أن تجند من الطاقات ما يكفل مواجهة الحجم الكبير من النزاعات المتعلقة بقوائم المترشحين، إضافة إلى جهود مجلس الدولة في الفصل في الطعون المقدمة، ولولا الحكمة لكانت تلك العقبات حجر عثرة في إطار التحضير الجيد لهذه الانتخابات».
وأضاف أن «كل الطعون وصلت في وقتها، تم البت فيها في الوقت المناسب»، وقال شرفي مخاطبا الطبقة السياسية: «أنتم تنتظرون من السلطة أن تكون لكم السند التقني التنظيمي الكافي، ونحن ننتظر منكم التحلي بما تتطلبه هذه المرحلة الحساسة من التمسك بقواعد المنافسة النزيهة والشريفة والديمقراطية، حتى يكون الانفراج الحقيقي بالجزائر، ويجسد ذلك في صورة البرلمان الجديد».
وعرف اليوم الأول من الحملة الانتخابية حالة من الفتور العام على مستوى الجزائر العاصمة، وباقي المحافطات، وتركزت مرحلة «جس النبض» عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال نشر المرشحين لصورهم، واللافتات التي تحمل الأرقام الخاصة بهم. وبدت الأحزاب التقليدية أكثر تنظيما في بداية حملاتها، وذلك مقارنة بالقوائم الحرة التي ركز أصحابها على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة «فيسبوك».
الرهان على المشاركة في الانتخابات
وتراهن السلطة كثيرا على هذا الموعد الانتخابي، لتشكيل أول برلمان شعبي يقدم نخبة سياسية جديدة، مع محاولات لقطع الطريق أمام المال الفاسد، حيث شهدت مرحلة إعداد القوائم استبعاد العشرات من الشخصيات السياسية بتهم تتعلق بالفساد، ولضمان مصداقية أكثر للعملية الانتخابية وعدم التأثير على نتائج الصندوق، فقد تزامن موعد انطلاق الحملة مع قرار صرف الدولة لمبلغ 30 مليون سنتيم جزائري (حوالي 1800 دولار) لكل مرشح حر يبلغ أقل من 40 عاما، لدعمه في طباعة صوره ومنشوراته الخاصة بالحملة، وهو الإجراء الذي جاء تكريساً لوعود الرئيس تبون بدعم الشباب للانخراط في العملية السياسية، وفي الواقع فإن هذه الخطوة أثارت انتقادات واسعة واعتبرها البعض بمثابة «رشوة سياسية» لاستمالة الشباب للعملية الانتخابية في ظل العزوف الذي كانت تشهده الانتخابات سابقاً.
ووسط الشارع يسود جدل واسع بين مؤيد ومعارض للانتخابات، فالفريق الداعم لها يرى أن الظرف الحساس الذي تمرّ به البلاد يستدعي المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي لضمان عمل طبيعي لمؤسسات الدولة، وعدم السقوط في فخ الفراغ المؤسساتي الذي ستكون عواقبه وخيمة على البلاد، وعلى استقرارها في ظل تعقيدات أمنية واقتصادية واجتماعية كبيرة.
ومن أبرز المشاركين في هذا السباق الانتخابي الأحزاب المحسوبة على النظام أو ما يسمى الموالاة، وهي حزب جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، إلى جانب العشرات من القوائم الحرة التي تضم نشطاء من منظمات المجتمع المدني الموالية للسلطة، والتي تجمعت قبل الانتخابات في تكتلين الأول أطلق عليه اسم تكتل نداء الجزائر، وحظي بدعم كبير وواسع من نزيه بن رمضان مستشار الرئيس عبد المجيد تبون للمجتمع المدني، والتكتل الثاني سمي المسار الجديد، والذي يضم عشرات الجمعيات، يؤطره القيادي في حزب التجمع الوطني الديمقراطي منذر بوذن، وهو أحد المقربين من رئيس الحكومة الأسبق أحمد أويحيى القابع في السجن بتهم مرتبطة بالفساد وسوء استخدام السلطة.
رئيس حزب جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد، وخلال مهرجان انتخابي طالب الطبقة السياسية بالعمل «من أجل بناء دولة قوية من خلال مؤسساتها للخروج من الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد». ودعا إلى «المشاركة القوية في الانتخابات من أجل مواجهة التهديدات والمؤامرات الرامية إلى زعزعة استقرار البلاد من خلال المشاركة الفعالة للناخبين في اختيار ممثليهم في إطار الجزائر الجديدة التي لن تبنى إلا من خلال الأفعال والممارسات الجديدة في مجال الحوكمة». وبرأي بلعيد، فإن «الاستحقاق الانتخابي القادم يحمل مؤشرات واعدة بشأن استعادة ثقة المواطن، ويشكل فرصة لاختيار منتخبين مؤهلين يمثلون كافة مكونات المجتمع».
من جانبه، يعتقد رئيس حزب جيل جديد، سفيان جيلالي، أن «معركة تشكيلته السياسية حاليا تتمثل في المساهمة في بناء فكر ووعي سياسي بهدف مشاركة المواطن في الاستحقاقات المقبلة بمسؤولية». وذكر جيلالي سفيان، في تجمع شعبي بمحافظة سطيف أن «الأوضاع لن تتغير في البلاد دون المشاركة الحقيقية للمواطن في اختيار مرشحيه». وأشار المتحدث إلى أن «النظام السياسي السابق قد انكسر من الداخل وسيبنى حتما نظام سياسي جديد». ووفق تقديره يجب أن يكون الناخبون «شركاء في بناء هذا النظام السياسي الجديد مع فكر جديد يقترحه عليهم حزب جيل جديد أو أحزاب سياسية أخرى لديها أفكار ومقترحات أخرى ليكون مجلسا شعبيا وطنيا جديدا يضم عددا كبيرا من التيارات الفكرية». وشدد على أن «الديمقراطية هي التي تمنح الأدوات التي تمكن من مراقبة الحكومة ومنعها من ممارسة الانحرافات التي عاشها الشعب الجزائري في سنوات سابقة».
تغيرات جوهرية بالحياة السياسية
بالمقابل اتهم الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي الطيب زيتوني أطرافاً لم يسمها، والتي وصفها بـ«الأبواق»، اتهمهم بـ«التكالب على المساس بالمؤسسة العسكرية وعلى رأسها المؤسسة الاستخباراتية، من تلك الأبواق وجوه كانت تتبوأ مقاعد ومناصب رسمية ويترأسون أحزابا سياسية». وأوضح زيتوني في كلمته خلال تجمع الحملة الانتخابية للحزب بمحافظة ميلة، أن «الجزائر عرفت عدة محاولات لكسر المؤسسة الاستخباراتية لأنها تزعج المستعمر القديم وكل من لا يحب الجزائر». وتابع أن «تلك الجهات بعثت أبواقها لمحاولة المساس بالمؤسسة، وبعضهم كانوا يتبوأون مقاعد ومسؤوليات في الدولة ويترأسون أحزابا سياسية في إشارة منه للأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطني عمار سعداني».
ووسط الدعاية الانتخابية في الشارع، يواصل المعارضون لخيارات السلطة تمسكهم بموقفهم الرافض للانتخابات، ووفق تقديرهم فإن الأمر يتعلق بتحقيق مطالبهم بإجراء تغييرات جوهرية في النظام السياسي والنخبة الحاكمة، وانسحاب الجيش من الحياة السياسية، ولا تتعلق أبداً بانتخابات تفتقد برأيهم للشرعية في ظل المقاطعة والرفض الشعبي الواسع.
ففي فبراير (شباط) الماضي، عاد الحراك والمظاهرات إلى الشارع الجزائري بعد توقف دام عاما بسبب تفشي وباء كورونا. وفي الأسابيع الأخيرة ضيقت السلطات الخناق على الحراك بمنع المسيرات بالقوة وملاحقة الوجوه البارزة فيه سواء بين الناشطين أو الصحافيين. واستخدمت الشرطة، القوة لمنع أي تظاهرة، وتم اعتقال مئات المتظاهرين في كل أرجاء البلاد.
وبحسب صفحة «المعتقلين الجزائريين»على «تويتر»يوجد 133 شخصا على الأقل خلف القضبان على خلفية المشاركة في الحراك، أو في قضايا حريات فردية.
ويعتبر تعامل السلطة الأمني مع الحراك مؤشرا- حسب المعارضين- على عدم وجود نية لدى السلطة في إيجاد حلول توافقية، وتمسكها بالحلول الأحادية من جانبها، وكانت السلطات الجزائرية أعلنت أنها ستمنع أي احتجاجات لا تحظى بموافقة مسبقة، وذكرت وزارة الداخلية أن جميع الاحتجاجات ستحتاج إلى تصريح يحدد أسماء المنظمين ووقت بدء المظاهرات وانتهائها. وقالت الوزارة إن «عدم الالتزام بهذه الإجراءات سيؤدي إلى انتهاك القانون والدستور مما ينفي الشرعية عن التظاهرات، وبالتالي سيجري التعامل معها على هذا الأساس».
وفي المقابل قرر العديد من الأحزاب السياسية مقاطعة الانتخابات، وهي الأحزاب التي تكتلت فيما يسمى قوى البديل الديمقراطي، ومن أبرز الأحزاب المشاركة فيه حزب العمال، وحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية. وحسب رئيس الحزب محسن بلعباس فإنه «لا يمكن تنظيم انتخابات في وقت يعبر فيه الجزائريون يوميا عن رفضهم وعصيانهم لكل الأشخاص المفروضين على رأس مراكز القرار ولكل المؤسسات المطوعة أو المحتجزة». ويتابع: «القرارات والممارسات التي أدخلت منذ ديسمبر (كانون الأول) 2019 تجرح مشاعر كل جزائري. وإن التصعيد في عمليات القمع التي تستهدف كل الفئات الاجتماعية وكل مناطق الوطن تثير سخطا عاما، إن من واجبنا الوطني الإسراع في مواكبة الثورة بتعبئة عامة من أجل إطلاق سراح المعتقلين وتحرير المؤسسات وكل الشعب، إن الوضع خطير وتصميمنا على إنجاح كفاح شعب بأكمله لابد أن يظل ثابتا».
ترهيب وتخويف المواطنين
الكاتب والإعلامي نجيب بلحيمر يرى أن «حملة الاعتقالات وتشديد القبضة الأمنية على العاصمة والمدن الكبرى تطغى على الزمن الانتخابي». ويوضح ذلك بالقول: «أحكام بالسجن تصدر على عجل، وشباب يودع الحبس المؤقت بتهم قد تلبس أي عابر سبيل بصرف النظر عن النوايا التي باتت محل تفتيش، وكل هذا يجد تبريره في الحرص على تمرير الانتخابات التي يقال إنها حرة ونزيهة». ويوضح لـ«المجلة»قائلا: «تكون الانتخابات نظيفة في أجواء الطمأنينة والأمن، لكن يبدو أن هناك رؤى متناقضة للأمن، وما نفهمه من قراءات السلطة أن جزءا من الجزائريين تطالهم شبهة نية إفساد العرس والتشويش عليه ولذلك وجب ترويعهم وإخراجهم من المشهد بشكل كامل بتغييبهم في السجون وجرهم إلى ساحات القضاء». ووفق تقديره فإن «الانتخابات في الجزائر ليست آلية للتداول على السلطة والتحكيم والتغيير، بل هي غاية في حد ذاتها من خلالها يرمم نظام الحكم واجهته».
الأحكام الصادرة في حق المعتقلين في تقدير الناشط والباحث السياسي رضوان جمعة «لا يمكن فهمها إلا من وجود إرادة واضحة لزرع اليأس والخوف، بغرض ترهيب وتخويف المواطنين والمواطنات من ممارسة حقوقهم في المواطنة النشطة، وهي الممارسة المواطنية التي مكنت الجزائر من إسقاط العهدة الخامسة والعصابة 20». وحسب رأي الباحث في حديثه لـ«المجلة»،فإن «حملة الاعتقالات والأحكام القضائية التي تتناقض وتتعارض مع حق التظاهر المنصوص عليه في المادة 52 من الدستور، تأتي عشية انطلاق حملة انتخابية لاقتراع تشريعي، تشير كل المؤشرات إلى أن الإدارة أوجدت أدوات اختيار الفائزين فبه كما اختارت المترشحين، بقرارات منافية للدستور وللقانون، كما أن كل المعطيات تبين أن الشعب في زمن آخر غير زمن السلطة وأجهزتها المختلفة، بما فيها أجهزتها الحزبية التي تشارك في هذا الموعد الذي سيزيد في تعميق الأزمة الداخلية للسلطة، وقد يسرع بانهيار ما تبقى من الكيان القانوني والسياسي للدولة، لأن الأنظمة السياسية التي لا تملك شرعية تعتبر الحليف الطبيعي لكل الأطماع و المخططات الدولية».
الباحث في الفلسفة والأستاذ بجامعة الجزائر عمر بوسحة يقدم لمتابعيه عبر صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي طريقاً ورأياً ثالثاً، حينما دعى إلى احترام رأي الجزائريين، وعدم الحجر على موقفهم تجاه هذه الانتخابات، وذلك بالقول: «يوجد ضمن قوائم الانتخابات التشريعية مترشحون جيدون نعرفهم، ويوجد من الرافضين لها ولهم الحق في ذلك، فلنحترم بعضنا البعض ونترك الناس أحرارا في آرائهم ومواقفهم…»، ويتابع: «أما عن الديمقراطية التي نطمح إليها في بلدنا فإنها تحتاج إلى حراك أكبر بكثير من حراك المسيرات الذي أنجز ما عليه. حراك في الثقافة والسياسة والقيم والعقول، وهذا يلزمه بحسب واقع مجتمعنا جهدا أكبر وعقودا من الزمن».