بيروت: كشف التصعيد الجديد الذي بدأ قبل أيام بين الفلسطينيين والإسرائيليين عدم جهوزية إدارة بايدن في الاهتمام بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني الذي وضع جانبا من قبل إدارة بايدن الجديدة والتركيز منذ توليه الرئاسة على قضايا أخرى.
ولكن يبدو أن التطورات الأخيرة وتصاعد العنف أجبر الإدارة الجديدة على التراجع، ولكن مع عدم اتباع نهج محدد واضح تجاه القضية.
وكان بايدن وكبار مستشاريه قد أوضحوا أن أولوياتهم الدبلوماسية تتركز على مكان آخر. وقد تبنوا، حتى الآن، نهجا بسيطاً في مبادرات السلام التي تقودها الولايات المتحدة محاولين بهدوء استعادة بعض عناصر السياسة الأميركية التي اختلت بسبب موقف إدارة ترامب المؤيد لإسرائيل. أي محاولة التركيز على إصلاح العلاقات الممزقة مع الفلسطينيين، والتعبير عن دعم قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة كمفتاح لسلام دائم مع إسرائيل، ولكن حتى الآن لا خطوات عملية تجاه هذا المسار.
مواقف تقليدية
في تصريحات علنية، أكد الرئيس جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، بقوةٍ، موقف واشنطن الداعم لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس في مواجهة إطلاق الصواريخ الفلسطينية.
وبينما أعرب بلينكن عن قلقه إزاء العدد المتزايد من الفلسطينيين الذين قُتلوا في الضربات الجوية الإسرائيلية، فقد وضع «تمييزا واضحا ومطلقا»بين «منظمة إرهابية تستهدف المدنيين، وإسرائيل التي تستهدف الإرهابيين».
ولم يلحظ بايدن أي «رد فعل مبالغ فيه»من قبل إسرائيل على صواريخ حماس، وهو الموقف الذي اعتبره بعض المحللين بمثابة ضوء أخضر ضمني لاستمرار العملية على الرغم من الدعوات الأميركية للتهدئة.
الاستفزاز في القدس
يرى مراقبون أن بايدن لم يتخذ موقفا صارما من التطورات الأخيرة التي شهدتها القدس وكان عليه أن يطالب إسرائيل علنا بوقف هذه الممارسات، خصوصا أن وزارة الخارجية الأميركية أعلنت في مارس (آذار) الماضي أن أميركا تعارض أي خطوات من طرف إسرائيل تجعل حل الدولتين أكثر صعوبة.
وجاءت التصريحات على لسان الناطق بلسان الخارجية الأميركية ند برايس، على ضوء التقارير التي تحدثت عن خطط بناء إسرائيلية جديدة في المستوطنات في الضفة الغربية. موضحا أن واشنطن تعارض أي خطوة تبعد حل الدولتين عن التنفيذ. وتابع المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: نحن نود أن نقدم المساعدة لكل الفلسطينيين بمن فيهم اللاجئون.
وعندما يتعلق الأمر بحل الدولتين، فإن إدارة الرئيس بايدن شددت وبشكل مكرر أكثر من مرة، على أنها تقف مع هذا الحل الذي تراه عادلاً لكلا الطرفين، ودعت إلى استقلال الفلسطينيين عن إسرائيل، وأن يكون لهم كيان معترف به دولياً. وبحسب نيد برايس، فإن إدارة بايدن ترى أن أفضل طريقة لضمان هوية إسرائيل، كدولة يهودية وديمقراطية، هو حل الدولتين، وأن تعيش بسلام إلى جانب دولة فلسطينية ديمقراطية قابلة للحياة، مؤكداً أن «هذا هو بالضبط سبب استمرار حل الدولتين، في كونه جوهر الطريقة التي ننظر بها إلى الصراع».
تجاهل بايدن لعملية السلام
في ظل تأجج الصراع عسكريا بين الفلسطينيين وإسرائيل، خصوصا في قطاع غزة، أوفد وزير الخارجية كبير مسؤوليه للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، هادي عمرو، إلى المنطقة، رغم أن عمرو موظف متوسط المستوى وليس دبلوماسيًا رفيع المستوى كما كانت الحال مع المبعوثين الخاصين في الإدارات السابقة.
إرسال عمرو كمبعوث خاص عن الولايات المتحدة أظهر تجاهل بايدن لملف عملية السلام في تسميته الأميركي من أصول لبنانية، هادي عمرو، في منصب صغير منسقا لملف عملية السلام بمكتب الشرق الأدنى بوزارة الخارجية، حيث لا يتمتع بصلاحيات أو سلطات ذات جدوى، في الوقت الذي عين فيه الرئيس بايدن مبعوثين إلى إيران وليبيا والقرن الأفريقي واليمن، لم يرشح أي شخصية قيادية للتعامل مع ملف الصراع العربي الإسرائيلي، كذلك لم يقم باختيار سفير في إسرائيل أو قنصل عام في القدس للفلسطينيين.
وفي هذا السياق غرد آرون ديفيد ميلر، المسؤول السابق عن سلام الشرق الأوسط بوزارة الخارجية، بالقول إنه «مع انشغال بايدن بقضايا أخرى، ومع عدم قدرة الرئيس عباس على السيطرة على أعمال الفلسطينيين في القدس، ناهيك عن صواريخ حماس، أصبحت إسرائيل وحماس فقط صُنّاع القرار الرئيسيين في هذه الجولة، وهذا ليس شيئا جيدا».
واستغرب مارتن إنديك، السفير الأميركي الأسبق لدى إسرائيل ومبعوث عملية السلام في عهد أوباما، عدم تعيين سفير لإسرائيل وقنصل للفلسطينيين، وغرد إنديك بالقول: «قد لا نحتاج إلى مبعوث؛ لكن بالتأكيد وعلى وجه السرعة نحتاج إلى سفير في إسرائيل وقنصل عام هناك، يمكنه التعامل مع الفلسطينيين. أنا لا أفهم لماذا يستغرق البيت الأبيض كل هذا الوقت، ولا أحد يبدو قادرا على تفسير ذلك».
بات واضحا أن إدارة بايدن تهتم منذ وصولها للحكم في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي بقضيتين فقط من قضايا الشرق الأوسط؛ وهما ملف التفاوض حول الاتفاق النووي مع إيران، والتركيز على إيقاف الحرب في اليمن، وتجاهل بايدن ملف عملية السلام والعلاقات مع الفلسطينيين، الذين كانوا ينتظرون منه اتخاذ بعض الخطوات كإعادة فتح القنصلية الأميركية العامة في القدس التي أغلقها ترامب، وخلافا لما قام به الرئيسان السابقان دونالد ترامب وباراك أوباما، لم يخطط بايدن لعقد أي مؤتمر للسلام، أو إطلاق عملية سلام في المستقبل كما فعل سلفه بيل كلينتون، على الرغم من أنّ إدارة بايدن أعلنت في يناير أنّها حددت سياساتها الجديدة بشأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، مؤكدةً عزمها على تجديد العلاقات التي قطعت في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، مع السلطة الفلسطينية.
وتمّ تلخيص السياسة الجديدة بـ 6 نقاط:
- إدارة بايدن ستدعم حل الدولتين.
- إدارة بايدن ستتحدث وتفاوض الطرفين، فيما لم تتفاوض إدارة ترامب مع السلطة الفلسطينية خلال السنوات الأربع الماضية إلا نادراً.
- ستسعى واشنطن إلى تحسين الأوضاع «الميدانية»خصوصاً في غزة، لأن البيت الأبيض يرغب في «الحفاظ على حل الدولتين».
- سيتم تشجيع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني على تحاشي الخطوات أحادية الجانب التي تقوض مسار السلام، مثل بناء المستوطنات، وضمّ الأراضي، وتدمير منازل الفلسطينيين، أو دعم «منظمات إرهابية»من قبل الجانب الفلسطيني.
- تجديد العلاقات مع السلطة الفلسطينية التي قاطعها ترامب بعد نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس.
- معارضة القرارات المنحازة لصالح إسرائيل في المحافل الدولية.
ولكن يبدو أن هذا الإعلان بقي حبرا على ورق، فالإدارة الأميركية لم تتخذ أي خطوة عملية لدعم السلام وحلّ الدولتين.