ارتفاع تكلفة الغذاء في دول الربيع وتداعياته على الاستقرار السياسي

ارتفاع تكلفة الغذاء في دول الربيع وتداعياته على الاستقرار السياسي

[caption id="attachment_55249454" align="aligncenter" width="620"]وفقا لتقرير حديث نشرته «الأسوشيتدبرس»، يعيش نحو 26 في المائة من السكان في مصر تحت خط الفقر وفقا لتقرير حديث نشرته «الأسوشيتدبرس»، يعيش نحو 26 في المائة من السكان في مصر تحت خط الفقر[/caption]

في جميع بلدان الشرق الأوسط، خاصة مصر، يعد الخبز، أو «العيش» مصدرا رئيسا للحياة، كما أن مصر هي المورد الأول على مستوى العالم للقمح. ولا يقتصر الخبز، الذي يمثل العنصر الرئيس في نظام التغذية للمصريين على كونه طعاما؛ حيث ينظر المصريون إليه باعتباره حقا من حقوقهم. ومن ثم، لا يجب أن نندهش إذا ما علمنا أن الاستقرار السياسي في مصر خلال السنوات الماضية كان يرتبط بتوفير الخبز بالإضافة إلى الأطعمة الرئيسة الأخرى.

وتعد أهمية الخبز بالإضافة إلى أسعار المواد الغذائية الأخرى وعلاقتها بالاستقرار في مصر حقيقة لم ينج منها معظم قادتها في الفترة الأخيرة، حتى إن العديدين أرجعوا موجات الغضب الماضية إلى ارتفاع اسعار المواد الغذائية في صيف 2010 وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى سقوط مبارك في العام التالي. كما توجد مزاعم بأن السخط الذي أدى إلى الاضطرابات في ظل حكم مرسي التي أسقطت حكومته خلال العام الحالي يعود إلى أسباب مماثلة.


[inset_left]في جميع بلدان الشرق الأوسط، خاصة مصر، يعد الخبز، أو «العيش» مصدرا رئيسا للحياة[/inset_left]


ومن جهة أخرى، كان للاضطرابات التي صاحبت الربيع العربي في شمال أفريقيا تأثير اقتصادي كبير على المنطقة؛ وهو التحدي الذي كانت مصر أكثر من يتعرض له؛ حيث تقلصت عائدات السياحة وخفضت الهيئات الائتمانية تصنيفها الائتماني لمصر بالإضافة إلى عدد من التحديات الاقتصادية الأخرى. وفي مواجهة تلك المصاعب، لجأت القيادة الاقتصادية للبلاد في العديد من الحالات إلى تخفيض سعر الفائدة لتعزيز النمو؛ حيث قام البنك المركزي بتخفيص سعر الفائدة ثلاث مرات بنحو 150 نقطة أساس منذ خلع حكومة مرسي في يوليو (تموز)، ومع ذلك فإن تلك الخطوة لم تحقق النتائج الإيجابية المتوقعة؛ حيث إن خفض أسعار الفائدة تسبب في رفع أسعار البضائع الاقتصادية بنسبة 13 في المائة كما تزايد سعر المواد الغذائية بنسبة تزيد قليلا عن تسعة في المائة. ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن هذا هو أعلى معدل للزيادة منذ بداية الثورة.


ارتفاع التضخم




وعلى الرغم من أن البنك المركزي أقر باحتمالية ارتفاع التضخم نتيجة انخفاض معدلات الفائدة، فليس من الواضح ما إذا كان البنك يدرك التداعيات السياسية لتلك التغيرات على بلد يعاني من هشاشة الاستقرار أم لا. ففي الوقت الراهن، يبدو أن البنك المركزي يولي تركيزه لتعزيز النمو وليس التحكم في معدلات التضخم.

ولكن ما هو ثمن تعزيز البنك المركزي للنمو؟ وهل هذه هي أفضل مقاربة لمصر في الوقت الراهن؟
عند هذه النقطة، يحتج المعلقون في جميع أنحاء العالم بأن إيجابيات النمو الذي يأتي بخفض معدلات الفائدة تتراجع أمام مثالب ارتفاع معدلات التضخم. وهذا صحيح تماما أخذا في الاعتبار أن الاستثمارات في مصر لم تشهد زيادة قوية تعادل الخفض المستمر لمعدلات الفائدة؛ حيث ما زال لدى المستثمرين مخاوف من وضع ثقتهم في مستقبل مصر نظرا للغموض السياسي الذي ما زال يحيط به.

وإذا كان صحيحا أن الاستثمارات المستقبلية سوف تعتمد أكثر على الاستقرار السياسي لمصر أكثر من معدلات الفائدة، يمكننا الجدل بأن البنك المركزي قد حدد هدفه النهائي بتعزيز النمو؛ خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار ما ناقشناه سابقا من أهمية الأمن الغذائي على استقرار البلاد.


تحت خط الفقر




ووفقا لتقرير حديث نشرته «الأسوشيتدبرس»، يعيش نحو 26 في المائة من السكان في مصر تحت خط الفقر ناهيك عن الكثير من المصريين الذين لا يعيشون تحت خط الفقر ولكنهم يواجهون صعوبة في توفير الغذاء الذي تحتاجه أسرهم. وفي هذا السياق، حتى الزيادات المحدودة في أسعار الطعام ربما يكون لها تأثير واسع على قدرة المصريين على شراء تلك المنتجات، ومن ثم توفير الظروف المواتية للمزيد من الاضطرابات السياسية.

وتاريخيا، كانت الحكومة المصرية تعتمد على برنامج دعم موسع لكي تضمن الاستقرار وهو البرنامج الذي دشنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأصبح أساسيا في عام 1973 عندما ارتفعت الأسعار العالمية للبضائع. فقد لعب الدعم دورا في تخفيف الضغوط الاقتصادية في الماضي، ولكن الدراسات الحديثة أثبتت أن برامج الدعم لم تكن موجهة على النحو الصحيح ومن ثم فإنها زادت من الضغوط على موازنة الحكومة.



[inset_right]
أشار تقرير البنك الأفريقي للتنمية إلى أن شمال أفريقيا كانت تستجيب طوال التاريخ للأزمات المتعلقة بالغذاء ببطء
[/inset_right]



وأشار تقرير 2013 حول شمال أفريقيا الذي أصدره البنك الأفريقي للتنمية إلى أن شمال أفريقيا كانت تستجيب طوال التاريخ للأزمات المتعلقة بالغذاء ببطء مشيرا إلى أن هذه الاستجابة كانت تتضمن إجراءات لم يكن من السهل التوقف عنها بعد تراجع أسعار الطعام.
ومن جهة أخرى، تخصص الحكومة المصرية نحو عشرة في المائة من إجمالي الناتج المحلي لعدد من أشكال الدعم بما في ذلك دعم البترول ومجموعة من الضمانات الاجتماعية. وفيما يتعلق بالطعام، تركز الحكومة المصرية أساسا على دعم الدقيق؛ وهو ما خلق عددا من التحديات في الماضي؛ حيث إنه من الصعب وفقا لهذا النظام تحديد من يستحق الدعم؛ وهو ما وفر مناخا ملائما للفساد.

فعلى سبيل المثال، يجري بيع الدقيق المدعوم في السوق السوداء بسعر أعلى من سعره الحقيقي خمس مرات؛ ولذلك بدأ العديد من أصحاب المحال يشعرون بأن هامش ربحهم انخفض وهو ما دفع بعضهم إلى تحصيل تلك الزيادة في التكلفة من زبائنهم. على أية حال، لا يمكننا التكهن بمتى يدرك المصريون أن هذا الاتجاه غير قابل للاستمرار.
وبخلاف الزيادة المحتملة لضغوط التكلفة التي يواجهها المستهلك المصري، هناك تحد إضافي ينجم عن ارتفاع أسعار الغذاء. فكلما زادت مصر الدعم الذي تقدمه واستمرت في دعم استهلاك القمح، سوف تغرق الدولة أكثر في الديون. فالمستثمرون لديهم بالفعل مخاوف تجاه قدرة مصر على تسديد ديونها، ومن المستبعد أن يتحسن ذلك التوجه إذا ما استمرت البلاد في هذا المسار.

ففي عام 2013، كانت مصر تعتمد إلى حد كبير على قرض صندوق النقد الدولي الذي يقدر بنحو 4.8 مليار دولار، ولكن أخذا في الاعتبار أن دعم الطاقة وحده يتكلف 15 مليارا سنويا، من السهل أن يشهد ميزان مدفوعات الدولة كارثة إذا لم تغير الحكومة سياستها. ويبدو أن الحكومة تعتمد على دعم دول الخليج في حالات الطوارئ؛ وعلى الرغم من أن دول الخليج كانت قد وقفت إلى جانب مصر من قبل في أوقات الشدة، فلا يوجد ما يضمن أنها سوف تفعل ذلك مرة أخرى في المستقبل.
وحتى إذا ما استمرت مصر في تلقي الدعم الدولي، فإن ذلك لن يغير المشكلات المالية التي تواجهها؛ فإذا لم يتمكن الاقتصاد المصري من التعامل مع التضخم، ودعم الاستقرار السياسي في البلاد، من المستبعد أن تخرج مصر من دائرة الخطر لمدة طويلة مقبلة.






font change