حتى ما قبل لحظة انطلاق صواريخ حماس على إسرائيل، كان العالم يرى شابات وشبان فلسطين يبتسمون للكاميرات لحظة اعتقالهم من قبل الشرطة الإسرائيلية، على خلفية اعتراضهم الراقي والمدني على أمر قضائي بإخلاء بيوت من سكانها الفلسطينيين في حي الشيخ جرّاح، بحجة أن تلك المنازل التي سكنها أهلها لأكثر من 70 عاما بنيت على أرض كان يملكها يهود قبل عام 1948. هذا الموضع حمل البعض على أن تسأل عن انتقائية العدالة الإسرائيلية تجاه مواطنيها، خاصة وأن هناك فلسطينيين ممنوعين من استعادة منازل تعود لهم تحديدا قبل عام 1948. وفي خضم معركة الشيخ جرّاح تغاضت السلطات الإسرائيلية عن استفزازات بعض المتطرفين للمصلين في جامع الأقصى. هذه الحوادث أدت إلى توتر الوضع في أكثر من منطقة في إسرائيل، واندلاع احتجاجات ومواجهات بين الشرطة الإسرائيلية والمواطنين العرب... كان يمكن للأمور أن تقف عند هذا الحد.
ولكن قررت حماس الدخول على خط المواجهة، فأخذ الصراع وجها آخر، عسكريا وآيديولوجيا. مواجهة لم تتلافاها إسرائيل فتحمّل الشعب الفلسطيني في غزة تبعات هذا التدخل من الأرواح والممتلكات.
لن تملك حماس الجرأة في البوح بأنها لم تتحسب لردة الفعل الإسرائيلية الخارجة عن المألوف لإطلاقها صواريخ ستة باتجاه إسرائيل، ولن يخرج أحد القادة ليقول: «لو كنت أعلم»،على غرار حليفه أمين عام حزب الله الذي ندم على عملية خطف جنديين إسرائيليين أدت إلى حرب يوليو (تموز) 2006 مع كل بشاعتها ودمارها. من دون شك الكلام سيتمحور حول الانتصار «الإلهي»هو الآخر وحول تثبيت معادلة «وهمية»قوامها غزة، مقابل تل أبيب. يريدون للناجين من جهنم حرب غزة أن يقتنعوا بأن ماكينة الحرب الإسرائيلية سترتدع ولن تتجرأ بعد اليوم على قصفهم وتدميرهم وقتلهم أو اضطهادهم خوفا من الصواريخ؟
غير التعاطف العالمي الذي استطاع أهل غزة أن يحققوه حول مأساتهم ماذا استفادت حماس من تصعيد الأمور في هذا التوقيت بالذات؟ ماذا أضافت أساسا للحراك الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي سوى تعقيد قد يدفع إسرائيل باقتلاع عائلات الشيخ جراح من بيوتهم كي لا تبدو أنها رضخت لصواريخ حماس؟
ما الأجدى؟ تنفيذ عرب إسرائيل إضرابا عاما شل البلد الذي يعتمد بشكل أساسي على اليد العاملة العربية في أكثر من مجال كالنقل والبناء والاستشفاء أيضا ما أقلق بعض الأحزاب السياسية الإسرائيلية التي طالبت بمعاقبة المُضربين أم صواريخ حماس؟
من هنا، السؤال هو: هل صواريخ حماس هي «لنصرة»فلسطينيي الأقصى والقدس والشيخ جراح أم إن لها أهدافا تتصل بإيران؟ هل لهذه الحرب العبثية بعد إقليمي يتعلق بالمواجهة الإيرانية الإسرائيلية التي تدور رحاها في الداخل الإيراني نفسه وخارجه في سوريا وبشكل أقل في لبنان؟ وإن كان هذا هو واقع الأمر فهل أصبحت غزة وأهلها، كما بيروت وأهلها والشام وأهلها وصنعاء وأهلها وبغداد وأهلها، أسرى لدى محور الممانعة بقيادة إيران؟
هل أبعدت إيران شبح المواجهة المباشرة بينها وبين إسرائيل من خلال حرب غزة؟ هل شلّت حرب غزة- وقتيا ربما- قدرة إسرائيل على شن هجمات في الداخل الإيراني والداخل السوري، نظرا لمواجهتها حملة اعتراض واسعة على العمليات العسكرية التي تقوم بها؟ ثم هل فقدت إسرائيل قدراتها على الاعتراض على دخول الولايات المتحدة الأميركية الاتفاق النووي الإيراني مجددا وبدء مسار رفع العقوبات عنها؟ هل استطاعت تلك الحرب أن تطيح باتفاقات إبراهيم للسلام والتي تشكل مشكلة كبيرة لإيران؟
إذا ما حسبنا نتيجة الحرب على غزة التي أشعلتها حماس يكون الجواب إيجابيا على كل ما سبق. المؤسف هو أن بعض تلك الأهداف قد تكون تحققت لصالح إيران ولكن على حساب الشعب الفلسطيني.
أما السلام فهو بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلا اليوم في ظل وجود مطالب مستحيلة التحقق من قبل الطرفين وفي ظل عدم اعتراف الطرفين بحق الآخر في الوجود على هذه الأرض. فكل مبادرات السلام في الأساس لم تكن جدية، لأن الأطراف المنغمسين فيها لم يقتنعوا بحق الآخر في الوجود.
أذكر جيدا مقابلة للشاعر محمود درويش على إحدى القنوات اللبنانية يقول فيها لمحاوره إنه يرفض شيطنة الإسرائيليين. ذهل المذيع لهول ما سمع لأنه لم يفهم أن ما يعنيه الشاعر هو أن فعل الشيطنة يمنع التواصل والحوار، باعتبارهما الوسيلة الوحيدة لإيجاد حلول جدية وطويلة الأمد للأزمات. ومن دونهما حروب ومآسٍ تطول.