عمان: أشادت الملكة نور الحسين، عقيلة العاهل الأردني الملك حسين، في معرض حديثها عن المرأة الأردنية، بما حققته المرأة المسلمة في فجر الإسلام عندما لعبت دورا كبيرا جدا في توطيد الثقافة الإسلامية والدفاع عنها وقد وردت إشادة الملكة الأردنية في حديث خاص أجرته معها «المجلة»في قصر «الحمر»الكائن على بعد 15 كيلومترا عن العاصمة الأردنية عمان، حیث استقبلت جلالتها مندوبة «المجلة»،وهي كانت في ثياب غاية في البساطة.
وتطرقت الملكة نور في هذا الحديث الخاص إلى دورها، على الصعيد السياسي واعتبرت نفسها «كاتمة أسرار» المللك حسين..
وفيما يلي الحوار مع الملكة نور الحسين.
* عادت جلالة الملكة، أخيرا، من رحلة إلى أوروبا والولايات المتحدة، فهل بالإمكان أن تصف انطباعاتها عن هذه الرحلة؟
- هذه الرحلات ضرورية جدا، لجلالة الملك، إذ إن هذه الزيارة الرسمية التي قمنا بها للولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، كانت مناسبة لتأكيد الموقف الأردني السياسي وتعزيزه وتوضيحه. ومن ثم إجراء الاتصالات الشخصية مع المسؤولين هناك على أعلى المستويات الحكومية. كما أن هذه الزيارات مهمة جدا للاتصال مع الأصدقاء القدامى في هذه البلدان، والتباحث معهم حول القضايا التي تهمنا جميعا. وأنا أحاول دائما أن أكمل مهمة جلالته في هذه الرحلات، على الصعيد الاجتماعي. ولكنني عدت من هذه الرحلة الأخيرة بشعور قوي يساورني، وهو أن الكثير من هذه البلدان الغربية ليس مطلعا بما فيه الكفاية على شؤون المجتمع العربي وخاصة في ما يتعلق بالنواحي التاريخية والثقافية والتراثية وآمل أن أتمكن من وضع خطة خاصة لإجراء المزید من الاتصالات الشخصية كزيارة الطلاب وأساتذة الجامعات وشعوب هذه البلدان لتعريفهم على المجتمع العربي وثقافته. وأنا أعتقد أن مثل هذه الاتصالات على جانب كبيرمن الأهمية بغية نقل واقع العالم العريي بصورة أعمق وأشمل، وهذا كان انطباعي خلال الزيارة الأخيرة، حيث سرني جدا الاجتماع بالناس والتحدث إلى الأصدقاء مرة أخرى، في القضايا التي نتمنى أن نتمكن من حلها سوية.
* هل بإمكان جلالتها أن تقدم موجزا عن حياتها والمراحل المختلفة التي مرت بها، كمرحلة الطفولة والدراسة وغيرهما؟
- ولدت ودرست في الولايات المتحدة، فجدي انتقل إلى تلك البلاد من لبنان. لكنه سرعان ما توفي عندما كان والدي لا يزال صغيرا. أما بقية أفراد العائلة فقد هاجرت إلى أميركا الجنويية كما بقي بعضهم في لبنان. وهكذا ترعرعت في الولايات المتحدة، حيث كانت تعتريني رغبة ملحة في العودة إلى العالم العربي بحثا عن الجذور، وهذا ما حصل فعلا قبل زواجي بسنوات. وفي الوقت نفسه واظبت على الدراسة والتحصيل. كما سافرت كثيرا بعدما حصلت على خلفية علمية في هندسة المدن وتخطيطها منحتني الفرصة للدراسة في أجزاء أخرى من العالم. كأستراليا وإيران والأردن. وكنت طوال فترة سفري وتنقلي أتميز بالاستقلالية والاعتماد على النفس، كما ساعدت في اندماجي في المجتمع.
أول لقاء
* كيف تم التعارف بين الملك حسين وبينك؟
- قابلت جلالة الملك أثناء عملي في الأردن، واختصاصي في حقل الهندسة المعمارية أتاح لي الاجتماع بجلالته أكثر من مرة، وخاصة في مطار عمان، لكونی كنت أعمل في مشاريع كثيرة هناك. والمعروف أن الملك من هواة الطيران وقيادة الطائرات. ومن هذا المنطلق قام بدعم ورعاية الخطوط الملكية الأردنية «عالية»منذ نشأتها، إذ كان يقضي فترات طويلة في المطار حيث كنت أعمل، وصادف أن التقينا مرات عدة. وشيئا فشيئا بدأ يتعرف على مهنتي وحقول اختصاصاتي ونشاطاتي، فطلب مني أن أساعده في حل بعض المشكلات والصعوبات التي واجهته في بعض المنشآت. وهذه هي الطريقة التي بواسطتها تعرف أحدنا على الآخر أي عن طريق مهنتي وحبه للطيران، وهي هواية ورثتها أنا أيضا عن والدي، وطبعا الملك شجع ودعم شركة الطيران الوطنية منذ قيامها في الأردن، بحيث كان يصرف الكثير من وقته ليرعی شؤونها ويطمئن على استمرار نموها. وهكذا تم تعارفنا عبر هواية مشتركة في الطيران.
* كيف کان شعور جلالتك يوم أصبحت سيدة القصر الأردني؟
- لقد اعتبرته نوعا من التحدي الكبير، وهو في الواقع شرف رفيع ينبغي أن أعيه وأدركه تماما وهذا الشرف هو خدمة بلادي وزوجي وعائلتي بأفضل وسيلة ممكنة أكون قادرة عليها، وكان هذا الأمر في الواقع عبارة عن عملية طويلة بدأت تتطور منذ زواجي الذي أعتبره بركة أو نعمة كبيرة هبطت علي من السماء، وبالطبع فإن أول الواجبات التي ألقيت على عاتقي، هو أن أكون زوجة صالحة لجلالته أساعده وأعينه في جهوده لتطوير الأردن وشعبه، مع الحرص في الوقت نفسه أن أؤمن له مع بقية أفراد العائلة ما نقدر عليه من الدعم والمؤازرة والسكينة والسلام في هذه الأوقات. وما شعرت به حقا أن حياتي السابقة كانت أشبه بفترة تحضيرية لهذه المرحلة التي تلت والمليئة بالتحدي. نعم لقد شعرت أن الخطوات الكثيرة التي أقدمت عليها والنشاطات التي بذلتها في السابق قبل زواجي كنوع العمل الذي اخترته قد أصبحت لها الآن معان أو تفسيرات منطقية مهدت الطريق أمام المرحلة التالية... إنه قدري منذ البداية.
دور الملكة
* ما هو دور الملكة في حياة الملك: عائليا وسياسيا واجتماعيا؟
- کما شرحت سابقا، فقد وعيت تماما التحدي الذي ينتظرني نتيجة زواجي، إذ أشعر أنه من المهم جدا في ما يتعلق بجلالته أن أكون قادرة على إيجاد المناخ الملائم له، سواء كان ذلك في المنزل، أو من ناحية السكينة والراحة اللتين هو في أشد الحاجة إليهما بغية إيجاد التوازن الضروري في حياته المشحونة بالعمل والنشاط المستمرين، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات جسمام أخذت تتفاقم، بشكل خاص في الأعوام الأخيرة، لذلك أود قبل كل شيء أن يتحول بيتنا وحياتنا سوية إلى واحة من السلام والطمأنينة. وآمل أن أتمكن، كملكة، من إتمام واجباته ومهماته خارج المنزل، والتي تنصب كلها على تطوير البلاد، والسعي إلى تلبية حاجات الشعب الذي سنشجعه في كل السبل الممكنة لكي يكرس نفسه لخدمة بلاده ومستقبلها.
* وعلى الصعيد السياسي؟
- أما على الصعيد السياسي، فأنا أعتبر نفسي كاتمة أسراره؛ إذ بإمكانه أن يسر إلي بأي أمر يعتقد أنني سأحافظ على كتمانه، فنحن قريبان جدا من بعضنا البعض، كما أن التفاهم سائد بيننا. إنه نوع من الصلة أو الألفة المتينة التي تخولنا مناقشة المسائل والقضايا المختلفة، ومن ثم إتاحة المجال أمام جلالته لكي يفضي إلي بكل الأمور التي تخالجه، والتي هو بحاجة للإفضاء بها عادة إلى شخص آخر، وما عدا ذلك فإننا قد نتناقش في مسائل معينة ونتبادل الرأي حولها، ولكن دون أن أحاول من جهتي أن أرسم سياستها والسبيل الذي قد يؤدي إلى حلها. إن الفكرة تكمن في مجرد فتح حوار حول المسائل التي قد تكون حساسة بعض الشيء، والتي لا يستطيع جلالته مناقشتها مع أي شخص آخر، وكثيرا ما أبحث معه المسائل الخاصة بي وبنشاطاتي التي أعتقد أنها على درجة كبيرة من الأهمية. والتي ينبغي بالتالي أن أعرضها عليه في محاولة لحلها سوية، شرط مراعاة عدم زيادة الأعباء الثقيلة الملقاة على كاهله وعادة أحاول الاهتمام بكل القضايا المتعلقة بي شخصيا دون محاولة إشغاله فيها.
* عندما تعرض لجلالته مشكلة سياسية معينة فهل يدعك تشاركينه فيها بغية مساعدته على إيجاد الحل اللازم لها؟
- غالبا ما نتحدث عن مثل هذه المشاكل فقط لمجرد مساعدته على الإفضاء بما يختلج في صدره ليس إلا، وهو بالطبع لا يسألني رأيي في ما يتعلق بمسألة سياسية كبيرة، إذ إن الأمر لا يعدو كونه نوعا من التداول والمشاركة في الحديث بحرية ودون تكليف.
* كيف تتعامل جلالتها مع الأمراء الصغار؛ أبناء البيت الملكي؟
- بالنسبة إلى الأطفال، أحاول أن أكون أما في الدرجة الأولى- وذلك بإعطائهم الحد الأقصى من الإحساس بالأمان والطمأنينة والثقة بالنفس، فهذه العوامل سيكون لها تأثير كبيرفي معالم شخصيتهم مستقبلا. كما أتوقع منهم أن يتحسسوا مشاكل الآخرين وأن يتحلوا بصفات الكرم والصبر والعفو، وكذلك العمل بجد وتعب. أما بالنسبة إلى الخمسة الصغار فأحاول أن أكون أيضا صديقتهم، إضافة إلى کوني أما. وأتمنی أن یكونوا سعداء وهو أمر مهم للغاية. وأنا كأي أم أخری، أود أن يتحلی أولادي بهذه الصفات الحميدة لكنني أشعر بمزيد من المسؤولية لكون أولادي الذين ينحدرون من صلب الرسول (صلى الله عليه وسلم). هم من سلالة العائلة الهاشمية وتراثها الكبير، حيث يتوجب عليهم أن يمثلوا قيمها ومبادئها أصدق تمثيل، وأن يحافظوا عليها داخل الأردن أو خارجه.
* هل تتضايق جلالتها من موجبات البروتوكول؟
- كلانا عفويان جدا. ونعتبر أنفسنا عائلة عادية من العائلات الأردنية، من هذا الإطار لا أرى موجبا للتقيد بمراسم البروتوكول حرفيا أو إقامة الحواجز بيننا وبين الشعب. وفي الوقت نفسه لا أعتقد أن البروتوكول يسبب لي أية مشكلات رغم أنني لا أستطيع في بعض الأحيان أن أكون لوحدي تماما، وهذا هو التعديل الوحيد في حياتي الذي توجب علي أن آخذه في الاعتبار، وكنت في الماضي أقضي وقتا طويلا بمفردي، وكنت أجد ذلك شيئا مهما للغاية، ولكني حتى الآن، في بيتي هذا، لا أجد متسعا لذلك، وربما سأقوم مستقبلا بتشيید استودیو خاص بي فأنا حاليا لا أستطيع أن أكون لوحدي أبدا، حيث أشعر أحيانا برغية ملحة في التنكر بطريقة لا يستطيع معها أحد التعرف علي كي أذهب إلى الشوارع وأصغي إلى أحاديث الناس وأراقبهم وبالتالي التحدث والتصرف مثلهم.
* هل تمارس الملكة نور حياة خاصة، بعيدا عن البروتوكول؟ وكيف؟
- قد أخرج أحيانا للتبضع من السوق، وأصطحب أطفالي معي في أحيان أخرى لشراء بعض الحاجيات الصغيرة لهم، التي قد يرونها في طريقهم من المدرسة. ولكن غالبا ما يتجمهر الناس حولنا عندما يدركون من نحن وهو أمر يدعو إلى اللهو والمرح. وهذا مفيد للأطفال. وفي إحدى المناسبات تمكنت من الخروج لوحدي تماما ولكن مثل هذا العمل لا نقوم به دائما، لأن هناك الكثير من الأشخاص الذين يشعرون أنهم مسؤولون عن سلامتنا. ولكوني أيضا مسؤولة عن سائر أفراد عائلتي، فينبغي والحالة هذه عدم التصرف بشكل غير مسؤول، فالأمن والبروتوكول هما مسؤوليتان تشكلان أهم مقومات مركزي.
دور اجتماعي
* ما هو الدور الاجتماعي الذي تلعبه جلالتها في حياة الناس في الأردن؟
- هناك نواح كثيرة تتعلق بأعمال التطوير الاجتماعي في الأردن. وأنا من جهتي، أحاول جاهدة التركيز على مجالات التعليم والتربية وصحة الأطفال. كما أحاول الاهتمام بأوضاع الممرضات اللواتي يشكلن العمود الفقري للعناية الطبية في هذا البلد، لا سيما وأن هذا القطاع يعاني مشكلات عديدة، تعود في معظمها إلى أن الممرضات ما هن في الواقع سوی نساء عاملات. وأحاول أيضا اختيار بعض الجمعيات الخيرية التي تحتاج إلى دعم مادي، أو توجيه خاص. كذلك أبذل عناية خاصة في ما يتعلق بمشاكل المعوقين، ولا سيما الأطفال منهم. وأشعر أن نوعية بيئتنا الطبيعية هي عامل مهم جدا لكونها تنعكس على حياة شعب هذه البلاد وتراثه وتقاليده وتاريخه العريق التي اتخذت أشكالا متنوعة، سواء كانت أثرية أو ثقافية أو شعبية، وكل هذه الأمور أراها تشكل أساس البلاد الاجتماعي والثقافي. لهذا فإن التعليم والتربية كانا من المجالات العديدة التي نعمل عليها حاليا انطلاقا من اعتقادنا بأن تربية الشباب وإنشاء جيل صالح هما الركيزة التي يقوم عليها المستقبل. فالتعليم أمر أساسي بالنسبة إلى مستقبل الفرد. خاصة عندما يشكل الأحداث الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما نصف تعداد السكان. وهؤلاء بحاجة إلى ملاعب رياضية ومنشآت ثقافية، علاوة على أنهم بحاجة ماسة للتمتع بصحة تامة ومدارس ممتازة. ولإنجاز کل هذه الأمور يتحتم الدخول في معترك نضال كبير نظرا إلى محدودية مواردنا المالية والاقتصادية.
* هل هناك حادثة معينة أثرت فيك، وأنت تتجولين بين الناس للتعرف على أحوالهم؟
- هناك قصص كثيرة لكني سأسرد قصة واحدة تتعلق بقرية حي التي تعود إلى أوائل الفترة التي أصبحت فيها ملكة. فهي قرية صغيرة وفقيرة جدا في جنوب الأردن. وقد قمت بزيارتها في إطار رحلة في المناطق الجنوبية بعيد فترة زواجي بقليل. وتوقفت فترة قصيرة في هذه القرية التي لم يزرها أي مسؤول أردني كبير من قبل، حيث کان بضع مئات من الأشخاص يعيشون في بيوت قديمة أشبه بالكهوف، تبعد مسافة طويلة عن مصدر المياه الوحيد. والمناطق الجنوبية من الأردن كما تعلمون تفتقر إلى المياه التي هي بكلمة أخرى الحياة بعينها. وتجولت بين منازل المواطنين حتى وصلت إلى المدرسة الوحيدة في القرية التي كانت عبارة عن مبني بدائي وبسيط للغاية.
وعندما دخلت، طالعتني وجوه الأطفال مرتسمة عليها أمارات التحفز والترقب والأمل، وجوه يانعة متحمسة تغطيها كل أنواع البثور والقروح الناجمة عن سوء التغدية ونقص المياه. وعدت إلى عمان وأنا عازمة على اتخاذ إجراء ما حيال هذه المشكلة، وتحدثت إلى رئيس الوزراء، فقررت الحكومة بعد ذلك اتخاذ التدابير اللازمة. وهكذا وضعنا خططا لبناء قرية جديدة قمت بافتتاحها منذ سبعة أشهر، بعد مولد هاشم بفترة وجيزة، إذ كان من الضروري إعادة بناء القرية كلها بحيث تكون قريبة من مصدر المياه، وحل كافة المشاكل المتعلقة باستهلاك الأراضي، لأن سكان القرية كانوا من الفلاحين الذين يعتاشون من إنتاج الأرض. وعندما افتتحنا هذه القرية الجديدة، التي باتت مؤلفة من مساكن صغيرة تجري فيها المياه، ومجهزة بكل المرافق الصحية، رأيت سكانها وقد ارتسمت السعادة وأمارات الفرح على وجوههم بعدما اطمأنوا إلى مستقبل أولادهم، وشاهدت الناس وهم يأتون من المناطق الأخرى إلى القرية طالبين الحصول على مساكن فيها أيضا. ونحن الآن بصدد بناء قرى أخرى منتهجين الأسلوب ذاته.
وأنا أشكر الله أنه لا توجد أماكن كثيرة في البلاد تعاني المشكة ذاتها التي كانت في الواقع مسألة ظرف غير ملائم نشأ عن طريق اختيار مكان غير مناسب ليقيموا عليه قريتهم، ولكننا بعون الله تمكنا من حل كل ذلك وأحد أهم الدروس التي تعلمتها من تجاربي أنه ينبغي على الإنسان أن يكون صبورا ومؤمنا في كل الظروف والأحوال؛ إذ عن طريق التصميم والعمل الشاق والتعاون المستمر مع الآخرين بإمكانك حل كل العقد والحصول على النتائج التي تريدها.
معجبة به
* كيف تصف الملكة نور الملك حسين بن طلال؟
- أنا معجبة جدا بجلالته، وهو من دون أن يقصد، علمني الكثير، لقد تعلمت منه أشياء كثيرة لا تتعلق بالقضايا السياسية والاجتماعية فحسب، بل تتعلق أيضا بأسلوب التعامل مع الناس وحثهم على البذل والعطاء. وهو شخصيا لا توجد لديه أية حدود لما يقدمه من ذاته وشخصه من أجل مساعدة الآخرين. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن شخصيته تتصف بالكثير من المسامحة والصفات الأخرى التي قلما تتوفر في عالم اليوم. وهذا ربما بعض ما يجهله زعيم كبير، وهو، بالإضافة إلى كل ذلك محب وعطوف وكريم جدا، ويتصف بروح المرح والنكتة؛ حيث يستطيع رغم كل التجارب المريرة وخيبات الأمل والمشاكل التي تحيط بحياتنا في عالم اليوم، أن يضحك ويبتسم، وأن يلاعب أطفاله ويحنو عليهم ومن ثم أن يحترم زوجته وشعبه مغدقا عطفه على الجميع.
* ما هي الأولويات بالنسبة إلى نور الحسين في دورها كملكة؟
- أنا أسعى دائما من أجل تحقيق المقاييس السليمة في كل ما أعمل، وعلينا العمل بثقة وإيمان لتأمين مستقبل أفضل للشعب الأردني خاصة وللعالم العربي عامة، وفي هذا الصدد آمل أن تتاح الفرصة للرجال والنساء على السواء لكي يطوروا أنفسهم بغية توفير المزيد من فرص العمل لهم وتأمين التعليم اللازم لأولادهم حيث تتوفر هناك أساليب كثيرة لإنجاز ذلك، لكن الأولوية تكمن في إشراك أكبر عدد ممكن من الناس في عملية التطوير هذه، عن طريق توفير العدد والأدوات الضرورية لهم كأسباب التعليم واللياقة الصحية والضمانات الأساسية، وجعلهم يشعرون بأنهم يساهمون في بناء أردن أفضل لهم ولأولادهم من بعدهم.
الأردنية والعربية
* كيف تقوم جلالتها المرأة الأردنية خاصة والمرأة العربية عامة؟
- أعتقد أن النساء في الأردن بشكل خاص يسعين إلى العلم، فالمرأة الأردنية اختارت من تلقاء ذاتها في الأعوام الأخيرة أن تثقف نفسها، عن طريق متابعة الدراسات العليا في الجامعة أو في المدارس المهنية المختلفة، وفي العام الدراسي الحالي شكلت النساء نحو 60 في المائة من الطلاب الجدد الذين دخلوا الجامعة الأردنية، وإذا ظلت النسب كما هي الآن، فهذا يعني أن النساء والرجال سيتعادلون- قريبا- في المستويات الدراسية العليا. وعلاوة على ذلك، ازداد عدد النساء العاملات في الأردن ثلاثة أضعاف في غضون الأعوام الخمسة الأخيرة، وهذا له مدلوله الخاص لأسباب عديدة. فعلى الصعيد الاقتصادي مثلا، يعني ذلك أن على النساء مساعدة الآباء أو الأزواج في زيادة دخل العائلة. ومن جهتنا سهلنا قدر المستطاع مسألة اشتغال النساء في الأعمال والمهن المتنوعة عن طريق إزالة بعض العراقيل التي كانت تعترضهن في الماضي، كرعاية أطفالهن الصغار أو الحصول على إجازة أمومة، أو غيرهما من المشاكل الأخرى، من هنا كان لا بد من اتخاذ خطوات رسمية وسن أنظمة وقوانين خاصة لمساعدة النساء على العمل، وجعلهن يشعرن بنوع من الفخر أو الرضا الذاتي بدلا من التقيد فقط بدورهن التقليدي الرئيسي كأم أو زوجة، مع حرصنا على الاستمرار في إسناد هذا الدور إليهن، وهو قبل كل شيء عماد المجتمع العربي، خاصة وأن المجتمعات الغربية قد قاست الأمرين، نتيجة تفكك الروابط العائلية. ويقوم جلالة الملك، من ناحيته، بتشجيع النساء على بذل نشاط أوسع للاشتراك في المزيد من الفعاليات. وهكذا عن طريق سن القوانين وإتاحة الفرص، بدأت المرأة عندنا تكتسب ثقافة أفضل وشخصية خاصة ستمكناها من النظر إلى ما وراء القيود التقليدية التي تكبلها لاختيار الدور الذي ستلعبه في المجتمع، وإن كان ذلك سيستغرق بعض الوقت.. ويجدر بالذكر هنا. أن هناك وزيرة في الحكومة الأردنية منذ عام 1979 بالإضافة إلى أربع سيدات يعملن في المجلس الاستشاري الوطني، فضلا عن دخول المرأة الأردنية معترك الطب والصيدلة والهندسة والأعمال الحرة، حيث لدينا منهن الآن عدد لا بأس به، على غرار ما فعلت المرأة في فجر الإسلام، عندما لعبت دورا كبيرا جدا في توطيد الثقافة الإسلامية والدفاع عنها.
* والمرأة العربية؟
- تختلف البلدان العربية كل منها عن الأخرى سواء على صعيد المساحة أو السكان أو المجتمع أو نوع الثقافة السائدة فيها كما أن لكل بلد عربي تقاليده الخاصة. وأعتقد أن دور المرأة العربية الآن هو في طور التطور والارتقاء، ولو بأشكال مختلفة، كما يحصل حاليا في الأردن وفي معظم الدول العربية، وأنا مغتبطة جدا بهذا التطور الحاصل الذي أتمنى أن يستمر بطريقة تنسجم مع تقاليدنا العريقة النابعة من الدين الإسلامي والحضارة العربية اللذين لعبت المرأة في كليهما دورا أساسيا.
السؤال الأخير
* هل بود جلالتها أن تجیب على سؤال لم تطرحه «المجلة» عليها؟
- أعتقد أننا نجتاز مرحلة حرجة في ما يتعلق بالثقافة العربية، وطالما ارتفعت أصوات تقول إنه من المهم جدا أن يعمل العرب سوية متآزرين متضامنين لتعزيز حضارتنا وتقدير تراثنا، سواء داخل العالم العربي أو خارجه، وأعتقد أن بقية بلدان العالم لا تفهم تماما هذه الثقافة العربية ولا المبادئ والقيم الحقيقية التي يتحلي بها العرب كأفراد. لذلك، إذا ما أردنا تطوير علاقاتنا مع هذه البلدان وهذا ما تريد أن تفعله حاليا الكثير من الأقطار العربية، وهو أمر حتمي لا يمكن تفاديه لكوننا سنتعلم الكثير من تجارب الآخرين عن طريق تبادل المعرفة معهم، فإنه ينبغي علينا تطوير سبل أفضل للتفاهم، وبالإمكان إنجاز ذلك فكريا عن طريق تبادل النشاطات الثقافية على نطاق أوسع مما يحصل الآن، خاصة وأننا أغنياء بتراثنا وعندنا ما نستطيع تقديمة إلى الجزء الآخر من العالم سواء على الصعيد الفكري والثقافي. أو على الصعيد المادي. أليس العرب هم الذين قدموا في الماضي الكثير من العلوم وساهموا مساهمة كبيرة في حقول الفلسفة وعلم الاجتماع عبر تاريخ البشرية؟ وفي رأيي الاستفادة من هذه المعطيات على أفضل سبيل من أجل مستقبل الأجيال العربية المقبلة وهذه لن تتم ما لم يجر تطوير سبل أفضل للتفاهم، وفي هذا الإطار تقع على كل عربي مسؤولية استثمار تاریخه وحضارته إلى أبعد الحدود الممكنة بغية التفاهم مع بقية بلدان العالم وإيصال رسالتنا بالشكل الذي تفهمه هي.