بيروت: في اشتباكات هي الأعنف منذ عام 2014، شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة تصعيدا بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية وعدد من المستوطنين، وتطور التصعيد لقصف صاروخي متبادل بين حركة حماس والجيش الإسرائيلي، وذلك بعد محاولة القوات الإسرائيلية طرد سكان حي الشيخ جراح في القدس الشرقية.
لكن التطورات المتسارعة بين الجانبين والتي اتسعت لتشمل العديد من المناطق، دفعت البعض للتساؤل حول إمكانية تحريك جبهات أخرى وتحديدا جبهة جنوب لبنان، علما أن حزب الله حتى الساعة اكتفى بدعم الفلسطينيين في معركتهم كلاميا عبر بيانات لا تسمن ولا تغني من جوع.
أما المضحك المبكي، فهو أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله الذي أكّد مرارا وتكرارا أن فلسطين من البحر الى النهر ستعود لشعبها، وأن طريق القدس يمرّ من القلمون والزبداني والسويداء والحسكة في سوريا، مبررا بذلك حروبه الشعواء بالوكالة عن إيران في الدول العربية من العراق واليمن والبحرين وسوريا، لم يحرك ساكنا، وبدا طلب حزب الله من محازبيه رفع التكبيرات في المآذن وعلى الشرفات نصرة لفلسطين وأهلها أقصى ما يمكن فعله، حتى إن الصواريخ التي أطلقت من جنوب لبنان لتسقط في البحر أو في الأراضي اللبنانية، لم تكن فعليا سوى رسالة طمأنة وهي أن الجبهة الشمالية الإسرائيلية لن تلتحق بالحرب أسوة بجبهة غزة الجنوبية.
من جهة مقابلة، أبدت جهات مخاوف من أن تتوسع الاشتباكات في فلسطين لتشمل جبهة جنوب لبنان، نظرا لما تشهده المنطقة مؤخرا من تطورات، خصوصا أن إطلاق جهات مجهولة كما قيل، أو أنها مجموعات فلسطينية، للصواريخَ نحو المستعمرات الفلسطينية، يمكن أن تستغله إسرائيل لإشعال حرب في حال قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الهروب إلى الأمام، ناهيك عن تنظيم محتجين لبنانيين وفلسطينيين لاحتجاجات عند الحدود الجنوبية مع إسرائيل، خصوصا مع الحادثة التي وقعت يوم الجمعة الفائت مع اقتحام عدد من المحتجين السياج الحدودي مع إسرائيل، عند مستوطنة المطلة، مما أسفر عن سقوط ناشط تابع لحزب الله برصاصات الجنود الإسرائيليين. وهي الحادثة التي دفعت بالجيش الإسرائيلي يوم السبت الفائت، إلى استقدام تعزيزات إضافية قبالة الشريط الحدودي مع لبنان، تزامنا مع هذه التحركات الشعبية عند الحدود.
ولكن في المقابل، وأمام كل هذه التطورات نفى حزب الله بشكل غير رسمي علاقته بإطلاق صواريخ من جنوب لبنان من جهة، حتى إنه اكتفى بنعي شهيد «طريق القدس» دون التوعّد بالرد على إسرائيل، ومن جهة ثانية عُلم أن قيادات فلسطينية عممت رسميا على الفصائل المعنية في مخيمات لبنان، ولا سيما بالجنوب، بوجوب التنبه لـ«عدم القيام بأي عمل ضد الداخل الفلسطيني انطلاقا من الجنوب، بعدما تبلغت موقفا واضحا من حزب الله، مفاده وجوب عدم السماح بأي حادث متهور يمكن أن يقود إلى مواجهة مع إسرائيل في توقيت لا يريده الحزب».
الحرب غير واردة
في السياق، استبعد العميد الركن المتقاعد خالد حمادة، مدير «المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات» في بيروت، إمكانية فتح حزب الله جبهة الجنوب، مشددا على أن «هذا التصعيد غير وارد نهائياً، فالعمل العسكري عادة يجري لتحقيق هدف سياسي تعذر تحقيقه بوسائل أخرى»، متسائلا: «فإذا كان الهدف السياسي محقق بالسيطرة الإيرانية على لبنان، فلماذا العمل العسكري؟».
وفي حديث لـ«المجلة» رأى حمادة أن «الأحداث في فلسطين متجهة نحو وقف إطلاق النار، وبحسب التقارير الإعلامية فإن وقف إطلاق النار سيكون تحت مراقبة من قبل الولايات المتحدة ومصر»، موضحا أن «هذا يعني أن هناك 1701 جديدا، بنسخة غزاوية».
كما أشار إلى أنه «من بعد هذه المعركة التي افتعلتها إيران عن طريق حماس، سوف ينتهي عصر الاشتباكات بين غزة وإسرائيل، وربما عندئذ تتفرغ حماس إلى الداخل الفلسطيني، كما تفرّغ حزب الله بعد حرب يوليو (تموز) 2006 للداخل اللبناني»، لافتًا إلى أنه «عند الذهاب إلى وقف إطلاق نار بشروط المراقبة الدولية فهذا يعني انتهاء الصراع، وبذلك فإن ما نشهده اليوم يكون آخر حلقة صواريخ دفع ثمنها مئات الشهداء الفلسطينيون».
وفيما يتعلّق بلبنان، رأى الجنرال حمادة، أنه «منذ البداية كان واضحا أن هناك هدفا سياسيا ما بإعطاء الأمر لحماس بإطلاق الصواريخ، ويظهر أن الهدنة هي أحد هذه الأهداف، وبالتالي إيران ليست بوارد توسيع دائرة العمليات لتشمل لبنان، والخطاب التصعيدي بدعم غزة هو أمر بديهي لكنه سيبقى في إطار التهديد الكلامي»، مشيرا إلى أن «إيران تسير بمسار يعتبر مفاوضات فيينا هي باكورة نجاحاتها، وسيخدم محادثاتها، لذلك فمن المستبعد، حتى إنه ليس موجودا على لائحة الاحتمالات، أن تتوسع دائرة الاشتباكات لتشمل لبنان».
وأضاف: «إذا كان أحد أهداف الاشتباكات في غزة القول للعالم إن قرار فتح ووقف النار في غزة هو قرار إيراني، فهذا الإنجاز تحقق في لبنان عام 2006 وما بعدها، وبالتالي إيران ليست بحاجة إلى إثبات إضافي بشأن قدرتها على السيطرة على الساحة اللبنانية».
وخلص حمادة إلى القول إنه «قد تصبح غزة ورقة إضافية بيد طهران تستخدم في مكان ما، ولبنان دولة أصبحت على الهامش ولا دور لها في المنطقة إنما تنتظر حصتها من التسويات».
تجدر الإشارة إلى أن التوتر بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل تصاعد على خلفية مواجهات عنيفة شهدها المسجد الأقصى وقد خلفت مئات الإصابات خلال شهر رمضان، وسط تنديد إقليمي ودولي. وتأجج الوضع بوقوع اشتباكات متفرقة واحتمال طرد فلسطينيين من منازل يطالب بها مستوطنون يهود في دعوى مطروحة أمام القضاء منذ فترة طويلة.
كما تحاصر إسرائيل قطاع غزة الذي يعيش فيه قرابة مليوني شخص منذ 2007. وحصلت ثلاث حروب مدمرة منذ ذلك الوقت بين حماس وإسرائيل في 2008 و2012 و2014.