لم يكن مستغربا البتة موقف القلق الذي عبرت عنه دول الخليج العربية عندما علمت باستعداد الإدارة الأميركية الجديدة للعودة إلى الالتزام بالاتفاق المبرم بين مجموعة 5+1 وإيران بشأن برنامجها النووي، واستئناف التفاوض حول بعض مقتضياته التقنية مقابل تعليق أو رفع عدد من العقوبات المفروضة على طهران من طرف إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
ومبعث القلق المتجدد يكمن في أن تمكين إيران من استعادة أرصدتها المالية المجمدة، وولوج سوق النفط العالمية بحرية سيوفر لها سيولة مالية تساعدها كثيرا في سياسة تقوية نفوذها الإقليمي، واستعراض قدراتها وقوتها إما مباشرة أو من خلال ميليشياتها المتعددة، وخلاياها السرية المنتشرة في كافة دول المنطقة دون أن تتخلى عن طموحاتها النووية التي اتضح بالممارسة أنها لن تتوقف قبل أن تمتلك طهران ناصية المعرفة العلمية الكاملة والمطلوبة لتصنيع قنبلة نووية.
فهذا الطموح، الذي طالما حاول نظام الملالي إخفاءه بإصدار فتاوى دينية يدعي فيها تحريم استخدام القدرات النووية لغير الأغراض السلمية، كشفته سرعة الإعلان عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المائة في خرق صارخ للتعهدات السابقة التي أعطتها إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لم تكتف طهران بالتهديد برفع نسبة التخصيب، وإنما جسدته على أرض الواقع في مختبراتها ومفاعلاتها، معززة إجراءها هذا بمناورات عسكرية برية، بحرية وجوية، وبتحرشات مسترسلة إزاء منشآت ومعدات مدنية تابعة لعدد من دول الخليج العربية أو زائرة لها، الأمر الذي اعتبرته الدول المعنية عن حق استفزازا ضاعف من إصرارها على ضرورة المشاركة في المفاوضات الجارية في فيينا للعودة إلى الاتفاق النووي إما ككتلة واحدة في إطار مجلس التعاون أو عبر إحدى دول هذا المجلس لإسماع رأيها، ونقل مخاوفها مما يجري في المنطقة.
إن التنبيه لمخاطر البرنامج النووي الإيراني لم يمله فقط التنافر القائم بين نظام ثيوقراطي بنوايا توسعية يعلن عنها صراحة في دستوره وكافة أدبياته السياسية، وبين أنظمة عربية معتدلة تلعب أدوارا بناءة سياسيا واقتصاديا في الاستقرار الإقليمي والسلام العالمي. فالوعي بخطورة هذا البرنامج ليس وليد اليوم، وإنما يعود إلى حقبة انطلاقه بمباركة ودعم أوروبي وأميركي في عهد نظام الشاهفي إطار ما سمي آنذاك بمشروع «تسخير الذرة من أجل السلام».
انبثق الوعي الخليجي المبكر في البداية من إدراك الأخطار التي يحملها برنامج نووي تقام مفاعلاته الرئيسية على ضفاف مياه الخليج، وفي منطقة بوشهر التي تدخل ضمن حزام الزلازل المحتملة؛ وهي أخطار بيئية وطبيعية تهدد موارد المياه والتربة والصيد البحري باعتبارها موارد مصيرية لعيش شعوب الخليج وازدهار اقتصادياتها.
ومع انكشاف عورة الأطماع التوسعية لعمائم طهران باستغلال الورقة المذهبية، استوعبت دول الخليج المخاطر الكامنة في هذا البرنامج عليها هذه المرة ككيانات سياسية، خاصة وأنه أصبح معززا بترسانة صواريخ باليستية بعيدة ومتوسطة المدى، وتسلح بعقيدة آيديولوجية لا تبرر فقط التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وإنما تعتبره «واجبا شرعيا».
لهذا ومنذ القمة 13 لمجلس التعاون الخليجي سنة 1992 في أبوظبي سيتم التأكيد على «ضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع انتشار التقنية المتعلقة ببحوث أسلحة الدمار الشامل وإنتاجها في منطقة الخليج». هذه الصيغة ستغدو أكثر وضوحا وستشير بأصابع الاتهام مباشرة إلى إيران في القمة 17 بالدوحة سنة 1996 حيث تضمن القرار الصادر عنها «قلق المجلس من سعي إيران المتواصل لاقتناء وبناء ترسانات من أسلحة الدمار الشامل».
لم تستوعب دول الخليج خطورة البرنامج النووي الإيراني فحسب، ولكنها أعربت عن الخشية من أن ينجم عنه سباق تسلح غير تقليدي في المنطقة بما يعرضها لأخطار جمة. هذا ما أبانت عنه في القمة 18 بالكويت بالدعوة إلى «العمل على جعل منطقة الشرق الأوسط بما فيها منطقة الخليج منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية». هذه الدعوة ظلت تتكرر باستمرار في قرارات القمم الخليجية التي تفادت شبهة اتهامها بالتحامل على طهران؛ وذلك بإشارتها بوضوح إلى ضرورة انضمام إسرائيل أيضا إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
إن مساعي دول الخليج لبناء سلام مستقر ومزدهر وعام في المنطقة لم تتوقف عند إبداء المخاوف من طموحات إيران النووية، وإنما واكبتها بطرح اقتراحات بناءة كفيلة بطمأنة الجميع. في هذا السياق كانت لافتة تلك الدعوة التي وجهها أمين عام مجلس التعاون الخليجي في أعقاب القمة 26 بأبوظبي سنة 2005 لإيران بإبرام اتفاقية جماعية في المنطقة تحظر الانتشار النووي.
ورغم كل النوايا الخليجية السلمية، فإن إيران ظلت تهاجم قرارات مجلس التعاون الخاصة ببرنامجها النووي وبأطماعها التوسعية لدرجة أنها اعتبرت قرارات القمة 41 المنعقدة مؤخرا في منطقة العلا بالمملكة العربية السعودية قرارات «عفى عليها الزمن». ولا شك أن مثل هذه المواقف غير المسؤولة هي من تجعل مخاوف دول الخليج من تحركات إيران مشروعة، وتتطلب أن تكون كلمتها حول ذلك مسموعة. فهل يتجاوب المجتمع الدولي معها، وتعمل الدول المجتمعة في فيينا على مراعاتها؟