بيروت: ثلاثة أحداث سياسية شهدها لبنان في الأيام القليلة الماضية، أججّت الانقسامات الحادة والتوترات بين الأقطاب السياسية، وأشعلت الجبهات إنْ من خلال الخطابات السياسية وعلى منصات التواصل الاجتماعي أو من خلال العراضات في الشوارع.
زحف سوري لانتخاب الأسد من بيروت
يوم الخميس الماضي كان لبنان على موعد مع زحف سوري إلى سفارة دمشق في لبنان، للتصويت إلى «القائد» بشار الأسد، حوالي 50 ألف سوري قصدوا سفارة سوريا للتصويت، على الرغم من هربهم إلى لبنان بسبب الحرب التي تدور في بلادهم مند العام 2011 والتي تسبب بها النظام السوري الممثل برئيسه بشار الأسد.
والمستفز أكثر بالنسبة للبنانيين الذين عانوا الأمرّين من هذا النظام على مدى عقود، هو «استعراض القوّة»في عدّة مناطق لبنانية، فهم لم يذهبوا إلى تقديم«الولاء»بصمت بل عمدوا على السير في الشوارع عبر مواكب رفعوا خلالها صور بشار الأسد والعلم السوري، فكان لهم حزب القوّات اللبنانية بالمرصاد على الطريق الدولي في نهر الكلب عند مدخل منطقة كسروان الجنوبي باتجاه بيروت، حيث تجمّع عددٌ من الشبّان القواتيّين، وضربوا عدداً من السوريين، وحطّموا عدداً من السيارات التي رفعت أعلاماً وصورا.
ما حدث من استفزازات لسوريين يفترض أنّهم لاجئون انقسم حوله اللبنانيون، بين من رفض الاعتداء واعتبره ضربا للديمقراطية التي يتغنّى بها لبنان، وبين مؤيد ومطالب بطرد كل من توجه في هذا اليوم للمشاركة بالانتخابات المزيفة وتقديم الولاء للنظام السوري، باعتبار أنّ صفة لاجئ تسقط عنهم، وبالتالي يمكنهم العودة إلى مناطق نفوذ النظام السوري أسوة بالسوريين الذين يعيشون هناك وتخفيف العبء عن لبنان وشعبه.
وكان رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، قد غرد محذرا من احتمال قيام نازحين بالتوجه إلى سفارة بلادهم للمشاركة في الانتخابات، مطالبا بالحصول على لوائح «بأسماء من سيقترعون للأسد والطلب منهم مغادرة لبنان فورا»لانتفاء صفة اللاجئين عنهم.
وفي عظة الأحد، قال البطريرك الماروني مار بشارة الراعي: «ليس مقبولًا أن يبقى النازحون السوريّون هنا بانتظارِ الحلِّ السياسيِّ الناجزِ للأزمةِ السوريّة. فكما رَفضْنا ربطَ أمنِ لبنان بحربِ سوريا، نرفضُ اليومَ ربطَ مصيرِ لبنان بالحلّ السياسيّ فيها. لسنا بلدَ انتظارِ نهايةِ صراعاتِ المنطقة. فلا المنطقُ ولا تركيبةُ لبنان التعدّديةُ يسمحان بذلك.
بقدْرِ ما كان واجبُ لبنان احتضانَ النازحين السوريّين أثناء الحرب، بات واجبُ النازحين اليومَ أن يعودوا إلى بلادهم، وقد انْحسَرت الحربُ وتوسَّعت المناطقُ الآمنة وصاروا مواطنين سوريّين عاديّين لا نازحين. هذا واجبُهم ليس تجاهَ لبنان فقط، بل تجاه وطنهم سوريا أساسًا الذي يحتاج إلى أبنائه ليُعيدوا بناءَه وليُحافظوا على هُوِّيتِه الوطنيّةِ والعربيّة».
مناقشة رسالة رئيس الجمهورية... الحريري أصاب المعطلين بسهامه
يوم الجمعة الفائت ناقش مجلس النواب اللبناني في جلسة علنية رسالة الرئيس اللبناني ميشال عون التي طلب فيها تدخل المجلس النيابي بينه وبين الرئيس المكلف بتأليف الحكومة سعد الحريري، موحياً بين السطور بإنهاء تكليفه، بحجة أنه «عاجز»عن تشكيل الحكومة. الرسالة أتت بعد سبعة أشهر على تكليف الحريري، وجولات من السجالات والاشتباكات العلنية والمبطنة بين الرجلين، وسقوط جميع المبادرات المحلية والخارجية لتشكيل حكومة بأسرع وقت لوقف الانهيار الاقتصادي الذي ينهك الشعب اللبناني.
على الرغم من المحاولات المتكررة لرئيس المجلس النيابي نبيه بري على ثني عون عن إرسال رسالته إلى المجلس النيابي لمناقشتها، إلا أنّ عون أصّر على ممارسة حقّه الدستوري، ولكن النتيجة أتت كما لا يشتهي عون وفريقه السياسي، فالمجلس ثبّت تكليف الحريري متمسكا بالدستور الذي يؤكّد أنّ المجلس النيابي لا يمكنه سحب التكليف، بل باستطاعته حجب الثقة عن التشكيلة الحكومية بعد أن يوقّعها رئيس الجمهورية وعرض في المجلس النيابي، وهي الحالة الوحيدة التي يمكن للمجلس النيابي فيها أن ينهي تكليف الحريري، وهذا ما طالب به الحريري خلال كلمته التي كانت ردا مدويا على رسالة عون، التي أفسحت المجال أمام الحريري لوضع النقاط على الحروف، من خلال تبيانه كيف أن رئيس الجمهورية وفريقه يعمدان على تعطيل التأليف ويحاولان جرّ الحريري إلى الاعتذار، لأنّه لا يريد تشكيل حكومة محاصصة سياسية يوزّر فيها من سماهم «الأزلام» الذين ورطوا وزارات تسلموها سابقا بالفساد والسرقات والعتمة والصفقات، وآخرهم وزير الخارجية شربل وهبة الذي هدّد علاقات لبنان بأشقائه العرب، بعدما صدرت عنه في مقابلة متلفزة ألفاظ بعيدة عن الدبلوماسية المعتمدة بين الدول.
وبعد رسالة عون التي زادت من حدّة الخلاف مع الرئيس المكلّف وبالتالي تأخير تأليف الحكومة التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر علّها تضع حدّا للانهيار غير المسبوق الذي يعيشونه، بات السؤال اليوم ماذا سيفعل الرجلان؟ هل سيعتذر الحريري بعد استحالة التفاهم مع رئيس الجمهورية الذي حاول أكثر من مرّة تحويل الخلاف مع الرئيس المكلّف إلى خلاف «طائفي» ولكنّه فشل، واحتجازه للتشكيلة الحكومية المقدمة منذ أشهر من قبل الحريري والتي أعلن عن أسمائها أمام الرأي العام الذي أشاد بمهنية ومناقبية الأسماء المطروحة ونجاحهم في مناصبهم واختصاصاتهم، خصوصا أن اختيارهم كان بعيدا عن انتماءاتهم السياسية والطائفية والحزبية، وهذا ما نال استحسان الرأي العام المؤيد والمعارض للحريري؟
وما هي الخطوة التالية لعون- باسيل، خصوصا أنّ الحديث اليوم بات عن استقالة نواب التيار الوطني الحرّ من المجلس النيابي والمطالبة بانتخابات نيابية مبكرة، وبالتأكيد يذهب النواب بعد الانتخابات النيابية إلى استشارات نيابية جديدة لاختيار رئيس مكلّف جديد للحكومة.
إذن الاشتباك السياسي بين عون/ باسيل- الحريري لم تنهه المبادرة الفرنسية ولا التلويح بالعقوبات الأوروبية ولا العزلة الدولية والعربية، فما بين الفريقين خلافات جوهرية، بين من يصرّ على تكديس المكاسب وتحقيق الانتصارات الوهمية على حساب الوطن والمواطن، ومن يسعى فقط لتشكيل حكومة من اختصاصيين لإنقاذ المواطن والوطن من مستقبل مجهول معلوم.
استعراض حزبي للقومي السوري وتهديد لجعجع
نظم الحزب السوري القومي الاجتماعي احتفالاً بمناسبة ذكرى التحرير، حيث قام باستعراض حزبي في شارع الحمراء، ورفعت شعارات مناهضة لرئيس حزب القوات اللبنانية سمبر جعجع تحت هتافات«طار راسك يا بشير، جايي دورك يا سمير».
وردّت الدائرة الإعلامية في حزب القوات اللبنانية على الحزب القومي في بيان لها، وقالت إنّ «بعض القوميين السوريين أقاموا احتفالا في شارع الحمراء الذي أقفلوه لهذه الغاية، وخلال الاحتفال مرّت بعض المجموعات التي كانت تنادي: (طار راسك يا بشير، وجاي دورك يا سمير)». وقالت أيضا: «أمام هذا الاعتراف المعلن بالقتل، والدعوة الصريحة للقتل، نتوقف أمام الآتي: أولا، بعد أن حكم المجلس العدلي على أعضاء من الحزب السوري القومي الاجتماعي باغتيال رئيس جمهورية لبنان المنتخب الشيخ بشير الجميل في العام 1982... بدلا من أن يتّعظ هذا الحزب من جريمته وإجرامه، يواصل التباهي بإرهابه الذي يؤكد على طبيعته الإجرامية، الأمر الذي يدفعنا الى الطلب من السلطات المعنية إلى سحب الترخيص من الحزب السوري القومي الاجتماعي، ووقف الاعتراف بوجوده، انطلاقًا من العديد من العوامل أهمّها عدم اعترافه بلبنان ككيان مستقل، وإجرامه المعلن والصريح والثابت بالصوت والصورة... سنتقدّم بدعوى أمام المراجع المعنيّة المختصّة على المسؤولين عن الاحتفال وكلّ مَن تَثبُت مشاركته ونبح وشنهق بالمجاهرة بالقتل، لأنّه يشكّل اعترافًا بالقتل أولا، ودعوة علنية صريحة إلى القتل ثانيًا، وذلك أمام وسائل الإعلام كلّها».
وقد أثار هذا الاحتفال حفيظة اللبنانيين الذين أطلقوا حملة على منصات التواصل الاجتماعي مطالبين بحل الحزب القومي الذي بات ضرورة وطنية، وللحفاظ على ما تبقى من هيبة الدولة على حد قولهم، خصوصا أنّه متهم باستخدامه عددا من أعضائه في عمليات اغتيال طالت قيادات ومواطنين لبنانيين.
إذن أحداث ثلاثة تثبت أنّ لا أمل قريبا ينتظر اللبنانيين لوقف حدّ الانهيار، والعبور إلى دولة قوية قادرة على فرض سيطرتها على الأراضي اللبنانية، وإنهاء مظاهر الاستفزاز وانتهاك هيبة الدولة المتكرر من قبل جهة معلومة أخذت البلاد إلى الغرق في محور اعتاد الرقص فوق جثث شعوب المنطقة.